ومما يميز بلاغة القرآن أنك تجد آياته تتناول الموضوعات المتعددة من غير تبويب وترتيب فبينما تجدها تأمر وتنهي تجدها تعد وتتوعد أو تعظ وتذكر أو تكشف عن طبيعة الكون أو تكوين الإنسان أو تقص أنباء الأمم السالفة وأخبار الأنبياء إلى خلخلة في البلاغة ولكن تجده طبقة واحدة في قوة التعبير وجزالة المعاني وانسجام الألفاظ وحسن التركيب بحيث لا يمكنك أن تفضل بيانه في جانب عليه في جانب آخر، بينما كلام نبغاء البشر لا يتيسر له قدرها من البلاغة في كل شيء ولذلك يتفاضل الشعراء والخطباء والكتاب باختلاف الموضوعات التي يطرقونها فقد يفضل شاعر غيره في الوعظ أو الرثاء أو الحماس أو الغزل أو الفخر ولا تجد شاعرا واحدا بعينه يتفوق على الشعراء في جميع أغراض الشعر ومثلهم الخطباء والكتاب وبالجملة فإن وجوه الإعجاز في بيان القرآن أكثر من أن تحصى وما قصدت بهذا النموذج اليسير الذي ذكرته إلا تحريك الهمم وبعث العزائم في نفوس شبابنا خصوصا إلى دراسة الأدب منهم، علهم يصرفون همتهم إلى القرآن الكريم فإنهم- ولا ريب- سيجدون منه النبع الذي لا ينقطع والنور الذي لا يأفل والكنز الذي لا يفنى وفي هذا ما يغنيهم عن المستنقعات الآسنة من الأدب الساقط كغزليات عمر بن أبي ربيعة، وخمريات أبي نواس، وغيرها من الأدب المكشوف الداعر الذي تقذفه سموما قرائح الفساق الحاقدين على الإسلام والمناوئين لأهله وما أكثر هؤلاء في كل عصر خصوصا في عصرنا الذي تميعت فيه الأخلاق وانحدرت فيه القيم وحورب فيه الإسلام بأنواع الشعارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها شر أنواع العذاب ولا يفوتني أن أهيب بشبابنا الذين يدرسون الطب والعلوم والاجتماع والاقتصاد وغيرها من فنون العلم أن يجعلوا محور دراستهم القرآن الكريم حتى يكشفوا عن أسرار إعجازه التي لا تزال في الخفاء وأسأل الله لي ولهم ولكل المسلمين التوفيق والعون والتسديد
==============
حقيقة الإعجاز في القرآن الكريم
بقلم : د. حامد محمد عثمان
٥-٩-٢٠٠٦
حقيقة الإعجاز في القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :-
فأهلا ومرحبا مجدداَ بأحبتي وإخواني الكرام الذين غبت عنهم رغما عني للوعكة صحية ألمت بي وأسأل الله عزوجل أن يتمم علينا الشفاء كما اسأله سبحانه لكم جميعا بالصحة والعافية.
وكنت قد وعدتكم في لقائنا الماضي بالحديث عن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم وأول ما يشغلنا في هذه القضية هو بيان حقيقة الإعجاز في القرآن وهي قضية جدا خطيرة وما أكثر الحديث عنها ما بين كتب مطبوعة وشرائط مسموعة وأحاديث مرئية وسأحاول بإذن الله تعالى أن أعرض القضية بشكل وأسلوب سهل وبسيط.
وتكمن الخطورة في هذه القضية في تلك المؤامرات الخبيثة التي يديرها أعداء الأمة الإسلامية التي تستهدف إبعاد المسلمين عن دينهم ( عقيدة وشريعة ) خاصة وأن علماء الإسلام قد فتحوا مجالا جديداَ بكتاباتهم عن الإعجاز العلمي للقرآن أمام التبشير بالقرآن بين هؤلاء المادين الذين يتمسحون بالعلم ويدعون أنه لا يتفق مع الإيمان فها هو ذا القرآن يدعو إلى العلم، ويعالج خصائصه منهجاَ وموضوعاَ، ولا تصادم بين القرآن والعلم وكما بينا ذلك في لقاء الماضي.
وقد بما كثر المطاعن في إعجاز القرآن الكريم فقد كتب ( ابن الرواندى ) الملحد كتابا خطيراَ بعنوان "الدامغ" طعن فيه على نظم القرآن وما يحتويه من معان، كما طعن النظام المعتزلي في الإعجاز الذاتي للقرآن الكريم وادعى أن إعجازه كان بالصرفة وهي أن العرب كان بمقدورهم أن يؤلفوا مثل القرآن لكن الله صرفهم عن ذلك وهذا كذب وافتراء صارخ وأنى يكون هذا وقد تحداهم بصريح العبارة وأقواها فقال سبحانه (( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين )).
وقال تعالى (( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات))، وقال تعالى (( قل فأتوا بسورة من مثله ))، وأخيراً بالنداء القوى للتحدي أعلن قوله (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )).
إذن أين الصرفة في كل هذا التحدي الصريح ؟!فهم لا يقصدوا بكلامهم هذا صفة وحال رجل ألقى بابنه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء ؟! وحاشاه سبحانه أن يتحدى بقرآنه العزيز من يجهل البلاغة والبيان.
والعرب أنفسهم بتاريخهم المجيد نقلت إلينا الآثار والمدونات والمصنفات في هذا الأمر تحديهم للقرآن ومحاولة الإتيان بمثله وأشعارهم تشهد بذلك ناهيك عن شهادة الوليد بن المغيرة - وهو الفصيح البليغ الشاعر للقرآن بأنه يعلو ولا يعلى عليه وما هو بقول بشر.
لهذا كله كان لزاماً علينا أن نشمر عن سواعدنا ونمسك بأقلامنا لندلي بدلونا في هذه القضية الهامة، وهي حقيقة الإعجاز فماذا نقصد بحقيقة الإعجاز ؟


الصفحة التالية
Icon