فإن قيل: قال صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة عبد الله بن مسعود، ومعاذ، وأُبي، وسالم مولى أبي حذيفة، وسكت عمن سواهم فالجواب من وجهين: أحدهما أن هؤلاء لم يكونوا مشهورين بما نسب إليهم النبي - ﷺ - فذكر لينبه عليهم، وسكت عن غيرهم لشهرتهم، ويؤيده إجماع النقلة عن ابن مسعود أنه لم يكن جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: جمعت في عهده بضعا وسبعين سورة وتلقنت من في رسول الله - ﷺ - سبعين سورة.
الوجه الثاني: أن النبي - ﷺ - قال هذا القول، ولم يكن في القوم أقرأ منهم، ثم حدث بعدهم من هو أرفع منهم كزيد، ونحوه. وإن قيل: قوله ﷺ )من أراد أن يسمع القرآن كما أنزل فليسمعه من في ابن أم عبد( يدل على اعتماد قراءته، والأخذ بحرفه مطلقا فلم تركت قراءته حتى منع منها مالك بن أنس وغيره.
فالجواب عنه ما حكاه مكي عن الحسين بن علي الجعفي أن النبي - ﷺ - حض على متابعة ابن مسعود في الترتيل. ويشهد لذلك قوله ﷺ في الرواية الأولى: )من أراد أن يسمع القرآن...( الحديث. قال الجعفي: يعني الترتيل لا حرفه المخالف للرسم.
قال مكي: ولا يمتنع أن يريد الحرف الذي كان يقرأ به، ونحن نقرأ به، ونرغب فيه، ونرويه ما لم يخالف خط المصحف، فإن خالفه لم نكذب به، ولا نقرأ به لانعقاد إجماع الصحابة على خلافه ولكونه نقل آحادا، والقراءات لا تثبت بذلك ولأنا لا نقطع بصحته عن ابن مسعود ولذلك قال مالك، والإمام إسماعيل القاضي: ما روي من قراءة ابن مسعود وغيره مما يخالف خط المصحف ليس لأحد من الناس أن يقرأ به اليوم؛ لأن الناس لا يعلمون علم يقين أنها قراءة ابن مسعود، وإنما هو شيء يرويه بعض من يحمل الحديث؛ فلا يجوز فلا يعدل عن اليقين ما لا يعرف بعينه. هذا لفظ الإمام إسماعيل وخاتمه.
كتب الإمام على حرف أبي في الأصح؛ لأنه على العرضة الأخيرة.
وقيل على حرف زيد بن ثابت.
باب الأصول الدائرة في استعمال القراءة
أولها: التسمية، والبسملة قطع الجمهور بترافدهما. ولو قيل: إن التسمية عبارة عن ذكر اسم الله مطلقا لكان حسنا.
الثاني: المد وهو طبيعيي وعرضي فالطبيعي ما لم يتم الحرف بدونه، والعرضي ما عرض زائد عليه لعلة كالهمز ونحوه.
الثالث: المط، والرابع: المطل، وهما عبارتان عن المد.
الخامس: اللين وهو الجاري مع المد من صوت القارىء ممزوجا بمده طبعا، وارتباطا لا ينفك أحدهما عن الآخر، وهو أخص من المدن لإطلاقه على المد الطبيعي من )قول( ونحوه فكل حرف مد حرف لين ولا عكس.
السادس: القصر، وهو عبارة عن المد الطبيعي الذي )يقوم( به جسم الحرف، ويتم به وزانه.
السابع: الاعتبار عبارة عن القصر عند من اعتبر حرف المد، واللين، فقصره إن انفصل عن الهمز الذي بعده، ن ومده إن اتصل بها فسمي اعتبارا بهذا النظر، وهذا صنع ابن كثير والسوسي، وعيسى، وأبي عمرو في طريق عنهما.
الثامن: التمكين أطلقه بعضهم على القصر أيضا باعتبار كونه أمكن في الحركة، وأطلقه الأكثر على المد العرضي، وهو أصح استعمالا، وأشهر اصطلاحا، فيدخل فيه المد في نحو: )قالوا وأقبلوا( و (الذي يوسوس) ونحوهما.
التاسع: الاتساع، وهو إتمام حكم مطلوب لتضعيف الحركة قبل الهمز عند من يقرأ به فتنقلب ألفا.
قال أبو الأصبغ: وقد يعبر به عن المجيىء بكمال الحركة من غير اختلاس. وهو قريب مما قبله.
العاشر: الإدغام، وهو لغة إدخال شيء في شيء، واصطلاحا جعل الحرفين حرفا مشددا، وصيرورته كذلك و جعل المراد إدغامه كالمدغم فيه، فإذا تماثلا، وتحرك الأول كان جائزا الإدغام وإن سكن كان واجب الإدغام فإن بقي نعت من نعوت المدغم فليس الإدغام صحيحا، وهو بالاخفاء أشبه. وأطلقه عليه المحققون كأبي العباس وصاحبه أبي الاصبغ، غيرهما.
الحادي عشر الإظهار، وهو ضده حكما، وتوجيها، وصفته: النطق بكل من الحرفين بعد صيرورتهما جسما واحدا على كمال زنته، وتمام بنيته.
الثاني عشر: البيان وهو بمعناه.
الثالث عشر: الإخفاء وهو في الغنة عند النون الساكنة لفظا ليدخل التنوين، وذلك لم يلق حرف حلق، وفي الخاء، والغين المعجمتين، والراء، واللام خلاف للجمهور والمشهور. عدم الغنة عندها.