(٢٢) سورة الحج
سميت هذه السورة الحج في زمن النبي - ﷺ -. أخرج أبو داود، والترمذي عن عقبة بن عامر قال: "قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم " وأخرج أبو داود، وابن ماجه عن عمرو بن العاص أن رسول الله - ﷺ - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان. وليس لهذه السورة اسم غير هذا.
ووجه تسميتها سورة الحج أن الله ذكر فيها كيف أمر إبراهيم عليه السلام بالدعوة إلى حج البيت الحرام، وذكر ما شرع للناس يومئذ من النسك تنويها بالحج وما فيه من فضائل ومنافع، وتقريعا للذين يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام وإن كان نزولها قبل أن يفرض الحج على المسلمين بالاتفاق، وإنما فرض الحج بالآيات التي في سورة البقرة وفي سورة آل عمران.
واختلف في هذه السورة هل هي مكية أو مدنية. أو كثير منها مكي وكثير منها مدني.
فعن ابن عباس ومجاهد وعطاء: هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ﴾ إلى ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. قال ابن عطية: وعد النقاش ما نزل منها بالمدينة عشر آيات.
وعن ابن عباس أيضا والضحاك وقتادة والحسن: هي مدنية إلا آيات ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي﴾ إلى قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ فهن مكيات.
وعن مجاهد، عن ابن الزبير: أنها مدنية. ورواه العوفي عن ابن عباس.
وقال الجمهور هذه السورة بعضها مكي وبعضها مدني وهي مختلطة، أي لا يعرف المكي بعينه، والمدني بعينه. قال ابن عطية: وهو الأصح.
وأقول: ليس هذا القول مثل ما يكثر أن يقولوه في بضع آيات من عدة سور: إنها نزلت في غير البلد الذي نزل فيه أكثر السورة المستثنى منها، بل أرادوا أن كثيرا منها مكي وأن مثله أو يقاربه مدني، وأنه لا يتعين ما هو مكي منها وما هو مدني ولذلك عبروا بقولهم: هي مختلطة. قال ابن عطية: روي عن أنس ابن مالك أنه قال: "نزل أول السورة في السفر فنادى رسول الله بها فاجتمع إليه الناس" وساق الحديث الذي سيأتي. يريد ابن عطية أن نزولها في السفر يقتضي أنها نزلت بعد الهجرة.
ويشبه أن يكون أولها نزل بمكة فإن افتتاحها بـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ جار على سنن فواتح السور المكية. وفي أساليب نظم كثير من آياتها ما يلائم أسلوب القرآن النازل بمكة. ومع هذا فليس الافتتاح بـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ بمعين أن تكون مكية، وإنما قال ابن عباس ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ يراد به المشركون. ولذا فيجوز أن