حوليات التراث
مجلة دورية تصدرها كلية الآداب والفنون - جامعة مستغانم
العدد ٠٥، مارس ٢٠٠٦
المصطلح القرآني والثقافة الوافدة (١١١ - ١١٨)
هوارية لولاسي
جامعة مستغانم
لا ضير من استعمال المصطلحات الوافدة واستئناسها في المجالات العلمية أو القانونية أو السياسية أو غيرها وقد أشار المفسرون إلى اشتمال القران على ألفاظ غير عربية من الطور العبرية والمشكاة الحبشية والقسطاس الرومية... وقد شاع بين الفقهاء عبارة تعكس ذهنية منفتحة على ثقافات الأمم أو هي جملة لا مشاحة في الاصطلاح.
إذن لا ضير من استعمال المصطلحات الوافدة ولا التوقف أمامها موقف المتعصب للغة القوم على أن تدخل المادة في معاجم اللغة بعد أن ينظر في مداليلها وإيحاءاتها فان بدت منسجمة مع ثقافتنا ومبادئنا الدينية فلا غضاضة في أخذها واستخدامها، أما إذا كانت عكس ذلك فالواجب رفضها لأنها تختلف أو لا عن الأجواء التي نعيشها وهي غريبة كونها ولدت في أجواء غريبة عن معتقدنا، وعن قيمنا، وعاداتنا، وتقاليدنا، وعلي سبيل المثال المصطلح الشائع بيننا الاستعمار، بينما عندنا في الخطاب الإسلامي أدق الدلالات لحقيقة الاستعمار، وهو الاستضعاف.
وعليه فالبديل نسج، أو تخريج، أو نحت مصطلحات بوحي من واقعنا، وفكرنا وتراثنا، ولا مانع أن دخل المصطلح الأجنبي ثقافتنا، على أن نلبسه ثوب الشرعية ونجرده من مضمونه الفكري، المنافي لقيمنا، وفكرنا وثقافتنا.
ولو أن القرآن أبدى مرونة اتجاه المصطلحات الوافدة، إلا أننا نؤكد على أولوية استخدام المصطلحات القرآنية في أعلامنا، وجامعاتنا وحياتنا بكل أبعادها، فهو كلام الله أولا والذي ألجم فصحاء العرب وأنه بشهادة العدو، يعلو ولا يعلى عليه.
المصطلَح غير المصطلِح
نظرات إلى المصطلح العربي في إطار الثقافة واللغة
خالد إبراهيم المحجوبي
عليّ َ أول الأمر أن أحدد مقصدي بكلمة (المصطلح). فالمصطلح الذي أعنيه هو اللفظ التعبيري المستعمل للدلالة على مفهوم ما دلالة متجاوزةً للمفهوم الأصلي الوضعي، الذي كان يحمله ذلك اللفظ التعبيري.
وبعبارة أكثر إيجازاً أقولً: إن المصطلح هو التعبير الحامل لمدلولٍ تواضعيٍ، عوضاً عن مدلوله الوضعي.
وقدسُمي بالمصطلح؛ لكونه واقعاً تحت سلطة اتفاق واصطلاح أهل التخصص -من أي ساحة معرفية- فاصطلحوا واتفقوا عملياً وإجرائياً على تحميله بمعنى جديد ليس هو ذات المعنى القديم الذي كان يحمله فبل أن يوظّف تحت وظيفة المصطلح.
إذاً الاصطلاح تكليفٌ للّفظ بمهمةٍ معنوية جديدة، والمصطلح هوا لقائم بتلك المهمة، أما المصطلحون فهم المكلِّفون إياه بها.
أما على الصعيد اللغوي الاشتقاقي فيرجع المصطلح في اشتقاقه إلى الجذر (ص ل ح) وهو ضدالفساد، ويقال أصلح الشيء إذا أقامه وأحسنه. ثم انتقل المدلول إلى معنى السِلم؛ فيقال تصالح القوم، إذا حدث فيهم السلم، والتوافق. ومن تصريفات فعله الماضي: اصطلحوا، وصالحوا، واصَّلحوا، واصَّالحوا، وتصالحوا، والمصدر: الصِّلاح، بكسر الصاد. (١)
إننا لوأردنا تشخيص أوضاع المصطلح العربي، فلن نجد وصفا معينا يمكنه الوفاء بحقيقة واقعه، لأن ساحات الاستعمال المصطلحي متعددة، وكل ساحة لها أظرفها ومنا هجها، من ذلك مثلا: الساحة الفقهية، والساحة النقدية، والساحة العلمية التطبيقة، والساحة الفلسفية. فكل من هاته السوح تنطوي على مناهج وظروف خصوصية كما أسلفت، وعلى كل حال يمكن إطلاق أحكام شاملة وصفية لحال المصطلح في كل منها.
عناية المسلمين باللغة خدمةً للقرآن الكريم والسنة الشريفة وتفسيرهما.
