فصل
وقد احتج بـ [ سورة الإخلاص ] من أهل الكلام المحدث من يقول : الرب ـ تعالى ـ جسم كبعض الذين وافقوا هشام بن الحكم، ومحمد بن كرام، وغيرهما، ومن ينفي ذلك ويقول : ليس بجسم ممن وافق جهم بن صفوان، وأبا الهذيل العلاف، ونحوهما، فأولئك قالوا : هو صمد والصمد لا جوف له، وهذا إنما يكون في الأجسام المصمتة، فإنها لا جوف لها، كما في الجبال والصخور وما يصنع من عواميد الحجارة، وكما قيل : إن الملائكة صمد؛ ولهذا قيل : إنه لا يخرج منه شيء، ولا يدخل فيه شيء، ولا يأكل ولا يشرب، ونحو ذلك، ونفي هذا لا يعقل إلا عمن هو جسم، وقالوا : أصل [ الصمد ] : الاجتماع، ومنه تصميد المال، وهذا إنما يعقل في الجسم المجتمع، وأما النفاة فقالوا :[ الصمد ] الذي لا يجوز عليه التفرق والانقسام، وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والانقسام.
وقالوا ـ أيضًا ـ [ الأحد ] : الذي لا يقبل التجزي والانقسام، وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والتجزى والانقسام. وقالوا :/ إذا قلتم : هو جسم كان مركبًا مؤلفًا من الجواهر الفردة، أو من المادة والصورة، وما كان مركبًا مؤلفًا من غيره كان مفتقرًا إليه، وهوـ سبحانه ـ صمد، والصمد الغني عما سواه، فالمركب لا يكون صمدًا.
فيقال : أما القول بأنه ـ سبحانه ـ مركب مؤلف من أجزاء، وأنه يقبل التجزي والانقسام والانفصال، فهذا باطل شرعًا وعقلًا؛ فإن هذا ينافي كونه صمدًا ـ كما تقدم ـ وسواء أريد بذلك أنه كانت الأجزاء متفرقة، ثم اجتمعت، أو قيل : إنها لم تزل مجتمعة لكن يمكن انفصال بعضها عن بعض، كما في بدن الإنسان وغيره من الأجسام، فإن الإنسان وإن كان لم يزل مجتمع الأعضاء، لكن يمكن أن يفرق بين بعضه من بعض، واللّه - سبحانه - منزه عن ذلك؛ ولهذا قدمنا أن كمال الصمدية له، فإن هذا إنما يجوز على ما يجوز أن يفنى بعضه أو يعدم، وما قبل العدم والفناء لم يكن واجب الوجود بذاته، ولا قديمًا أزليًا؛ فإن ما وجب قدمه امتنع عدمه، وكذلك صفاته التي لم يزل موصوفًا بها وهي من لوازم ذاته، فيمتنع أن يعدم اللازم إلا مع عدم الملزوم.