-........................... -.........

بسم الله الرحمن الرحيم

-........................... -
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران : ١٠٢]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء: ١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً = ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب : ٧٠ - ٧١ ].
أما بعد :
فإن كتاب الله هو الكتاب المجيد، وهو كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، ولا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، فتح الله به قلوباً غلفاً، وأعيناً عمياً، وآذاناً صماً، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على طول التكرار، فالخير كله في الإقبال عليه، والشر كله في الإعراض عنه.
ولما كان كتاب الله بهذه المنزلة العظيمة كان علم التفسير المتعلق بهذا الكتاب أرفع العلوم قدراً، وأشرفها ذكراً، وأعلاها شأناً، وأوضحها بياناً.
؟ سمات التفسير في عصر المؤلف : ـ
لقد عاش القاضي في عصر ملئ بالعلماء والأئمة ممن ذاع صيتهم، وكان لهم منزلة كبرى في العلم والفهم، فقد عاش في هذا العصر ثلة من أهل التفسير، ومن أبرزهم الإمام البغوي ( ت٥١٦ هـ) والزمخشري (ت٥٢٨هـ) وابن العربي (ت٥٤٣ هـ) وابن عطية (ت٥٤٦ هـ) وقد تميز هذا العصر بعدة سمات سأشير إليها إجمالاً مع ذكر مثال أو مثالين، وإن كانت تتفاوت هذه السمة من مفسر لآخر ومن حيث القلة والكثرة، إضافة إلى أن تحديد السمة يحتاج إلى استقراء طويل لمفسري هذا العصر، وطول تأمل، ومن تلك السمات : ـ
؟ الجمع بين التفسير بالمأثور والرأي :
فقد اتبعوا أحسن طرق تفسير كتاب الله، ففسروا القرآن بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة والتابعين، مع عدم غفلتهم عن تأمل الآيات والاجتهاد فيها وترجيح مايراه راجح.
ومن ذلك :
قال ابن العربي(١): " واحدها عقد، وفي ذلك خمسة أقوال : الأول : العهود قاله ابن عباس، الثاني : حلف الجاهلية، قاله قتادة وروي عن ابن عباس والضحاك ومجاهد...".
وقال ابن عطية(٢) :" وهذه الأقوال كلها قريب من بعضها البعض ؛ لأن الحكمة مصدر من الإحكام، وهوالاتفاق في عمل أو قول ".
؟ التعرض للقراءات والاهتمام بها مع توجيهها وبيان معناها، وهذا سمة واضحة جليلة.
(١) في " أحكام القرآن" ٢/٦.
(٢) في " المحرر الوجيز " ٢/٣٣٠. وانظر أمثلة لهذه السمة في " معالم التنزيل " ١/٢٣٥، ١/٢٣٦، ٤/٧٣، و"الكشاف"١/٢٨٧، ٣/١٨٤، و" أحكام القرآن " ١/٣٢٩، ١/٢٨٨، ١/٥٢٢، ٢/٣٠٠، و" المحرر الوجيز"٢/١٢٧، ٢/١٣١، ٢/٣٣٩، ٣/١٦٣.

