بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم كتابه العزيز :﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (٤٤) سورة النحل.والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، القائل :« خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ». (١)
وعلى وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ليكون دستورا للعالمين، قال تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (٤٨) سورة المائدة.
وقد أنزله على قلب النبي محمد - ﷺ - خلال ثلاثة وعشرين عاماً، من أجل سهولة حفظه وفهمه والعمل به، قال تعالى :﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ (١٠٦) سورة الإسراء
أي : وَآتَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ قُرْآناً نَزَّلْنَاهُ عَلَيْكَ مُفَرَّقاً وَمُنَجَّماً لِتَتْلُوَهُ عَلَى النَّاسِ، وَتُبَلِّغَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَهْلٍ ( عَلَى مُكْثٍ )، لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ حِفْظِهِ، وَفَهْمِ أَحْكَامِهِ، وَالتَّمَعُّنِ فِيهَا لِتَرْسَخَ فِي عُقُولِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ. وَقَدْ نَزَّلْنَاهُ شَيْئاً فَشَيْئاً بِحَسَبِ الظُّرُوفِ وَالحَوَادِثِ وَالوَقَائِعِ ( نَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ). (٢)
وقد عمل به المسلمون جيلاً بعد جيل.
ولما كثر المسلمون في أصقاع المعمورة احتاجوا إلى تفسير كتاب الله تعالى فقام علماء أجلاء تبحروا في التفسير، فكتبوا تفسير القرآن من الإمام الطبري فما بعد، وما من عصر خلا من أئمة قاموا بتفسير كتاب الله تعالى حسب ما منَّ الله تعالى به عليهم، ليبقى القرآن حاضرا في حياة الأمة المسلمة في كل جوانبها، ومنهم من ركَّز على جانب معين من جوانب التفسير أكثر من غيره.
وبدأ بعض المفسرين يذكر في تفسيره مناسبات سور القرآن أو بعض موضوعاتها، كالإمام الرازي، ولكن بقلة، إلى أن وصلت إلى الإمام البقاعي فألف كتابا ضخما في تناسب سور وآيات القرآن لم
(١) - صحيح البخارى- المكنز - (٥٠٢٧ ) عَنْ عُثْمَانَ - رضى الله عنه
(٢) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (١ / ٢١٣٦)
(٢) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (١ / ٢١٣٦)