أقوال ابن خويز منداد في التفسير
جمعاً ودراسة
رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير
في قسم القرآن وعلومه
إعداد
سمية بنت على بن محمد السلطان
إشراف
إبراهيم بن سليمان الهويمل
وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والأستاذ في جامعة الإمام سابقاً
العام الجامعي: ١٤٢٣هـ
المقدمة
الحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ثم الصلاة والسلام على سيد الأنام، المرسل بأعظم بيان، الداعي إلى الإيمان، القائل بأفصح لسان: "خيركم من تعلم القرآن"(١)، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسار على نهجهم واهتدى بهديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد..
فقد اعتنى علماء الإسلام- رحمهم الله- في مختلف العصور، بكتاب الله - عز وجل- عناية عظيمة، ومن ذلك عنايتهم بتفسير ألفاظه وبيان معانيه واستنباط الأحكام والفوائد من آياته، ومن هؤلاء: العلامة محمد بن أحمد بن خويز منداد الفقيه الأصولي المفسر، الذي يعد من كبار المالكية العراقيين، ومع جلالة قدره ومكانته إلا أنه لم يشتهر بين طلبة العلم، ولعل ذلك لأن كتبه قد فقدت(٢)، ولكن الله قيّض له من ينقل بعض علمه من جهابذة العلماء في عدة فنون كالباجي في (إحكام الفصول في أحكام الأصول) في أصول الفقه، وابن عبد البر في التمهيد في فقه الأحاديث، والقرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) وابن كثير في (تفسير القرآن العظيم)، والشوكاني في (فتح القدير)، والسيوطي جعله من مصادر كتابه (الإتقان في علوم القرآن)، وغيرهم.

(١) رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه، حـ ٥٠٢٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٤٣٥).
(٢) لم أقف على أي مؤلف له في الأماكن التي استطعت التوصل إليها، وقد أشار إلى ذلك أيضا د. عبد العزيز الصبحي في رسالته (ابن خويز منداد حياته وآراؤه الأصولية).

(((
إن أهمية المؤلف تظهر غالباً عندما يكون المؤلف ذا مكانة علمية من حيث العلم وصحة المعتقد وسلامة المنهج ودقة الفهم وقوة الاستنباط ونحو ذلك من الصفات التي يتميز بها العالم المتمكن من غيره، وهذا هو الذي جعل لأقوال ابن خويز منداد أهمية، فرغم قلتها إلا أنها أشارت إلى قيمة كتابه (أحكام القرآن) الذي فقدته المكتبات الإسلامية، وتظهر مكانة وأهمية أقواله بأمور هي:
١- إن تفسيره (أحكام القران) من أهم كتب التفسير الفقهي خصوصاً عند المالكية وهو من أوائل ما صنف في هذا الفن، وقد أفاد به من جاء بعده كابن العربي، والقرطبي، والشنقيطي، وغيرهم.
٢- إن استنباطاته للأحكام الموجودة في الآيات التي يفسرها تتسم بسلامتها من التقليد المطبق، والهوى المجرد، فهي تعتمد على أسس متينة وهي: الكتاب، والسنة، وأقوال السلف.
٣- إنه قرر في مواضع من تفسيره منهج السلف في بعض أبواب العقيدة؛ كالموقف الصحيح من أهل البدع والذين يخوضون في آيات الله، وكذلك فيما يتعلق بالعبادات وأنها توقيفية، فلا يجوز التعبد لله إلا بما ورد عليه دليل من الكتاب أو السنة، وكذلك فيما يتعلق بالسلطان الأعظم والمنهج الصحيح في التعامل معه إن كان فاسقاً؛ فبين في هذا منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع السلطان الفاجر، ونحو ذلك، فأقواله سلمت من البدع والانحرافات العقدية المضلة.
هذه أبرز الأمور التي ميزت أقواله، والله أسأل أن ينفع بها ويبارك فيها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المبحث الأول/ المطلب الأول
الحالة السياسية في عصره
عاش ابن خويز منداد في العراق في القرن الرابع الهجري، في عهد الخلافة العباسية في مرحلتها الأخيرة، وفي هذا القرن ضعفت الخلافة الإسلامية، وبدأ انقسام الدولة الإسلامية إلى دويلات متعددة بعد أن كانت كتلة واحدة، تخضع خضوعاً تاماً للخليفة في بغداد، وهو الذي يعيِّن ولاتها، وإليه يجبى خراجها، وإليه يرجع الولاة في إدارتهم وقضائهم وجندهم، وفي حل مشاكلهم ونحو ذلك من المظاهر التي تدل على قوة السلطان وقوة نفوذه(١)، ثم أخذت الخلافة في هذه الفترة تتفكك وتضعف شيئاً فشيئاًَ، وأخذ يخشى ولاتها وأمراؤها بأس بعضهم لبعض، ويضرب بعضهم بعضاً، فانقسمت الدولة إلى دويلات مستقلة متنافرة متصارعة على السلطة، علاقة بعضها مع بعض علاقة محالفة أحياناً وعداء غالباً، لا ترتبط بالخليفة العباسي إلا بالاسم فقط، وسودت صحف التاريخ بالقتال المستمر بين هذه الدويلات فشغلوا بأنفسهم عن قتال عدوهم حتى طمع فيهم، فلم يزل يداهمهم ويباغتهم بين الفينة والفينة كما كانت تفعل الروم مثلاً(٢).
(١) هذه المرحلة هي في الدولة العباسية الأولى، والتي تبدأ من سنة: ١٣٢- ٢٣٢هـ. وهي المرحلة التي تسمى عند المؤرخين بالعصر الذهبي لدولة بني العباس، وقد تولى الحكم فيها عشرة خلفاء: أولهم السفاح، وآخرهم المتوكل، وقد تميزت شخصية الخلفاء في هذه الفترة بالقوة والحزم والهيبة، ومع انتهاء حكم المتوكل انتهى العصر العباسي الأول الذي هو عصر القوة، وبدأ عصر الضعف والتداعي والتدهور. انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر ( ٥/٧١- ٢٣٥ ).
(٢) انظر: ظهر الإسلام لأحمد أمين (١/٩٠)، وتاريخ الإسلام السياسي لحسن إبراهيم حسن (٣/٢٨١-٢٨٢).

المبحث الثاني/ المطلب الأول
اسمه، ونسبه، وكنيته
لا خلاف بين المترجمين له بأن اسمه : محمد بن أحمد(١)، ونص بعضهم على أنه مما رآه على كتبه كالقاضي عياض(٢)، وابن فرحون(٣).
إلا أنهم اختلفوا في اسم جده على أقوال، أشهرها الآتي:
القول الأول:
إن اسمه ( عبدالله ).
وبه قال أبو إسحاق الشيرازي(٤)، والذهبي(٥)، والصفدي(٦)، والداودي(٧)، والخفاجي(٨)، وابن الغزي(٩)، ومحمد مخلوف(١٠)، والحجوي(١١)، وعمر رضا كحالة(١٢).
القول الثاني :
إن اسمه ( علي ).
(١) انظر: طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي (صـ ١٦٨)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (٣/٦٠٦)، وتاريخ الإسلام ووفيات المشاهير الأعلام للذهبي (صـ ٢١٧)، حوادث ووفيات ٣٨١هـ - ٤٠٠هـ، والوافي بالوفيات للصفدي ( ٢/٥٢)، والديباج المذهب لابن فرحون (صـ ٢٦٨)، ولسان الميزان لابن حجر (٦/٣٥٢)، وطبقات المفسرين للداودي (٢/٧٢)، ونسيم الرياض في شرح شفا القاضي عياض (٤/١٤١)، وديوان الإسلام لابن الغزي (٢/٢٤٣)، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد مخلوف (صـ ١٠٣)، والفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي للحجوي (٢/١١٥)، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (٣/٧٥).
(٢) انظر: ترتيب المدارك (٣/٦٠٦).
(٣) انظر: الديباج المذهب (صـ ٢٦٨).
(٤) انظر: طبقات الفقهاء (صـ ١٦٨).
(٥) انظر: تاريخ الإسلام (صـ ٢١٧).
(٦) انظر: الوافي بالوفيات (٢/٥٢).
(٧) انظر: طبقات المفسرين (٢/٧٢).
(٨) انظر: نسيم الرياض (٤/١٤١).
(٩) انظر: ديوان الإسلام ( ٢/٢٤٣).
(١٠) ١٠) انظر: شجرة النور الزكية (صـ ١٠٣).
(١١) ١١) انظر: الفكر السامي (٢/١١٥).
(١٢) ١٢) انظر: معجم المؤلفين (٣/٧٥).

نظراً لقلة ما نقل إلينا من تفسير ابن خويز منداد المسمى بأحكام القرآن، - وهو مفقود - فإن دراسة منهجه سيكون صعباً والحكم عليه ليس فيه الدقة الكافية، إلا أنني بذلت قصارى جهدي في استقراء أقواله لاستنباط منهجه بإنصاف ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وقد قسمت هذا الفصل إلى أربعة مباحث هي:
المبحث الأول:
...... منهجه في التفسير بالمأثور.
المبحث الثاني:
...... منهجه في الاستدلال.
المبحث الثالث:
...... منهجه في الاختيار والترجيح.
المبحث الرابع :
...... منهجه في آيات الأحكام.
والله ولي التوفيق، ومنه أستمد الصواب والتسديد.
المبحث الأول
منهج ابن خويز منداد في التفسير بالمأثور
إن هذا النوع من التفسير هو أفضل أنواع مناهج التفسير، وهو الطريق الصحيح السليم لفهم القرآن فهماً صحيحاً بعيداً عن الزيغ والضلال، وكما أن هذا النوع من التفسير هو أصح طرق التفسير فهو مع ذلك أولها إذ أنه كان منذ عهد الصحابة - رضوان الله عليهم - فتناقله من بعدهم خلفاً عن سلف حتى وصل إلينا، ويشمل هذا النوع:
أولاً : تفسير القرآن بالقرآن.
ثانياً : تفسير القرآن بالسنة.
ثالثاً : تفسير القرآن بأقوال الصحابة - رضوان الله عليهم.
رابعاً : تفسير القرآن بأقوال التابعين(١)
وبالرغم من قلة الأقوال التي وقفت عليها في تفسير ابن خويز منداد إلا أنني وجدت من ذلك ما يشير إلى اهتمامه بهذا النوع لذلك فقد قسمت هذا المبحث إلى المطالب الآتية:
المطلب الأول: منهجه في تفسير القرآن بالقرآن.
المطلب الثاني: منهجه في تفسير القرآن بالسنة.
المطلب الثالث: منهجه في تفسير القرآن بأقوال الصحابة - رضوان الله عليهم -.
المطلب الأول
منهجه في تفسير القرآن بالقرآن
(١) انظر: مقدمة في أصول التفسير (ص ٨٤ - ١٠٩)، ومناهل العرفان ( ١٢/١٤).

سورة الفاتحة
١/١- قال ابن خويز منداد:
"قراءة الفاتحة واجبة عندنا في كل ركعة"(١)
ــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة في كل ركعة، ولأهل العلم في مسألة حكم قراءة الفاتحة في الصلاة قولان، سأذكرهما مبينة الراجح منهما.
أقوال أهل العلم في حكم قراءة الفاتحة في الصلاة:
اختلف أهل العلم في حكم قراءة الفاتحة على قولين، هما:
القول الأول:
إن قراءة الفاتحة متعينة في كل ركعة، ولا تجزئ الصلاة إلا بها.
وبهذا قال: جمهور العلماء من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.
(١) الجامع لأحكام القران (١/١٦٧).

سورة البقرة
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) ﴾ البقرة : ٣٠.
٢/١- قال ابن خويز منداد:
"ولو وثب على الأمر من يصلح له من غير مشورة، ولا اختيار، وبايع له الناس تمت له البيعة"(١).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن السلطان المتغلب على الناس بسيفه، فإنه تجب له البيعة، ولا يجوز الخروج عليه. وهو ما ذهب إليه القرطبي(٢)، وابن كثير(٣)، والشنقيطي(٤)، ولم أقف على من تكلم عن هذه المسألة من المفسرين المعتمدين غيرهم.
وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وجمهور الفقهاء(٥).
روى البخاري عن عبد الله بن دينار(٦)قال: "لما بايع الناس عبد الملك كتب إليه عبد الله ابن عمر: إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير
(١) الجامع لأحكام القران (١/٣١١).
(٢) انظر: المصدر السابق والجزء والصفحة نفسها.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (١/٢٢٤).
(٤) انظر: أضواء البيان (١/٤٩).
(٥) انظر: حاشية ابن عابدين (١/٥٤٩) (٤/٢٦١)، وحاشية الدسوقي (٤/٢٩٨)، وروضة الطالبين (١٠/٤٦)، والمغني (١٢/٢٢٣)، والمحلى بالآثار لابن حزم (٥/٣٥٢).
(٦) عبد الله بن دينار هو: الإمام المحدث الحجة أبو عبد الرحمن العدوي العمري مولاهم المدني، أحد الأئمة الأثبات، سمع ابن عمرو، وأنس بن مالك، مات سنة ١٢٧هـ. انظر: تهذيب الكمال (٤/١٢٤)، وسير أعلام النبلاء (٥/٢٥٣)، وحلية الأولياء (٤/١٢٤)...................

قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) ﴾ البقرة : ٣١.
٣/٢- قال ابن خويز منداد:
"في هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفاً، وأن الله تعالى علمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلاً"(١).
ــــــــــــــ
الدراسة:
ذكر ابن خويز منداد في الآية مسألتين:
الأولى: في معنى الأسماء التي علمها الله آدم.
الثانية: هل اللغة توقيفية أم لا؟
سأبينها فيما يلي:
المسألة الأولى:
معنى الأسماء التي علمها الله آدم:
اختلف المفسرون في معنى الأسماء التي علمها الله آدم - عليه السلام -، ويمكن جمع أقوالهم في قولين:
القول الأول:
أنه علمه أسماء كل شيء فهو عام في أسماء الموجودات.
قال به أكثر المفسرين، منهم: ابن عباس - رضي الله عنهما -، وسعيد بن جبير(٢)، ومجاهد(٣)، وعكرمة، وقتادة(٤)، وابن خويز منداد.
(١) الجامع لأحكام القران (١/٣٢٣).
(٢) انظر: تفسير الطبري (١/٢٤٦)، وزاد المسير (ص٣٤)، وتفسير ابن عباس، رسالة ماجستير، إعداد: د. محمد العبد القادر (١/٢٠٠).
(٣) انظر: تفسير مجاهد (١/٧٣).
(٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١/٨٠)، والدر المنثور (١/١٠١).

قال تعالى: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) ﴾ سورة البقرة آية: ٣٦.
٤/٣- قال ابن خويز منداد:
"من حلف ألا يكلم فلاناً حيناً أو لا يفعل كذا حيناً أن الحين سنة، واتفقوا في الأحكام أن من حلف ألا يفعل كذا حينا، ً أو لا يكلم فلاناً حيناً أن الزيادة على سنة لم تدخل في يمينه"(١).
ـــــــــــــ
الدراسة:
ما ذهب إليه ابن خويز منداد هو مذهب المالكية، وهذا معنى قوله: (واتفقوا في الأحكام أن من حلف..)(٢)، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، ومنشأ الخلاف هو من اختلافهم في تحديد زمن (الحين) الوارد في النصوص، لذلك سأدرس هذا القول من خلال المسائل التالية:
الأولى: تعريف الحين.
الثانية: أقوال المفسرين في المراد بالحين الوارد في الآية.
الثالثة: أقوال العلماء في تحديد زمن الحين.
الرابعة: من حلف ألا يكلم فلاناً حيناً، أولا يفعل أمر كذا حيناً، فكم يكون ذلك؟
المسألة الأولى: تعريف الحين:
الحين في اللغة: قال ابن فارس(٣): "الحاء والياء والنون، أصل واحد ثم يحمل عليه، والأصل: الزمان، فالحين الزمان قليله، وكثيره"(٤).
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٣٦٤).
(٢) انظر: المصدر السابق في المكان نفسه، قال القرطبي: "هذا الاتفاق إنما هو في المذهب".
(٣) ستأتي ترجمة لابن فارس عند دراسة قول ابن خويز في آية البقرة: ٦٧.
(٤) معجم مقاييس اللغة (٢/١٢٥).............

قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٦٧) ﴾ البقرة: ٦٧.
٥/٤- قال ابن خويزمنداد :
"في الآية دليل على منع الإستهزاء بدين الله و دين المسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل، وصاحبه مستحق للوعيد، وليس المزاح من الاستهزاء بسبيل ألا ترى أن النبي - ﷺ - كان يمزح والأئمة بعده(١)، وقد بلغنا أن رجلاً(٢)تقدم إلى عبيد الله بن الحسن(٣)،
(١) هذه الجزئية لم ينسبها القرطبي إلى ابن خويز منداد لكن الذي يظهر منها أنها من قوله لأنها تشبه أسلوبه ثم إن ما نسبه القرطبي إليه معطوف على ما قبله، وهذا منهج معروف عند القرطبي أنه أحيانا لا يذكر القائل أو ينسب بعض القول إلى قائله.
(٢) هو: محمد بن مسعر، أبو سفيان. انظر: أخبار القضاة لوكيع بن خلف بن حيان (٢/١١٦).
(٣) عبيد الله بن الحسن هو: بن الحسين بن أبي الحر، وأبو الحر مالك بن الخشخاش التميمي، له قدر وشرف وفقه كبير مأثور، ولي قضاء البصرة من قبل أبي جعفر سنة ١٥٦هـ ثم عزله المهدي سنة ١٦٦هـ، روى له مسلم وأبو داود، مات في ذي القعدة سنة ١٦٨هـ. انظر: أخبار القضاة لوكيع ابن حيان (٢/٨٨)، والتاريخ الكبير للبخاري (٥/٢٣٣)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٥/٣٧٦)، وتهذيب الكمال (٥/٣١).
تنبيه: لعل ابن خويزمنداد وهم في قوله أن عبيد الله ولي القضاء في الكوفة، وإنما الصحيح أنه وليه في البصرة كما تقدم في الترجمة وكل من ترجم له ذكر أنه ولي القضاء في البصرة. والله أعلم.

قوله تعالى: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (٦٨) ﴾ البقرة، آية: ٦٨.
٦/٥- قال ابن خويز منداد:
"أن الأمر - في هذه الآية - على التراخي لأنه لم يعنفهم على التأخير والمراجعة في الخطاب"(١).
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
هذه المسألة أصولية، وليس المراد استقصاؤها بأدلتها، وإنما أشير إليها إشارة مختصرة، والمسألة هي: هل الأمر المجرد عن القرائن يدل على الفور وسرعة المبادرة أو على التراخي؟
اختلف العلماء في ذلك، على قولين:
القول الأول:
قالوا: أن الأمر المجرد عن القرائن يدل على الفور.
وهذا اختيار: الجصاص(٢)والقرطبي(٣)وابن القيم(٤)والشنقيطي(٥)قال القرطبي: "وهو قول أكثر الفقهاء"(٦).
القول الثاني:
قالوا: أن الأمر المجرد عن القرائن يدل على التراخي.
وهو اختيار: ابن خويز منداد.
القول الراجح:
القول الراجح هو القول الأول، وهو: أن الأمر المجرد عن القرائن يدل على الفور - والله أعلم - لقوة الأدلة التي اعتمدوها، وهي:
١- أن ظواهر النصوص تدل عليه، كقوله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ آل عمران: ١٣٣. ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ المائدة: ٤٨. ومدح الله المسارعين بقوله: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ الآية، المؤمنون: ٦١.
٢- أن وضع اللغة يدل على ذلك، فإن السيد لو أمر عبده فلم يمتثل فعاقبه، لم يكن له أن يعتذر بأن الأمر للتراخي.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٤٨٧).
(٢) انظر: أحكام القرآن (١/٤٠).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٤٨٧).
(٤) انظر: زاد المعاد (٣/٣٠٧).
(٥) انظر: مذكرة الشنقيطي (ص٢٣٤).
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٤٨٧).

قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ﴾ البقرة : ٨٤.
٧/٦- قال ابن خويز منداد:
"قد يجوز أن يراد به الظاهر، لا يقتل الإنسان نفسه، ولا يخرج من داره سفهاً كما تقتل الهند أنفسها(١)، أو يقتل الإنسان نفسه من جهد وبلاء يصيبه، أو يهيم في الصحراء ولا يأوي البيوت جهلاً في ديانته وسفهاً في حلمه، فهو عموم في جميع ذلك، وقد روي أن عثمان بن مظعون بايع في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فعزموا أن يلبسوا المسوح، وأن يهيموا في الصحراء، ولا يأووا البيوت، ولا يأكلوا اللحم، ولا يغشوا(٢)
(١) يعتقد زهاد الهند أن الإنسان يستطيع أن يتحرر من دورة الولادة هذه بتعطيل حياته، وذلك بالتخلي عن كل عمل، وكل ما يغذي جسمه، حتى تنتهي حياته، وكأنها ترغب بذلك في الانتحار، ولذلك سميت بالانتحارية، وبعضهم يأمر بقتل النفس ليخلص من الشر ومزاج الظلمة. انظر: الملل والنحل للشهرستاني (١/٢٤٩) و (٢/٢٥٣)، وتاريخ الإسلام في الهند لعبد المنعم النمر (ص٤٩).
(٢) غشا: غشيه يغشاه غشيانا: إذا جاءه، وغشاه تغشية: إذا غطاه، وغشي الشيء: إذا لابسه، وغشي المرأة: إذا جامعها. انظر: النهاية لابن الأثير (ص ٦٧٢)..

قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) ﴾ البقرة : ٨٥.
٨/٧- قال ابن خويز منداد:
"تضمنت الآية وجوب فك الأسرى، وبذلك وردت الآثار عن النبي - ﷺ -، وجرى بذلك عمل المسلمين، وانعقد به الإجماع"(١).
ــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن الآية تضمنت وجوب فك الأسرى، وهذا ما ذهب إليه الجصاص(٢)، والقرطبي(٣)، من المفسرين، ولم أقف على من تكلم عنها من المفسرين غيرهم. وسأدرس هذا القول من خلال المسائل التالية:
الأولى: معنى فك الأسرى.
الثانية: حكم فك الأسرى.
المسألة الأولى: معنى فك الأسرى:
الأسرى: جمع أسير، والأسير مأخوذ من الأسر، وهو الشد بالقيد، وقيل: في جمعه أَسارى وأُسارى، وأسْرى.
وسمي بذلك: لأن آخذه يستوثق منه بالإسار، وهو القيد لئلا يفلت(٤).
قال ابن عطية: "ثم كثر استعماله حتى لزم؛ وإن لم يكن ثم ربط ولا قيد"(٥)، والمراد بفكه: أي تخليصه من الأسر(٦).
(١) انظر: الجامع لأحكام القران (٢/٢٦).
(٢) انظر: أحكام القران، له (١/٤٧).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القران (٢/٢٦).
(٤) انظر: معجم تهذيب اللغة للأزهري (١/١٥٩)، مادة: (أسر)، والمفردات في غريب القران للراغب الأصبهاني (ص١٧) مادة: (أسر).
(٥) المحرر الوجيز (ص١٠٨).
(٦) انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير لأحمد الفيومي (٤٧٩).

قال تعالى: ﴿ * وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) ﴾ البقرة : ١٢٤.
٩/٨- قال ابن خويز منداد:
"كل من كان ظالماً لا يصلح أن يكون نبياً، ولا خليفة، ولا حاكماً، ولا مفتياً، ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام، غير أنه لا يعزل بفسقه حتى يعزله أهل الحل والعقد(١)، وما تقدم من أحكامه موافقاً للصواب ماض غير منقوض، وقد نص مالك(٢)على هذا في الخوارج والبغاة أن أحكامهم لا تنقض إذا أصابوا وجهاً من الاجتهاد، ولم يخرقوا الإجماع أو يخالفوا النصوص. وإنما قلنا ذلك لإجماع الصحابة وذلك أن الخوارج قد خرجوا في أيامهم ولم ينقل أن الأئمة تتبعوا أحكامهم، ولا نقضوا شيئاً منها، ولا أعادوا أخذ الزكاة، ولا إقامة الحدود التي أخذوا وأقاموا، فدل على أنهم إذا أصابوا وجه الاجتهاد لم يتعرض لأحكامهم"(٣).
ــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن الظالم لا يكون إماماً في الدين، ثم تعرض لمسألة الموقف الصحيح في التعامل مع الإمام الظالم في الإمامة الكبرى، لذلك فإنني سأدرس هذا القول من خلال مسائل:
(١)
(١) أهل الحل والعقد هم: أهل الشوكة من العلماء والرؤساء ووجهاء الناس الذين يتيسر اجتماعهم ويحصل بهم مقصود الولاية، ولأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس وهو مأخوذ من حل الأمور وعقدها. انظر: نهاية المحتاج للرملي (٧/٤١٠)، وحاشية البجيرمي في شرح الخطيب (٤/٢٣٦)، وحاشية الجمل للعجيلي (٥/١١٩).
(٢) انظر: المدونة للإمام مالك (١/٣٣٥)، وهو مذهب الإمام أحمد والشافعي. انظر: المغني (٤/٩٥) ولم أجد قول الشافعي إلا عند ابن قدامة مع أني لم آلو جهداً في البحث.
(٣) الجامع لأحكام القران (٢/١٠٩)، وتفسير ابن كثير (١/٤١٦).

قال الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ البقرة: ١٥٢.
١٠/٩- قال ابن خويز منداد:
"اذكروني بالطاعة، أذكركم بالثواب والمغفرة، قاله سعيد بن جبير، وقال أيضًا: الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن، وروي عن النبي - ﷺ -: (من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير، ومن عصى الله فقد نسي الله، وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير(١)"(٢).
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
ما ذكره ابن خويز منداد هو أحد أقوال المفسرين في معنى الآية، وقد اختلف المفسرون في معناها، لذا سأذكرها مبينة الراجح منها - إن شاء الله تعالى -.
أقوال المفسرين في معنى الآية:
اختلف المفسرون في معناها على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة.
قال به: ابن عباس- رضي الله عنهما -(٣)، وسعيد بن جبير(٤)، والحسن البصري(٥)، ومقاتل بن سليمان(٦)، والطبري(٧)، وابن خويز منداد، والسمرقندي(٨).
واختاره الزمخشري(٩)، والآلوسي(١٠).
القول الثاني:
(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير، حـ ٤١٣، (٢٢/١٥٤)، والسيوطي في الدر المنثور لكن بلفظ (وتلاوته للقرآن) بدلاً من (وصنيعه للخير) (١/٢٧٤)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (ص ٧٨٥) برقم: (٥٤٣٨).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/١٦٦-١٦٧).
(٣) انظر: معالم التنزيل (١/١٢٨)، وزاد المسير (ص٧٨)..........
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢/٦٩٥)، ومعالم التنزيل (١/١٢٨-١٢٩)، وتفسير ابن كثير (١/٤٦٩).
(٥) انظر: تفسير الحسن البصري (١/١١٨).
(٦) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان (١/١٥٠).
(٧) انظر: تفسير الطبري (٢/٦٩٥).
(٨) انظر: بحر العلوم (١/١٦٨).
(٩) انظر: الكشاف (١/٢٠٦).
(١٠) انظر: روح المعاني (١/٤١٧).

