الفصل الثاني
مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم
(وفيه اثنا عشر مبحثا)
سنصحب - بإذن الله تعالى - الإمام أبا إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم، وسيتبيّن لنا من خلال هذه المباحث أنّ الإمام أبا إسحاق الشاطبي مفسر مؤصل لعلم التفسير، يضع القواعد والأسس التي يُعتمد عليها في فهم كتاب الله تعالى.
وكنت أود أن يكون عنوان هذا الفصل "مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في أصول التفسير"، لكنّ هذا العنوان يُخرج بعض المباحث النفيسة المتعلقة بعلوم القرآن الكريم، ففضلت أن يكون العنوان شاملاً لأصول التفسير وغيره؛ إذْ لا ريبَ أنّ أصول التفسير يدخل ضمن علوم القرآن الكريم.
فإلى هذه المباحث نتركك، ونسأل الله أن ينفعنا وإيّاك بما نقرأ وندرس.
المبحث الأول: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في أسباب النزول(١)
قال رحمه الله تعالى: "معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:
أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن - فضلاً عن معرفة مقاصد كلام العرب - إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال، حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك كالاستفهام لفظه واحد، ويدخله معان أُخر من تقرير وتوبيخ وغير ذلك. وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال... ومعرفة الأسباب رافعةٌ لكل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب....

(١) انظر مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام، ص (٧٢)، والبرهان في علوم القرآن
(١/٢٢)، والإتقان (١/٨٣).


الصفحة التالية
Icon