(٩) سورة التوبة
سميت هذه السورة، في أكثر المصاحف، وفي كلام السلف: سورة براءة ففي الصحيح عن أبي هريرة، في قصة حج أبي بكر بالناس، قال أبو هريرة: "فأذن معنا علي بن أبي طالب في أهل منى ببراءة". وفي "صحيح البخاري"، عن زيد بن ثابت قال: "آخر سورة نزلت سورة براءة"، وبذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من "صحيحه". وهي تسمية لها بأول كلمة منها.
وتسمى "سورة التوبة" في كلام بعض السلف في مصاحف كثيرة، فعن ابن عباس "سورة التوبة هي "الفاضحة"، وترجم لها الترمذي في "جامعه" باسم التوبة. ووجه التسمية: أنها وردت فيها توبة الله تعالى عن الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وهو حدث عظيم.
ووقع هذان الاسمان معا في حديث زيد بن ثابت، في "صحيح البخاري"، في باب جمع القرآن، قال زيد: "فتتبعت القرآن حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾، حتى خاتمة سورة البراءة" [١٢٨].
وهذان الاسمان هما الموجودان في المصاحف التي رأيناها.
ولهذه السورة أسماء أخر، وقعت في كلام السلف، من الصحابة والتابعين، فروي عن ابن عمر، عن ابن عباس: كنا ندعوها (أي سورة براءة) "المقشقشة" (بصيغة اسم الفاعل وتاء التأنيث من قشقشة إذا أبراه من المرض)، كان هذا لقبا لها ولسورة "الكافرون" لأنهما تخلصان من آمن بما فيهما من النفاق والشرك، لما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولما فيهما من وصف أحوال المنافقين. وكان ابن عباس يدعوها "الفاضحة" : قال ما زال ينزل فيها "ومنهم - ومنهم" حتى ظننا أنه لا يبقى أحد إلا ذكر فيها.
وأحسب أن ما تحكيه من أحوال المنافقين يعرف به المتصفون بها أنهم المراد، فعرف المؤمنون كثيرا من أولئك مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي﴾ [التوبة: ٤٩] فقد قالها بعضهم وسمعت منهم، وقوله: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١]فهؤلاء نقلت مقالتهم بين المسلمين. وقوله: ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ [ التوبة: ٤٢].
وعن حذيفة: أنه سماها "سورة العذاب" لأنها نزلت بعذاب الكفار، أي عذاب القتل والأخذ حين يثقفون.


الصفحة التالية
Icon