سورة التكاثر
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله :
فصل
سورة [ التكاثر ]، قيل فيها :﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [ التكاثر : ٢ ]، تنبيها على أن الزائر لابد أن ينتقل عن مزاره، فهو تنبيه على البعث.
ثم قال :﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ التكاثر : ٣، ٤ ]، فهذا خبر عن علمهم في المستقبل؛ ولهذا روي عن على أنه في عذاب القبر، ثم قال :﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ [ التكاثر : ٥ ]، فهذا إشارة إلى علمهم في الحال، والخبر محذوف، أي : لكان الأمر فوق الوصف، ولعلمتم أمرًا عظيمًا، ولألهاكم عما ألهاكم، فإن الالتهاء بالتكاثر، إنما وقع من الغفلة وعدم اليقين، كما قال :﴿ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [ الأعراف : ١٣٦ ]، ومثل قول النبي ﷺ :( لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا ). وحَذْفُ جواب لو كثير في القرآن، تعظيمًا له وتفخيمًا، فإنه أعظم / من أن يوصف أو يتصور بسماع لفظ، إذ المخبر ليس كالمعاين؛ ولهذا اتبع ذلك بالقسم على الرؤية التي هي عين اليقين، التي هي فوق الخبر الذي هو علم اليقين، فقال :﴿ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾ [ التكاثر : ٦، ٧ ]، وهذا الكلام جواب قسم محذوف مستقبل، مع كون جواب لو محذوفًا كما تقدم، في أحد القولين. وفي الآخر : هو متعلق بلو، لكن يقال : جواب لو إنما يكون ماضيًا، فيقال : لرأيتم الجحيم. كقول النبي ﷺ :( لو تكونون على الحال التي تكونون عندي، لصافحتكم الملائكة في طرقكم وعلى فرشكم )، ولو كان ماضيًا فليس مما يؤكد بل يقال : لو يجيء، لأجيء. وجواب هذا أنه جواب قسم محذوف سد مسد جواب لو. كقوله :﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ]، وله نظائر في القرآن وكلام العرب، فإن الكلام إذا اشتمل على قسم وشرط، وكل منهما يقتضي جوابه، أجيب الأول منهما، وهو - هنا - القسم، وهو المقصود.