المقدمة
الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين. ونصلي ونسلم على من أرسله ربه شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وقال له :" وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون " سورة النحل: ٤٤
فقام ببيان ما أنزل إليه خير بيان، تارة بالقول وتارة أخرى بالعمل، وفسر منه بالقدر الذي خفي على الناس في عصرهم، ووسعهم في حياتهم، وما أن انقضى ذلك العصر، وانتقل الناس من حال إلى حال، حتى جدت أحداث، كما خفي على الناس ملابسات التنزيل ودواعيه، مما جعل الأمة في حاجة متجددة ومتزايدة لتفسير القرآن الكريم بما يوضح تلك الملابسات، ويزيل ذلك الخفاء عن بعض آي القرآن الكريم، فنهض بهذا العبء علماء في مختلف الأمصار والأعصار، عملا بقوله تعالى :" ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.." النساء : ٨٢
وإذا كان المرء ابن بيئته، فإن هؤلاء المفسرين لما اختلفت بيئاتهم وأعصارهم، اختلفت تبعا لذلك مشاربهم، واصطبغت بتلك الميول مصنفاتهم، وأصبحت كتب التفسير تعكس ثقافة المفسر وتوجهه إلى جانب ثقافة عصره والتيارات السائدة فيه، بل أصبحت بعض كتب التفسير تحتل مكانة متقدمة بين كتب التفسير الأخرى لما امتزجت به من العلوم العقلية، ولما فيها من الرأي والاجتهاد، وليس فقط لما فيها من تفسير وبيان للقرءان الكريم.
ونظرا لامتزاج التفسير بهذه العلوم العقلية من جهة، وتأثره بالتيارات الفكرية والعقدية من جهة أخرى، فإن ذلك قد أدى إلى الاختلاف الواضح والصارخ أحيانا في الحكم على هذه المصنفات من التفسير تبعا لاختلاف الموازين والمقاييس التي حكموها في تقويمها، وبذلك نرى كتبا قد تقدمت ربما كان حقها التأخير، وكتبا أخرى قد تأخرت وربما كان حقها التقديم.
فصل تمهيدي
مسلكهما في التفسير بالرأي
وبالرغم من اهتمام كلا المفسرين بالتفسير بالنقل فقد كان التفسير بالرأي هو الصبغة الغالبة على تفسيريهما، واشتراكهما في هذه الميزة لا يعني بالضرورة تشابههما في المسلك، بل كان لكل واحد منهما طريقته في توظيف الرأي والاجتهاد في تفسير القرءان، وهذا ما سنعرض له في المبحثين الآتيين.
المبحث الأول
مسلك الزمخشري في التفسير بالرأي
١ ـ ظهر الزمخشري في تفسيره الكشاف معتزليا مجاهرا باعتزاله، متبنيا لأصوله ومدافعا بكل حرارة عن مذهبه، وقد تجلى هذا في الأسس التي بنى عليها مسلكهه في التفسير بالرأي.
فصرح في مقدمة تفسيره أن الداعي إلى تأليف هذا التفسير هو تلبية رغبة أتباع وأنصار مذهبه الإعتزالي، في وضع مصنف في هذا الباب يبين عن مسلكهم في فهم نصوص الكتاب والسنة. قال الزمخشري :( ولقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية العدلية، الجامعة بين علم العربية و الأصول الدينية، كلما رجعوا إلي في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب، أفاضوا في الاستحسان والتعجب واستطيروا شوقا إلى مصنف يضم أطرافا من ذلك، حتى اجتمعوا إلي مقترحين أن أملي عليهم " الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" فاستعفيت، فأبوا إلا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين، وعلماء العدل والتوحيد..)(١)
الفصل الرابع
مسلكهما في مباحث آيات الأحكام
المبحث الأول
مصادرهما الفقهية في تفسير آيات الأحكام
المطلب الأول : مصادر الزمخشري الفقهية
لم تقتصر اهتمامات الزمخشري العلمية على الدراسات النحوية واللغوية والبلاغية، بل كانت له مشاركة في مختلف العلوم بما فيها الفقه، وخير دليل على ذلك تلك المؤلفات المتعددة التي وضعها في أكثر من مذهب فقهي، ومن هذه المؤلفات :
ـ المنهاج، في الأصول.
