وهذه الآية فيها لفتة عظيمة حيث تدل على الأجل الذي قضاه موسى عليه السلام في مدين وأن هذا الأجل هو عشر حجج حينما خيّره والد الفتاة ﴿ { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ [القصص: ٢٧].
وقد جاءت الآية بأن موسى عليه السلام قد لبث سنين في أهل مدين وبالمعنى الخاص بالسنين وهو طول المدة فإن ذلك يعني أن موسى عليه السلام قد قضى أطول الأجلين أي عشرة سنوات.. وبالطبع فإن هذه خصوصية النبوة وهي إتمام الخير.. لاحظ معي أيها القارئ الكريم هذه الدقة في القرآن وأن أي كلمة لا تأتي عفواً.. وإنما هي الحكمة..
العام:
وردت كلمة عام وعامين في القرآن الكريم ١٠ مرات وهي تعني اليسر والرخاء وقلة المدة أو قصرها حسب الحالة النفسية للشخص أو الأشخاص.. ونذكر فيما يلي أمثلة من ذلك:
﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ﴾ [التوبة: ١٢٦].
وتعني: قصر المدة التي تتم خلالها الفتنة.
﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: ٤٩].
وهي تعني اليسر والرجاء.
﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: ١٤].
وهي تعني الحب والفرح بالوليد خلال فترة الرضاعة.
الحول:
الحول يعني العام الذي يتم فيه فعل الشيء بلا انقطاع فمعناه يختف عن معنى السنة ويختلف كذلك عن معنى العام لأن السنة والعام هي فترات زمنية يأتي خلال أي جزء منها الحدث أو الفعل وليس شرطاً أن يكون الحدث أو الفعل مستمراً خلالها، أما الحول فيكون الحدث أو الفعل فيه مستمراً بدون انقطاع.. ونذكر الآيتين اللتين ورد فيهما الحول:
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ [البقرة: ٢٤٠].
وهي تعني أن يكون المتاع طوال العام مستمراً بدون انقطاع.
﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: ٢٣٣].
وهي تعني أن الرضاعة مستمرة بلا انقطاع طوال العامين.. ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: ١٤].
من الدراسة السابقة يتبين لنا الفروق الجوهرية بين معنى السنة ومعنى العام ومعنى الحول وأنها يجب أن يتم فهمهما على النحو الصحيح حتى نتدبر آيات القرآن ونفهمها على أحسن وجه.
(١) من تقديم الدكتور سعد عبد المقصود ظلام لتفسير ابن كثير.
(٢) حكمة الدين ـ وحيد الدين خان.
==============
من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم
أولا-( من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم ) عنوان كتاب لمؤلفه: الدكتور يوسف بن عبد الله الأنصاري، الأستاذ المشارك بقسم: البلاغة والنقد- كلية اللغة العربية- جامعة أم القرى. والكتاب يحتوي على مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة.
تحدث المؤلف في المقدمة عن ( أهمية هذا الموضوع )، وذكر أنها تعود إلى أمرين:
أولهما: ارتباطه بفقه الدلالة.. وثانيهما: دقة مسلكه، وغموضه، وخفائه على بعض العلماء.
وتحدث في التمهيد عن ( مفهوم التعدية واللزوم عند النحاة )، فذكر أن الفعل اللازم هو الفعل، الذي يكتفي برفع الفاعل، ولا ينصب مفعولاً به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى التعدية. وأن الفعل المتعدي هو الفعل، الذي ينصب بنفسه مفعولاً به، أو اثنين، أو ثلاثة من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم.
وفي الفصل الأول تحدث المؤلف عن(جهود العلماء في دراسة تعدية الفعل)، وذكر أن من أوائل الإشارات، التي تكشف عن أسرار تعدية الفعل بحروف الجر ما ذكره الإمام الخطابي في قوله:"وأما( من ) و( عن ) فإنهما يفترقان في مواضع؛ كقولك: أخذت منه مالاً، وأخذت عنه علمًا. فإذا قلت: سمعت منه كلامًا، أردت سماعه من فيه. وإذا فلت: سمعت عنه حديثًا، كان ذلك عن بلاغ ".
ومن ذلك ما نقله عن الراغب من قوله في الفرق بين تعدية الفعل( راغ ) بـ( إلى ) و( على )؛ كما في قوله تعالى:
" فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ" (الذاريات: ٢٦)
" فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ "(الصافات: ٩١)
" فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ" (الصافات: ٩٣)
واتكأ الدكتور يوسف في هذه الدراسة- كما قال- على الزمخشري؛ لأن كثيرًا من أئمة التفسير كانوا عالة عليه؛ ولأن كتابه ( الكشاف ) يضم بين دفتيه كثيرًا من الأسرار البلاغية لحروف الجر، التي تتعدى بها الأفعال..
ومن ذلك قوله في تعدية الفعل ( جرى ) بـ( إلى )، التي تدل على انتهاء الغاية، وباللام التي تدل على معنى الاختصاص؛ كقوله تعالى:
" وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى " (لقمان: ٢٩)
" وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى "(الرعد: ٢)


الصفحة التالية
Icon