أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٣٠١
ألا ترى إلى قوله الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ وقوله وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ فهذه الوجوه كلها تقتضي تفضيلها وقوله تعالى فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ الآية يدل على أن كثرة المعاصي ومساكنتها وألفها تقسى القلب وتبعد من التوبة وهو نحو قوله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ وقوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ
روى البراء بن عازب عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن كل مؤمن شهيد لهذه الآية
وجعل قوله وَالشُّهَداءُ صفة لمن تقدم ذكره من المؤمنين وهو قول عبد اللّه ومجاهد وقال ابن عباس ومسروق وأبو الضحى والضحاك هو ابتداء كلام وخبره لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وقوله تعالى وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها الآية قال أبو بكر أخبر عما ابتدعوه من القرب والرهبانية ثم ذمهم على ترك رعايتها بقوله فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها والابتداع قد يكون بالقول وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه وقد يكون بالفعل بالدخول فيه وعمومه يتضمن الأمرين فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة قولا أو فعلا فعليه رعايتها وإتمامها فوجب على ذلك أن من دخل في صلاة أو صوم أو حج أو غيرها من القرب فعليه إتمامها إلا وهي واجبة عليه فيجب عليه القضاء إذا أفسدها وروى عن أبى أمامة الباهلي قال كان ناس من بنى إسرائيل ابتدعوا بدعا لم يكتبها اللّه عليهم ابتغوا بها رضوان اللّه فلم يرعوها حق رعايتها فعابهم اللّه بتركها فقال وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها الآية آخر سورة الحديد.
سورة المجادلة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله عز وجل قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها- إلى قوله- وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ روى سفيان عن خالد عن أبى قلابة قال كان طلاقهم في الجاهلية الإيلاء والظهار فلما جاء الإسلام جعل اللّه في الظهار ما جعل فيه وجعل في الإيلاء ما جعل فيه وقال عكرمة كانت النساء تحرم بالظهار حتى أنزل اللّه قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها الآية وأما المجادلة التي كانت في المرأة فإن
عبد اللّه بن محمد حدثنا قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أبى إسحاق في قوله قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها في امرأة تقال لها خويلة وقال عكرمة بنت ثعلبة زوجها أوس بن


الصفحة التالية
Icon