سُورَة البَيِّنَة
قَالَ شيخ الإِسلام ـ رحَمهُ اللَّه :
فصل
في قوله تعالى :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [ البينة : ١ ].
فإن هذه السورة سورة جليلة القَدْر، وقد ورد فيها فضائل. وقد ثبت في الصحيح أن اللّه أمر نبيه أن يقرأها على أبي بن كعب. ففي الصحيحين عن أنس بن مالك، عن رسول اللّه ﷺ قال لأبي :( إن اللّه أمرني أن أقرأ عليك القرآن ). قال : آللّه سماني لك ؟ قال :( آللّه سماك لي ). قال : فجعل أبي يبكي. وفي رواية أخري :( إن اللّه أمرني أن أقرأ عليك :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ). قال : سماني لك ؟ قال :( نعم ). فبكى. وفي رواية للبخاري : وذكرت عند رب العالمين ؟ قال :( نعم ). فذرفت عيناه. قال قتادة : أنبئت / أنه قرأ عليه :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾. وتخصيص هذه السورة بقراءتها على أبي يقتضي اختصاصها وامتيازها بما اقتضي ذلك.
وقوله :( أن أقرأ عليك )، أي قراءة تبليغ وإسماع وتلقين، ليس هي قراءة تلقين وتصحيح كما يقرأ المتعلم على المعلم، فإن هذا قد ظنه بعضهم، وجعلوا هذا من باب التواضع. وجعل أبو حامد هذا مما يستدل به على تواضع المتعلم، وليس هذا بشيء. فإن هذه القراءة كان يقرأها على جبريل يعرض عليه القرآن كل عام، فإنه هو الذي نزل عليه القرآن.
وأما الناس فمنه تعلموه، فكيف يصحح قراءته على أحد منهم، أو يقرأ كما يقرأ المتعلم ؟
ولكن قراءته على أبي بن كعب كما كان يقرأ القرآن على الإنس والجن. فقد قرأ على الجن القرآن. وكان إذا خرج إلى الناس يدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن. ويقرأه على الناس في الصلاة وغير الصلاة.