ـ الرائض في علم الفرائض.
ـ معجم الحدود، في الفقه.
ـ رؤوس المسائل، في الفقه،
ـ شافي العي من كلام الشافعي.
ـ شقائق النعمان في حقائق النعمان، في مناقب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
فقد ذكرت كتب التراجم هذه الكتب كلها ضمن الإنتاج العلمي للزمخشري(١)، وإن كانت لم تصلنا، ويبدو من خلال هذه العناوين أن الزمخشري كان له اهتمام بالدراسات الفقهية، وإن كان لم يشتهر بها، وكان اشتغاله بالفقه على المذهبين الحنفي والشافعي، وهما المذهبان الأغلب انتشارا في ذلك الإقليم، إلا أنه كان يميل إلى المذهب الحنفي ويعتد به، فيقول في بعض أشعاره(٢):
وأسند ديني واعتقادي ومذهبي إلى حنفاء أختارهم وحنائفا
حنيفية أديانهم حنفية مذاهبهم لا يبتغون الزعانفا
كما كان يعتبر اتباع المذهب الحنفي أصحاب فضل ومناقب فيقول :( رضي الله عن العلماء الخاشين من الله وحسابه، جمعوا إلى الدين الحنيفي العلم الحنفي )(٣).
(٢). الصاوي الجويني، منهج الزمخشري في تفسير القرءان : ١٧٩ نقلا عن ديوان الأدب للزمخشري، ورقة : ٧٨
(٣). الزمخشري، أطواق الذهب : ١/٢٨٥
الباب الثاني
مسلكهما في التفسير بالمأثور
الفصل الأول
مسلكهما في تفسير القرءان بالقرءان والسنة
المبحث الأول
مسلكهما في تفسير القرءان بالقرءان
يعتبر التفسير بالمأثور المصدر الأول الذي يرجع إليه كل مفسر للقرآن الكريم، ومهما صنفت بعض كتب التفسير فيما يسمى بالتفسير بالرأي، فهو من باب تغليب الغالب، وإلا فليس هناك أي مفسر يدعي لنفسه تفسير القرآن الكريم من غير أن يرجع إلى النقل، لأن في القرآن ما هو مجمل ولا يفصله إلا القرآن، وفيه من المطلق والعام مالا يقيده أو يخصصه إلا القرآن نفسه، وكل هذا مما ليس للرأي فيه مجال، مما يجعل المفسر في حاجة للإلمام بهذا النوع من التفسير، وقد اعتبره العلماء أرقى درجات التفسير(١).
ويأتي بعده تفسير القرآن بالسنة، وهذا القسم هو الآخر يلحق بسابقه من حيث أن السنة وحي من الله تعالى، لما جاء في سورة النحل :" وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "(٢)ولما روي أنه ـ ﷺ ـ كان ينزل عليه جبريل عليه السلام بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن(٣).
(٢). سورة النحل : ٤٤
(٣). في سنن الدارمي قال : أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان قال :" كان جبريل ينزل على النبي ﷺ بالقرءان مثلما ينزل عليه بالسنة " سنن الدارمي، دار الفكر، بيروت، ج١/١٤٥.
الفصل الثاني
مسلكهما في المباحث اللغوية والنحوية
يعتبر هذا الفصل بحثا مكملا للفصل السابق، لأن مبحث الإعجاز القرآني عند المفسرين قام أساسا على تطبيق نظرية النظم القرآني، وقد علمنا أن النظم ـ الذي هو مناط الإعجاز في القرآن ـ ما هو إلا مراعاة لأحكام النحو، ومن هنا فإن اهتمام كل من المفسرين بالإعجاز البلاغي في القرآن الكريم كان يقتضى منهما أن يهتما بالنواحي النحوية والإعرابية، لما ينبني عليها من الكشف عن وجوه النظم ودلائله الإعجازية.
