سُورَة الشمْس
قَال شَيْخ الإسْلام أحمد بن تيمية ـ قدس الله روحه :
فَصْل
في قوله تعالى :﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ [ الشمس : ١ ـ ٤ ]. وضمير التأنيث في ﴿ جَلَّاهَا ﴾ و ﴿ يَغْشَاهَا ﴾، لم يتقدم ما يعود عليه إلا الشمس، فيقتضى أن النهار يجلى الشمس، وأن الليل يغشاها، و ( التجلية ) : الكشف والإظهار، و ( الغشيان ) : التغطية واللبس. ومعلوم أن الليل والنهار ظرفا الزمان، والفعل إذا أضيف إلى الزمان فقيل : هذا الزمان أو هذا اليوم يبرد، أو يبرد أو ينبت الأرض، ونحو ذلك، فالمقصود أن ذلك يكون فيه، كما يوصف الزمان بأنه عصيب، وشديد، ونحس، وبارد، وحار، وطيب، ومكروه. والمراد وصف ما فيه. فكون الشيء فاعلًا وموصوفًا هو بحسب ما يليق به، كل شيء بحسبه.
فالنهار يجلى الشمس، والليل يغشاها، وإن كان ظهور الشمس هو سبب النهار، ومغيبها سبب الليل. وقد ذكر ذلك بقوله :﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾، فأضاف الضحى إليها. والضحى يعم النهار كله، كما قال :﴿ أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٢٧ : ٢٩ ]. وقال :﴿ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [ الضحى : ١، ٢ ].
وقوله :﴿ وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٥ ـ ٨ ].


الصفحة التالية
Icon