الفرق بين من يستجيب لدين الله ومن لا يستجيب كالفرق بين الأعمى والبصير (١)
وهكذا يتقرر أن الذين لا يستجيبون لهذا الحق هم - بشهادة اللّه سبحانه - عمي. وأنهم لا يتفكرون ولا يعقلون. وأن الذين يستجيبون له هم أولو الألباب، وهؤلاء تطمئن قلوبهم بذكر اللّه، وتتصل بما هي عارفة له ومصطلحة عليه بفطرتها العميقة، فتسكن وتستريح.
وإن الإنسان ليجد مصداق قول اللّه هذا في كل من يلقاه من الناس معرضا عن هذا الحق الذي تضمنه دين اللّه، والذي جاء به في صورته الكاملة محمد رسول اللّه.. فإن هي إلا جبلات مؤوفة مطموسة. وإن هي إلا كينونات معطلة في أهم جوانبها بحيث لا تتلقى إيقاعات هذا الوجود كله من حولها، وهو يسبح بحمد ربه وينطق بوحدانيته وقدرته وتدبيره وتقديره.
وإذا كان الذين لا يؤمنون بهذا الحق عميا - بشهادة اللّه سبحانه - فإنه لا ينبغي لمسلم يزعم أنه يؤمن برسول اللّه، ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند اللّه.. لا ينبغي لمسلم يزعم هذا الزعم أن يتلقى في شأن من شؤون الحياة عن أعمى! وبخاصة إذا كان هذا الشأن متعلقا بالنظام الذي يحكم حياة الإنسان أو بالقيم والموازين التي تقوم عليها حياته أو بالعادات والسلوك والتقاليد والآداب التي تسود مجتمعه..
وهذا هو موقفنا من نتاج الفكر - غير الإسلامي - بجملته - فيما عدا العلوم المادية البحتة وتطبيقاتها العملية مما قصده رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بقوله :«أنتم أعلم بشؤون دنياكم». فإنه ما ينبغي قط لمسلم يعرف هدى اللّه ويعرف هذا الحق الذي جاء به رسول اللّه، أن يقعد مقعد التلميذ الذي يتلقى من أي إنسان لم يستجب لهذا الهدى ولم يعلم أنه الحق.. فهو أعمى بشهادة اللّه سبحانه.. ولن يرد شهادة اللّه مسلم.. ثم يزعم بعد ذلك أنه مسلم!!!
إنه لا بد لنا أن نأخذ هذا الدين مأخذ الجد وأن نأخذ تقريراته هذه مأخذ الجزم.. وكل تميع في مثل هذه القضية هو تميع في العقيدة ذاتها إن لم يكن هو رد شهادة اللّه - سبحانه - وهو الكفر البواح في هذه الصورة! وأعجب العجب أن ناسا من الناس اليوم يزعمون أنهم مسلمون ثم يأخذون في منهج الحياة البشرية عن فلان وفلان من الذين يقول عنهم اللّه سبحانه : إنهم عمي. ثم يظلون يزعمون بعد ذلك أنهم مسلمون! إن هذا الدين جد لا يحتمل الهزل، وجزم لا يحتمل التميع، وحق في كل نص فيه وفي كل كلمة..
فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فما أغنى هذا الدين عنه. واللّه غني عن العالمين !

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ٢٠٧٤)


الصفحة التالية
Icon