القاعدة التاسعة والثلاثون: في طريقة القرآن في أحوال السياسة الداخلية والخارجية
طريقة القرآن في هذا أعلى طريقة، وأقرب إلى حصول جميع المصالح الكلية، وإلى دفع المفاس، ولو لم يكن في القرآن من هذا النوع إلا قوله تعالى في سورة آل عمران:
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، [ آل عمران: من الآية١٥٩ ]، وإخباره عن المؤمنين في سورة الشورى ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾، [ الشورى: من الآية٣٨ ]، فالأمر مفرد ومضاف إلى المؤمنين، وفي الآية الأولى: قد دخلت عليه: [ ال ]، المفيدة للعموم والاستغراق، يعني أن جميع أمور المؤمنين وشئونهم واستجلاب مصالحهم واستدفاع مضارهم، معلقٌ بالشورى والتعاون على الاهتداء إلى الأمر الذي يجرون عليه في حل مشكلاتهم، وتدعيم سلطانهم وتجنيبهم الخلاف المفضي إلى تفكك قواهم وانحلال عراهم.
وقد اتفق العقلاء أن الطريق الوحيد للصلاح الديني والدنيوي هو طريق الشورى.
فالمسلمون قد أرشدهم الله أن يهتدوا إلى مصالحهم وكيفية الوصول إليها بأعمال أفكارهم مجتمعة، فإذا تعينت المصلحة في طريق سلكوه، وإذا تعينت المضرة في طريق تركوه، وإذا كان في ذلك مصلحة ومضرة، نظروا: أيها أقوى وأولى وأحسن عاقبة، وإذا رأوا أمراً من الأمور هو المصلحة ولكن ليست أسبابه عتيدة عندهم ولا لهم قدرة عليها نظروا بأي شيء تدرك الأسباب وبأي حالة تنال على وجه لا يضر.