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ البقرة: ١٧٣.
١١/١٠- قال ابن خويز منداد عند قوله تعالى (والدم):
"وأما الدم فمحرم ما لم تعم به البلوى، ومعفو عما تعم به البلوى، والذي يعم به البلوى، هو: الدم في اللحم وعروقه، ويسيره في البدن والثوب يصلي فيه، وإنما قلنا ذلك لأن الله تعالى قال: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ﴾ الآية، المائدة: ٣. وقال في موضع آخر: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا ﴾ الأنعام: ١٤٥، فحرم المسفوح من الدم. وقد روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كنا نطبخ البُرْمة(١)على عهد رسول الله - ﷺ - تعلوها الصفرة من الدم فنأكل ولا ننكَرُه"(٢)لأن التحفظ من هذا إصر، وفيه مشقة، والإصر والمشقة في الدين موضوع، وهذا أصل في الشرع أن كل ما حَرجت الأمة في أداء العبادة فيه، وثقل عليها، سقطت العبادة عنها فيه، ألا ترى أن المضطر يأكل الميتة، وأن المريض يفطر ويتيمم، في نحو ذلك"(٣).
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن المراد بالدم المحرم في الآية، هو: الدم المسفوح(٤)،
(١)
(١) البرمة: هي القدر مطلقاً، وجمعها برام، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٧٤) مادة: (برم).
(٢) أخرجه الطبري بمعناه في تفسيره (٩/٦٣٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/١٤٠٧).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٢/٢١٧).
(٤) الدم المسفوح: هو المصبوب، أي الدم المسال المهراق، يقال منه: سفحت دمه: أي أرقته، أسفحه سفحاً، فهو دم مسفوح، كما قال عبيد بن الأبرص:
إذا ما عاده منها نساء سفحن الدمع من بعد الرنين
يعني : صببن وأسلن الدمع. انظر: تفسير الطبري (٩/٦٣٣)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢/٣٠٠).

قال تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤) ﴾ البقرة : ١٨٤.
١٢/١١- قال ابن خويز منداد:
"اختلفت الرواية عن مالك في المرض المبيح للفطر، فقال مرة: هو خوف التلف من الصيام، وقال مرة: شدة المرض والزيادة فيه والمشقة الفادحة، وهذا صحيح مذهبه، وهو مقتضى الظاهر، لأنه لم يخص مرضاً من مرض فهو مباح في كل مرض، إلا ما خصه الدليل(١)من الصداع والحمَّى والمرض اليسير الذي لا كلفة معه في الصيام"(٢).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
يؤخذ مما ذكره ابن خويز منداد أنه يرجح أن المريض الذي يخاف من زيادة مرضه أو شدته، يباح له الفطر، وأما المرض الذي لا كلفة معه في الصيام لا يباح له الفطر، وهذا هو الصحيح والمشهور عن الإمام مالك(٣)، وعليه الجمهور(٤). فسأدرس هذا القول من خلال بيان أقوال أهل العلم في مسألة حد المرض المبيح للفطر، ثم أبين الراجح منها.
أقوال أهل العلم في حد المرض المبيح للفطر:
(١)
(١) لا أدري ماذا يقصد بالدليل، ولم أقف على نص على ما ذكره، ولعله أراد به دليل الإجماع، ممن حكاه ولم يعتد بمخالفة من خالف، كالجصاص (١/٢١٢)، وبهذا الدليل استدل الطوفي أيضا على هذه المسألة. انظر: الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية (١/٣١٨).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٢٧٢).
(٣) انظر: مرويات الإمام مالك في التفسير (ص٢٤).
(٤) انظر: المغني (٤/٤٠٣)، وروضة الطالبين للنووي (٢/٣٦٩)، وحاشية الدسوقي (١/٥٣٥)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٢٧٢)، وفتح القدير للشوكاني (١/٣٣٠).

قال تعالى: * ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩) ﴾ البقرة: ١٨٩.
١٣/١٢- قال ابن خويز منداد:
"إذا أشكل ما هو بر وقربة بما ليس هو بر وقربة؛ أن ينظر في ذلك العمل، فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون، وإن لم يكن فليس ببر ولا قربة، وبذلك جاءت الآثار عن النبي - ﷺ - وذكر حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "بينما رسول الله - ﷺ - يخطب، إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه، فقالوا: هو أبو إسرائيل(١)، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي - ﷺ -: "مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه"(٢)فأبطل النبي - ﷺ - ما كان غير قربة مما لا أصل له في شريعته، وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن"(٣).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) أبو إسرائيل: هو صحابي قرشي عامري، اختلف في اسمه، فقيل: يُسير - بالسين المهملة -، وقيل: قُشير - بقاف وشين معجمة -، وقيل غير ذلك، ولا يشاركه أحد في كنيته من الصحابة، ولم أقف على ترجمة وافية له. انظر: أسد الغابة (٦/١١)، والاستيعاب (٦/١٥٩٦)، وفتح الباري (١١/٧١٨-٧١٩).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، حـ٦٧٠٤. موسوعة الحديث الشريف (ص٥٦٠).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٤٤).

قال تعالى: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) ﴾ البقرة: ١٩١.
١٤/١٣- قال ابن خويز منداد:
" ﴿ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ منسوخة، لأن الإجماع قد تقرر بأن عدوَّاً لو استولى على مكة وقال: لأقاتلنكم، وأمنعكم من الحج، ولا أبرح(١)من مكة، لوجب قتاله وإن لم يبدأ بالقتال، فمكة وغيرها من البلاد سواء، وإنما قيل فيها: هي حرام تعظيماً لها، ألا ترى أن رسول الله - ﷺ - بعث خالد بن الوليد يوم الفتح، وقال:"احصدهم بالسيف حتى تلقاني على الصفا" حتى جاء العباس فقال: يا رسول الله ذهبت قريش فلا قريش بعد اليوم"(٢). ألا ترى أنه قال في تعظيمها: "ولا يلتقط لقطتها إلا منشد"(٣)واللقطة بها وبغيرها سواء، ويجوز أن تكون منسوخة بقوله: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) البقرة: ١٩٣"(٤).
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
اختار ابن خويز منداد القول بأن الآية منسوخة، وقد اختلف العلماء فيها: هل هي محكمة أم منسوخة؟ على قولين:
(١)
(١) بَرِح الرجل يَبْرَح بَرَاحاً: إذا رام من موضعه، ويقال ما برحت أفعل كذا، بمعنى ما زلت، وقال الله عز وجل: (لن نبرح عليه عاكفين) أي: لن نزال. انظر: معجم تهذيب اللغة، مادة: (برح) (١/٣٠٢).
(٢) هذا بعض حديث رواه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب فتح مكة، حـ ١٧٨٠. موسوعة الحديث الشريف (ص٩٩٥) إلا أنه ذكر أبا سفيان بدل العباس.
(٣) رواه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب تحريم مكة، حـ ٢٠١٧. موسوعة الحديث الشريف (ص١٣٧١) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (١/٥٦٥) برقم (٢٠١٧).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٢/٣٤٩).

قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) ﴾ البقرة: ١٩٥.
١٥/١٤- قال ابن خويز منداد:
"فأما أن يحمل الرجل على مائة، أو على جملة العسكر، أو جماعة اللصوص والمحاربين، والخوارج، فلذلك حالتان:
إن علم أو غلب على ظنه أنه سيقتُل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يُقتل؛ ولكن سيُنكي نكاية أو سيُبلي أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً، وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نَفَرت خيل المسلمين من الفيلَة، فعمد رجل منهم فصنع فيلاً من طين وأنَّس به فرسه حتى ألِفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل، فحمل على الفيل الذي كان يقدُمها، فقيل له: إنه قاتلك، فقال: لا ضير أن أُقتل ويُفتَح للمسلمين(١)،
(١)
١) لم أقف على هذه القصة بالرغم من طول بحثي، وإنما وجدت شيئاً قريباً من ذلك وهو، أن الفرس أشركت معها فيلة في القتال ضد المسلمين، وذلك في معركة القادسية التي وقعت في شوال سنة ١٦هـ في العراق، وكان أمير المسلمين سعد بن أبي وقاص ورأس الفرس هو رستم، ومعه الجالينوس، وذو الحاجب، فلما رأت خيول المسلمين الفيلة نفرت منها، فلما كان اليوم الثاني وهو يوم أغواث، ابتكر القعقاع بن عمرو طريقة ليخيف بها خيل الفرس، وذلك أنه جلل الإبل وبرقعها ثم دفعها على الفرس وكأنها فيلة، فولت خيلهم نفاراً من منظرها، فكان تأثيرها عليهم كتأثير الفيلة على المسلمين في اليوم الأول. انظر: تاريخ الطبري (٢/٤١٤)، وتاريخ ابن خلدون (٢/٥٣٣)، والعبر للذهبي (١/١٩).

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) ﴾ البقرة: ٢٦٧.
١٦/١٥- قال ابن خويز منداد:
"ولهذه الآية، جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولادكم هنيئاً(١)"(٢).
ــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
استنبط ابن خويز منداد حكماً من أحكام الآية، من قوله: (كسبتم) وهو: أن الولد من كسب الوالد، للحديث الذي ذكره فللوالد أن يأخذ من كسب ولده، وقد روي هذا التفسير عن عائشة - رضي الله عنها -(٣).
قال ابن عطية: "كسبتم" معناه: ما كانت لكم فيه سعاية، إما بتعب بدن، أو مقاولة في تجارة، والموروث داخل في هذا، لأن غير الوارث قد كسبه إذ الضمير في (كسبتم) إنما هو لنوع الإنسان أو المؤمنين"(٤)وذكر نحو هذا القرطبي في تفسيره(٥). لذلك، فسأدرس هذا القول من خلال المسألة التالية:
(١) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب الرجل يأكل من مال ولده، حـ ٣٥٢٨-٣٥٢٩. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٨٥)، والترمزي في جامعه، كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده،
حـ ١٣٥٨ موسوعة الحديث الشريف (ص١٧٨٨) وأحمد في مسنده (٦/٢٠٢-٢٠٣)، من حديث عائشة - رضي الله عنها - بألفاظ متقاربة. وانظر: صحيح سنن أبي داود (٢/٣٨٠) برقم: (٣٥٢٩)، وصحيح سنن الترمزي (٢/٨٠-٨١) برقم: (١٣٥٨).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٣/٣٠٥).
(٣) انظر: مرويات أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، لسعود الفنيسان (ص ١١٦-١١٧).
(٤) المحرر الوجيز (ص ٢٤٥).
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٣/٣٠٥).

قال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) ﴾ البقرة: ٢٧١.
١٧/١٦- قال ابن خويز منداد:
"قد يجوز أن يراد بالآية الواجبات من الزكاة، والتطوع لأنه ذكر الإخفاء ومدحه، والإظهار ومدحه، فيجوز أن يتوجه إليهما جميعاً"(١).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن المراد بالآية الصدقات مطلقاً الواجبة والتطوع، وقد اختلف المفسرون في المراد بها على أقوال:
القول الأول:
إن المراد بها: صدقة التطوع، فإخفاؤها أفضل، لا صدقة الفرض، فإبداؤها أفضل لأنه من التهمة أبعد.
قال به: ابن عباس - رضي الله عنهما -(٢)، وسفيان الثوري(٣)، وجمهور المفسرين(٤).
القول الثاني:
إن المراد بالآية: صدقة التطوع وصدقة الفرض، وأن إخفاء الصدقتين أفضل.
(١) انظر: الجامع لأحكام القران (٣/٣١٦).
(٢) انظر: تفسير ابن عباس (٢/٥٤٨) جمع د. محمد العبد القادر.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٥/١٥)، والنكت والعيون (١/٣٤٥).
(٤) حكاه عن الجمهور: ابن عطية في المحرر الوجيز (ص٢٤٨)، والقرطبي في الجامع لأحكام القران (٣/٣١٥).

قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) ﴾ البقرة: ٢٧٩.
١٨/١٧- قال ابن خويز منداد:
"ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالاً، كانوا مرتدين والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة، وإن لم يكن ذلك منهم استحلالاً؛ جاز للإمام محاربتهم، ألا ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلك فقال: ﴿ فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ "(١).
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن المراد بالحرب في الآية، هي: الحرب الحقيقية، أي: داعية القتل سواء، كان آكل الربا مستحلاً له فيكون مرتداً، أو لم يكن مستحلاً له ففي كلا الحالين يقاتل. وهو أحد قولي المفسرين في تفسير الآية، لذلك سأذكر أقوالهم مبينة الراجح بعد ذلك.
أقوال المفسرين في معنى الحرب في الآية:
اختلف المفسرون في المراد بالحرب في الآية على قولين:
القول الأول:
إن المراد به: القتل. أي: إن لم تنتهوا عن الربا فأذنوا بحرب كحرب المرتدين إن كانوا مستحلين للربا، أو كحرب البغاة إن كانوا معترفين بحرمته، بعد الاستتابة(٢).
قال به: ابن عباس - رضي الله عنهما -(٣)، وقتادة(٤)، والحسن(٥)، وابن سيرين(٦)، والربيع بن أنس(٧)، وابن خويز منداد، وجمهور المفسرين(٨).
القول الثاني:
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٣/٣٤٦).
(٢) انظر: تفسير البيضاوي (١/١٤٣)، وروح المعاني (٢/٥٢).
(٣) انظر: تفسير بن عباس (٢/٥٥١) جمع د/ محمد العبد القادر.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٥/٥٣)، وتفسير ابن أبي حاتم (٢/٥٤٩-٥٥٠).
(٥) انظر: تفسير الحسن البصري (١/١٩٧).
(٦) انظر: تفسير بن كثير (١/٧٢٠).
(٧) انظر: تفسير الطبري (٥/٥٣).
(٨) انظر: روح المعاني (٢/٥٢).

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) ﴾ البقرة: ٢٨٣.
١٩/١٨- قال ابن خويز منداد:
"وكل عرض جاز بيعه جاز رهنه، ولهذه العلة جوّزنا رهن ما في الذمة لأن بيعه جائز ولأنه مال تقع الوثيقة به فجاز أن يكون رهناً، قياساً على سلعة موجودة"(١)
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن القبض في الرهان ليس شرطاً في صحة الرهن فيجوز رهن ما في الذمة، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
إن القبض من تمام الرهن وهو قبل القبض غير تام.
قال به: أبو حنيفة(٢)، والشافعي(٣)، وأحمد(٤)، وجمهور العلماء(٥).
واستدلوا بالآتي:
١/ أن قوله: (فرهان مقبوضة) يدل على أن الرهن لا يصح إلا مقبوضاً من وجهين:
(١) انظر: الجامع لأحكام القران (٣/٣٩١).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/١٣٤)، والعناية شرح الهداية (١٠/١٣٥-١٣٦).
(٣) انظر: الأم للشافعي (٣/١٤٢)، وأسنى المطالب للأنصاري (٢/١٥٥).
(٤) انظر: كشاف القناع لمنصور البهوتي (٣/٣٣٠-٣٣١). وانظر: تفسير ابن كثير (١/٧٣١).
(٥) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/٥١١).

قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦) ﴾ البقرة: ٢٨٦.
٢٠/١٩- قال ابن خويز منداد:
"ويمكن أن يستدل بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها، فهو نحو قوله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ الحج : ٧٨. وكقول النبي - ﷺ -: (الدين يسر فيسروا ولا تعسروا)(١)"اللهم شق على من شق على أمة محمد - ﷺ -"(٢).
ــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن المراد بالإصر هنا الثقل، وهو أحد أقوال المفسرين. لذا فسأذكر أقوالهم فيها مبينة الراجح منها.
أقوال المفسرين في المراد بالإصر في هذه الآية:
(١) روى البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، حـ ٣٩. موسوعة الحديث الشريف (ص٥) والنسائي في سننه، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، حـ ٥٠٣٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٤١٢)، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً :(إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وبشيء من الدلجة) واللفظ للبخاري، أما لفظ: (فيسروا ولا تعسروا) فهو جزء من حديث رواه البخاري وغيره عن أنس بن مالك قال: قال النبي - ﷺ -: (يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب قول النبي - ﷺ - (يسروا ولا تعسروا) حـ ٦١٢٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٥١٦).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٣/٤١٢).

آل
آل عمران
قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) ﴾ آل عمران : ٧.
٢١/١- قال ابن خويز منداد:
"للمتشابه وجوه، والذي يتعلق به الحكم ما اختلف فيه العلماء؛ أي الآيتين نسخت الأخرى، كقول علي وابن عباس - رضي الله عنهم - في الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد أقصى الأجلين، فكان عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود - رضي الله عنهم - وغيرهم يقولون: وضع الحمل، ويقولون: سورة النساء القصرى(١)
(١)
١) هي سورة الطلاق، وكذا سماها ابن مسعود، رواه عنه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن... ) الآية، البقرة: ٢٣٧، حـ ٤٥٣٢. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٧١)، وانظر: الاتقان في علوم القرآن للسيوطي (١/١٩٣).

قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) ﴾ آل عمران: ١٥٩.
٢٢/٢- قال ابن خويز منداد:
"واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب، والوزراء، والعمال، فيما يتعلق بمصالح البلاد، وعمارتها، وكان يقال: ما ندم من استشار(١)، وكان يقال: من أعجب برأيه ضل"(٢)٢).
ـــــــــــــــــــــ
الدراسة:
يظهر من كلام ابن خويزمنداد أنه يرى أن الأمر في قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) للوجوب، وقد اختلف العلماء في مسألة الشورى، هل هي واجبة أم مندوبة بالنسبة لولاة الأمر؟ على ثلاثة أقوال، سأذكرها ثم أبين الراجح منها - إن شاء الله -.
أقوال العلماء في حكم الشورى بالنسبة لولاة الأمر:
(١) هذا القول جزء من حديث رواه الطبراني في المعجم الأوسط (٧/٣٢٩)، عن أنس مرفوعاً. قال الهيتمي في مجمع الزوائد (٨/١٨١): "رواه الطبراني في الأوسط والصغير، من طريق عبد السلام بن عبد القدوس، وكلاهما ضعيف جداً"، وقال ابن حجر: "قال عبد الرزاق: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس، وقال الفلاس: " أجمعوا على ترك حديثه". انظر: لسان الميزان (٥/٥)، وقال: "قال أبو داود: عبد القدوس ليس بشيء، وابنه شر منه" لسان الميزان (٥/١٧)، وقال في الفتح (١١/٢١٩): "أخرجه الطبراني في الصغير بسند واه جداً"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (٢/٧٨) برقم: (٦١١). ولكن معناه صحيح. أنظر: كشف الخفاء ومزيل الالباس للعجلوني (٢/٢٤٢).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٢٤٢).

قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦١) ﴾ آل عمران : ١٦١.
٢٣/٣- قال ابن خويز منداد:
"روي أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ضربا الغال(١)، وأحرقا متاعه"(٢).
ـــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١)
(١) الغلول في اللغة: الخيانة، وهو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، يقال: غلّ من المغنم يغل غلولا فهو غال، وكل من خان في شئ خفية فقد غل. والغال في الإصطلاح: هو الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة فلا يطلع الإمام عليه، ولا يضعه مع الغنيمة. قال النووي: "أصل الغلول الخيانة مطلقا، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة"، وسمي غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة، أي: ممنوعة مجعول فيها غلّ وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه. انظر: الصحاح للجوهري (٤/١٤٥٣) مادة: (غلل)، والمغني (١٣/١٦٨)، والنهاية لابن الأثير (ص٦٧٦) مادة: (غلل)، ولسان العرب لابن منظور (١١/٥٠٠) مادة: (غلل).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القران (٤/٢٥٣).

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠) ﴾ آل عمران : ٢٠٠.
٢٤/٤- قال ابن خويز منداد:
"وللرباط حالتان: حالة يكون الثغر مأموناً منيعاً يجوز سكناه بالأهل والولد، وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إذا كان من أهل القتال، ولا ينقل إليه الأهل والولد لئلا يظهر العدو فيسبي ويسترق"(١).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
تكلم ابن خويز منداد عن بعض حالات الرباط وأحكامها، لذلك فسأدرس هذا القول من خلال مسألتين:
الأولى: المراد بالرباط في الآية.
الثانية: حكم الرباط بالأهل.
المسألة الأولى:
المراد بالرباط في الآية:
يظهر من كلام ابن خويز منداد أنه يختار أن المراد بالرباط في الآية، هو: الإقامة في الثغور وملازمتها، وقد اختلف المفسرون في تفسير معناه على قولين:
القول الأول:
أي أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها كما يربطها أعداؤكم.(٢)
وهذا قول جمهور المفسرين(٣).
واستدلوا بالآتي:
أن الرباط في اللغة: ملازمة ثغر العدو، وأصله أن يربط كل واحد من الفريقين خيله، ثم صار لزوم الثغر رباطاً(٤). فهذا القول موافق لمعنى الرباط في اللغة.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/٣١٤).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٦/٣٣٧)، والنكت والعيون (١/٤٤٥)، وفتح القدير للشوكاني (١/٦٧٠).
(٣) حكاه عن الجمهور: ابن عطية في: المحرر الوجيز (ص ٣٩٦)، والقرطبي في: الجامع لأحكام القرآن (٤/٣١٤).
(٤) انظر: معجم مقاييس اللغة (٢/٤٧٨) مادة (ربط)، ولسان العرب (٧/٣٠٢) مادة (ربط)، وتفسير البحر المحيط لأبي حيان (٣/٢١٠).

سورة النساء
قال تعالى: ﴿ * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٢٤) ﴾ النساء: ٢٤.
٢٥/١- قال ابن خويز منداد:
"لا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة(١)، لأن رسول الله - ﷺ - نهى عن نكاح المتعة وحرمه، ولأن الله تعالى قال: ﴿ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ النساء: ٢٥. ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بوليّ وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك"(٢).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر ابن خويز منداد الاستمتاع في الآية بأنه التلذذ بالنساء بالنكاح الصحيح، وهذا أحد أقوال المفسرين في معنى الآية، وقد اختلفوا في ذلك على أقوال سأذكرها مبينة الراجح منها.
أقوال المفسرين في معنى الاستمتاع في الآية:
اختلف المفسرون في المراد به على أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالاستمتاع في الآية، أي: التمتع بالمرأة بالنكاح الصحيح.
قال به: ابن عباس - رضي الله عنهما -(٣)، والحسن(٤)، وابن زيد(٥)، وجمهور العلماء(٦).
(١)
(١) المراد بنكاح المتعة: هو أن يتزوج المرأة مدة، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهراً، أو سنة، إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحج، وشبهه، سواء أكانت المدة معلومة أم مجهولة، فهذا نكاح باطل. انظر: المغني (١٠/٤٦).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٥/١٢٥).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٥)، والمحرر الوجيز (ص٤٢٢).
(٤) انظر: تفسير الحسن البصري (١/٢٧٠).
(٥) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٥).
(٦) انظر: زاد المسير (ص٢٣٧).

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) ﴾ النساء: ٥٩.
٢٦/٢- قال ابن خويز منداد:
"وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية، ولذلك قلنا: إن ولاة زماننا(١)لا تجوز طاعتهم، ولا معاونتهم، ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم متى غزوا، والحكم من قبلهم، وتولية الإمامة، والحسبة، وإقامة ذلك على وجه الشريعة، وإن صلوا بنا، وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم"(٢).
ــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) عاش ابن خويز في العراق في القرن الرابع، في عهد الخلافة العباسية، وبالأخص الثالثة، التي بدأت سنة ٣٣٤هـ، وسقطت سنة ٤٤٧هـ، فكانت نشأته في ظلها، وقد مرت الخلافة في هذه المرحلة بحروب واضطرابات وخلافات فيما بين خلفائها، منذ تدخل آل بويه في الحكم العباسي، حيث ارتبط تاريخ الدولة العباسية في ذلك الدور بسلاطين آل بويه أكثر من ارتباطه بالخلفاء العباسيين، وقد أدت هذه الحروب إلى أن بلغت الدولة العباسية إلى أقصى درجات الإنحلال والتدهور، فغدت بغداد وهي العاصمة مسرحاً للشغب والمنازعات، مما أدى إلى ضعف الدولة ثم تدهورها إلى أن سقطت الخلافة سنة ٤٤٧هـ، فلعل ابن خويز أراد بولاة زمانه: خلفاء آل بويه وقد تولى الخلافة العباسية في هذا الدور خمسة خلفاء، هم: المستكفي، والمطيع، والطائع، والقادر، والقائم. انظر: تاريخ ابن خلدون (٣/٥٢١ - ٥٥٤)، والبداية والنهاية (١١/٢٥١) وما بعدها، والتاريخ العباسي السياسي والحضاري للدكتور: إبراهيم أيوب (١٣١-١٤٠).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٥/٢٤٩).

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١) ﴾ النساء: ٧١.
٢٧/٣- قال ابن خويز منداد:
"قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ( ﴾ التوبة: ٤١. وبقوله: ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ ﴾ التوبة: ٣٩. ولأنْ يكون ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ( ﴾ منسوخاً بقوله: ﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ النساء: ٧١، وبقوله: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾ التوبة: ١٢٢. أولى، لأن فرض الجهاد تقرر عن الكفاية، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن الباقين، والصحيح أن الآيتين جميعاً محكمتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها"(١).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
رجح ابن خويز منداد أن هذه الآية محكمة، وقد اختلف المفسرون في حكمها على قولين، سأذكرهما مبينة الراجح منها - إن شاء الله -.
أقوال المفسرين في حكم الآية، هل هي منسوخة أو محكمة؟:
اختلف المفسرون في حكمها على قولين، هي كالآتي:
القول الأول:
إن قوله: ﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ محكمة.
قال به: جمهور المفسرين، ورجحه ابن خويزمنداد، وابن العربي(٢)، وابن الجوزي(٣)، وأبو حيان(٤)، ورجحه ابن حجر في الفتح(٥).
القول الثاني:
إن هذه الآية منسوخة.
روي هذا القول عن ابن عباس - رضي الله عنهما -(٦).
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٥/٢٦٤).
(٢) انظر: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم (٢/١٧٧).
(٣) انظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي (ص٢٨٢)....
(٤) انظر: البحر المحيط (٣/٤١٣).
(٥) انظر: فتح الباري (٦/٤٨).
(٦) انظر: زاد المسير (ص٢٥٨)، والدر المنثور (٢/٣٢٧).

