سورة الواقعة
[ ١ ] حرمة مس المصحف
التحليل اللفظي
﴿ بمواقع النجوم ﴾ : المواقع جمع موقع وهو المسقط الذي يسقط فيه الشيء، قال في « اللسان » : والموقع والموقوعة : موضعُ الوقوع، ويقال : وقع الشيء موقعه، ومواقع الغيث : مساقطه.
والمراد بمواقع النجوم : مواضعها ومنازلها من بروجها، فلكل نجم مدار يدور فيه، وموضع لا يتعدّاه ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣٣ ].
﴿ مَّكْنُونٍ ﴾ : المكنون : المستور قال تعالى :﴿ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون ﴾ [ الواقعة : ٢٣ ] والمراد أنه مصون مستور عن غير الملائكة المقربين لا يطّلع عليه من سواهم، أو مصون محفوظ عن التبديل والتغيير بحفظ الله تعالى له :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ الحجر : ٩ ].
قال ابن عباس : هو اللوح المحفوظ.
وقال مجاهد وقتادة : هو المصحف الذي في أيدينا.
﴿ المطهرون ﴾ : الملائكة الأطهار، أو المطهّرون من الأحداث، من الجنابة والبول والغائط وأشباهها مما يمنع من الصلاة، والمراد على الثاني أنه لا يمسّ القرآن إلا طاهر من الجنابة والحدث.
﴿ مُّدْهِنُونَ ﴾ : متهاونون مكذّبون، قال القرطبي : والمدهن الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شبّه بالدهن في سهولة ظاهره ولهذا يقال للرجل المتهاون أو المتلاين في أمر الدين « مداهن » أي أنه يلين جانبه.
قال في « اللسان » : والمداهنة والإدهان : المصانعة واللين، وقيل : المداهنة إظهار خلاف ما يضمر.
﴿ بَلَغَتِ الحلقوم ﴾ : أي بلغت النفس أو الروح الحلقوم، ولم يتقدم لها ذكر لدلالة الكلام عليه ولأن المعنى معروف، وأنشدوا في ذلك :

أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
﴿ وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً ﴾ [ الواقعة : ٥ ] : أي محاسبين أو مجزيّين بأعمالكم، مأخوذ من دان بمعنى جازى ومنه الحديث الشريف :« اعمل ما شئت كما تدين تُدان » أي كما تفعل تُجزى.
وقال ابن قتيبة : غير مدينين أي غير مملوكين ولا مقهورين من قولهم : دنت له بالطاعة.
وقال الفراء : دنته أي ملكته وأنشد للحطيئة :
لقد دُيّنتِ أمرَ بنيكِ حتّى تركتهِم أدقّ من الطحين
﴿ تَرْجِعُونَهَآ ﴾ : ترجعون الروح إلى الجسد، والمعنى : إن جحدتم الإله الذي يحاسبكم ويجازيكم فهلاَّ تردّون هذه الروح إلى الجسد؟ فإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر بيد الله تعالى.
وجه الارتباط بالآيات السابقة
ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة الأدلة والبراهين على ( الوحدانية ) وعلى البعث والنشور، ثمّ أعقب ذلك بذكر الأدلة على ( النبوّة ) ومصدر الرسالة، وصِدقِ هذا القرآن الذي نزل على خاتم المرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فكان معجزة خالدة له على مدى الزمان.
وقد بيَّن تعالى أنَّ هذا القرآن ليس - كما يزعم المشركون - من تأليف محمد ﷺ وإنما هو تنزيل الحكيم العليم، وقد أقسم على ذلك بهذا القسم العظيم، وهذا هو وجه الارتباط بين الآيات السابقة وبين هذه الآيات الكريمة.


الصفحة التالية
Icon