ص : ٤٧٨
من سورة النحل
قال اللّه تعالى : وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)
ويجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى : تَتَّخِذُونَ، والسكر في الأصل مصدر سكر يضم ويفتح كالرشد والرشد، وقد اختلف السلف في تأويل السكر والرزق الحسن، فروي عن الحسن وسعيد بن جبير السكر : ما حرم منه، والرزق الحسن ما حل منه.
وروي عن جماعة منهم النخعي والشعبي أن السكر خمر، وعن ابن شبرمة أنه خمر إلا أنه من التمر. وقد فهم هؤلاء من الامتنان باتخاذه حلّه في الأصل، ثم قالوا :
هو منسوخ بتحريم الخمر.
وروي عن ابن عباس نحو قول الأولين الذين قالوا : السكر المحرم، والرزق الحسن الحلال.
وروي عنه أيضا أنّ السّكر النبيذ، والرزق الحسن الزبيب، وقد يتعلق الحنفية في الاستدلال لأبي حنيفة بهذه الآية في تحليل قليل المسكر من غير الخمر، ويقولون :
إنّ اللّه امتن على عباده باتخاذ السّكر من ثمرات النخيل والأعناب، ولا يقع الامتنان إلا بمحلّل، فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ، فإذا وصل إلى السكر لم يجز.
ويعضّدون هذا من السنة بما
روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«حرّم اللّه الخمر بعينها :
القليل منها والكثير. والسّكر من كل شراب» «١»
، وأنت تعلم أن الاستدلال بالامتنان في الآية لا ينهض، فإنه إن كانت الآية قبل تحريم الخمر فهي تدل على أنها غير مرغوب فيها، إذ قد جعل اللّه السكر غير الرزق الحسن، وذلك كاف في تقبيحها.
وقد روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال عند نزول هذه الآية :«إنّ ربكم ليقدم في تحريم الخمر» «٢»
، على أنّ الآية قد جمع فيها بين اتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات
(٢) رواه السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٢/ ٣١٨).