بين يدي ترجمة القاضي عياض :
عنى العلماء المتقدمون بالترجمة له تبعاً واستقلالاً، فقد عرفوا به وأشادوا بعلمه وفضله في ثنايا كتب تراجم الحفاظ والمفسرين، والفقهاء والأدباء والنحاة والقضاة والشعراء وغير ذلك.
ومن ذلك :
* "التعريف بالقاضي عياض" لولده القاضي أبي عبد الله محمد بن عياض.(١)
* "أزهار الرياض في أخبار عياض " للحافظ أحمد المقري.(٢)
* "دورة القاضي عياض" وهي ندوة أقامتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة المغربية عام ١٤٠١هـ. وهي مشتملة على عدد كبير من البحوث والدراسات حول مسيرة القاضي عياض العلمية وغيرها من مجالات الحياة، فبلغت (٤٣)بحثاً في "١١٧٠"صفحة.
* "القاضي عياض عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته" للدكتور الحسين بن محمد شوّاط.
وممن ترجم له تبعاً :
* "سير أعلام النبلاء " للإمام الذهبي ٢٠/٢١٢.
* "تذكرة الحفاظ " للإمام الذهبي ٤/١٣٠٤.
* "العبر في خبر من غبر " للإمام الذهبي ٢/٤٦٧.
* "البداية والنهاية " للإمام ابن كثير ١٦/٣٥٢.
* "طبقات المفسرين " للداوودي ٢/٢١.
* "شذرات الذهب في أخبار من ذهب " لابن العماد الحنبلي ٤/١٣٨(٣).
ومن الدراسات العلمية فيه :
* "القاضي عياض وأثره في الدراسات الأصولية " لمحمد بن وار، جامعة محمد الخامس، الرباط، كلية الآداب، ماجستير ١٩٩٥م.
* "القاضي عياض وجهوده في علم الحديث" ـ رواية ودراية ـ لـ أد. البشير علي أحمد الترابي، جامعة الأزهر، دكتوراه، ١٩٧٦م.
* "القاضي عياض الأديب "لعبد السلام الشقوط، جامعة محمد الخامس، الرباط، كلية اللغة العربية، ماجستير، ١٩٨٢م.
(١) ١ ) ( ٢) انظر التعريف لهذين الكتابين في كتاب"القاضي عياض عالم المغرب " لحسن شواط ص ٢٨ـ٢٩.
(٣) ٣ ) انظر أسماء كتب أخرى كثيرة ترجمت للقاضي ـ غير ما ذكر ـ في كتاب "القاضي عياض عالم المغرب " ص٣١. فقد ذكر ما يزيد على "٣٠" كتاباً.

قال الله تعالى:﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [ الفاتحة : ٦]
١ / ١ قال القاضي عياض(١)- في معنى " اهدني "(٢) "-: أي: ثبتني، مثل قوله:﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى:﴿ اهْدِنَا ﴾ أي: ثبتنا. وهذا المعنى جاء عن علي و أبي بن كعب(٣) -رضي الله عنهما-.
وإنما فسر بعض أهل العلم الهداية بالثبات لئلا يقال : إن سؤال الهداية ممن هو مهتد تحصيل حاصل وهذا ليس بصحيح.
قال ابن كثير(٤) :" وليس في ذلك تحصيل حاصل ؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك ".
وذهب جمع من أهل العلم بأن الهداية في الآية هي الهداية بقسميها هداية دلالة وقبول وإرشاد وهداية توفيق وقبول فإن قوله ﴿ اهْدِنَا ﴾ إذا عدِّي بنفسه تضمن المعاني كلها من البيان والدلالة والإرشاد والإلهام والتوفيق والثبات على الصراط المستقيم. فالثبات على الصراط معنى من معاني الهداية التي يسألها العبد.
وإلى هذا ذهب الطبري(٥) وابن عطية(٦) وابن تيمية(٧) وابن القيم(٨) وابن كثير(٩)
................................
ــــــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ٣ / ١٣٤.
(٢) هذه اللفظة جزء من حديث أخرجه مسلم في"صلاة المسافرين وقصرها"،"باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه "، حديث " ٢٠٠ " ورقمه العام " ٧٧٠ "، ١ / ٥٣٤.
(٣) ذكره عنهما البغوي في " معالم التنزيل " ١ / ٥٤، وابن الجوزي في " زاد المسير " ١ / ١٤.
(٤) في " تفسيره " ١ / ١٣٩ وانظر " معاني القرآن وإعرابه " ١ / ٤٩، " معاني القرآن الكريم " ١ / ٦٦
وسيأتي مزيد تأكيد لهذا المعنى.
(٥) في " جامع البيان " ١ / ١٦٦.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١ / ٧.
(٧) انظر " مجموع الفتاوى " ١٤ / ٣٧، ٣٢٠.
(٨) في " بدائع الفوائد " ٢ / ٢٠.
(٩) في " تفسيره " ١ / ١٣٧.

