أ- صنعة البيان في الانتقال من معنى إلى معنى أشق منها في التنقل بين أجزاء المعنى الواحد.
ب- نزول القرآن مفرقا حسب الوقائع والدواعي على تباعد زماني، مما لا يسمح عادة بالتواصل والترابط.
ج- إن جمع الأحاديث المختلفة المعاني، المتباعدة الأزمنة، المتنوعة الملابسات في حديث واحد مسترسل هو مظنة التفكك والاقتضاب ومظنة المفارقة والتفاوت (مثال: طبق هذا على مجموعة متون الحديث النبوي أو غيرها من أحاديث البلغاء لتجعل منها سردا واحدا ليتبين لك ذلك).
د- عجز البشر عن الاهتداء إلى تحديد وضع كل جزء من أجزاء المركب قبل تمام أجزائه، بل قبل معرفة طبيعة تلك الأجزاء (طبق ذلك على أي منشأة أو صناعة أو نشاط بشري لتوقن كيف أن وقوع ذلك في القرآن إنما هو تحدي للقدرة البشرية جمعاء إلى آخر الزمان.
• إن اجتماع هذه الأسباب كلها في كل سورة نزلت متفرقة دون أن تغض من إحكام وحدتها، ولا من استقامة وزنها هو بالتحقيق معجزة المعجزات، ولا يجرؤ في قرارة الغيب على وضع هذه الخطة المفصلة المصححة ثم تنفيذها إلا عالم عالم فوق أطوار العقل.
• كما أن مطاوعة تلك الأحداث الكونية، ومعاونتها بدقة دائما لنظام هذه الوحدات البيانية شاهد واضح على أن هذا القول وذلك الفعل كانا يجيئان من طريق واحدة، وأن الذي صدرت هذه الكلمات عن علمه هو نفسه الذي صدرت تلك الكائنات عن مشيئته (٢).
١/٧ خلاصة الإعجاز البياني:
نجمل ما بسطناه عن جوانب إعجاز البيان في القرآن في أنه:
أ. "اجتمعت في بنائه كل مواصفات الكمال و الجمال، سواء في اختيار مفرداته أو ترتيب ألفاظه أو تراكيبه النحوية أو صيغه البلاغية؛ بحيث تؤدي أسمى الدرجات في: دقة التعبير عن المعاني المركبة والأحاسيس المتداخلة، مع بلوغ الغاية في إقناع العقل وإمتاع السمع والتأثير في المشاعر وتحريك العزائم، مما يؤكد أنه إنما قُدِّر تقديرا محكما وصُمِّم قبل نزوله بحساب دقيق ووزن حكيم لكل حرف وجملة وآية وسورة ثم تمام الكتاب، مع تكامل سوره والتناسق والتكامل الداخلي لكل سورة - رغم نزوله في سور متفرقة ( بل في آيات أو مجموعات متفرقة للسورة الواحدة) عبر ثلاث وعشرين عاما، وفي مناسبات جد متباينة".
ب. كما أن التباين بين بيان القرآن وسائر البيان لا يتمثل في "بعض" مكونات بنائه من ألفاظ الفصحى والأساليب الإنشائية والصور البلاغية؛ فهذه وتلك نجد أمثالها في القرآن كما نجدها في كلام العرب، كما لا يتمثل في "بعض" صفات الكلام - تأثيرا وتعبيرا وجمالا- التي قد نلمسها (بدرجات: متفاوتة في كلام البشر، وبأعلى درجة في القرآن)، بل هو في اجتماع "كل" صفات الكمال والجمال وبأقصى درجاتها في البيان القرآني "بأكمله" دون سواه.
(١) بتصرف عن كتاب: "النبأ العظيم" ـ محمد عبد الله دراز، تخريج وتعليق عبد الحميد أحمد الدخاخني.
(٢) ضُرب لذلك مثل عملي تطبيقي بتحليل ترابط المعاني في سلسة واحدة من الفكر تتلاحق فيها الفصول والحلقات، وفي نسق واحد من البيان تتعانق فيه الجمل والكلمات، وذلك في سورة البقرة، أطول سور القرآن (٢٨٢ آية)، والتي نزلت فيما وصل إلينا من أسباب نزولها في نيف وثمانين مناسبة ـ عبر تسع سنوات (انظر: النبأ العظيم ـ محمد عبد الله دراز).
===============
إعجاز القرآن
• القرآن هو البرهان العقلي على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فهو معجزة باقية إلى آخر الزمان، بخلاف المعجزات المادية لمن سبقه من الرسل، والتي هي حجة على من شاهدها وعاصرها فحسب.
• يتمثل البرهان على صدق تنزيل القرآن في:
( أ ) إعجاز بيانه ( ب) صدق معارفه ونبوءاته ( ج ) حكمة تشريعه.
الإعجاز البياني:
• ثبت بعجز العرب في كل زمان عن الإتيان بمثله أو مضاهاته، رغم:
( أ ) تحدي القرآن لهم ( ب ) وجود الدافع لدى الكافرين الأوائل وفي كل جيل ( ج ) انتفاء المانع ؛ وهم أهل الفصاحة والبلاغة ؛ والقرآن بلغتهم وألفاظهم وأساليبهم.
• يتمثل الإعجاز البياني في: ( أ ) كمال النص القرآني وسموه عن النقد. ( ب ) اختلافه البين عن سائر صور البيان البشري من شعر ونثر
( ج ) التباين الكبير بين خصائصه وخصائص حديث مبلغه رسول الله ﷺ.
من أوجه إعجاز البيان القرآني (عامة):
• جريانه على مستوى رفيع واحد رغم تنوع المعاني والموضوعات، حتى آيات التشريع والأحكام.
• مناسبته لكل الناس على اختلاف معارفهم وعصورهم، فيفهمه ويتأثر به ويتبعه العامة والخاصة، والبسطاء والعلماء، على امتداد الزمان وتتابع القرون.
• تداخل معانيه وموضوعاته بحيث ترتبط في بناء متكامل متناسق يتعذر الإتيان بمثله.
• خلوه من التكرار إلا لغرضين: التأكيد وما يصحبه من تضخيم المعنى وتعظيم التأثير، أو لأجل تكامل الصور والأشكال التي يعرض بها الموضوع.
• الإحساس بجلال الربوبية الذي يشي به التعبير القرآني برمته، إذ يستحيل نفسيا أن يتصنع بشر تقليد هذا الأسلوب على امتداد نص بهذا القدر.
• تصريف البيان بالتنوع الشديد في التعبيرات لنفس الموضوع، بحيث يؤدي كل تعبير معنى جديدا.


الصفحة التالية
Icon