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (٨٦) ﴾ النساء : ٨٦.
٢٨/٤- قال ابن خويز منداد:
" أسير على النعمان حتى أنيخ على تحيته بجندي(١)
يريد على ملكه. وقد يجوز أن تحمل هذه الآية على الهبة(٢)إذا كانت للثواب(٣)، فمن وهب له هبة على الثواب؛ فهو بالخيار إن شاء ردها، وإن شاء قبلها وأثاب عليها قيمتها"(٤).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذكر ابن خويز منداد قولين من أقوال المفسرين في معنى التحية، وقد اختلفوا في معناها على أقوال سأذكرها مبينة الراجح منها - إن شاء الله -.
أقوال المفسرين في المراد بالتحية في الآية:
اختلف المفسرون في معناها على أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالتحية في الآية: السلام.
قال به أكثر المفسرين، ومنهم: ابن عباس - رضي الله عنهما -، وحكاه السمعاني و ابن الجوزي عن الجمهور(٥)، وهو أشهر الأقوال، وظاهر الآية يدل عليه(٦).
القول الثاني:
إن المراد بالتحية في الآية: الملك.
رجحه: الجصاص(٧).
القول الثالث:
إن المراد بالتحية: الدعاء بالبقاء، وطول الحياة.
(١) هذا البيت ينسب لعمرو بن معدي كرب. انظر: معجم تهذيب اللغة للأزهري (١/٩٥٥).
(٢) الهبة في اللغة: التبرع، وفي الشرع: تمليك العين بلا عوض. انظر: التعريفات للجرجاني (ص٣١٩).
(٣) الهبة للثواب: هي الهبة التي يعوض الواهب عنها، والعوض إما أن يكون مشروطاً أو لا. وهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء. للاطلاع عليها ينظر: والمغني (٨/٢٧٧)، والمجموع للنووي (١١/٥٣٩)، حاشية الدسوقي (٤/٩٧-٩٨)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (١٤/٣٥).
(٤) الجامع لأحكام القران (٥/٢٨٣-٢٨٤).
(٥) انظر: زاد المسير (ص٢٦٤)، وتفسير أبي المظفر السمعاني (١/٤٥٦).............
(٦) انظر: أحكام القران لابن العربي (١/٥١٠-٥١١).
(٧) انظر: أحكام القران، له (٢/٢٧٢).

...... سورة المائدة
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢) ﴾ المائدة : ٢.
٢٩/١- قال ابن خويز منداد:
"التعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم)(١)ويجب الإعراض عن المتعدي، وترك النصر له، ورده عما هو عليه"(٢).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن التعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، ثم عددها وكل ما ذكره هو باعتبار معاملة الخلق، إلا أن الآية تشمل ما ذكره، وتشمل معاملة الخالق جل جلاله أيضا. فقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "قوله (وتعاونوا على البر والتقوى) البر ما أُمرت به، والتقوى ما نهيت عنه"(٣).
(١) رواه أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب (١/١٢٢)، والنسائي في سننه، كتاب القسامة، باب سقوط القود من المسلم للكافر، حـ ٤٧٤٩. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٣٩٥)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر، حـ ٢٧٥١. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٢٨)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/١١٣١) برقم (٦٦٦٦).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٥/٤٥ -٤٦).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٨/٥٢-٥٣).

قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣) ﴾ المائدة : ٣.
٣٠/٢- قال ابن خويزمنداد:
"ولهذا نهى أصحابنا(١)عن الأمور التي يفعلها المنجمون(٢)، على الطرقات من السهام التي معهم، ورقاع الفأل(٣)، في أشباه ذلك"(٤).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) يريد بهم المالكية.
(٢) التنجيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية". مجموع الفتاوى (٣٥/١٩٢)، وفي حكم التنجيم تفصيل فمنه المحرم، ومنه المباح، للنظر في المسألة يراجع: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٣٥/١٩٢)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (٢/١٢)، ومعارج القبول لحافظ حكمي (٢/٨٣٠)، وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد، باب ما جاء في التنجيم (ص٣١٧).
(٣) لم أتمكن من الوقوف على معنى قوله: (رقاع الفأل)، ولكن الذي يظهر أنها من الأشياء التي يستخدمها المنجمون ليمنعوا من الفعل، أو ليمضوه ونحو ذلك.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القران (٦/٥٨).

قال تعالى: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) ﴾ المائدة : ٤٢.
ذكر ابن خويزمنداد في هذه الآية قولين:
٣١/٣- القول الأول: قال: "من السحت أن يأكل الرجل بجاهه، وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فلا يقضيها إلا برشوة يأخذها، ولا خلاف بين السلف أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما لا يجوز سحت حرام(١)"(٢).
ـــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن من السحت الرشوة، ويظهر من هذا أنه يرى أن السحت هو الحرام، ومنه الرشوة، وهذا أحد أقوال المفسرين، لذلك فإنني سأدرس هذا القول من خلال ذكر أقوال المفسرين في معنى السحت في الآية، ثم أبين الراجح.
أقوال المفسرين في معنى السحت في الآية:
اختلف المفسرون في معنى السحت في الآية على أقوال، أظهرها الآتي:
القول الأول:
إن المراد بالسحت: الرشوة.
قال به: ابن مسعود(٣)، وابن عباس(٤)- رضي الله عنهم -، والحسن(٥)، ومجاهد(٦)، وقتادة، والضحاك(٧)، ومقاتل(٨)، وجماعة من المفسرين(٩).
(١) وقد ذكر الجصاص أيضا اتفاق المفسرين على أن قبول الرشا محرم، وأنه من السحت. انظر: أحكام القرآن (٢/٥٤٠).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/١٧٤).
(٣) انظر: زاد المسير (ص ٣٢٣)، وتفسير ابن كثير (٣/١١٧).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٨/٤٣٣)، والدر المنثور (٢/٥٠٢).
(٥) انظر: تفسير الحسن (١/٣٢٧).
(٦) انظر: تفسير مجاهد (١/١٩٦).
(٧) انظر: تفسير الطبري (٨/٤٣١و ٤٣٢)، ومعالم التنزيل (٢/٣٩).
(٨) انظر: تفسير مقاتل (١/٤٧٨).
(٩) انظر: المحرر الوجيز (ص٥٤٤)، وانظر: التمهيد (١٢/٣٢٣).

قال تعالى: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢) ﴾ المائدة: ٤٢.
القول الثاني لابن خويز منداد في هذه الآية، هو:
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥) ﴾ المائدة : ٥٥.
٣٣/٥- قال ابن خويز منداد:
"قوله تعالى: ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة، وذلك أن هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحاً، وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة(١)، وقد يجوز أن تكون هذه صلاة تطوع، وذلك أنه مكروه في الفرض"(٢)، ويحتمل أن يكون المدح متوجها على اجتماع حالتين، كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة، فعبر عن الصلاة بالركوع، وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل، كما تقول: المسلمون هم المصلون، ولا تريد أنهم في تلك الحال مصلون ولا يوجه المدح حال الصلاة، فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده"(٣).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) هذا الأثر باطل لا يصح، وهو موضوع باتفاق أهل العلم، كما ذكر ذلك ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٣/٣٥٤)، وقد تكلم عن هذه الرواية كلاماً شافياً في منهاج السنة (٧/٧-٣١)، وقال ابن كثير بعد ذكره لعدة روايات لهذا الأثر: "وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها" (٣/٣٩)، وقال في البداية والنهاية بعد ذكره لهذا الأثر: "وهذا لا يصح بوجه من الوجوه، لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصيته" (٧/٣٨٢).
(٢) تكلم الفقهاء عن مسألة الأعمال التي يفعلها المصلي، وهي من غير جنس الصلاة، وبينوا أقسامها، وحكم كل قسم وضابطه على اختلاف بينهم، للنظر فيها يرجع: لحاشية ابن عابدين (١/٦٥١)، وشرح مختصر خليل للخرشي (١/٣٢٣-٣٢٤)، ومغني المحتاج للشربيني (١/٤١٧)، والفروع لابن مفلح (١/٤٧٧) وما بعدها، والمغني (٣/٩٤) وما بعدها.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/٢٠٨).

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) ﴾ المائدة : ٥٧.
٣٤/٦- قال ابن خويز منداد:
"هذه الآية مثل قوله تعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ المائدة: ٥١. ﴿ لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾ آل عمران: ١١٨. تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين، ونحو ذلك"(١).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن هذه الآية، وما شابهها من الآيات التي فيها النهي عن موالاة أهل الشرك والكفر، تتضمن النهي عن الانتصار والاستعانة بهم، إلا أن في المسألة تفصيل لذلك فإنني سأتناول هذا القول من خلال مسألتين:
الأولى: معنى الآية عند المفسرين.
الثانية: حكم الاستعانة، والانتصار بالمشركين.
المسألة الأولى:
معنى الآية عند المفسرين:
قال ابن عطية:
"نهى الله تعالى المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، فوسمهم بوسم يحمل النفوس على تجنبهم، وذلك اتخاذهم دين المؤمنين هزواً ولعباً وفرقت الآية بين الكفار وبين الذين أوتوا الكتاب، من حيث الغالب في اسم الكفار أن يقع على المشركين بالله إشراك عبادة أوثان، لأنهم أبعد شأوا في الكفر.."(٢).
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/٢١٠).
(٢) المحرر الوجيز (ص٥٥٦) باختصار.

قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا ﴾ المائدة : ٩٣.
٣٥/٧- قال ابن خويز منداد:
"تضمنت هذه الآية تناول المباح، والشهوات، والانتفاع بكل لذيذ من مطعم ومشرب ومنكح، وإن بولغ فيه وتنوهي في ثمنه، وهذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ المائدة: ٨٧. ونظير قوله: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ الأعراف : ٣٢"(١).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
تضمن كلام ابن خويز منداد مسألتين:
الأولى: دلالة الآية على جواز الانتفاع المطلق بالملاذ الدنيوية والطيبات.
الثانية: استدلاله بها على جواز المبالغة بالملاذ الدنيوية والتناهي في ثمنها.
لذا ستكون دراستي من خلال هاتين المسألتين.
المسألة الأولى:
دلالة الآية على جواز الانتفاع المطلق بالملاذ الدنيوية والطيبات:
استدل ابن خويز منداد بعموم هذه الآية ونظائرها؛ على جواز الانتفاع المطلق بما أباحه الله من الطيبات، إلا أن هذا الإطلاق جاء تقييده بقوله تعالى: ﴿ إِذَا مَا اتَّقَوْا ﴾.
قال الإمام الشافعي: " ﴿ إِذَا مَا اتَّقَوْا ﴾ أي: لم يقربوا ما حرم عليهم"(٢).
وقال الزمخشري: "رفع الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه، من مستلزمات المطاعم ومشتهياتها (إذا ما اتقوا ما حرم عليهم فيها)"(٣).
وقال ابن القيم: "إنما رَفْع الجناح عنهم فيما طعموه متقين له فيه، وذلك إنما يكون
باجتناب ما حرمه من المطاعم، فالآية لا تتناول المحرم بوجه ما"(٤).
(١) انظر: الجامع لأحكام القران (٦/٢٧٦).
(٢) أحكام القران، له (٢/١٨٥).
(٣) الكشاف (١/٦٧٦).
(٤) إعلام الموقعين (٣/١٢٢) تحقيق: مشهور آل سلمان.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) ﴾ المائدة : ١٠٥.
٣٦/٨- قال ابن خويز منداد:
"تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، وتركه التعرض لمعائب الناس والبحث عن أحوالهم، فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم، وهذا كقوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) ﴾ المدثر: ٣٨. ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ الإسراء: ١٥. وقول النبي - ﷺ -: (كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك)(١).
ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينكر بقلبه ويشتغل بإصلاح نفسه"(٢).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذكر ابن خويز منداد قولين في معنى الآية، وجوزهما جميعاً، وهما:
الأول: إن الآية تضمنت اشتغال الإنسان بإصلاح نفسه، وألا يشتغل بعيوب غيره، والبحث عن أحوالهم، فإنه لن يسأل عن حالهم، وهذا كقوله: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) ﴾ المدثر: ٣٨.
الثاني: إن المراد بالآية الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينكر بقلبه ويشتغل بإصلاح نفسه.
(١)
(١) لم أقف على هذا اللفظ، ولعل ابن خويز روى الحديث بالمعنى، لأنني وجدته عند أحمد في مسنده، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، حـ ٦٩٨٧. وأبي داود في سننه، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي حـ ٤٣٤٣. موسوعة الحديث الشريف (ص ١٥٤٠)، بلفظ: (الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة)، قال الألباني: (حسن صحيح). انظر: صحيح سنن أبي داود برقم: (٤٣٤٣) (٣/٣٧).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/٣٢٠).

