أهمية الذكر والتضرع إلى الله (١)
إنها نقلة بعيدة، تتجلى فيها نعمة اللّه ورحمته لو كان الناس يعلمون..!
وبعد، فإن ذكر اللّه - كما توجه إليه هذه النصوص - ليس مجرد الذكر بالشفة واللسان. ولكنه الذكر بالقلب والجنان. فذكر اللّه إن لم يرتعش له الوجدان، وإن لم يخفق له القلب، وإن لم تعش به النفس..
إن لم يكن مصحوبا بالتضرع والتذلل والخشية والخوف.. لن يكون ذكرا.. بل قد يكون سوء أدب في حق اللّه سبحانه. إنما هو التوجه إلى اللّه بالتذلل والضراعة، وبالخشية والتقوى.. إنما هو استحضار جلال اللّه وعظمته، واستحضار المخافة لغضبه وعقابه، واستحضار الرجاء فيه والالتجاء إليه.. حتى يصفو الجوهر الروحي في الإنسان، ويتصل بمصدره اللدني الشفيف المنير..
فإذا تحرك اللسان مع القلب وإذا نبست الشفاه مع الروح فليكن ذلك في صورة لا تخدش الخشوع ولا تناقض الضراعة. ليكن ذلك في صوت خفيض، لا مكاء وتصدية، ولا صراخا وضجة، ولا غناء وتطرية! «واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول»..
«بالغدو والآصال».
في مطالع النهار وفي أواخره. فيظل القلب موصولا باللّه طرفي النهار. وذكر اللّه لا يقتصر على هذه الآونة، فذكر اللّه ينبغي أن يكون في القلب في كل آن ومراقبة اللّه يجب أن تكون في القلب في كل لحظة. ولكن هذين الآنين إنما تطالع فيهما النفس التغير الواضح في صفحة الكون.. من ليل إلى نهار.. ومن نهار إلى ليل. ويتصل فيهما القلب بالوجود من حوله وهو يرى يد اللّه تقلب الليل والنهار وتغير الظواهر والأحوال..
وإن اللّه - سبحانه - ليعلم أن القلب البشري يكون في هذين الآنين أقرب ما يكون إلى التأثر والاستجابة..
ولقد كثر في القرآن التوجيه إلى ذكر اللّه سبحانه وتسبيحه في الآونة التي كأنما يشارك الكون كله فيها في التأثير على القلب البشري وترقيقه وإرهافه وتشويقه للاتصال باللّه.. «فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ».. «وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى ».. «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا»..

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ١٤٢٦)


الصفحة التالية
Icon