سُورَة الكافِرون
َقَالَ الشّيخ ـ رَحِمَه الله :
فَصل
في سورة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ للناس في وجه تكرير البراءة من الجانبين طرق، حيث قال :﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٢، ٣ ]، ثم قال :﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ [ الكافرون : ٤، ٥ ]، منها قولان مشهوران ذكرهما كثير من المفسرين، هل كرر الكلام للتوكيد، أو لنفي الحال والاستقبال ؟
قال أبو الفرج : في تكرار الكلام قولان؛ أحدهما : إنه لتأكيد الأمر وحسم إطماعهم فيه، قاله الفراء. وقد أفعمناهذا في سورة الرحمن قال ابن قتيبة : التكرير في سورة الرحمن للتوكيد. قال : وهذه مذاهب العرب، أن التكرير للتوكيد والإفهام، كما أن مذاهبهم الاختصار للتخفيف / والإيجاز؛ لأن افتنان المتعلم والخطيب في الفنون، أحسن من اقتصاده في المقام على فن واحد. يقول القائل : والله لا أفعله، ثم والله لا أفعله ! إذا أراد التوكيد وحسم الإطماع من أن يفعله، كما يقول : والله أفعله ؟ بإضمار [ لا ] إذا أراد الاختصار. ويقول للمرسل المستعجل : اعجل، اعجل ! والرامي : ارم، ارم ! قال الشاعر :
كم نعمة كانت لكم وكم وكم ؟ **
وقال الآخر :
هل سألت جموع كنـ ** ــــدة يوم ولوا أين أينا ؟
وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانية؛ لأنها كلمة واحدة فغيروا منها حرفًا.
قال ابن قتيبة : فلما عدد الله في هذه السورة إنعامه وذكر عباده آلاءه ونبههم على قدرته، جعل كل كلمة فاصلة بين نعمتين لتفهيمهم النعم وتقريرهم بها، كقولك للرجل : ألم أنزلك منزلًا وكنت طريدًا ؟ أفتنكر هذا ؟ ألم أحج بك وكنت صرورًا ؟ أفتنكر هذا ؟.
قلت : قال ابن قتيبة : تكرار الكلام في ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ ؛ / لتكرار الوقت. وذلك أنهم قالوا : إن سرك أن ندخل في دينك عامًا فادخل في ديننا عامًا، فنزلت هذه السورة.
قلت : هذا الكلام الذي ذكره بإعادة اللفظ وإن كان كلام العرب وغير العرب، فإن جميع الأمم يؤكدون إما في الطلب، وإما في الخبر، بتكرار الكلام. ومنه قول النبي ﷺ :( والله ! لأغزون قريشًا، ثم والله ! لأغزون قريشًا، ثم والله ! لأغزون قريشًا، ثم قال : إن شاء الله، ثم لم يغزهم )