سورة الجمعة
[ ١ ] صلاة الجمعة وأحكامها
التحليل اللفظي
﴿ نُودِيَ ﴾ : النداء : الدعاء بأرفع الصوت تقول : ناديته نداءً ومناداة، وفي الحديث « فإنه أندى صوتاً منك » أي أحسن وأعذب، وقيل : أرفع وأعلى، والمرادُ بالنداء هنا : الأذانُ والإعلام لصلاة الجمعة.
﴿ الجمعة ﴾ : هو اليوم المعروف، وهو يوم عيد المسلمين الأسبوعي قال الفراء : يقال ( الجُمْعة ) بسكون الميم، و ( الجُمُعة ) بضم الميم، و ( الجُمَعة ) بفتح الميم فيكون صفة اليوم، أي تجمع الناس، كما يقال : ضُحَكة للذي يضحك الناس، ففيها ثلاث لغات.
والأفصح الأشهر ( الجمُعة ) بضم الميم، قال ابن عباس : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم فاقرؤها جُمُعة.
وقد صار يوم الجمعة عَلَماً على اليوم المعروف من أيام الأسبوع، وسميت جمعة لاجتماع الناس فيها للصلاة، وكان العرب تسمي يوم الجمعة ( عَروبة ) وأول من سمّاها جمعة ( كعب بن لؤي ).
قال السهيلي : ومعنى العروبة : الرحمة فيما بلغنا عن بعض أهل العلم.
﴿ فاسعوا ﴾ : السعي : العَدْوُ في المشي والإسراع فيه، والمراد منه في الآية : امشوا إلى الصلاة بدون إفراط في السّرعة لقوله عليه السلام :« إذا أُقيمت الصلاةُ فلا تأتوها وأنتم تَسْعَوْن، وأتُوها وأنتم تَمْشُون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا ».
قال الفراء : المضيّ، والسعي، والذهاب، بمعنى واحد واحتج بقولهم : هو يسعى في البلاد يطلب فضل الله، معناه يمضي بجد واجتهاد، وليس معناه : العدو والركض.
واحتج أبو عبيدة : بقول الشاعر :

أسعى على جُلّ بني مالك كلّ امرئ في شأنه ساعي
وكان ابن مسعود : يقرؤها :( فامضوا إلى ذكر الله ) ويقول :« لو كانت من السعي لسعيتُ حتى يسقط ردائي ».
قال القرطبي : وقراءةُ ابن مسعود تفسير منه، لا قراءة قرآن منزل، وجائزٌ قراءة القرآن بالتفسير، في معرض التفسير.
﴿ ذِكْرِ الله ﴾ : المراد بذكر الله صلاةُ الجمعة، بدليل قوله تعالى :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاوة فانتشروا فِي الأرض ﴾ وقيل : المراد به الخطبة.
والصحيح الراجح : أن المراد به ( الصلاة، والخطبة ) جميعاً لاشتمالهما على ذكر الله.
﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾ : أي اتركوا البيع، والمعاملة، وسائر أمور التجارة والأعمال.
قال الألوسي : أي اتركوا المعاملة، فيعمّ البيع، والشراء، والإجارة وغيرها من المعاملات.
وقال القرطبي : وخصّ البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق.
﴿ قُضِيَتِ الصلاوة ﴾ : أي أديتم الصلاة وفرغتم منها، يقال : قضى الرجل عمله أي أدّاه ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ] أي أديتموها، وقضى دينه أي وفَّاه، وليس من قضاء الفائتة في الصلاة، وقد استدل الفقهاء بهذه الآية الكريمة على أن لفظ ( القضاء ) يطلق على ( الأداء ) وهو استدلال لطيف.
﴿ فانتشروا ﴾ : أي تفرقوا في الأرض لإقامة مصالحكم، والانتشار معناه التفرق، ومنه قوله تعالى :﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا ﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ].
﴿ وابتغوا ﴾ : أي اطلبوا من الابتغاء بمعنى الطلب، قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon