الناس ليسوا وحدهم في هذا الكون (١)
«وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ، وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ، ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ، ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ»..
إن الناس ليسوا وحدهم في هذا الكون، حتى يكون وجودهم مصادفة، وحتى تكون حياتهم سدى! إن حولهم أحياء أخرى، كلها ذات أمر منتظم، يوحي بالقصد والتدبير والحكمة، ويوحي كذلك بوحدة الخالق، ووحدة التدبير الذي يأخذ به خلقه كله..
إنه ما من دابة تدب على الأرض - وهذا يشمل كل الأحياء من حشرات وهوام وزواحف وفقاريات - وما من طائر يطير بجناحيه في الهواء - وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة غير ذلك من الكائنات الطائرة..
ما من خلق حي في هذه الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة، ذات خصائص واحدة، وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك.. شأنها في هذا شأن أمة الناس.. ما ترك اللّه شيئا من خلقه بدون تدبير يشمله، وعلم يحصيه.. وفي النهاية تحشر الخلائق إلى ربها.. فيقضي في أمرها بما يشاء..
إن هذه الآية القصيرة - فوق تقريرها الحاسم في حقيقة الحياة والأحياء - لتهز القلب بما ترسم من آفاق الإشراف الشامل، والتدبير الواسع، والعلم المحيط، والقدرة القادرة، للّه ذي الجلال.. وكل جانب من هذه الجوانب لا نملك التوسع في الحديث عنه حتى لا نخرج عن منهج الظلال «١»، فنجاوزه إذن لنتمشى مع السياق.. إذ المقصود الأول هنا هو توجيه القلوب والعقول، إلى أن وجود هذه الخلائق بهذا النظام، وشمولها بهذا التدبير، وإحصاءها في علم اللّه، ثم حشرها إلى ربها في نهاية المطاف.. توجيه القلوب والعقول إلى ما في هذه الحقيقة الهائلة الدائمة من دلائل وأمارات، أكبر من الآيات والخوارق التي يراها جيل واحد من الناس! وتختم هذه الجولة - أو هذه الموجة - بتقرير ما وراء الهدى والضلال من مشيئة اللّه وسنته، وما يدلان عليه من فطرة الناس في حالات الهدى وحالات الضلال :
«وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ. مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ، وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»..
وهو إعادة لتقرير الحقيقة التي مضت في هذه الجولة عن استجابة الذين يسمعون، وموت الذين لا يستجيبون.