قضية الربوبية لا قضية الألوهية (١)
نحن مع موكب الإيمان.. هذه أعلامه.. وهذه علائمه.. وهذه هي معالم طريقه.. وهو يواجه البشرية في رحلتها الطويلة على هذا الكوكب الأرضي.. يواجهها كلما التوت بها الطريق وكلما انحرفت عن صراط اللّه المستقيم وكلما تفرقت بها السبل. تحت ضغط الشهوات، التي يقودها الشيطان من خطامها، محاولا أن يرضي حقده وأن ينفذ وعيده، وأن يمضي ببني آدم من خطام هذه الشهوات إلى جهنم فإذا الموكب الكريم يواجه البشرية بالهدى، ويلوّح لها بالنور، ويستروح بها ريح الجنة، ويحذرها لفحات السموم، ونزغات الشيطان الرجيم، عدوها القديم..
.. إنه مشهد رائع.. مشهد الصراع العميق، في خضم الحياة، على طول الطريق..
إن التاريخ البشري يمضي في تشابك معقد كل التعقيد.. إن هذا الكائن المزدوج الطبيعة، المعقد التركيب..
الذي يتألف كيانه من أبعد عنصرين تؤلف بينهما قدرة اللّه وقدره.. عنصر الطين الذي نشأ منه، وعنصر النفخة من روح اللّه، التي جعلت من هذا الطين إنسانا.. إن هذا الكائن ليمضي في تاريخه مع عوامل متشابكة كل التشابك، معقدة كل التعقيد.. يمضي بطبيعته هذه يتعامل مع تلك الآفاق والعوالم التي أسلفنا في قصة آدم الحديث عنها..
يتعامل مع الحقيقة الإلهية : مشيئتها وقدرها، وقدرتها وجبروتها، ورحمتها وفضلها..
إلخ... ويتعامل مع الملأ الأعلى وملائكته.. ويتعامل مع إبليس وقبيله.. ويتعامل مع هذا الكون المشهود ونواميسه وسنن اللّه فيه.. ويتعامل مع الأحياء في هذه الأرض.. ويتعامل مع بعضه البعض.. يتعامل مع هذه الآفاق وهذه العوالم بطبيعته تلك، وباستعداداته المتوافقة والمتعارضة مع هذه الآفاق والعوالم..
وفي هذا الخضم المتشابك من العلاقات والروابط، يجري تاريخه.. ومن القوة في كيانه والضعف. ومن التقوى والهدى. ومن الالتقاء بعالم الغيب وعالم الشهود. ومن التعامل مع العناصر المادية في الكون والقوى الروحية، ومن التعامل مع قدر اللّه في النهاية.. من هذا كله يتكون تاريخه.. وفي ضوء هذا التعقيد الشديد يفسر تاريخه.
والذين يفسرون التاريخ الإنساني تفسيرا «اقتصاديا» أو «سياسيا». والذين يفسرونه تفسيرا «بيولوجيا».