لقد حازت العربية شرفًا عظيمًا؛ إذ نزل القرآن الكريم بلسانها المبين، وقد اصطفاها الله سبحانه لوحيه مِنْ بين لغات البشر، وفي إنزال القرآن الكريم باللغة العربية مَرْتَبَةٌ رفيعة لعِلْم العربية، ووجه الدلالة [١] أنَّه تعالى أخبر أنَّه أنزله عربيًا في سياق التمدُّح، والثناء على الكتاب بأنَّه مبين لم يتضمن لَبْسًا، عزيزٌ لا يأتيه الباطل مِنْ بين يديه ولا مِنْ خلفه، وذلك يدلُّ دلالة ظاهرة على شرف اللغة التي أُنْزل بها.
وقد عُنِي السلف بالعربية، وأقبلوا على خدمتها على نحوٍ شامل، وأيقنوا أنَّ دراستها والتأليف فيها ضربٌ من ضروب العبادة، يتقرَّبون به إلى الله [٢].
وقد استحقَّتْ خدمة العلماء للغة القرآن الوقوف على أوجه هذه الخدمة وفروعها المختلفة، ولا يَسَعُنا في هذا البحث الموجز إلا أن نشير إلى بعضها باختصار، فمن ذلك:
-١التأليف في "لغات القبائل الواردة في القرآن". اجتهد علماء العربية في بيان أصول الألفاظ القرآنية، وعَزَوها إلى قبائلها الأصلية، وبَيَّنوا المعنى المراد باللفظ القرآني لدى هذه القبيلة؛ وذلك لأنَّ القرآن الكريم نزل بلغة قريش التي استقَتْ مِنْ صفوة لغات العرب ما راقَها.
ومن أمثلة ذلك ما ورد في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام "لغات القبائل" [٣]: " رَغَدًا من قوله تعالى: ؟وكُلا منها رَغَدًٌ؟ [البقرة: ٣٥] يعني الخِصْب بلغة طيئ، و "الصاعقة" مِنْ قوله تعالى: ؟فأخَذَتْكم الصاعقةٌ؟ [البقرة: ٥٥] يعني المَوْتة بلغة عُمان، و "خاسئين" من قوله تعالى: ؟كونوا قِردةً خاسئينٌ؟ [البقرة: ٦٥] يعني صاغرين بلغة كنانة، و "وسَطًا" من قوله تعالى: ؟جَعَلْناكم أمةً وسَطًٌ؟ [البقرة: ١٤٣] يعني عَدْلًا بلغة قريش ".
وقد أفاد المفسرون كثيرًا من معرفة لغات العرب الوادرة في القرآن الكريم، واستندوا إليها في تفسير كثير من الآيات الكريمة، وحدث بينهم مناقشات واختلافات في اعتماد معنى الآية المشهور، أو الاتجاه إلى تفسيرها في ضوء لغات العرب. ومن ذلك قوله تعالى: ؟أفلم يَيْئَس الذين آمنوا أن لو يشاء اللهُ لهدَى الناسَ جميعًٌ؟ [الرعد: ٣١] فهل اليأس في الآية على بابه وهو قطع الطمع عن الشيء والقنوط فيه؟ قال بعضهم: هو هنا على بابه، والمعنى: أفلم يَيْئَسِ الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش، وذلك أنَّهم لمَّا سألوا هذه الآيات طمعوا في إيمانهم، وطلبوا نزولَ هذه الآيات ليؤمِنَ الكفار، وعَلِم الله أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم يَيْئَسوا من إيمانهم. ولكن فريقًا آخر من أهل التفسير ذهبوا إلى غير ذلك من معنى اليأس فقالوا: هو هنا بمعنى عَلِمَ وتبيَّن. قال القاسم بن معن -وهو من ثقات الكوفيين-: "هي لغة هوازن". وقال ابن الكلبي: "هي لغة حَيّ من النخع" ومنه قول سُحَيْم:
أقول لهم بالشِّعْبِ إذ يَأْسِرونني ألم تَيْئَسوا أني ابن فارسِ زَهْدَم
ويدلُّ عليه قراءةُ عليّ وابن عباس وآخرين " أولم يتبيَّن " [٤].
وهذا العَزْوُ إلى لهجات القبائل في التفسير باب واسع في مصنفات التفسير وإعراب القرآن، أفاد منه العلماء كثيرًا في إجلاء معنى طائفة من الآيات، وبيَّنوا المزيد من أوجه دلالاتها. ومن الكتب التي وصلتنا في هذا الجانب: "لغات القرآن" لكلٍ من أبي عبيد، والوزَّان، وأبي حيان، وابن حسنون.
