التصور الإسلامي للتوحيد وأثره في التعامل (١)
يبدأ هذا الدرس بقاعدة التصور الإسلامي الأساسية.. التوحيد وإفراد اللّه - سبحانه - بالألوهية ثم يبني على هذه القاعدة أحكاما شتى في معاملة المجتمع المسلم مع المعسكرات المختلفة بعد التنديد بانقسام الصف المسلم إلى فئتين ورأيين، في معاملة المنافقين - ويبدو أنها جماعة خاصة من المنافقين من غير سكان المدينة - فتقوم هذه الأحكام - وهذا التنديد أيضا - على قاعدتها الأصيلة، التي يقوم عليها بناء النظام الإسلامي كله.. والتي يتكرر ذكرها كلما اتجه المنهج الرباني إلى تشريع أو توجيه.
هذه الأحكام في معاملة المعسكرات المختلفة، هي طرف من القواعد التي أنشأها الإسلام - لأول مرة في تاريخ البشرية - لتنظيم المعاملات الدولية واتخاذ قواعد أخرى لهذه المعاملات، غير تحكيم السيف، ومنطق القوة، وشريعة الغاب.
إن أوربا بقانونها الدولي - وكل ما تفرع عنه من المنظمات الدولية - لم تبدأ في هذا الاتجاه إلا في القرن السابع عشر الميلادي (الحادي عشر الهجري). ولم يزل هذا القانون - في جملته - حبرا على ورق ولم تزل هذه المنظمات - في جملتها - أدوات تختفي وراءها الأطماع الدولية ومنابر للحرب الباردة! وليست أداة لإحقاق حق ولا لتحقيق عدل! وقد دعت إليها منازعات بين دول متكافئة القوى. ولكن كلما اختل هذا التكافؤ لم يعد للقوانين الدولية قيمة، ولا للمنظمات الدولية عمل ذو قيمة! أما الإسلام - المنهج الرباني للبشر - فقد وضع أسس المعاملات الدولية في القرن السابع الميلادي (الأول الهجري). ووضعها من عند نفسه دون أن تضطره إلى ذلك ملابسات القوى المتكافئة. فهو كان يضعها ليستخدمها هو، وليقيم المجتمع المسلم علاقاته مع المعسكرات الأخرى على أساسها. ليرفع للبشرية راية العدالة، وليقيم لها معالم الطريق. ولو كانت المعسكرات الأخرى - الجاهلية - لا تعامل المجتمع المسلم بتلك المبادئ من جانبها.. فلقد كان الإسلام ينشىء هذه المبادئ إنشاء وللمرة الأولى..
وهذه القواعد للمعاملات الدولية متفرقة في مواضعها ومناسباتها من سور القرآن، وهي تؤلف في مجموعها قانونا كاملا للتعامل الدولي. يضم حكما لكل حالة من الحالات التي تعرض بين المعسكر الإسلامي والمعسكرات الأخرى : محاربة. ومهادنة. ومحالفة. ومحايدة. ومرتبطة مع محارب، أو مهادن، أو محالف، أو محايد... إلخ..