ولما كان اهتمام المفسرين بالجانب النحوي بارزا في تفسيريهما، فإننا سنقيم هذه الموازنة بين منهجيهما في المباحث النحوية واللغوية من خلال الجوانب الآتية :
المبحث الأول
مصادرهما النحوية
المطلب الأول : مصادر الزمخشري النحوية
إن المتتبع لتاريخ الحركة العلمية في جانب الدراسات اللغوية والنحوية والبلاغية يجدها قد اكتملت ونضجت مع نهاية القرن الرابع الهجري، وقد طبق المفسرون ذلك في إنتاجهم التفسيري، حتى إذا جاء الزمخشري في القرن الخامس ومطلع القرن السادس، وجد سوق الدراسات اللغوية والنحوية نافقة، والحركة العلمية بصفة عامة مزدهرة زاخرة، سواء من حيث العدد الوافر من العلماء الذين كانوا يتوزعون على ساحة المشرق الإسلامي، أو من حيث ما تزخر به المكتبات الإسلامية من أمهات الكتب في هذه الفنون.. )(١)
الفصل الأول
مسلكهما في الكشف عن إعجاز القرآن
المبحث الأول
صلة المعتزلة بموضوع الإعجاز القرآني
يمثل هذا الفصل الجانب البارز في تفسير الكشاف للزمخشري، بل هو الجانب البارز في تفاسير المعتزلة الذين سبقوه، لما له من صلة بالدراسات البلاغية التي نشأت فيأحضانهم، وظلت فترة من الزمن حكرا عليهم. ( حيث أن أقدم بيان عن البلاغة ووضع منهج لمن أرادها هو ما وصلنا من " صحيفة بشر بن المعتمر " الذي انتهت إليه رئاسة المعتزلة ببغداد، وهي مشهورة متداولة.)(١)
وكان الجاحظ يشيد بهذا السبق للمتكلمين فيقول :( ولأن كبار المتكلمين، ورؤساء النظارين كانوا فوق أكثر الخطباء، وأبلغ من كثير من البلغاء، وهم تخيروا تلك الألفاظ لتلك المعاني، وهم اشتقوا لها من كلام العرب تلك الأسماء، وهم اصطلحوا على تسمية ما لم يكن له في لغة العرب اسم، فصاروا في ذلك سلفا لكل خلف، وقدوة لكل تابع.)(٢)
وكان من بين هذه المصطلحات مثلا مصطلح " النظم " الذي كان الجاحظ أول من وضعه، وعلل به الإعجاز القرآني ( لأن الدارسين إلى هذا العهد لم يكونوا مختلفبن حول كون القرءان معجزا أم لا، ولكن حول سر إعجازه )(٣)ولما جاء عبد القاهر الجرجاني استمد منه نظريته التي كانت سندا قويا للزمخشري، ومرجعا أساسيا في الكشف عن سر الإعجاز في القرآن الكريم.
(٢). البيان والتبيين : ١/١٣٩، نقلا عن فلسفة البلاغة : ١٠
(٣). شوقي ضيف : البلاغة تطور وتاريخ، مكتبة وهبة، القاهرة : ١٦١
الفصل الخامس
أثرهما في حركة التفسير
المبحث الأول
أثر الزمخشري في حركة التفسير
لقد تحدث أكثر من باحث عن أثر الزمخشري في من جاء بعده من المفسرين، وأسهبوا في ذكر أسماء من نقلوا عن تفسيره، ولكنهم سكتوا عن تعليل هذا التأثير الواسع الذي امتد عبر قرون طويلة، كما سكت أغلبهم عن سر شهرة هذا المصنف الذي طاول به الزمخشري كبار المفسرين ممن سبقوه أو جاءوا بعده.
وفي رأيي أنه من الضروري أن نبحث سر هذا التأثير الواسع، وسبب شهرة هذا التفسير وذيوعه بين طلاب العلم والدارسين.
