الرد على حجج عباد الأصنام (١)
ويبدأ بتصوير سخف هذه الأسطورة وتهافتها، ومقدار ما في القول بها من كفر صريح :«وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً، إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ»..
فالملائكة عباد اللّه، ونسبة بنوتهم له معناها عزلهم من صفة العبودية، وتخصيصهم بقرابة خاصة باللّه وهم عباد كسائر العباد، لا مقتضى لتخصيصهم بصفة غير صفة العبودية في علاقتهم بربهم وخالقهم. وكل خلق اللّه عباد له خالصو العبودية. وادعاء الإنسان هذا الادعاء يدمغه بالكفر الذي لا شبهة فيه :«إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ».
ثم يحاجهم بمنطقهم وعرفهم، ويسخر من سخف دعواهم أن الملائكة إناث ثم نسبتهم إلى اللّه :
«أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ؟»..
فإذا كان اللّه - سبحانه - متخذا أبناء، فماله يتخذ البنات ويصفيهم هم بالبنين وهل يليق أن يزعموا هذا الزعم بينما هم يستنكفون من ولادة البنات لهم ويستاءون :
«وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ»..
أفما كان من اللياقة والأدب ألا ينسبوا إلى اللّه من يستاءون هم إذا بشروا به، حتى ليسود وجه أحدهم من السوء الذي يبلغ حدا يجل عن التصريح به، فيكظمه ويكتمه وهو يكاد يتميز من السوء؟! أفما كان من اللياقة والأدب ألا يخصوا اللّه بمن ينشأ في الحلية والدعة والنعومة، فلا يقدر على جدال ولا قتال بينما هم - في بيئتهم - يحتفلون بالفرسان والمقاويل من الرجال؟! إنه يأخذهم في هذا بمنطقهم، ويخجلهم من انتقاء ما يكرهون ونسبته إلى اللّه. فهلا اختاروا ما يستحسنونه وما يسرون له فنسبوه إلى ربهم، إن كانوا لا بد فاعلين؟! ثم يحاصرهم هم وأسطورتهم من ناحية أخرى. فهم يدعون أن الملائكة إناث. فعلام يقيمون هذا الادعاء؟
«وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً. أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ»..
أشهدوا خلقهم؟ فعلموا أنهم إناث؟ فالرؤية حجة ودليل يليق بصاحب الدعوى أن يرتكن إليه. وما يملكون أن يزعموا أنهم شهدوا خلقهم. ولكنهم يشهدون بهذا ويدعونه، فليحتملوا تبعة هذه الشهادة بغير ما كانوا حاضريه :«سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ»..
ثم يتابع الفرية وما يصوغونه حولها من جدل واعتذار :«وَقالُوا : لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ. ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ. إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ»..

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٥ / ٣١٨١)


الصفحة التالية
Icon