سورة الأنعام
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) ﴾ الأنعام: ٦٨.
٣٧/١- قال ابن خويز منداد:
"من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمناً كان أو كافراً، وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو، ودخول كنائسهم، والبيع، ومجالسة الكفار، وأهل البدع، وألا تعتقد مودتهم، ولا يسمع كلامهم، ولا مناظرتهم"(١).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
استدل ابن خويز منداد بهذه الآية على حرمة مجالسة الذين يخوضون في آيات الله، وحتى من كان مسلماً، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم مستدلين بهذه الآية وغيرها، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم: القاضي أبو يعلى(٢)، والبغوي(٣)، وابن عبد البر(٤)، وغيرهم(٥).
قال البغوي في شرحه لحديث كعب بن مالك - رضي الله عنه-: "وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول الله - ﷺ - خاف على كعب وأصحابه: النفاق حين تخلفوا من الخروج معه، فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله براءتهم، وقد مضت الصحابة والتابعون، وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع، ومهاجرتهم"(٦).
(١) انظر: الجامع لأحكام القران (٧/١٦).
(٢) انظر: الآداب الشرعية (١/٢٥٠).
(٣) انظر : شرح السنة (١/٢٢٦-٢٢٧).
(٤) انظر: التمهيد (١٥/٧٩).
(٥) انظر: هجر المبتدع لبكر أبو زيد (ص٣٢).
(٦) انظر: شرح السنة (١/٢٢٦-٢٢٧).

قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) ﴾ الأنعام : ١٤٥.
٣٨/٢- قال ابن خويز منداد:
"تضمنت هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره، إلا ما استثني في الآية من الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، ولهذا قلنا: إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير؛ مباح"(١).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويز منداد أن الآية حصرت المحرمات، فما سوى المذكور فيها مباح، وعليه فإن لحوم السباع وغيرها مباحة، وهذا قول بعض أهل العلم(٢)، وقد اختلف العلماء في ذلك فسأذكرها مبينة الراجح منها.
أقوال العلماء في الحصر الوارد في هذه الآية:
اختلف العلماء فيه على أقوال، أجملها في قولين:
القول الأول:
إن الآية حصرت المحرمات فما لم يذكر تحريمه فيها فهو حلال، لذا فإن لحوم السباع وسائر الحيوانات مما لم يذكر في الآية مباح.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٧/١٠٣).
(٢) سيأتي بيانه - إن شاء الله -.

سورة التوبة
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) ﴾ التوبة: ٣٤.
٣٩/١ قال ابن خويز منداد:
" تضمنت هذه الآية زكاة العين، وهي تجب بأربعة شروط: حرية، وإسلام، وحول، ونصاب سليم من الدين، والنصاب مائتا درهم أو عشرون ديناراً، أو يكمل نصاب أحدهما من الآخر، وأخرج ربع العشر من هذا وربع العشر من هذا، وإنما قلنا إن الحرية شرط، فلأن العبد ناقص الملك، وإنما قلنا إن الإسلام شرط؛ فلأن الزكاة طهرة، والكافر لا تلحقه طهرة، ولأن الله تعالى قال: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾ البقرة: ٤٣، فخوطب بالزكاة من خوطب بالصلاة، وإنما قلنا إن الحول شرط، فلأن النبي - ﷺ - قال: " ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول"(١)، وإنما قلنا إن النصاب شرط، فلأن النبي - ﷺ - قال: " ليس في أقل من مائتي درهم زكاة، وليس في أقل من عشرين ديناراً زكاة "(٢)"(٣).
ـــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) رواه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة السائمة، حـ ١٥٧٣. موسوعة الحديث الشريف (ص١٣٤٠). وقال ابن حجر في تلخيص الحبير ( ٢/٣٥١): "حديث علي لا بأس بإسناده والآثار تعضده، فيصلح للحجة، والله أعلم ".
(٢) أخرجه الدارقطني في سننه (٢/٩٣) كتاب الزكاة، باب وجوب زكاة الذهب والورق والماشية، حـ٧. وضعفه الريعلي في نصب الراية (٢/٤٣٣)، والذهبي في تلخيص الحبير (٢/٣٨٢). إلا أن للحديث شواهد. انظر: نصب الراية (٢/٣٩٥- ٤٣١).
(٣) ٣ ) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٨/١١٤)، وأضواء البيان (٢/٣٢٣).

قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) ﴾ التوبة: ١٠٠.
٤٠/٢- قال ابن خويز منداد:
"تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة، في علم أو دين أو شجاعة أو غير ذلك من العطاء في المال، والرتبة في الإكرام، وفي هذه المسألة خلاف بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -"(١).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذكر ابن خويز منداد في هذه الآية مسألتين:
الأولى: دلالة الآية على تفضيل السابق إلى الخير.
الثانية: حكم تفضيل السابق إلى الفضائل الدينية على غيره.
لذا فستكون دراستي لهذا القول من خلال هاتين المسألتين.
المسألة الأولى:
دلالة الآية على تفضيل السابق إلى الخير.
بين ابن خويز منداد أن في الآية دلالة على تفضيل السابق إلى الخير على التالي، وبمثله قال الجصاص(٢)، وابن العربي(٣)، وقد دلت النصوص على هذا، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ فاطر: ٣٢. قوله: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) ﴾ الواقعة: ١٠-١١.
(١) انظر: الجامع لأحكام القران (٨/٢١٧).
(٢) انظر: أحكام القران (٣/١٨٨).
(٣) انظر: أحكام القران، له (٢/٤٧٠).

سورة الإسراء
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦) ﴾ الإسراء: ٣٦.
٤١/١- قال ابن خويز منداد:
" تضمنت الآية الحكم بالقافة(١)، لأنه لما قال: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ دل على جواز ما لنا به علم، فكل ما علمه الإنسان أو غلب على ظنه جاز أن يحكم به، وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص(٢)، لأنه ضرب من غلبة الظن، وقد يسمى علماً اتساعاً فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما كما يلحق الفقيه الفرع بالأصل من طريق الشبه، وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - : أن رسول الله - ﷺ - دخل عليَّ مسروراً تبرق أسارير(٣)
(١) سيأتي ذكر معناها في (ص ٢٨٦).
(٢) الخرص: أصل الخرص هو: التظني فيما لا يستيقنه، ومنه قيل: خرصت النخل والكرم: إذا حزرت ثمره لأن الحزر إنما هو تقدير بظن، لا إحاطة، وأطلق على الكذب خرص، لما يدخله من الظنون الكاذبة، ومنه قوله تعالى: ﴿ قتل الخراصون ﴾ الذاريات: ١٠، أي: الكذابون وكل قول عن ظن وتخمين يسمى خرصاً. انظر: معجم تهذيب اللغة (١/١٠٠٩) مادة: (خرص)، والتعاريف لمحمد المناوي (١/٣١١).
(٣) أسارير: جمع أسرار وهي جمع سُرُر، وهي الخطوط التي تكونت في الجبهة وتتكسر. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٤٢٦) مادة: (سرر)، وفتح الباري (٦/٧٠١).

قال تعالى: ﴿ قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) (١٠٩) ﴾ الإسراء: ١٠٧-١٠٩.
٤٢/٢- قال ابن خويزمنداد:
"ولا يجوز السجود على الذقن، لأن الذقن ها هنا عبارة عن الوجه، وقد يعبر بالشيء عما جاوره وببعضه عن جميعه فيقال: خر لوجهه ساجداً وإن كان لم يسجد على خده ولا عينيه. ألا ترى إلى قوله: فخر صريعاً لليدين والفم(١)فإنما أراد خر صريعاً على وجهه ويديه(٢)".
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن معنى الذقن في قوله تعالى: (ويخرون للأذقان) أي: الوجه، وهذا أحد أقوال المفسرين، وأن اللام في قوله: (للأذقان) بمعنى على، ولم أقف على خلاف في ذلك(٣)، إلا أن المفسرين اختلفوا في معنى الذقن والمراد به في الآية على أقوال، سأبينها ثم أذكر الراجح منها.
أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى: ﴿ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا... ﴾ :
اختلف المفسرون في معنى الأذقان في الأية على أقوال، هي:
القول الأول:
إن المراد بالأذقان الوجوه، وعليه فيكون عبر عن الوجوه بالأذقان كما يعبر عن كل شيء ببعض ما يلاقيه(٤).
(١) هذا البيت عجز لبيت لجابر بن حنيِّ التغلبي، وصدره: (تناوله بالرمح ثم انثنى له). انظر: الكشاف (٢/٦٩٩).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٠/٢٩٦-٢٩٧).
(٣) انظر: الكشاف (٢/٦٩٩)، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري (ص ٢٣٨)، وبصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (٤/٤١٠)، وفتح القدير للشوكاني (٣/٣٦٦).
(٤) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (٦/١١٣).

سورة الكهف
قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ ×@ح !$s% مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (١٩) ﴾ الكهف : ١٩.
٤٣/١ قال ابن خويز منداد:
" تضمنت هذه الآية جواز الشركة لأن الورق كان لجميعهم، وتضمنت جواز الوكالة لأنهم بعثوا من وكلوه بالشراء، وتضمنت جواز أكل الرفقاء وخلطهم وطعامهم معاً، وإن كان بعضهم أكثر أكلاً من الآخر، ومثله قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ البقرة: ٢٢٠ "(١).
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
استنبط ابن خويز منداد من هذه الآية ثلاث مسائل:
الأولى: دلالتها على جواز الوكالة.
الثانية: دلالتها على جواز الشركة.
الثالثة: دلالتها على جواز أكل الرفقاء وخلطهم طعامهم معاً، وإن كان بعضهم أكثر أكلا من بعض.
وستكون دراستي لهذا القول من خلال هذه المسائل.
المسألة الأولى:
دلالة الآية على جواز الوكالة:
استدل ابن خويز منداد بهذه الآية على جواز الوكالة، وقد أجمعت الأمة على جوازها بالجملة لأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن لكل واحد فعل ما يحتاج إليه، مستدلين بهذه الآية(٢)وبغيرها.
(١) انظر الجامع لأحكام القرآن (١٠/٣٢٨).
(٢) حكى الإجماع على هذا: ابن قدامة في المغني (٧/١٩٧)، وابن حزم في مراتب الإجماع (ص١١١)، والقرطبي في الجامع لأحام القرآن (١٠/٣٢٦).

سورة الحج
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) ﴾ الحج : ٤٠.
٤٤/١- قال ابن خويزمنداد:
"تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة، وبيعهم، وبيوت نيرانهم(١)، ولا يتركون أن يحدثوا ما لم يكن، ولا يزيدون في البنيان لا سعة ولا ارتفاعاً، ولا ينبغي للمسلمين أن يدخلوها ولا يصلوا فيها، ومتى أحدثوا زيادة وجب نقضها، وينقض ما وجد في بلاد الحرب من البيع والكنائس، وإنما لم ينقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عاهدوا عليها في الصيانة، ولا يجوز أن يمكنوا من الزيادة لأن في ذلك إظهار أسباب الكفر، وجائز أن ينقض المسجد ليعاد بنيانه، وقد فعل ذلك عثمان - رضي الله عنه - بمسجد النبي - ﷺ -(٢)"(٣).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
استنبط ابن خويزمنداد من الآية بعض أحكام الكنائس، ومجملها مسألتان:
(١)
(١) لا يفرق العلماء بين الكنيسة والبيعة والصومعة وبيت النار والدير وغيرها في الأحكام، والأصل في هذا ما ورد في كتاب عمر - رضي الله عنه - لما صالح نصارى الشام، كتب إليهم كتاباً: "أنهم لا يبنون في بلادهم ولا فيما حولها ديراً، ولا كنيسة، ولا صومعة راهب... " قال ابن القيم: "وحكم هذه الأمكنة كلها حكم الكنيسة". انظر: أحكام أهل الذمة (ص٤٥٧)، وفتح الباري (١/٦٨٨)، ومغني المحتاج للشربيني (٦/٧٦)، وحاشية الدسوقي (١/١٨٩).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب بنيان المسجد، حـ ٤٤٦. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٨).
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٢/٦٨).

سورة النور
قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ئخgح !$t/#uن أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ ئخgح !$oYِ/r& أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ £`خgح !$|، خS أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١) ﴾ سورة النور: ٣١.
لابن خويزمنداد قولان في هذه الآية:
٤٥/١- القول الأول: قال: "إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة، فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزاً أو مقبحة، جاز أن تكشف وجهها وكفيها"(١).
ـــــــــــــــــــــ
الدراسة:
يفهم من قول ابن خويزمنداد أنه يرى أن المراد بالزينة الظاهرة في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أي: الوجه والكفان، وهذا ما عليه المالكية(٢)وغيرهم.
وقد اختلف العلماء في المراد بالزينة الظاهرة في الآية على أقوال، سأذكرها مبينة الراجح منها.
أقوال العلماء في المراد بالزينة الظاهرة في هذه الآية:
اختلف العلماء في المراد بالزينة الظاهرة في الآية على أقوال، كلها تدخل تحت ثلاثة أقوال، هي:
القول الأول:
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٢/٢٠٨).
(٢) انظر: مواهب الجليل للحطاب (١/٤٩٩)، وحاشية الدسوقي (١/٢١٤)، وأحكام القران لابن العربي (٣/٢٨٥).

قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ النور: ٣١.
القول الثاني لابن خويزمنداد في هذه الآية:
٤٦/٢- قال: "أما الزوج والسيد فيجوز له أن ينظر إلى سائر الجسد وظاهر الفرج دون باطنه، وكذلك المرأة يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها والأمة إلى عورة سيدها"(١).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
استدل ابن خويزمنداد بهذه الآية على وجوب حفظ المرأة فرجها إلا عن زوجها وسيدها فإنه يجوز له النظر إلى سائر بدنها، ولا خلاف بين الفقهاء في أنه ليس شيء من جسد الزوجة أو الأمة عورة عن زوجها أو سيدها، وكذلك العكس، فلكل واحد منهما النظر إلى جميع جسد الآخر ومسه، لأن وطأه مباح فجاز النظر إليه ولمسه كبقية البدن، سواء كان ذلك بشهوة أو بدون شهوة بطريق الأولى، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) ﴾ المؤمنون : ٥-٦.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١١/٢١١).

قال تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) ﴾ النور: ٣٣.
٤٧/٣- قال ابن خويزمنداد:
"صفتها - أي المكاتبة - أن يقول السيد: كاتبتك(١)على كذا وكذا من المال، في كذا وكذا نجماً؛ إذا أديته فأنت حر، أو يقول له: أد إلى ألفاً في عشرة أنجم وأنت حر، فيقول العبد: قد قبلت، ونحو ذلك من الألفاظ، فمتى أداها عتق. وكذلك لو قال العبد: كاتبني. فقال: السيد قد فعلت أو كاتبتك"(٢).
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد صيغ الكتابة، وكل الصيغ التي ذكرها يكاد يتفق عليها الفقهاء(٣)، إلا أنهم اختلفوا هل تفتقر المكاتبة إلى لفظ العتق؛ فيقول السيد لعبده: إن أديت كذا وكذا نجماً، فأنت حر، أو ينوي بالكتابة الحرية؟
(١) المكاتبة: هي إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدَّى مؤجلاً، وسميت كتابة، لأن السيد يكتب بينه وبينه كتاباً بما اتفقا عليه، وقيل: سميت كتابة، من الكتب وهو الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض. والنجوم ها هنا هي: الأوقات المختلفة، لأن العرب كانت لا تعرف الحساب، وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم. انظر: المغني لابن قدامة (١٤/٤٤١)، والجامع لأحكام القرآن (١٢/٢٢٣).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٢/٢٣٠).
(٣) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (٤/١٣٤)، وشرح مختصر خليل للخرشي (٨/١٣٩)، وحاشية الجمل لسليمان العجيلي (٥/٤٥٩)، والإنصاف للمرداوي (٧/٤٤٨).

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) ﴾ النور : ٤٨.
٤٨/٤- قال ابن خويزمنداد:
"واجب على كل من دُعي إلى مجلس الحاكم(١)أن يجيب، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو عداؤه من المدعي والمدعى عليه"(٢).
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
استدل ابن خويزمنداد بهذه الآية، على وجوب إجابة دعوى الحاكم، وبهذا قال غير واحد من المفسرين، منهم:
الجصاص(٣)، والماوردي(٤)، وابن العربي(٥)، والقرطبي(٦)، وابن كثير(٧)، والشوكاني(٨)، وغيرهم.
قال الماوردي في تفسيره لهذه الآية:"فيها دليل على أن من دعي إلى حاكم فعليه الإجابة، ويحرج(٩)إن تأخر(١٠)".
(١)
(١) الكلام هنا حول الحاكم أي القاضي، والحاكم في اللغة: من الحكم وهو القضاء، وجمعه أحكام، فالحاكم هو منفذ الحكم، أما في الاصطلاح: فالقضاء يأتي بمعنى الحكم والحاكمية، والقاضي هو: الذي نصب وعين من قبل السلطان، لأجل فصل وحسم الدعوى والمخاصمة الواقعة بين الناس، توفيقا لأحكامها المشروعة. فمراد ابن خويزمنداد هنا هو ما يريده الفقهاء عند إطلاق كلمة الحاكم، يريدون بذلك القاضي، ومنه قول الإمام أحمد: "لابد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟!". انظر: المغني (١٤/٥-٦)، ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام (٤/٥١٨) مادة: (١٧٨٥)، لسان العرب (١٢/١٤١-١٤٢) مادة: (حكم).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٤/٥٤) و (١٢/٢٦٩).
(٣) انظر: أحكام القرآن، له (٣/٤٢٤).
(٤) انظر: النكت والعيون (٤/١١٦).
(٥) انظر: أحكام القرآن، له (٣/٣٠٤).
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٢/٢٦٩).
(٧) انظر: تفسير ابن كثير (٦/٧٤).
(٨) انظر: فتح القدير (٤/٦٦)......................
(٩) الحَرَج: هو المأثم، ورجل حارج: آثم. انظر: معجم تهذيب اللغة (١/٧٧٥) مادة: (حرج)، ولسان العرب (٢/٢٣٣) مادة: (حرج).
(١٠) النكت والعيون (٤/١١٦).

سورة القصص
قال تعالى :﴿ ttA$s% إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ ڑ... ﴾ القصص: ٢٧.
٤٩/٤- قال ابن خويزمنداد:
" تضمنت هذه الآية النكاح على الإجارة والعقد صحيح، ويكره أن تجعل الإجارة مهراً، وينبغي أن يكون المهر مالاً كما قال تعالى: ﴿ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ ﴾ النساء: ٢٤ "(١).
ـــــــــــــــ
الدراسة:
استنبط ابن خويز منداد من الآية صحة عقد النكاح على الإجارة، وأنه يكره أن يجعل الإجارة مهراً، وهذا قول الإمام مالك(٢)، وأنه ينبغي أن يكون المهر مالاً بدلالة قوله تعالى: ﴿ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ ﴾ النساء: ٢٤، والمال يطلق على العين وعلى المنفعة، قال ابن العربي: " لما أقر الله تعالى بالنكاح بالأموال لم يجز أن يبذل فيه ما ليس بمال، وتحقيق المال ما تتعلق به الأطماع، ويعتد للانتفاع هذا رسمه في الجملة، وفيه تفصيل وتحقيق بيانه يترتب عليه أن منفعة الرقبة في الإجارة مال ومنفعة التعليم للعلم كله مال "(٣).
وستكون دراستي لهذا القول من خلال المسألة التالية:
أقوال العلماء في حكم عقد النكاح على الإجارة:
اختلف العلماء في حكم عقد النكاح على الإجارة على قولين:
القول الأول:
إنه يصح، قالوا يجوز أن يكون منفعة لحر صداقاً كالخياطة والبناء وتعليم القرآن وكل
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٣/٢٤٤).
(٢) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ٣٨٤)، والجامع لأحكام القران (١٣/ ٢٤٣).
(٣) أحكام القرآن (١/ ٤٣٦)، و انظر: المغني (١٠/ ٩٨ - ١٠٣)، وزاد المعاد (٥/ ١٧٨ - ١٧٩).

سورة لقمان
قال تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨) ﴾ لقمان: ١٨.
٥٠/١- قال ابن خويزمنداد:
"كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ونحو ذلك، روي عن النبي - ﷺ - أنه قال: (ليس للإنسان أن يذل نفسه)(١)"(٢).
ــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
بين ابن خويزمنداد أن الآية فيها نهي للإنسان أن يذل نفسه من غير حاجة، ولعله فهم من التصعير التذلل، وللمفسرين أقوال في معنى الآية، سأذكرها مبينة الراجح منها بعد ذلك.
أقوال المفسرين في معنى قوله:(ولا تصعر خدك للناس):
اختلف المفسرون في معنى الآية على أقوال مجملها الآتي:
القول الأول:
إن المراد: لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقاراً منك لهم واستكباراً عليهم.
قال به: ابن عباس(٣)- رضي الله عنهما -، ومجاهد(٤)، وعكرمة، والضحاك،
وابن زيد(٥)، والزجاج(٦).
واختاره الطبري(٧)، وابن العربي(٨)، وابن كثير(٩)، وغيرهم.
(١) لم أجده بهذا اللفظ وإنما وجدته بلفظ: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه) الحديث، رواه الترمذي في جامعه، كتاب الفتن، باب لا يتعرض من البلاء ما لا يطيق، حـ ٢٢٥٤. موسوعة الحديث الشريف (ص١٨٧٩)، وابن ماجة في سننه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ﴾، حـ ٤٠١٦. موسوعة الحديث الشريف (٢٧١٨)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢/٥٠٢) برقم: (٢٢٥٤).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٤/٦٥٨).
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (٦/٣٣٨)، وزاد المسير (ص١٠٠٤).
(٤) انظر: تفسير مجاهد (٢/٥٠٥).
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٨/٥٥٩-٥٦٠).
(٦) انظر: معاني القرآن وإعرابه (٤/١٩٨).
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٨/٥٥٩).
(٨) انظر: أحكام القرآن (٣/٤١٣).
(٩) انظر: تفسير ابن كثير (٦/٣٣٩).

سورة ص
قال تعالى: ﴿ t£`sكur دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) (٢٤) ﴾ ص: ٢٤.
٥١/١- قال ابن خويز منداد:
"فيه دلالة على أن السجود للشكر مفرداً لا يجوز، لأنه ذكر معه الركوع، وإنما الذي يجوز أن يأتي بركعتين شكراً فأما سجدة مفردة فلا، وذلك أن البشارات كانت تأتي رسول الله - ﷺ - والأئمة بعده، فلم ينقل عن أحد منهم أنه سجد شكراً، ولو كان ذلك مفعولاً لهم لنقل نقلاً متظاهراً لحاجة العامة إلى جوازه وكونه قربة"(١)١).
الدراسة:
ذهب ابن خويز منداد في قوله: ﴿ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ إلى أنه الركوع الحقيقي، فيكون خر للسجود بعد أن كان راكعا، وهذا أحد قولي المفسرين في الآية، ثم تعرض للكلام حول حكم سجود الشكر وأنه لم يرد عن الرسول ـ ﷺ ـ ولا عن صحابته فعلها، إلا أن هذا مخالف للصواب، فقد وردت آثار كثيرة تدل على مشروعيتها وسيأتي ذكرها، لذلك فستكون دراستي لهذا القول من خلال مسألتين:
الأولى: أقوال المفسرين في معنى قوله: ﴿ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾.
الثانية: حكم سجود الشكر.
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في معنى الركوع في قوله: (وخر راكعاً):
اختلف المفسرون في المراد بالركوع في الآية على أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالركوع: السجود، لأن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء، وأحدهما يدل على الآخر، ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٥/١٦٢).

سورة الأحقاف
قال تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤) ﴾ الأحقاف: ٤.
٥٢/١- قال ابن خويز منداد:
" قوله تعالى: ﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ﴾ يريد الخط، وقد كان مالك - رحمه الله - يحكم بالخط، إذا عرف الشاهد خطه، وإذا عرف الحاكم خطه، أو خط من كتب إليه، يحكم به، ثم رجع عن ذلك حين ظهر في الناس ما ظهر من الحيل والتزوير"(١)١).
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب ابن خويز منداد إلى أن معنى الأثارة في الآية هو: الخط، أي: المكتوب، وقد اختلف المفسرون في معناه على أقوال، سأذكرها مبينة الراجح منها.
أقوال المفسرين في المراد بقوله تعالى: ﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ﴾ :
اختلف المفسرون في المراد بها على أقوال هي:
القول الأول:
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٦/١٥٤).

