سورة الممتحنة
[ ١ ] التزاوج بين المسلمين والمشركين
﴿ مهاجرات ﴾ : أي من دار الكفر، والهجرةُ في اللغة : الخروج من أرضٍ إلى أرض، وفي الشرع : الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان، وفي الحديث :« لا هجرةَ بعد الفتحِ ولكنْ جهادٌ ونيةٌ » المراد بعد فتح مكة، حيث أصبحت دار إسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة.
قال الأزهري : وأصل الهجرة عند العرب خروج البدويّ من باديته إلى المدن، وسُمّي المهاجرون ومهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم ابتغاء مرضاة الله، ولحقوا بدارٍ ليس لهم بها أهل ولا مال.
﴿ فامتحنوهن ﴾ : الامتحان في اللغة الاختبار، والمراد اختبارهنّ على الإيمان، بما يغلب على الظنّ، أما حقيقة الإيمان فلا يمكن أن تعلم، لأنه لا يطّلع على القلوب إلاّ علاّم الغيوب، فلنا الظاهر والله سبحانه يتولى السرائر، ويدل عليه قوله :﴿ الله أَعْلَمُ بإيمانهن ﴾.
﴿ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ﴾ : يعني أعطوا أزواجهنَّ الكفار مثل ما دفعوا إليهنّ من المهور.
قال مقاتل : هذا إذا تزوجها مسلم، فإن لم يتزوجها أحد، فليس لزوجها الكافر شيء.
وقال قتادة : الحكم في ردّ الصداق إنما هو في نساء أهل العهد، فأمّا من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يردّ إليه الصداق، قال القرطبي : والأمر كما قاله.
﴿ أُجُورَهُنَّ ﴾ : يعني مهورهن، وسمي المهر أجراً لأنه في الظاهر أجر البضع، وأمّا في الحقيقة فهو بذل وعطيّة لإظهار خطر المحل وشرفه، كما تقدّم.
﴿ بِعِصَمِ الكوافر ﴾ : جمع عِصْمة، وهي ما يعتصم به من عهد وسبب، وأصل العصمة : الحبل، وكلّ ما أمسك شيئاً فقد عصمه، والمراد بالعِصْمة هنا النكاح، والكوافر : جمع كافرة.
والمعنى : لا تعتدّوا بنكاح زوجاتكم الكافرات فقد انقطعت العلاقة بينكم وبينهنّ.
قال ابن عباس :« من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدّن بها، فليست له امرأة، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين.
قال الزجاج : إنها إذا كفرت فقد زالت العصمة بينها وبين المؤمن أي قد انبتَّ عقد النكاح.
﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ ﴾ : أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدّة، فاسألوهم ما أنفقتم من المهر على نسائكم اللاحقات بهم.
﴿ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ : يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم، فليسأل أزواجهن المهر.
والمعنى : عليكم أن تغرموا لهم الصّداق كما يغرمون لكم.
﴿ فَاتَكُمْ ﴾ : سبقكم وانفلت من أيديكم.
﴿ فَعَاقَبْتُمْ ﴾ : قال الزجاج : أي أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم منهم.
﴿ ببهتان ﴾ : البهتانُ : الكذب والباطل، والافتراء الذي يُتحيّر من بطلانه، ومنه حديث ( فقد بهتّه ) أي افتريت عليه ما لم يقله.
والمراد به في الآية : اللقيط.
قال ابن عباس : لا يُلحِقْن بأزواجهنّ غيرَ أولادهم.
وقال الفراء : كانت المرأة في الجاهلية تلتقط المولود فتقول : هذا ولدي منك، فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن.


الصفحة التالية
Icon