فصل
وأما الذين كانوا يقولون من العرب : إن الملائكة بنات الله، وما نقل عنهم من أنه صاهر الجن، فولدت له الملائكة فقد نفاه الله عنه بامتناع الصاحبة، وبامتناع أن يكون منه جزء فإنه صمد، وقوله :﴿ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [ الأنعام : ١٠١ ]. وهذا كما تقدم من أن الولادة لا تكون إلا من أصلين سواء في ذلك تولد الأعيان التي تسمي الجواهر، وتولد الأعراض والصفات، بل ولا يكون تولد الأعيان إلا بانفصال جزء من الوالد. فإذا امتنع أن يكون له صاحبة امتنع أن يكون له ولد، وقد علموا كلهم ألا صاحبة له لا من الملائكة ولا من الجن ولا من الإنس، فلم يقل أحد منهم : إن له صاحبة؛ فلهذا احتج بذلك عليهم. وما حكي عن بعض كفار العرب : أنه صاهر الجن، فهذا فيه نظر، وذلك إن/كان قد قيل، فهو مما يعلم انتفاؤه من وجوه كثيرة، وكذلك ما قالته النصارى : من أن المسيح ابن الله، وما قاله طائفة من اليهود : إن العزير ابن الله، فإنه قد نفاه ـ سبحانه ـ بهذا وبهذا.
فإن قيل : أما عوام النصارى، فلا تنضبط أقوالهم، وأما الموجود في كلام علمائهم وكتبهم، فإنهم يقولون : إن أقنوم الكلمة، ويسمونها الابن تَدَرَّع المسيح، أي : اتخذه درعًا، كما يتدرع الإنسان قميصه، فاللاهوت تدرع الناسوت. ويقولون : باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد. قيل قصدهم : إن الرب موجود حي عليم، فالموجود هو الأب، والعلم هو الابن، والحياة هو روح القدس. هذا قول كثير منهم. ومنهم من يقول : بل موجود عالم قادر. ويقول : العلم هو الكلمة، وهو المتدرع. والقدرة : هي روح القدس، فهم مشتركون في أن المتدرع هو أقنوم الكلمة وهي الابن.