(٦١) سورة الصف
اشتهرت هذه السورة باسم سورة الصف وكذلك سميت في عصر الصحابة.
روى ابن أبي حاتم سنده إلى عبد الله بن سلام أن ناسا قالوا: لو أرسلنا إلى رسول الله نسأله عن أحب الأعمال إلى أن قال فدعا رسول الله - ﷺ - أولئك النفر حتى جمعهم ونزلت فيهم سورة سبح لله الصف الحديث، رواه ابن كثير، وبذلك عنونت في صحيح البخاري وفي جامع الترمذي، وكذلك كتب اسمها في المصاحف وفي كتب التفسير.
ووجه التسمية وقوع لفظ ﴿صفا﴾ [الصف: ٤] فيها وهو صف القتال، فالتعريف باللام تعريف العهد.
وذكر السيوطي في الإتقان : أنها تسمى سورة الحواريين ولم يسنده. وقال الآلوسي تسمى سورة عيسى ولم أقف على نسبته لقائل. وأصله للطبرسي فلعله أخذ من حديث رواه في فضلها عن أبي بن كعب بلفظ سورة عيسى. وهو حديث موسوم بأنه موضوع. والطبرسي يكثر من تخريج الأحاديث الموضوعة. فتسميتها سورة الحواريين لذكر الحواريين فيها. ولعلها أول سورة نزلت ذكر فيها لفظ الحواريين.
وإذا ثبت تسميتها سورة عيسى فلما فيها من ذكر ﴿عِيسَى﴾ [الصف: ٦، ١٤] مرتين.
وهي مدنية عند الجمهور كما يشهد لذلك حديث عبد الله بن سلام. وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء أنها مكية ودرج عليه في الكشاف والفخر. وقال ابن عطية: الأصح أنها مدنية ويشبه أن يكون فيها المكي.
واختلف في سبب نزولها وهل نزلت متتابعة أو متفرقة متلاحقة.
وفي جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله - ﷺ - فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ١، ٢] قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله. وأخرجه الحاكم وأحمد في مسنده وابن أبي حاتم والدرامي بزيادة فقرأها علينا رسول الله حتى ختمها أو فقراها كلها.
فهذا يقتضي أنهم قيل لهم: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ قبل أن يخلفوا ما وعدوا به فيكون الاستفهام مستعملا مجازا في التحذير من عدم الوفاء بما نذروه ووعدوا به.
وعن علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله أن أحب الأعمال: إيمان به وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به.