سورة الناس
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه اللّه :
فصل في ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ إلى آخرها [ سورة الناس ]
قوله :﴿ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ﴾ [ الناس : ٤ : ٦ ] فيها أقوال، ولم يذكر ابن الجوزي إلا قولين، ولم يذكر الثالث وهو الصحيح. وهو أن قوله :﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ﴾ لبيان الوسواس، أي : الذي يوسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس، فإن اللّه ـ تعالى ـ قد أخبر أنه جعل لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، وإيحاؤهم هو وسوستهم، وليس من شرط الموسوس أن يكون مستترًا عن البصر؛ بل قد يشاهد، قال تعالى :﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠، ٢١ ]، وهذا كلام من يعرف قائله، ليس شيئًا يلقى في القلب لا يدري ممن هو، وإبليس قد أمر بالسجود لآدم فأبي واستكبر، فلم يكن ممن لا يعرفه آدم، وهو ونسله يرون بني آدم من حيث لا يرونهم، وأما آدم فقد رآه.
وقد يرى الشياطين والجن كثير من الإنس، لكن لهم من الاجتنان والاستتار ما ليس للإنس، وقد قال تعالى :﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ ﴾ [ الأنفال : ٤٨ ]، وفي التفسير والسيرة : أن الشيطان جاءهم في صورة بعض الناس، وكذلك قوله :﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الحشر : ١٦ ].


الصفحة التالية
Icon