مشيئة اللّه بالإنسان إنما تتحقق من خلال حركته بنفسه
نقف من السورة (سورة الرعد ) أمام معلم آخر، وهي تقرر كلمة الفصل في العلاقة بين اتجاه «الإنسان» وحركته وبين تحديد مآله ومصيره وتقرير أن مشيئة اللّه به إنما تتحقق من خلال حركته بنفسه وذلك مع تقرير أن كل حدث إنما يقع ويتحقق بقدر من اللّه خاص.. ومجموعة النصوص الخاصة بهذا الموضوع في السورة كافية بذاتها لجلاء النظرة الإسلامية في هذه القضية الخطيرة.. وهذه نماذج منها كافية :«إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ، وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ، وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ»..
«لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ، أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ»..
«قُلْ : إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»..
« أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً؟!»..
«بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ»..
وواضح من النص الأول من هذه النصوص أن مشيئة اللّه في تغيير حال قوم إنما تجري وتنفذ من خلال حركة هؤلاء القوم بأنفسهم، وتغيير اتجاهها وسلوكها تغييرا شعوريا وعمليا. فإذا غير القوم ما بأنفسهم اتجاها وعملا غير اللّه حالهم وفق ما غيروا هم من أنفسهم.. فإذا اقتضى حالهم أن يريد اللّه بهم السوء مضت إرادته ولم يقف لها أحد، ولم يعصمهم من اللّه شي ء، ولم يجدوا لهم من دونه وليا ولا نصيرا.
فأما إذا هم استجابوا لربهم، وغيروا ما بأنفسهم بهذه الاستجابة، فإن اللّه يريد بهم الحسنى، ويحقق لهم هذه الحسنى في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما جميعا، فإذا لم يستجيبوا أراد بهم السوء، وكان لهم سوء الحساب، ولم تغن عنهم فدية إذا جاءوه - غير مستجيبين - يوم الحساب! وواضح من النص الثاني أن الاستجابة أو عدم الاستجابة


الصفحة التالية
Icon