والثالث : أن يكون "شيخ" بدلًا من "بعلي"، وكأنه قال : هذا شيخ، كما كان التقدير فيما قبله : بعلي شيخ.
والرابع : أن يكون "بعلي" و"شيخ" جميعًا خبرًا عن هذا؛ كقولك : هذا حُلو حامض؛ أي : قد جمع الحلاوة والحموضة، وكذلك هذا : أي قد جمع البعولة والشيخوخة.
فإن قلت : فهل تجيز أن يكون "بعلي" وصفًا "لـ"هذا"؟ قيل : لا؛ وذلك أن هذا ونحو من أسماء الإشارة لا يوصف بالمضاف، ألا تراهم لم يجيزوا مررت بهذا ذي المال، كما أجاوزا مررت بهذا الغلام؟ وإذا لم يجز أن يكون "بعلي" وصفًا لـ"هذا" من حيث ذكرنا لم يجز أيضًا أن يكون عطف بيان له؛ لأن صورة عطف البيان صورة الصفة، فافهم ذلك.
وهنا وجه خامس : لكنه على قياس مذهب الكسائي؛ وذلك أنه يعتقد في خبر المبتدأ أبدًا أن فيه ضميرًا وإن لم يكن مشتقًّا من الفعل، نحو : زيد أخوك، وهو يريد النسب، فإذا كان كذلك فقياس مذهبه أن يكون "شيخ" بدلًا من الضمير في "بعلي"؛ لأنه خبر عن "هذا".
فإن قلت : فإن الكوفيين لا يُجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا إذا كان من لفظها، نحو قول الله تعالى :﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾١، وليس قبل "شيخ" معرفة من لفظه، قيل : أجل، إلا أن هذا اعتبار في الاسمين الملفوظ بكل واحد منهما، فأما الضمير فيه فعلى قياس قول من استودعه إياه فلا لفظ له أيضًا فيعتبر خلافُه أو وفاقُه، وإذا سقط ذلك ساغ، وجاز إبدال النكرة منه لِما ذكرنا من تقديم لفظه المخالف للفظها.
ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير والحسن بخلاف ومحمد بن مروان٢ وعيسى الثقفي وابن إبي إسحاق :"هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ"٣ بالنصب.
قال أبو الفتح : ذكر سيبويه هذه القراءة وضعفها، وقال فيها : احتَبى ابن مروان في لحنه٤، وإنما قبح ذلك عنده؛ لأنه ذهب إلى أنه جعل "هن" فصلًا، وليست "٧٨ظ" بين أحد الجزأين

١ سورة العلق : ١٥، ١٦.
٢ هو محمد بن مروان المدني القارئ، وردت عنه الرواية في حروف القرآن. طبقات القراء لابن الجزري : ٢/ ٢٦١.
٣ سورة هود : ٧٨.
٤ ليس في الكتاب ذكر للآية ولا للقراءة المعزوة إلى ابن مروان، وعبارته :"وأما أهل المدينة فينزلون "هو" هاهنا "يشير إلى مثاله : ما أظن أحدًا هو خير منك" بمنزلته من المعرفتين، ويجعلونها فصلًا في هذا الموضع، وزعم يونس أبا عمرو رآه لحنًا، وقال : احتبى ابن مروان في هذه في اللحن". الكتاب : ١/ ٣٩٧.


الصفحة التالية
Icon