سورة الحجرات
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) ﴾ الحجرات: ١١.
٥٣/١- قال ابن خويزمنداد:
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإنني أحمد الله وأثني عليه الخير كله، وأشكره على التوفيق لإتمام هذا البحث، وأسأله أن يبارك في هذا الجهد المتواضع وأن ينفع به، وهي بضاعة مزجاة فأسأل الله أن يتقبل صوابها الذي هو منه، وأن يتجاوز عن سيئها الذي هو من نفسي والشيطان.
وبعد هذه المسيرة التي امتدت ثلاث سنين الشيقة فقد خرجت منها بنتائج عدة، من أهمها:
١- أنه بالرغم من ما مر به القرن الرابع الذي عاش فيه ابن خويز منداد من اضطرا بات سياسية، ونزاعات، وخلافات؛ إلا أنه مع هذا كله فقد كانت الحالة العلمية فيه مزدهرة، وأساليب التعليم فيه متطورة، حيث كثرت فيه المعاهد والمدارس، كما برز فيه علماء أجلاء كبار منهم ابن خويز منداد - رحمه الله-.
٢- أنه لازدهار العلم في هذا القرن، وكثرة العلماء المبرزين فيه، أكبر الأثر على تكوين ابن خويز منداد، ونبوغه، وحيازته لأنواع من العلوم، وتصنيفه لأنواع من الفنون، فقد صنف كتاباً كبيراً في الخلاف، وأحكام القرآن، والجامع لأصول الفقه. و مع الأسف فإن كل مصنفاته قد فقدت -حسب علمي- فلم يبق منها سوى أقوال متفرقة في كتب من استفاد منها من العلماء ممن جاء بعده.
٣- بروز ابن خويز منداد في التفسير، وهذا جانب مهم قد يخفى على طلاب العلم حيث إنه أغلب ما يذكر اسمه في كتب الفقه وأصوله، ولم يظهر لهم أنه مفسراً.
٤- أن ابن خويز منداد مالكي المذهب، أما عقيدته فعقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ظهر ذلك في مواضع من هذا البحث رغم قلتها لكنها أشارت إلى صفاء عقيدته، ونقائها من البدع والضلالات، كما كان خصماً شديداً على أهل البدع والكلام، مستناً في ذلك بأئمة العلم؛ كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم -كما بينت ذلك في ثنايا البحث-.
فهرس الآيات القرآنية
م... اسم السورة... رقم الآية... أرقام الصفحات
٢... البقرة... ٣٦... ، ٩٦
=... ، ٨٦، ٨٩، ٩٢، ٩٤،
=... ، ١١٩
=... ٦٧... ١٠٨
=... ، ٧٢، ٧٥، ١٢٦،
=... ، ٦٣، ١٤٣،
=... ، ١٣٣
=... ، ٦٦، ١٤٠،
=... ، ١٤٦، ١٤٧،
=... ، ١٥٠، ١٥١
=... ، ١٦٤،
البقرة... ١٩٣
=... ، ٣٠١، ٣٠٢
=... ، ١٧٢،
=... ٢٧١... ، ١٧٦،
=... ٢٧١
=... ٢٧٤... ١٧٨
=... ٢٧٩... ١٨٠
=... ٢٨٢... ١٨٣
=... ، ١٨٣،
=... ٦٤، ١٨٥،
٣... آل عمران... ٧
=... ٢٨... ، ٢٤١،
=... ، ١٥٦
=... -٣٢
=... ، ٢٤١،
آل عمران... ١٣٣
٤... النساء... ٤
=... ، ١٨٩، ٢٠٧، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١١، ٢٦٥، ٣٢٨
=... ، ٢٠٧، ٢٠٩،
=... ، ١٤٢، ٢١٢، ٢١٦، ٢١٧، ٢٦٥،
=... ، ٢١٨، ٢١٩،
=... ، ٢٢٠،
المائدة... ٢... ، ٢٢٢
=... ، ٧٤، ٢٢٤
=... ، ٧٢، ٢٢٧، ٢٣٠، ٢٣٣، ٢٣٤
=... ، ٢٣٢، ٢٣٣، ٢٣٤
=... ، ٢٣٥
=... ، ٢٦٤
=... ، ٢٤٧،
=... ، ٥٩، ٢٥٢، ٢٥٥، ٢٥٥
٦... الأنعام... ٦٨... ، ٢٥٨، ٢٦٠،
=... -٩٠
الأنعام... ١٤١
=... ، ٢٦٣
٧... الأعراف... ٣٢... ، ٢٤٧،
٨... الأنفال... ٢٠
٩... التوبة... ٥
=... ، ٢٦٧،
=... ، ٢١٨
=... ٤١... ٤١، ٢١٨، ٢١٩
=... ٦٠
=... ٦٤-٦٦
=... ٦٥، ٧١، ٢٧٦،
=... ، ٢١٨
١٠... يونس... ٩٨
١١... هود... ١١٣
١٢... يوسف... ٩٣
١٣... الرعد... ٢٨
١٤... إبراهيم... ٢٥... ، ١٠٠، ١٠٢، ١٠٤، ١٠٦
١٦... النحل... ١٤
=... ، ٥٩
١٧... الإسراء... ١٥... ، ٢٥٥،
=... ، ٢٧
=... ، ٢٨٥،
=... ، ٦٥
=... ، ١٠٩... ،
١٨... الكهف... ١٩... ، ٢٩٨، ٣٠١
١٩... مريم... ٥
٢٠... طه... ٦١
٢١... الأنبياء... ٩٠
٢٢... الحج... ٤٠
=... ٦٤، ١٨٥، ١٨٨
٢٣... المؤمنون... ٦
=... ٧
المؤمنون
٢٤... النور... ١٦
=... ، ٣١٨
٢٥... الفرقان... ٦٧
٢٨... القصص... ٢٧
٣٠... الروم... ١٧... ، ١٠٢
٣١... لقمان... ، ٣٣٤
٣٣... الأحزاب
=... ، ٣١٤
٣٤... سبأ
٣٥... فاطر
٣٨... ص
ص... ٢٤
٣٩... الزمر
٤١... فصلت
٤٢... الشورى
٤٣... الزخرف
٤٦... الأحقاف... ، ٣٤٨
٤٩... الحجرات
=... ، ٣٥٣، ٣٥٤، ٣٥٦، ٣٥٧
٥٦... الواقعة... ، ١١
٥٨... المجادلة
٥٩... الحشر
٧٣... المزمل
٧٤... المدثر
٧٦... الإنسان... ، ١٠٢
٩٤... الشرح... ٧
٩٦... العلق... ٣ - ٥
فهرس الأحاديث
أطراف الأحاديث... الصفحات
"أتقاهم لله عز وجل"........................................................................................ ١١٢
"أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"................................................................ ١٨٨
"أحصدهم بالسيف حتى تلقاني على الصفا"...................................................... ١٦١
"احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك"...................................... ٣١٨
"إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العَيْرين".................................. ٣١٩
"إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته، فلا ينظر إلى فرجها..."......................... ٣١٩
"إذا خطب أحدكم امرأة، فلا جناح عليه..."................................................ ٣١١
"إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً..."......................................................... ٢٥٦
"إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم..."............................... ٢٥٤
"إذا لم يؤد المرء حق الله أو الصدقة في إبله"..................................................... ٢٧٥
"إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه"......................................... ١٩٩
"في الجنة"......................................................................................................... ١٧٠
"أسمعت بلالاً ينادي؟"..................................................................................... ٢٠٠
"اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"................. ٢١٣
"اسمعوا، وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم".............................. ١٣٧
"أفلح إن صدق"............................................................................................. ٢٧١
فهرس الآثار
أطراف الآثار... الصفحات
"اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".............................................................................. ١٦٠
"أتجعل ذا السابقة كمن لا سابقة له؟".................................................................. ٧١
"أتيت رسول الله - ﷺ - في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم فسلمت...".................. ١١٥
"أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله..."......................................................... ٣١٦
"أجموا هذه القلوب، فإنها تمل كما تمل الأبدان".................................................... ١١٥
"البر ما أُمرت به، والتقوى ما نهيت عنه".............................................................. ٢٢٢
"الحين ستة أشهر"................................................................................................. ١٠٣
"الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره"............................................................ ١٤٠
"أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة..."................................... ٣١٠
"أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر"................................................................ ٧٩
"إن الحين هو كل غدوة وعشية وكل ساعة"........................................................ ١٠١
"إن النبي - ﷺ - نهى عن القران في التمر إلا أن يستأذن الرجل أخاه"......................... ٣٠١
"إن رسول الله - ﷺ - كان إذا جاءه أمر يسر به خر ساجداً شكراً لله"..................... ٣٤١
"إن قراءة الفاتحة متعينة في كل ركعة، ولا تجزئ الصلاة إلا بها"........................... ٧٧
"إن كان قد بلغك شيء فهو كما بلغك".............................................................. ١٢٢
فهرس الأعلام
إبراهيم النخعي: ١١٦، ١٣٥، ١٤٧، ١٧٤، ٣٣٣.
إبراهيم عليه السلام: ١٧٤.
ابن أبي الدم: ٣٢٦.
ابن أبي حاتم: ١٤٨.
ابن أبي زمنين: ٢٨٣.
ابن الثلاج: ٣٢.
ابن الجوزي: ١٠١، ١٢٤، ١٣٤، ١٤٧، ١٦٣، ٢٠٨، ٢١١، ٢١٨، ٢٢٠، ٢٣٢، ٢٥٣، ٣٠٩.
ابن الصلت المجبر: ٣٢.
ابن العربي: ٩، ٢٦، ٩٧، ١٠٠، ١٠٥، ١١٠، ١٤٤، ١٤٧، ١٥٢، ١٥٣، ٢٠٨، ٢١٤، ٢١٨، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٣٢، ٢٦٩، ٢٧٦، ٢٨٥، ٢٩٩، ٣٠١، ٣١٣، ٣٢٣، ٣٢٥، ٣٢٨، ٣٢٩، ٣٣٠، ٣٣٣، ٣٣٦، ٣٥٧.
ابن الغزي: ٢٣، ٢٥، ٢٦، ٤٠، ٥٢.
ابن القيم: ٢٦، ٤٢، ٦٠، ١٠٦، ١١٩، ١٣٠، ١٣١، ١٥٥، ١٩٥، ٢١٤، ٢١٥، ٢٤٨، ٢٩١، ٢٩٣، ٣٠٩، ٣٤٤، ٣٤٦.
ابن المبارك: ٧٨.
ابن الملقن: ١٣٤، ١٣٦، ٢٨٣، ٣٣٦، ٣٥١.
ابن المنذر: ٣١٦، ٣٤٠.
ابن باز: ٢٤٤.
ابن بطال: ٨٤، ١٢٨، ١٢٩، ٢٤٥، ٢٧٠.
ابن تيمية: ٢٦، ٣٩، ٤٢، ٤٥، ٤٧، ٤٩، ٥٠، ٥١، ٥٦، ٥٨، ٦٠، ٨٣، ٨٥، ٨٧، ٨٨، ٨٤، ١٠٦، ١١١، ١٣٠، ١٣٦، ١٣٩، ١٤٥، ١٥٤، ١٥٥، ١٧١، ١٨٨، ١٩٥، ١٩٦، ٢١٤، ٢٥٦، ٢٦٠، ٢٩٥، ٣٠٦، ٣٠٩، ٣١٧، ٣٣٦، ٣٣٨، ٣٣٩، ٣٥١.
ابن جريج: ١٨٦، ٣٣٦.
ابن جرير: ١٤٨، ١٦٢، ١٧٩، ١٩٥، ٢٤٩، ٣١٠.
ابن حبان: ١، ٢١، ٢٦، ٢٧، ٤٠، ٤١، ٧٩، ٣٢٠.
ابن حجر: ١٢٧، ١٢٩، ١٣٠، ٤٤، ٤٨، ٨٢، ١٥٧، ١٥٨، ١٧١، ١٨١، ١٩٥، ٢٠٥، ٢١٦، ٢١٨، ٢١٩، ٢٤٣، ٢٤٦، ٢٤٩، ٢٥٠، ٢٦٤، ٢٧٠، ٢٨٣، ٢٨٩، ٣١٦، ٣١٧، ٣٢٠، ٣٥١، ٣٥٨.
ابن حزم: ٢٦، ٤٠، ٤٣، ٤٤، ١٠٥.
ابن خطل: ١٦٢، ١٦٤.
ابن خلدون: ٢٧.
المراجع والمصادر
(١)... الإبانة عن شريعة الفرق الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لأبي عبد الله عبد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي، دار الراية، الرياض. القسم الأول: تحقيق: رضا نعسان، ط١، ١٤٠٩هـ، والقسم: تحقيق: عثمان الأثيوبي، ط١، ١٤١٥هـ، والقسم الثالث: تحقيق: يوسف الوابل، ط١، ١٤١٥هـ.
(٢)... الابتهاج في أحاديث المعراج، لأبي الخطاب بن دحية، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، ط١، ١٤١٧هـ، تحقيق: د. رفعت فوزي عبد المطلب.
(٣)... أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم، لصديق بن حسن القنوجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٧٨هـ، تحقيق عبد الجبار زكار.
(٤)... الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع، لمحمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الرياض، ط٢.
(٥)... إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، أحمد بن أبي بكر البوصيري، مكتبة الرشد، الرياض، ١٤١٩هـ.
(٦)... إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، لمحمد بن محمد الحسيني الزبيدي، دار الفكر، بيروت.
(٧)... إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر، لعبد الكريم النملة، دار العاصمة، الرياض، ط١، ١٤١٧هـ.
(٨)... الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين السيوطي، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط١، ١٤١٧هـ.
(٩)... الإجماع، لأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، مكتبة الفرقان، عجمان، ١٤٢٠هـ، تحقيق، د. أبو حماد صغير أحمد حنيف.
(١٠)... الأحكام السلطانية والولايات الدينية، لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط١، ١٤١٦هـ، تحقيق: عصام الحرستاني، ومحمد إبراهيم الزغلي.
(١١)... الأحكام السلطانية، لأبي يعلى محمد بن الحسين الفراء، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٣هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي.
(١٢)... إحكام الفصول في أحكام الأصول، لأبي الوليد سليمان الباجي، مؤسسة الرسالة، ط١، ١٤٠٩هـ، تحقيق: د. عبد الله محمد الجبوري.
فهرس محتويات الرسالة
الموضوع... الصفحة
المقدمة:... ١ ـ ٧
أهمية الموضوع وسبب اختياره............................................................................... ٣
أهداف البحث.......................................................................................................... ٣
الدراسات السابقة للموضوع................................................................................... ٤
٤- خطة البحث...................................................................................................... ٤
التمهيد:... ٨ ـ ٩
أهمية أقوال ابن خويز منداد في التفسير.................................................................... ٩
القسم الأول:... ١٠ ـ ٧٥
* الفصل الأول: عصر المؤلف وحياته:
= المبحث الأول: عصره، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الحالة السياسية.................................................................................. ١٢
المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية.............................................................................. ١٦
المطلب الثالث: الحالة العلمية................................................................................... ١٩
= المبحث الثاني: حياته، وفيه ثمانية مطالب:
المطلب الأول: اسمه، و نسبه، وكنيته...................................................................... ٢٣
المطلب الثاني: مولده، و نشأته................................................................................ ٢٩
المطلب الثالث: طلبه للعلم، و رحلاته.................................................................... ٣٠
المطلب الرابع: شيوخه، و تلاميذه........................................................................... ٣٢


الصفحة التالية
Icon