وهذا من آيات القرآن. وهو أكبر دليل على سعة علم الله وحكمته ورحمته بعباده بأن أباح لهم جميع النعم، ويسر لهم الوصول إليها بطرق لا تزال تحدث وقتاً بعد وقت. وقد أخبر أن القرآن تذكرة يتذكر بها العباد كل ما ينفعهم فيسلكونه وما يضرهم فيتركونه، وأنه هداية لجميع المصالح.
القاعدة الرابعة والعشرون: التوسط والاعتدال وذم الغلو
القرآن يرشد إلى التوسط والاعتدال وذم التقصير والغلو ومجاوزة الحد في كل الأمور.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ ﴾ [النحل: ٩٠] وقال: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ﴾ [الأعراف: ٢٩] والآيات الآمرة بالعدل والإحسان والناهية عن ضدهما كثيرة.
والعدل في كل الأمور: لزوم الحد فيها وأن لا يغلو ويتجاوز الحد، كما لا يقصر ويدع بعض الحق.
ففي عبادة الله أمر بالتمسك بما كان عليه النبي ـ ﷺ ـ في آيات كثيرة ونهى عن مجاوزة ذلك، وتعدي الحدود وذم المقصرين عنه في آيات كثيرة.
فالعبادة التي أمر الله بها ما جمعت الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول، فإذا خلت من الأمرين أو أحدهما فهي لاغية.
وفي حق الأنبياء والرسل ـ صلى الله عليهم وسلم ـ أمر بالاعتدال وهو الإيمان بهم، ومحبتهم المقدمة على محبة الخلق، وتوقيرهم واتباعهم، ومعرفة أقدارهم ومراتبهم التي أكرمهم الله بها. ونهى في آيات كثيرة عن الغلو فيهم وهو أن يُرفعوا فوق منزلتهم التي أنزلهم الله، ويجعل لهم من حقوق الله التي لا يشاركه فيها مشارك شيء. كما نهى عن التقصير في حقهم بتكذيبهم أو ترك محبتهم وتوقيرهم أوعدم اتباعهم. وذمَّ الغالين فيهم كالنصارى ونحوهم في عيسى، كما ذمَّ الجافين لهم كاليهود حين قالوا في عيسى ما قالوا، وذمَّ من فرق بينهم فآمن ببعض دون بعض، وأخبر أن هذا كفر بجميعهم.