وربما كان في مقدمة أسباب تقدم هذا التفسير عن غيره، واحتلاله رتبة الصدارة في درجة تأثيره في من جاء بعده من المفسرين، سبقه في تطبيق الدراسات البيانية في تفسير القرآن الكريم، وذلك بعد اكتمال نظرية النظم ونضجها، ولذا قال ابن خلدون :
(.. والعناية به ـ أي علم البيان ـ لهذا العهد عند أهل المشرق في الشرح والتعليم منه أكثر من غيره.. وسببه والله أعلم أنه كمالي في العلوم اللسانية، والصنائع الكمالية توجد في وفور العمران، والمشرق أوفر عمرانا من المغرب كما ذكرناه، أو نقول لعناية العجم وهم معظم أهل المشرق، كتفسير الزمخشري، وهو كله مبني على هذا الفن، وهو أصله..)(١)
معجزات الانبياء عليهم السلام
المعجزة هي أمر خارق للعادة ولا يقدر على فعله البشر ولا تكون المعجزة ألا للانبياء فقط أما الصحابه او غيره فأن حدث شي من هذا القبيل فهو كرامات مثل قصة عمر بن الخطاب وسارية الجبل
والمعجزه تحدى من الله للبشر وإثبات ان هذا الرسول مرسل من عند الله عز وجل، ودائما تأتي المعجزه حسب طبيعة واشتغال الناس فاذا كان الناس مهتمين بالسحر تأتي فوق السحر وأذا كان الناس مهتمين بالطب والعلاج تأتي في هذا المجال واذا كان الناس مهتمين بالبلاغة تأتي في مجال البلاغة
أبراهيم عليه السلام.................. معجزته النار
موسي عليه السلام..................... معجزته العصا واليد
عيسى عليه السلام................... معجزته علاج الابرص والاكمه واحياء الموتي وخلق الطير بأذن الله
صالح عليه السلام....................... معجزته الناقه
محمد صلى الله عليه وسلم........... معجزته القرآن الكريم وهي المعجزة الخالدة
للرسول محمد صلوات الله عليه ١٠٠٠ معجزه منها تكلم الضب ومنها بكاء المنبر... الخ
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه تدرك الغايات وبعد:
فإن هذه الدراسة التي تمثلت في الموازنة بين هذين الكتابين في التفسير قادتنا في نهاية المطاف إلى تقرير النتائج الآتية :
ـ إن دراسة تفسير الكشاف دراسة سليمة لا تتهيأ إلا لمن درس حياة الزمخشري وما كان يحوطها من ظروف سياسية واجتماعية وفكرية، تلك الحياة التي كانت تتقاسمها الآلام والآمال، حيث نشأ الزمخشري منذ صباه في بيئة تموج بالاعتزال، واحتضنه منذ بداية حياته العلمية شيخه أبو مضر محمود بن جرير الأصفهاني المعتزلي وآواه، في الوقت الذي لقي من سلاطين آل سلجوق كل الصدود والحرمان، مما قذف به إلى مكة ليلتقي بولي نعمته أمير مكة ابن وهاس الذي كان يقاسمه في الفكر والرأي، فبالغ في تكريمه والإحسان إليه، وعوضه عن كل ما فاته، وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، كما لقي هناك من أرباب الفرق الكلامية الأخرى من كان يشايعه ويناصره في فكره، مما شجعه على كتابه تفسيره في مكة، وقد كان لكل تلك العوامل أثرها الواضح في توجهه الفكري في كشافه.
ـ في حين تميزت حياة أبي حيان بالاستقرار النسبي مقارنة بحياة الزمخشري، فما أن دخل مصر حتى لقي حظوة وعناية يليقان بمقامه، مما هيأ له الإقامة بها إلى آخر حياته، وقد كانت مصر قبلة للعلماء وطلاب العلم من أهل السنة يومئذ، فكانت فرصته في إشباع رغبته في التعلم والتعليم في آن واحد، ويبدو من مقدمة تفسيره أنه كانت بين يديه مجموعة هامة من كتب التفسير والعلوم الشرعية الأخرى، فعمل على انتقاء مادة تفسيره من مصادر كثيرة، كما أن ما كان يتميز به أبو حيان من حاسة نقدية وأمانة علمية في النقل والاقتباس قد زاد منهجه في التفسير إتقانا وإحكاما، وزاد من قيمة كتابه البحر المحيط رفعة وتقديرا، وبذلك تجلى عامل التفاضل بين هذين الكتابين في التفسير في جوانب مختلفة.