يقول:
تفسير ذلك أن الأصل مبتدأ تلقى له خبراً من بعد تثنيه
وفاعل مسند، فعل تقدمه إليه يكسبه وصفاً ويعطيه
هذان أصلان لا تأتيك فائدة من منطق لم يكونا من مبانيه
وما يزيدك من بعد التمام فما سلطت فعلاً عليه في تعديه
هذي قوانين يلفى من تتبعها مايشبه البحر فيضاً من نواحيه
فلست تأتي إلى باب لتعلمه إلا انصرفت بعجزعن تقصيه
هذا كذاك وإن كان الذين ترى يرون أن المدى دان لباغيه
ثم الذي هو قصدي أن يقال لهم بما يجيب الفتى خصماً يماريه
من أين أن لا نظم يشبهه وليس من منطق في ذاك يحكيه؟
وقد علمنا بأن النظم ليس سوى حكم من النحو نمضي في توخيه
لو نقب الأرض باغ غير ذاك له معنى، وصغد يعلو في ترقيه
ما عاد إلا بخسر في تطلبه ولا رأى غير غي في تبغيه
ونحن ما إن بثثنا الفكر ننظر في أحكامه ونروي في معانيه
كانت حقائق يلفى العلم مشتركاً بها، وكلا تراه نافذاً فيه
فليس معرفة من دون معرفة في كل ما أنت من باب تسميه
ترى تصرفهم في الكل مطرداً يجرونه باقتدار في مجاريه
فما الذي زاد في هذا االذي عرفوا حتى غدا العجز يهمي سيل واديه؟
قولوا، وإلا فأصغوا للبيان تروا كالصبح منبلجاً في عين رائيه
الحمد لله وحده، وصلواته على رسوله محمد وآله.
مقدمة المؤلف بقلمه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمد الشاكرين، نحمده على عظيم نعمائه، وجميل بلائه، ونستكفيه نوائب الزمان، ونوازل الحدثان ونرغب إليه في التوفيق والعصمة، ونبرأ إليه من الحول والقوة، ونسأله يقيناً يملأ الصدور، ويعمر القلب، ويستولي على النفس، حتى يكفها إذا نزغت، ويردها إذا تطلعت. وثقة بأنه عز وجل الوزر، والكالىء، والراعي، والحافظ، وأن الخير والشر بيده. وأن النعم كلها من عنده، وأن لا سلطان لأحد مع سلطانه نوجه رغباتنا إليه، ونخلص نياتنا في التوكل عليه، وأن يجعلنا ممن همه الصدق، وبغيته الحق، وغرضه الصواب، وما تصححه العقول وتقبله الألباب، ونعوذ به من أن ندعي العلم بشيء لا نعلمه، وأن نسدي قولاً لا نلحمه، وأن نكون ممن يغره الكاذب من الثناء، وينخدع للمتجوز في الإطراء، وأن يكون سبيلنا سبيل من يعجبه أن يجادل بالباطل، ويموه على السامغ، ولا يبالي إذا راج عنه القول أن يكون قد خلط فيه، ولم يسدد في معانيه. ونستأنف الرغبة إليه عز وجل في الصلاة على خير خلقه، والمصطفى من بريته، محمد سيد المرسلين، وعلى أصحابه الخلفاء الراشدين، وعلى آله الأخيار من بعدهم أجمعين.
وبعد فإنا إذا تصفحنا الفضائل لنعرف منازلها في الشرف، ونتبين مواقعها من العظم، ونعلم أي أحق منها بالتقديم، وأسبق في استيجاب التعظيم، وجدنا العلم أولاها بذلك. وأولها هنالك، إذ لا شرف إلا وهو السبيل إليه، ولا خير إلا وهو الدليل عليه، ولا منقبة إلا وهو ذروتها وسنامها ولا مفخرة إلا وبه صحتها وتمامها، ولا حسنة إلا وهو مفتاحها، ولا محمدة إلا ومنه يتقد مصباحها.
وهو الوفي إذا خان كل صاحب، والثقة إذا لم يوثق بناصح. لولاه لما بان الإنسان من سائر الحيوان إلا بتخطيط صورته، وهيئة جسمه وبنييه، لا ولا وجد إلى اكتساب الفضل طريقاً، ولا وجد بشيء من المحاسن خليقاً.


الصفحة التالية
Icon