١٨ـ قال في النمل: "إلَى فِرْعَوْنَ وَقوْمِهِ"
وقال في القصص: "إلى فِرْعَوْنَ ومَلئِهِ"
فوسع دائرة التبليغ في النمل كما ذكرنا، وذلك مناسب لجو التكريم في القصة، ومناسب لثقة موسى بنفسه التي أوضحتها القصة.
ولما وسّع دائرة التبليغ وسّع الآيات التي أعطيها، بخلاف ما ورد في القصص
١٩ ـ قال في النمل: "فلَمّا جاءَتْهُم آياتُنا مُبْصِرَة ً قالوا هذا سِحْرٌ مُبينٌ"
ومعنى ذلك أن موسى قبل المهمة ونفذها من دون ذكر لتردد أو مراجعة، وهو المناسب لمقام القوة والثقة والتكريم، في حين قال في القصص: "قال ربّ إني قتلت منهم نفسا فأخافُ أن يَقتُلونِ"، فذكر مراجعته لربه وخوفه على نفسه من القتل، وهو المناسب لجو الخوف في السورة ولجو التبسط والتفصيل في الكلام.
وكل تعبير مناسب لموطنه الذي ورد فيه كما هو ظاهر.
والله أعلم
المصدر: لمسات بيانية في نصوص التنزيل تأليف الدكتور فاضل السامرائي
http://www.lamasaat. ٨m.com/
ـــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ انظر الآيات: ٧ مرتين، ١٨، ٢١، ٢٨، ٣٧، ٣٨، ٣٩، ٤٠، ٥٤، ٥٥، ٨٧
٢ ـ انظر الآيات ٢٩، ٣٠، ٤٦، ٤٩، ٧١، ٧٢ ٣ ـ انظر لسان العرب (شهب) ١ / ٤٩١، القاموس المحيط (شهب) ١ / ٩١ ٤ ـ انظر القاموس المحيط (قبس) ٢ / ٢٣٨ ٥ ـ انظر القاموس المحيط (جذا) ٤ / ٣١١
٦ ـ انظر روح المعاني ٢٠ / ٧٢ ٧ ـ انظر البحر المحيط ٧ / ٥٥ ٨ ـ المفردات في غريب القرآن ٦ ٩ ـ المفردات ١٠٢ ١٠ ـ لسان العرب (أتى) ١٨ / ١٤ ١١ ـ انظر الآيات ١٢، ١٨، ١٩، ٣٤، ٤٤
==============
التناسق البياني لكلمات القرآن الكريم
بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه مجموعة من الفتوحات التي منّ الله بها علي في إعجاز القرآن الكريم البياني، وفكرة هذا البحث تقوم على أن كل كلمة من كلمات القرآن تتكرر في القرآن كله بنظام بديع متناسق ومُحكم. والأمثلة الآتية التي سنراها تؤكد هذه الحقيقة.
هذا التناسق العجيب يبرهن على استحالة الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء: ١٧/٨٨). كما يبرهن على أن القرآن لو كان كلام بشر لما رأينا فيه مثل هذه التناسقات والتدرجات اللغوية والبيانية، وهذا ما أمرنا الله تعالى أن نتدبره فقال: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) (النساء: ٤/٨٢).
فكرة عن التناسق البياني
يمكن شرح فكرة النظام البياني لسور القرآن، من خلال المثال الآتي:
يعلمنا الله تعالى أن نتوكل عليه فهو يكفي وهو حسبُنا، نستمع إلى هذا الأمر الإلهي: حَسْبِيَ اللَّهُ هذا النداء تكرر في كامل القرآن في سورتين، لنبحث عن كلمة (حَسْبِيَ) في القرآن:
١ـ (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُلا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: ٩/١٢٩].
٢ـ (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر: ٣٩/٣٨].
إذن كلمة (حَسْبِيَ) دائماً ترافقها كلمة (اللَّهُ) تعالى، أي (حَسْبِيَ اللَّهُ) وهل يوجد غير الله لنلتجئ إليه وندعوَه؟ وكما نلاحظ كلتا الآيتين فيهما أمر آخر هو التوكل على الله تعالى، وليؤكد لنا أن التوكل لا يكون إلا على الله. إذن ارتبط الالتجاء إلى الله بالتوكل على الله! فمن أراد أن يلتجئ إلى الله تعالى فعليه أن يتوكل على الله، فلا فائدة من التجاءٍ لا توكل معه.
كما أن الآية الأولى جاء التوكل فيها على لسان النبي الكريم عليه صلوات الله وسلامه، وهذا تشريفاً لمقامه ومنزلته عند الله عز وجل. بينما في الآية الثانية جاء التوكل على لسان المؤمنين، وفي هذا إشارة لطيفة إلى ضرورة أن يبدأ الانسان بنفسه ثم بالآخرين، وهذا أسلوب عظيم في التربية. ولذلك جاء التدرج البياني للآيتين مبتدئاً بالرسول الأعظم الذي هو مثال ونموذج وقدوة من أراد أن يتوكل على الله، ثم من بعده البشر هكذا:
١- عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ.
٢- عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ.
التدرج العقائدي
لنتأمل إحدى كلمات القرآن ونظام تكرارها بيانياً وعددياً. ونجري بحثاً عن كلمة (حقَّت) في القرآن فنجد هذه الكلمة تكررت ٥ مرات في كل القرآن في ٤ سور:
١ ـ (كَذَلِكَ حَقَّتْكَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [يونس: ١٥/٣٣].
٢ـ (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْعَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [يونس: ١٠/٩٦].