وقال تعالى: ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ (١). فالآية دالة على أننا مأمورين بأن يتفرَّغَ منا البعض لتعلم أحكام الشريعة؛ ليعلموها للناس.
وعلى ذلك وجدنا الصحابة والتابعين ومن تابعهم إلى يومنا هذا، ففي كل فنًّ من الفنون وعلم من العلوم نرى فيه أهل الذكر، الذين اشتغلوا في ليلهم ونهارهم على حفظه بتعلمه وتعليمه للآخرين، حتى وصلت لنا علوم الشريعة المختلفة دون انتقاص، وكان منها علم التجويد.
وهذا العالم الذي تخصص في أحد هذه العلوم وعرف دقائقه وخباياه، وعرف حاجة الناس إليه، فإن هذا العلم يكون له فرض عين يأثم إذا لم يعلمه للناس وينشره بين المسلمين إن لم يكن غيره يقوم بذلك.
قال الإمام السيوطي(٢): ((اعلم أن حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة، صرَّح به الجرجاني في ((الشافي)) والعبادي وغيرهما. قال الجويني: والمعنى فيه ألا ينقطع عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه التبديل والتحريف، فإن قام بذلك قوم يبلغون هذا العدد سقط عن الباقين، وإلا أثم الكل، وتعليمه أيضاً فرض كفاية وهو من أفضل القرب ففي الصحيح (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(٣).)).
وقال الإمام علي القاري(٤): ((لا خلاف في أنه ـ أي علم التجويد ـ فرض كفاية، والعمل به فرض عين في الجملة على صاحب كل قراءة ورواية، ولو كانت القراءة سنة)).
فكلامه صريح في أنه من فروض الكفاية التي لو قام بها البعض سقط عن الباقين، ويكون فرض عين على من تخصص فيه أي صاحب كل قراءة ورواية، وإن كان تعلمه وقراءته لعامة المسلمين سنة.
المبحث السادس
(٢) في ((الاتقان))(١: ٢٦٤).
(٣) في ((صحيح البخاري))(٤: ١٩١٩)، و((صحيح ابن حبان))(١: ٣٢٤)، و((جامع الترمذي))(٥: ١٧٣)، وغيرها.
(٤) في ((المنح الفكرية))(ص١٩).
نتائج البحث
