مقدمة هذه دراسة جديدة للقرآن الكريم، سبق أن قدمت نماذج منها فى بعض ما كتبت. وقد لازمنى شعور بالقصور وأنا أمضى فيها، فشأن القرآن أكبر من أن يتعرض له مثلى، ولكنى حرصت على أن أزداد فقها فى القرآن وتدبرا لمعانيه. وقلت: قد أرتاد طريقا لم أسبق إليه أفتتح به بابا من أبواب الخير، والقرآن لا تنقضى عجائبه، ولن نبلغ مهما بذلنا مداه!! والهدف الذى سعيت إليه أن أقدم تفسيرا موضوعيا لكل سورة من الكتاب العزيز. والتفسير الموضوعى غير التفسير الموضعى: الأخير يتناول الآية أو الطائفة من الآيات فيشرح الألفاظ والتراكيب والأحكام! أما الأول فهو يتناول السورة كلها يحاول رسم " صورة شمسية" لها تتناول أولها وآخرها، وتتعرف على الروابط الخفية التى تشدها كلها، وتجعل أولها تمهيدا لآخرها، وآخرها تصديقا لأولها. لقد عنيت عناية شديدة بوحدة الموضوع فى السورة، وإن كثرت قضاياها، وتأسيت فى ذلك بالشيخ محمد عبد الله دراز عندما تناول سورة البقرة- وهى أطول سورة فى القرآن الكريم- فجعل منها باقة واحدة ملونة نضيدة، يعرف ذلك من قرأ كتابه " النبأ العظيم " وهو أول تفسير موضوعى لسورة كاملة، فيما أعتقد.. وعلماء القرآن أجهزة استقبال لما يؤتيهم الله من فهم فيه، فالفضل أولا وأخرا لمن أسدى تبارك اسمه!. وقد شعرت- على ضوء ما أحسست من نفسى- أن المسلمين بحاجة إلى هذا اللون من التفسير! كيف؟ لقد صحبت القرآن من طفولتى، وحفظته فى سن العاشرة، ومازلت أقرأه وأنا فى العقد الثامن من العمر.. بدا لى أن ما أقبس من معانيه قليل، وأن وعيى لا يتجاوز المعانى القريبة والجمل المرددة، فقلت: إنى ما قضيت حق التدبر فيه كما أمر منزله العظيم! يجب أن أغوص فى أعماق الآية لأدرك رباطها بما قبلها وما بعدها، وأن أتعرف على السورة كلها متماسكة متساوقة...
ص _٠٠٦