فصل


المعنى الصحيح الذي هو نفي المثل والشريك والند قد دل عليه قوله سبحانه :﴿ أَحَدٌ ﴾ وقوله :﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾، وقوله :﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [ مريم : ٦٥ ]، وأمثال ذلك، فالمعاني الصحيحة ثابتة بالكتاب والسنة، والعقل يدل على ذلك.
وقول القائل : الأحد أو الصمد أو غير ذلك هو الذي لا ينقسم ولا يتفرق، أو ليس بمركب ونحو ذلك. هذه العبارات إذا عني بها أنه لا يقبل التفرق والانقسام فهذا حق، وأما إن عني به أنه لا يشار إليه بحال، أو من جنس ما يعنون بالجوهر الفرد أنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، فهذا عند أكثر العقلاء يمتنع وجوده، وإنما يقدر في الذهن تقديرًا، وقد علمنا أن العرب حيث أطلقت لفظ [ الواحد ] و [ الأحد ] نفيًا وإثباتًا لم ترد هذا المعنى، فقوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ ﴾ [ التوبة : ٦ ]، لم يرد به هذا المعنى الذي فسروا به الواحد والأحد، وكذلك قوله :﴿ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾ [ النساء : ١١ ]، وكذلك قوله :﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾، فإن المعنى لم يكن له أحد من الآحاد كفوًا له، فإن كان الأحد عبارة عما لا يتميز منه شيء عن شيء، ولا يشار إلى شيء منه دون شيء، فليس في الموجودات ما هو أحد إلا ما يدعونه من الجوهر الفرد ومن رب العالمين، وحينئذ لا يكون قد نفي عن شيء من الموجودات أن يكون كفوًا للرب؛ لأنه لم يدخل في مسمي أحد.
وقد بسطنا الكلام على هذا بسطًا كثيرًا في المباحث العقلية والسمعية التي يذكرها نفاة الصفات من الجهمية وأتباعهم في كتابنا المسمي [ بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية ].


الصفحة التالية
Icon