المؤمن لا يخاف إلا من الله ويصدع مهما كلفه الثمن (١)
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ، إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ : يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ. ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً. ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ»..
إن كان الأمر قد بلغ منكم مبلغ الضيق، فلم تعودوا تتحملون بقائي فيكم ودعوتي لكم وتذكيري لكم بآيات اللّه. فأنتم وما تريدون. وأنا ماض في طريقي لا أعتمد إلا على اللّه :«فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ»..
عليه وحده فهو حسبي دون النصراء والأولياء.
«فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ».. وتدبروا مصادر أمركم وموارده، وخذوا أهبتكم متضامنين :
«ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً».. بل ليكن الموقف واضحا في نفوسكم، وما تعتزمونه مقررا لا لبس فيه ولا غموض، ولا تردد فيه ولا رجعة.
«ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ».. فنفذوا ما اعتزمتم بشأني وما دبرتم، بعد الروية ووزن الأمور كلها والتصميم الذي لا تردد فيه..
«وَلا تُنْظِرُونِ».. ولا تمهلوني للأهبة والاستعداد، فكل استعدادي، هو اعتمادي على اللّه وحده دون سواه.
إنه التحدي الصريح المثير، الذي لا يقوله القائل إلا وهو مالئ يديه من قوته، واثق كل الوثوق من عدته، حتى ليغري خصومه بنفسه، ويحرضهم بمثيرات القول على أن يهاجموه! فماذا كان وراء نوح من القوة والعدة؟ وماذا كان معه من قوى الأرض جميعا؟
كان معه الإيمان.. القوة التي تتصاغر أمامها القوى، وتتضاءل أمامها الكثرة، ويعجز أمامها التدبير.
وكان وراءه اللّه الذي لا يدع أولياءه لأولياء الشيطان! إنه الإيمان باللّه وحده ذلك الذي يصل صاحبه بمصدر القوة الكبرى المسيطرة على هذا الكون بما فيه ومن فيه. فليس هذا التحدي غرورا، وليس كذلك تهورا، وليس انتحارا. إنما هو تحدي القوة الحقيقية الكبرى للقوى الهزيلة الفانية التي تتضاءل وتتصاغر أمام أصحاب الإيمان.
وأصحاب الدعوة إلى اللّه لهم أسوة حسنة في رسل اللّه.. وإنه لينبغي لهم أن تمتلئ قلوبهم بالثقة حتى تفيض.