٩- سورة التوبة
[ ١ ] عمارة المساجد
التحليل اللفظي
﴿ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ : عمارة المسجد تطلق على بنائه وإصلاحه، وتطلق على لزومه والإقامة فيه لعبادة الله، فالعمارة قسمان : حسيّة ومعنوية، وكلاهما مراد في الآية.
﴿ شَاهِدِينَ ﴾ : أي مقرين ومعترفين به، وذلك بإظهار آثار الشرك والوثنية.
﴿ حَبِطَتْ ﴾ : ضاعت وذهب ثوابها.
﴿ وَأَقَامَ الصلاة ﴾ : إقامة الصلاة : الإتيان بها على الوجه الأكمل، معتدلة مقوّمة بسائر شروطها وأركانها.
﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله ﴾ : أي لم يخف إلا الله، والخشية في اللغة معناها الخوف.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا ينبغي للمشركين ولا يليق بهم، وليس من شأنهم أن يعمروا بيوت الله، وهم في حالة الكفر والإشراك بالله، لأن عمارة المساجد تقتضي الإيمان بالله والحبّ له، وهؤلاء كفروا بالله شهدت بذلك أقوالهم وأفعالهم، فكيف يليق بهم أن يعمروا بيوت الله!!
هؤلاء المشركون ضاعت أعمالهم وذهب ثوابها، وهم في جهنم مخلّدون في العذاب، لا يخرجون من النار، ولا يخفف عنهم من عذابها بسبب الكفر والإشراك.
ثم أخبر تعالى أنّ عمارة المساجد إنما تحصل من المؤمنين بالله، المطيعين له، المصدّقين باليوم الآخر، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويخشون الله حق خشيته، فهؤلاء المتقون لله جديرون بعمارة بيوت الله، وهم أهل لأن يكونوا من المهتدين، الفائزين بسعادة الدارين، المستحقين لرضوان الله.
سبب النزول
روي أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحار رسول الله ﷺ فعيّروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبّخُ العباس بقتال رسول الله ﷺ وقطيعة الرحم، فقال العباس : تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا : وهل لكم من محاسن؟ قالوا : نعم، إنّا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني فنزلت ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ﴾ الآية.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ وقرأ ابن السميقع ( أن يُعْمِروا ) بضم الياء وكسر الميم من ( أعمر ) الرباعي بمعنى أن يعينوا على عمارته.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ مَسَاجِدَ الله ﴾ بالجمع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( مسجد الله ) بالإفراد.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ أن المصدرية وما بعدها في موضع رفع اسم كان و ( للمشركين ) خبرها مقدم، و ( شاهدين ) حال من الواو في ( يعمروا ).
٢ - قوله تعالى :﴿ فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين ﴾ عسى من أخوات ( كان ) وجملة ( أن يكونوا ) خبرها، واسم الإشارة اسمها، والخبر يكون فعلاً مضارعاً في الغالب كما قال ابن مالك :



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
ككان « كاد » و « عسى » لكنْ ندر غير مضارع لهذين خَبَرْ