فقدَّم" عَلَى شَيْءٍ " في الأول، وأخرَّه في الثاني، لأهمية كل منهما في آيته؛ وذلك ظاهر لمن له أدنى بصيرة.
وقال تعالى:" مِمَّا كَسَبُوا "، فعبَّر عن العمل بالكسب؛ لأن كسب الرجل هو عمله، وعمله هو كسبه. روي أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:" أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده "، فعبر عن كسب الرجل بعمله.
والكسب- كما قال الراغب في مفردات القرآن- هو ما يتحرَّاه الإنسان، ممَّا فيه اجتلاب نفع، وتحصيل حظٍّ؛ كاكتساب المال. وقد يستعمل فيما يظنُّ الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم استُجلِب به مضرَّة.
أما قوله تعالى:" ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ "فهو إشارة إلى ضلالهم. أي: ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة، من ضلالهم، مع حسبانهم أنهم على شيء، هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب. وهو تعقيب يتفق ظله مع ظل الرماد المتطاير في يوم عاصف إلى بعيد؛ حيث يستحيل العثور على شيء منه !!
وفي وصف الضلال بالبعيد إشارة إلى كفرهم؛ وهو كقوله تعالى في الآية الثانية والثالثة من سورة إبراهيم:
" وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ "(إبراهيم: ٢-٣)
والضلال هوالعدول عن الطريق المستقيم، والمنهج القويم؛ عمدًا كان، أوسهوًا. قليلاً كان، أو كثيرًا، ويضادُّه الهدى. فإذا كان عن عمد وقصد- وإن كان قليلاً- فهو كفر، وحينئذ يوصف بالبعيد.. تأمل ذلك في القرآن، تجده على ما ذكرنا، إن شاء الله!
محمد إسماعيل عتوك
=============
معجزة الترتيل في بيان المعاني والأحكام
إعداد المهندس محمد شملول
مهندس مدني وكاتب إسلامي مصري
القرآن الكريم كتاب الله المعجز يجب أن يقرأ بالوجه المخصوص الذي أنزله الله به.
قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: ١٨]
وقال تعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزّمِّل: ٤]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل).
لذا فإنه يجب علينا أن نقرأ القرآن كما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وكما قرأه الرسول عليه الصلاة والسلام على أصحابه بتؤدة واطمئنان وتأن وترسل مع إعطاء الحروف حقها من المخارج والصفات. ومستحقها من المد والغنّة والإظهار والإدغام والإخفاء والتفخيم والترقيق وتجويد الحروف ومعرفة الوقف والابتداء.. الخ.
وفي هذه الدراسة الموجزة يتبين لنا أن قراءة القرآن الكريم وتلاوته طبقاً لما أنزل وحسب أحكام التلاوة تظهر لنا المعاني الحقيقية للنص القرآني بآفاقها الواسعة.. بل إننا يمكن لنا أن نستنتج منها أحكاماً في قضايا معينة.
إن هذا الموضوع يجب أن يهتم به أهل الفكر الإسلامي في كل بقاع الدنيا لأنه يحتاج إلى دراسات وأبحاث مستفيضة..
إنه وجه عظيم من أوجه معجزات القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه.. لا يمكن لفرد أو لأفراد أن يحيطوا بعلمه...
ولكن يجب عليهم المحاولة والتدبر والتفقه.
إن هذه الدراسة الموجزة تعتبر مقدمة أو مدخلاً لهذا الموضوع المذهل وهو بيان معاني وأحكام القرآن الكريم من خلال أحكام التلاوة.
١- أمثلة في بيان المعنى من خلال مد بعض الحروف
إن المد في القراءة لبعض أحرف الكلمة القرآنية يعتبر ظاهرة من ظواهر زيادة أحرفها، وكما سبق أن ذكرنا في هذه الدراسة أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.. لذا فإن ظاهرة المد لبعض حروف كلمات القرآن مدّاً زائداً على المد الأصلي الطبيعي حين التلاوة يدل على تفخيم هذه الكلمة وزيادة معناها..
ونستعرض فيما يلي أمثلة من الكلمات القرآنية التي يجب مدّ بعض حروفها مداً زائداً لنعرف أن هذا المدّ لم يأت عبثاً، وإنما جاء لبيان أهمية هذه الكلمة وأنها تدل على شيء مخصوص وغير عادي.
ومثل هذه الكلمات كثيرة جداً في القرآن الكريم إنما سنذكر بعضها حسب الآتي إنما سنذكر بعضها حسب الآتي:
الطامة: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى ﴾ [النازعات: ٣٤].
السماء: ﴿ وَالسَّمَآءَ بِنَاءً ﴾ [البقرة: ٢٢].
جان: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: ٣٩].
الطائفين: ﴿ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ ﴾ [البقرة: ١٢٥].
حينما تنظر إلى هذه الكلمات نجد أن كل منها يدل على لشيء عظيم غير عادي. لذا جاء المد ليزيد المعنى.. وحينما نقارن المدّ في كلمة (الطآمة) بعدم وجوده في كلمة قرآنية أخرى قريبة في المعنى وهي (القارعة) نجد أن عدم وجود المد في القارعة مطلوب بشدة لتحقيق معناها وهو أنها (تقرع) آذان الناس وهو شيء لا يسلتزم زمناً فهو لحظي ليدل على الفجاءة.. ولا يحتاج مدّاً أو مدة..
كذلك فإننا حينما نتدبر سورة (الكافرون)..