قال الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة : ٦]
٢ / ١ قال القاضي عياض(١) :" فالسواء ممدود بمعنى مثل، ومنه ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ ﴾".
ـــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله:﴿ سَوَاءٌ ﴾ بمعنى : مثل، وهو ما ذهب إليه أهل التفسير وإن اختلفت ألفاظهم إلا أن المعنى واحد منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن سواء الشئ مثله(٦)
قال الطبري(٧) " معتدل عندهم، أي الأمرين كان منك إليهم، الإنذار أم ترك الإنذار، لأنهم كانوا لا يؤمنون ".
وقال الراغب(٨) :" أي: يستوي الأمران في أنهما لا يغنيان".
" فالأمران الإنذار وتركه معتدلان ومتساويان ومتماثلان، فهما سواء. والله أعلم.
قال الله تعالى :﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [ البقرة : ١٨]
٣ / ٢ قال القاضي عياض(٩)- في قوله تعالى:﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾-:" أي : لما ينتفعوا بجوارحهم هذه فيما خلقها الله، فكأنهم عدموها ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٣١.
(٢) في " جامع البيان " ١ / ٢٦٣.
(٣) في " معالم التنزيل " ١ / ٦٤.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١ / ١٠٦.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١ / ١٨٤. وانظر " زاد المسير " ١ / ٢٧، " فتح القدير " ١ / ٣٨.
(٦) انظر " لسان العرب " مادة " سوا ".
(٧) في " جامع البيان " ١ / ٢٦٣.
(٨) في " المفردات " مادة " سوا ".
(٩) في " إكمال المعلم " ١ / ٢٠٩.

قال الله تعالى:﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران : ١٨ ].
٣٨ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ شَهِدَ ﴾-: " أي: بين ".
٣٩/٢ وقال(٢) - في قوله تعالى: ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ –: "القسط : العدل، قال الله تعالى: ﴿ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ﴾ يقال : أقسط : إذا عدل ".
ــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي في كلامه حول هذه الآية إلى مسألتين:
المسألة الأولى : تفسيره لقوله تعالى ﴿ شَهِدَ ﴾.
ذهب القاضي عياض إلى أن معنى ﴿ شَهِدَ ﴾ " أي: بيّن. وهو الذي عليه جمهور المفسرين منهم الزجاج(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) وغيرهم.
قال الزجاج(٧):"وحقيقته أنه علم وبين، لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه ".
وقال ابن عطية(٨) :" أعلم عباده بهذا الأمر الحق وبينه ".
وقيل: إن معنى ﴿ شَهِدَ ﴾أي: قضى. وهو قول أبي عبيدة.(٩)
وقد رد هذا القول جماعة من المفسرين.
..........................
ــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٤٤٣.
(٢) في " إكمال المعلم " ٦ / ٢٢٧.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ١ / ٣٨٥.
(٤) في " معالم التنزيل " ٢ / ١٧.
(٥) في " المحرر الوجيز " ٣ / ٤٠.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ٤ / ٤٢. وانظر " الوجيز " ١ /٢٠٢، "تفسير القرآن " للسمعاني ١ / ٣٠١، " الكشاف " ١ / ٣٤٣، " فتح القدير " ١ / ٣٢٥، " فتح البيان " لصديق حسن خان ٢ / ٣٠.
(٧) في " معاني القرآن وإعرابه " ١ / ٣٨٥.
(٨) في " المحرر الوجيز " ٣ / ٤٠.
(٩) في " مجاز القرآن " ١ / ٨٩.

