ومسألة تماثل الأجسام وتركيبها من الجواهر الفردة، قد اضطرب فيها جماهير أهل الكلام، وكثير منهم يقول بهذا تارة وبهذا تارة؛ وأكثر ذلك لأجل الألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة، وقد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع.
لكن المقصود هنا أنه لو قُدِّرَ أن الإنسان تبين له أن الأجسام ليست متماثلة، ولا مركبة لا من هذا ولا من هذا، لم يكن له أن يبتدع في دين الإسلام ـ قوله : إن اللّه جسم ـ ويناظر على المعنى الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة، بل يكفيه إثبات ذلك المعنى بالعبارات الشرعية. ولو قدر أنه تبين له أن الأجسام متماثلة، وأن الجسم مركب، لم يكن له أن يبتدع النفي بهذا الاسم، ويناظر على معناه الذي اعتقده بعقله، بل ذلك المعنى المعلوم بالشرع والعقل يمكن إظهاره بعبارة لا إجمال فيها ولا تلبيس. والذين يقولون : إن الجسم مركب من الجواهر، يدعى كثير منهم أنه كذلك في لغة العرب؛ لأن العرب يقولون : هذا أجسم من هذا ـ يريدون به أنه أكثر أجزاء منه ـ ويقولون : هذا جسيم، أى : كثير الأجزاء.
قال : والتفضيل بصيغة أفعل، إنما يكون لما يدل عليه الاسم، فإذا قيل : هذا أعلم وأحلم، كان ذلك دالًا على الفضيلة فيما دل عليه لفظ العلم والحلم، فلما قالوا : أجسم ـ لما كان أكثر أجزاءً ـ دل على أن لفظ الجسم عندهم المراد به المركب، فمن قال : جسم وليس بمركب، فقد خرج عن لغة العرب.


الصفحة التالية
Icon