ص : ٤٤١
من سورة التوبة
قال اللّه تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)
تعاهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مع الكفار من مشركي مكة وغيرهم على ألا يصد عن البيت الحرام أحد من الطرفين، ولا يزعج أحد في الأشهر الحرم. وهذا هو العهد العام الذي كان بينه عليه الصلاة والسلام وبين أهل الشرك من العرب، وكان من وراء ذلك عهود بينه عليه الصلاة والسلام وبين كثير من قبائل العرب إلى آجال مسماة، وقد نقض كثير من المشركين عهودهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ولمكانة الدين الإسلامي من مكارم الأخلاق، وللإشارة إلى أنه ليس الغرض من فرض الجهاد سفك الدماء، وإنما المهم الوصول إلى الإيمان وترك الجحود. أرشد اللّه المؤمنين بقوله تعالى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ إلخ. إلى أن من جاء من المشركين الذي نقضوا العهد يطلب الأمان ليسمع كلام اللّه، ويتدبر، ويطلع على حقيقة الدين، يجب تأمينه وحمايته حتى يصل إلى غايته، ولا يجوز قتله، ولا التعدي عليه. ومتى أراد العودة إلى بلاده يجب تيسير الطريق أمامه ليصل إلى مأمنه، أي مسكنه الذي يأمن فيه. ذلك التسامح الذي أمرتكم به من إجارة المستجير منهم، وإبلاغه مأمنه بسبب أن هؤلاء المشركين قوم لا يعلمون حقيقة الإسلام، ومن جهل شيئا عاداه، أو هم قوم جهلة، ليسوا من أهل العلم، فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يفهموا الحق، وحينئذ لا تبقى لهم معذرة.
وقد ورد أنه جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء الأجل لسماع كلام اللّه، أو لحاجة أخرى فهل يقتل؟ فقال علي : لا، إنّ اللّه تعالى قال : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ.
وهنا أمور :
الأول : أن المذكور في الآية كون المستجير طالبا لسماع القرآن، ويلحق به كونه طالبا لسماع الأدلة على كون الإسلام حقا، وكونه طالبا للجواب عن الشبهات التي عنده، لأنّ كل هؤلاء يطلبون العلم ويسترشدون عن الحق، ومن كان كذلك تجب إجارته.