(٧٣) سورة المزمِّل
ليس لهذه السورة إلا أسم "سورة المزمل" عرفت بالإضافة لهذا اللفظ الواقع في أولها، فيجوز أن يراد حكاية اللفظ، ويجوز أن يراد به النبي - ﷺ - موصوفا بالحال الذي نودي به في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١].
قال ابن عطية: هي في قول الجمهور مكية إلا قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ﴾ [المزمل: ٢٠] إلى نهاية السورة فذلك مدني. وحكى القرطبي مثل هذا عن الثعلبي.
وقال في الإتقان: إن استثناء قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ﴾ إلى آخر السورة يرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة نزل بعد نزول صدر السورة بسنة وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس اه.
يعني وذلك كله بمكة، أي فتكون السورة كلها مكية فتعين أن قوله: ﴿قُمْ اللَّيْلَ﴾ [المزمل: ٢] أمر به في مكة.
والروايات تظاهرت على أن قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾ إلى آخر السورة نزل مفصولا عن نزول ما قبله بمدة مختلف في قدرها، فقالت عائشة نزل بعد صدر السورة بسنة. ومثله روى الطبري عن ابن عباس، وقال الجمهور: نزل صدر السورة بمكة ونزل ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ﴾ إلى آخرها بالمدينة، أي بعد نزول أولها بسنين.
فالظاهر أن الأصح أن نزول ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ﴾ إلى آخر السورة نزل بالمدينة لقوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: ٢٠] إن لم يكن ذلك إنباء بمغيب على وجه المعجزة.
وروى الطبري عن سعيد بن جبير قال لما أنزل الله على نبيه - ﷺ - ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١]. مكث النبي - ﷺ - على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله بعد عشر سنين ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾ إلى ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ﴾ [المزمل: ٢٠] اه، أي نزلت الآيات الأخيرة في المدينة بناء على أن مقام النبي - ﷺ - بمكة كان عشر سنين وهو قول جم غفير.
والروايات عن عائشة مضطربة بعضها يقتضي أن السورة كلها مكية وأن صدرها نزل قبل آخرها بسنة قبل فرض الصلاة وهو ما رواه الحاكم في نقل صاحب الإتقان. وذلك يقتضي أن أول السورة نزل بمكة، وبعض الروايات يقولون فيها: إنها كانت تفرش لرسول الله - ﷺ - حصيرا فصلى عليه من الليل فتسامع الناس فخرج مغضبا وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل ونزل ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