ليس هو القرآن الكريم الموجود" فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ"، والقرآن المجيد الموجود" فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ "؛ وإنما هو فرعمنه، وذاك أصل. والفرع مأخوذ من الأصل. وذلك الأصل هو المراد:" بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ " في قول الله جل وعلا:
" قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ".
فإذا عرفت ذلك، تبين لك أنه ليس المراد بالمِثلية في هذه الآية ما فهمه علماء التفسير منها، وأنها ليست مثلية مفروضة على قول الأكثرين، أو غير مفروضة على قول من قال إن المراد بالمثل: كلام العرب، الذي هو من جنسه؛ بل المراد بها: أن للقرآن الكريم مِثلاً يماثله في تمام حقيقته وماهيته، وأن هذا المثل معلوم، وهو الذي أخبر الله تعالى أولاً بعجز الإنس والجن عن الإتيان به، ثم أخبر ثانيًا بعجز الخلق أجمعهم عن الإتيان بسورة منه في قوله تعالى:
" وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "(البقرة: ٢٣).
ولهذا فقد ذهب المفسرون بعيدًا حين زعموا أن المراد بهذه المثلية: مثلية في البلاغة، أو الفصاحة، أو حسن النظم.. أو أنها مثلية وحي وتنزيل كما زعم بعضهم، أو غير ذلك من الأقوال، التي لا تفسِّر أسلوبًا، ولا توضح معنى.
ولو كان المراد بهذه المثلية شيئًا مما ذكروا، لوجب أن يكون نظم الكلام هكذا:
" قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَقُولُوا مِثْلَهَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَقولونَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا "
كما حكي عنهم قولهم:"وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَهَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ "(الأنفال: ٣١ )
فتأمل، وتدبر، واعتبر الأمور بأمثالها، تصب خيرًا، وتنطق صوابًا، إن شاء الله، ولا يغرَّنَّك بالله الغَرور !!!
بقلم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك
=============
أسماء الله الحسنى بين الإطلاق والتقييد
تسعة وتسعون ومائة إلا واحدا
ماذا المقصود بقول النبي ﷺ :(إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا) ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
فقد ورد حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في أكثر من خمسين موضعا من كتب السنة يرفعه إلى رَسُول الله ﷺ أنه قال :(إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
والملاحظ أن جميع الروايات تذكر لفظ (التسعة والتسعين) مقرونا بلفظ (مائة إلا واحدا)، فما العلة من التكرار المذكور في الحديث ؟ أهو فقط تأكيد النبي ﷺ على ذكر العدد تسعة وتسعين ؟ أم أراد المصطفى ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى شيئا آخر ؟.
قال عبد الرءوف المناوي في بيان علة قول النبي ﷺ مائة إلا واحدا :(ولما كانت معرفة أسمائه توقيفية لا يعلم إلا من طريق الوحي والسنة، ولم يكن لنا التصرف فيها بما لم يهتد إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا، وقد نهينا عن إطلاق ما لم يرد به توقيف، وكان الاحتمال في رسم الخط واقعا باشتباه تسعة وتسعين في زلة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وتسعين أو تسعة وسبعين؛ فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده ﷺ حسما للمادة وإرشادا للاحتياط بقوله مائة إلا واحدا) (فيض القدير ٢/٤٧٩).
لقد كان النص على العدد ٩٩ وتكرار ذكره بقوله ﷺ :(مائة إلا واحدا) دافعا للبعض أن يجزم بأن أسماء الله بجملتها لا تزيد على تسعة وتسعين شيئا على الرغم من كونه لم يقم بإحصائها، فقال ابن حزم الأندلسي: (فصح أنه لا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى إلا بما سمى به نفسه، وصح أن أسماءه لا تزيد على تسعة وتسعين شيئا لقوله عليه السلام: مائة إلا واحدا؛ فنفى الزيادة وأبطلها) (المحلى لابن حزم ٨/٣١).
غير أن البحث عن أسماء الله الحسنى التي ثبتت بنصها في الكتاب والسنة من خلال استخدام الموسوعات الإلكترونية أظهر أمرا آخر غير متوقع.