قال الله تعالى:﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾[النساء: ٣]
٥٠/ ١ قال القاضي عياض(١) :"﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ﴾ أي: تعدلوا ".
ـــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله: ﴿ تُقْسِطُواْ ﴾ أي : تعدلوا. وعلى هذا عامة أهل التفسير منهم الطبري(٢) وابن عطية(٣) والقرطبي(٤) وابن كثير(٥)وغيرهم.
يقال أقسط الرجل إذا عدل.(٦)
قال الطبري(٧) " معنى الإقساط في كلام العرب: العدل والإنصاف ".
وقال ابن عطية(٨) :" وتقسطوا معناه : تعدلوا ".
قال الله تعالى:﴿وَآتُواْ النَّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾ [النساء : ٤ ]
٥١ ـ ٥٢ / ٢-٣ قال القاضي عياض-(٩) في قوله: ﴿هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾- :"أي: طيباً سائغاً".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
(١) في " إكمال المعلم " ٨/ ٥٧٩.
(٢) في " جامع البيان " ٦ / ٣٦٩.
(٣) في " المحرر الوجيز " ٤ / ١٣.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ٥ / ١٢.
(٥) في " تفسيره " ٢ / ٢٠٨. وانظر " مجاز القرآن " ١ / ١١٤، " تفسير غريب القرآن " ص١١٩، " محاسن التأويل "٢ / ٢١٦، " تيسير الكريم الرحمن " ١ / ٣١١.
(٦) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " قسط ".
(٧) في " جامع البيان " ٦ / ٣٦٩.
(٨) في " المحرر الوجيز " ٤/ ١٣.
(٩) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٧٠، " إكمال المعلم " ٦ / ٤٩٤.

قال الله تعالى :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المائدة : ٣].
٦٧ / ١ قال القاضي عياض(١) -في قوله :﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾-:" أي : رفع الصوت فيه بغير اسم الله ".
٦٨/٢وقال(٢)"قوله تعالى:﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾ وهي المقتولة بعصا أو بحجر وما لا حد له ".
٦٩ / ٣ وقال(٣) " ﴿ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ﴾ وهو الضرب بها لإخراج ما قسم الله لهم من أمر وتمييزه بزعمهم ".
ـــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي في هذه الآية إلى ثلاث مسائل :
* المسألة الأولى : معنى قوله تعالى ﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾.
(١) في " إكمال المعلم " ٤ / ١٧٩.
(٢) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٩٣.
(٣) في " المصدر السابق " ٢ / ١٩٣.

قال الله تعالى:﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾[ الأنعام : ٩].
٧٦ -٧٧ / ١-٢ قال القاضي عياض(١)- في معنى ( لبس ) (٢)-:" أي: شككه وغلطه قال الله تعالى :﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ﴾".
ــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي " اللبس " في الآية بأنه التشكيك. وبنحو من هذا ذهب أهل التفسير منهم الطبري(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على ذلك يقال : لبست عليه الأمر ألبسه لبساً إذا خلطته وشبهته وأشكلته(٨).
قال البغوي(٩) :" أي: خلطنا عليهم ما يخلطون، وشبهنا عليهم فلا يدرون أملك هو أم آدمي؟".
وقال القرطبي(١٠) :" فيلبسون عليهم بهذا ويشككونهم ".
(١) في " إكمال المعلم " ٢ / ٥١٨، " إكمال المعلم " ٨ / ٤٦٧.
(٢) هذه اللفظة وردت في حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - ( إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه) أخرجه مسلم في " المساجد" باب " السهو في الصلاة والسجود له " حديث "٨٢" ورقمه العام "٣٨٩"، ١ / ٣٩٨.
(٣) في " جامع البيان " ٩ / ١٦٣.
(٤) في " معالم التنزيل " ٣ / ١٢٩.
(٥) في " المحرر الوجيز " ٦ / ١٠.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ٦ / ٣٩٤.
(٧) في " تفسيره " ٣ / ٢٤١. وانظر "معاني القرآن وإعرابه "٢ / ٢٣١، " الوجيز " ١ / ٣٤٦، " زاد المسير " ٣ / ٨.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " لبس ".
(٩) في " معالم التنزيل " ٣ / ١٢٩.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ٦ / ٣٩٤.