قاعدة التصحيح القرآنية
لمفاهيم المصطلحات العربية العشوائية
بقلم: جلول دكداك - شاعر السلام الإسلامي
(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية)
نشر هذا المقال على الصفحة ٧ من العدد ٢٣٨ من جريدة " المحجة " المغربية
بتاريخ ٢٣ جمادى الأولى ١٤٢٦ (٠١ يوليو ز ٢٠٠٥)
***
(التنطع) - (التطرف) - (الغلو) - (العنف) - (الإرهاب)... مصطلحات كثيرا ما تحشر في خانة واحدة. فهل هي كلها تعني فعلا المعنى نفسه، أم كل منها يمثل جزءاً من معنى عام مشترك، أم الأمر غير ذلك تماما؟
إن المتتبع لشأن اللغة العربية بين قومها سرعان ما يكتشف أن الناس - بما فيهم بعض علماء اللغة أنفسهم - لم يعودوا يهتمون كثيرا بما قد يوجد بين مفردات اللغة العربية من تفاوت واختلاف في المعنى؛ وكأن الألفاظ قد أصبحت كلها مترادفة! فهل في اللغة العربية مترادفات حقا؟ لو كان ذلك صحيحا لاختلط الأمر على الناس اختلاطا شديدا، ولالتبس عليهم الفهم التباسا كبيرا قد يفضي في أحيان كثيرة إلى نقيض المقصود منه تماما. ولو كان الأمر كذلك لما اختار الله - سبحانه - هذه اللغة لوحيه المنزل على عباده. فلا بد، إذاً، أن يكون الأمر غير ذلك.
نعم لا مشاحة في المصطلح.. ، ولكن المشاحة.. كل المشاحة في مفهوم المصطلح. ولا معنى للترادف في اللغة إلا بقدر ما يكون بين المفردات من تقارب في الجدع المعنوي المشترك دون أن يصل هذا التقارب إلى تطابق في المعنى. فكل مفردة مستقلة بذاتها تلون جانبا من المعنى بلونها الخاص ولا تعتدي بتاتا على جاراتها. وهذه السمة هي التي ميزت اللغة العربية بدقتها البالغة وتصويرها الوجداني العميق.
فالخوف غير الرهب، والرهب غير الرعب، وأسماء (الأسد) ملك الغابة ليست مترادفة إلى حد التطابق، إذ لا شك في أن كل اسم من هذه الأسماء يتميز فيه المسمى بصفة لا توجد في أسمائه الأخرى: ليث، ضرغام، هزبر، أبو أسامة، سبع... ومثل ذلك يقال عن مستويات الخوف: فالخوف أنواع منوعة هي- على سبيل المثال لا الحصر -: خوف بلا زيادة، وخوف مع رهب، وخوف مع رعب، وخوف مع فزع، وخوف مع هلع، وخوف مع فرَق، وخوف مع جبن، وخوف مع خجل، وخوف مع حياء، وخوف مع خفر، وخوف مع إغضاء، وخوف مع هيبة، وخوف مع رهبة - والرهبة غير الرهب -، وخوف مع ردع، وخوف مع توجس، وخوف مع ترقب، وخوف مع تهرب، وخوف مع خشية...
أما مستويات التخويف فقد بينتها بتفصيل دقيق في شجرة رسم بياني سميتها: [ميزان تمحيص مفهومالمصطلح العربي القرآني: إرهاب]، فليرجع إليه من شاء في آخر هذا المقال (ص ٣٢)، بعد أن يقرأ هذا التعليق:
" لقد كنت من قبل قررت في بحث سابق أنَّ أنسَب مصطلح عربي لترجمة مفهوم التيرورسم terrorisme هو [الحِرابة]؛ لكن ميزان التمحيص الذي أعددته لقراءة جديدة في المفهوم والظاهرة قد كشف لي أن التيرورسم terrorisme أشد إفسادا من الحِرابة نفسها. وبناء على هذه النتيجة التي أفضت إليها مقدمات البحث الجديد، أستدرك فأقول بأن مفهوم هذا المصطلح الغربي لا يوجد له مقابل دقيق في اللغة العربية، ولا يمكن ترجمته، ولا حل لمعضلته إلا أن نعبر عن مفهومه بلفظه نفسه معرَّبا هكذا: تيرورسم؛ وأن نجعل الصفة منه أيضا بلفظه هكذا: [تيروري.. تيرورية.. تيروريون وتيروريات.. وأعمال تيرورية.. ] على غرار قولنا: تكنولوجي.. وإلكتروني.. وهلم جرا. وهذا ما لجأ إليه الغربيونأيضا عندما استعصى عليهم أن يترجموا مفهوم المصطلح العربي الفلسطيني: انتفاضة، فاستعملوه في لغاتهم كما هو منطوقا بلفظه العربي مكتوبا بحروفهم اللاتينية: Intifada. "
ولا شك في أن اللغة كائن حي متطور؛ لكنها جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان، وهي خاضعة في تطورها المستمر للسنن الكونية الربانية التي يخضع لها مخترعها الإنسان. ومن أبسط وأقوى البراهين في آن على صحة هذه القاعدة، أن نمو الإنسان لا بد من أن يتوقف بعد بلوغه عمرا معينا يتحدد فيه نضجه البشري، وإلا صار اطراد نموه من دون توقف وبالا عليه. وهذا هو الرد القاطع على أولئك الذين يدعون أن التطور لا ضابط له، وشأن المفاهيم اللغوية فيه كشأن سائر الكائنات. فلو أن المفاهيم اللغوية لم تكن مستقرة على حال طوال هذه القرون والأجيال لما استطاعت البشرية أن تبني هذه الحضارة بمدنياتها المختلفة المتكاملة. وبناء على ذلك يمكن أن نجزم بأن انقراض اللغة هو إيذان بانقراض الإنسان الذي يتكلمها.
@@@