ققال الله تعالى :﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف : ١٢]
٨٩-٩٠-٩١ / ١- ٢- ٣ قال القاضي عياض(١) :" ﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ أي : أن تسجد، و " لا " زائدة ".
ـــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله :﴿ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ أي: أن تسجد، وأن " لا " زائدة. ويشهد لهذا قوله تعالى - في موضع آخر -:﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾[ص : ٧٥] وعليه أئمة اللغة وأهل التفسير منهم الفراء(٢) وابن قتيبة(٣) والزجاج(٤) والنحاس(٥) والبغوي(٦) وابن الأنباري(٧) (٨) والزمخشري(٩) والسمين الحلبي (١٠)
(١) في " إكمال المعلم " ٨ / ٢٨٤، " مشارق الأنوار " ١ / ٣٣، " بغية الرائد " ص ٦١.
(٢) في " معاني القرآن " ١ / ٣٧٤.
(٣) في " تفسير غريب القرآن " ص ١٦٥، و " تأويل مشكل القرآن " ص ١٤٤.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٢ / ٣٢٢.
(٥) في " معاني القرآن الكريم " ٢ / ١١٦.
(٦) في " معالم التنزيل " ٣ / ٢١٦.
(٧) هو : عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، كمال الدين الأنباري، من علماء اللغة والأدب وتأريخ الرجال، ولد سنة "٥١٣ هـ"، وكان زاهداً عفيفاً، خشن العيش، والملبس، سكن بغداد وتوفي سنة "٥٧٧ هـ. انظر " سير أعلام النبلاء " ٢١ / ١١٣، " الأعلام " ٣ / ٣٢٧، " معجم المؤلفين " ٢ / ١١٥.
(٨) في " البيان في غريب إعراب القرآن " ١ / ٣٥٥.
(٩) في " الكشاف " ٢ / ٨٩.
(١٠) في " الدر المصون " ٥ / ٢٦١، وانظر " الوجيز " ١ / ٣٨٧، " تفسير القرآن " للسمعاني ٢ / ١٦٨، " فتح القدير " ٣ / ٣٩١، " محاسن التأويل " ٣ / ٤٩٤.

قال الله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال : ١٥ ـ ١٦ ]
١١٠ / ١ قال القاضي عياض(١) في نسخ الآية ـ :" والصواب كون الآية محكمة، ثم بين وخفف بما جاء في الآية الأخرى".(٢)
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
صوّب القاضي عياض أن آية تحريم التولي يوم الزحف محكمة. فحكمها باق إلى يوم القيامة، وأن التولي من كبائر الذنوب، وعليه عامة أهل العلم، منهم ابن عباس- رضي الله عنهما- (٣) وبه قال الطبري(٤) والنحاس(٥) وابن العربي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٣٥٧.
(٢) وهي قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾[الأنفال : ٦٥ ].
(٣) أخرجه الطبري في " جامع البيان " ١١ / ٨٠، والنحاس في " الناسخ والمنسوخ " ٢ / ٣٧٧.
(٤) في " جامع البيان " ١١ / ٨٠.
(٥) في " الناسخ والمنسوخ " ٢ / ٣٧٨.
(٦) في " أحكام القرآن " ٢ / ٣٨٧.
(٧) في " تفسيره " ٤ / ٣٠. وانظر " المحرر الوجيز " ٨ / ٣٢، " الجامع لأحكام القرآن " ٧ / ٣٨٢، " فتح القدير " ٢ / ٢٩٣، " محاسن التأويل " ٤ / ١٩.

قال الله تعالى :﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة ٤].
١٢٠ / ١ قال القاضي عياض(١)-:" العهد : الميثاق، ومنه قوله تعالى :﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء: ٣٤]، وقوله:﴿فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ﴾".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي عياض إلى أن العهد في الآيتين بمعنى الميثاق. فكل ما بين العباد من المواثيق والعقود فهو عهد وقد دلت لغة العرب على أن العهد هو الميثاق الذي تستوثق به ممن يعاهدك.(٢) وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٣)والزجاج(٤)والسمعاني(٥) والبغوي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" ﴿ فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ﴾ يقول : ففوا لهم بعهدهم الذي عاهدتموهم عليه، ولا تنصبوا لهم حرباً إلى انقضاء أجل عهدهم الذي بينكم وبينهم ".
وقال الزجاج(٩) :" والعهد كل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين الناس من المواثيق فهي عهود ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٠٤.
(٢) انظر " لسان العرب "، " القاموس المحيط " مادة عهد ".
(٣) في " جامع البيان " ١١ / ٣٤١، ١٤ / ٥٩١.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ٢٣٨.
(٥) في " تفسير القرآن " ٣ / ٢٤٠.
(٦) في " معالم التنزيل " ٥ / ٩٢.
(٧) في " تفسيره " ٥ / ٧٤. وانظر " فتح القدير " ٢ / ٣٣٦، " محاسن التأويل " ٤ / ٥٨٨، " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ١٠٧.
(٨) في " جامع البيان " ١١ / ٣٤١.
(٩) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ٢٣٨.

قال الله تعالى:﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [يونس : ٦١]
١٣٦ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله-:﴿يَعْزُبُ ﴾-:" أي: تبعد وتغيب ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ يَعْزُبُ ﴾ أي: يبعد ويغيب. وهذا مشهور في لغة العرب يقال : عَزَبَ فلان عني يَعْزُبُ وَيعْزِبُ أي: بعد وغاب(٢). وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير منهم ابن قتيبة(٣)والطبري(٤) والواحدي(٥) والبغوي(٦) وابن عطية(٧) وغيرهم.
قال ابن قتيبه(٨) :" أي: ما يبعد ولا يغيب ".
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ١٧١.
(٢) انظر " الصحاح " لسان العرب " مادة " عزب ".
(٣) في " تفسير غريب القرآن " ص ١٩٧.
(٤) في " جامع البيان " ١٢ / ٢٠٦.
(٥) في " الوجيز " ١ / ٥٠٢.
(٦) في " معالم التنزيل " ٤ / ١٣٩.
(٧) في " المحرر الوجيز " ٩ / ٦٠، وانظر " مجاز القرآن " ١ / ٢٧٨، " بحر العلوم " ٢ / ١٠٣، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٠٣، " تفسير القرآن " للسمعاني ٢ / ٣٩١، " الدر المصون " ٦ / ٢٣٠، " تفسير ابن كثير " ٤ / ٢٧٧، " فتح القدير " ٢ / ٤٥٩، " محاسن التأويل " ٤ / ٢٦٠، " تيسير الكريم الرحمن " ٢ / ٣٢٨.
(٨) في " تفسير غريب القرآن " ص ١٩٧.

قال الله تعالى :﴿وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود : ٧١]
١٣٩ / ١ قال القاضي عياض(١) :" قال أهل التفسير: أي : حاضت، وهو معروف في لغة العرب(٢) ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذكر القاضي أن أهل التفسير قالو : إن ﴿ ضَحِكَتْ ﴾أي : حاضت. قال: وهو معروف في لغة العرب. وهذا القول مروي عن مجاهد(٣) وبه قال العكبري (٤) من أهل اللغة، يقال : ضحكت الأرنب أي: حاضت.(٥)
لكن جمهور أهل التفسير(٦) على أن المراد في قوله :﴿ ضَحِكَتْ ﴾ : الضحك المعروف -خلاف ما ذكر القاضي- وبه قال الواحدي(٧) والزمخشري(٨) وابن كثير(٩) والشوكاني(١٠) والقاسمي(١١)
............................
ـــــــــــــــ
والسعدي(١٢) وغيرهم.
قال ابن كثير(١٣) :" فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم ".
وقد ضعف بعض أهل العلم المعنى الأول- وإن ذكر في لغة العرب-.
(١) في " إكمال المعلم " ٤ / ٢٤٣.
(٢) سيأتي الإحالة.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٢ / ٤٧٦. وانظر " معالم التنزيل " ٤ / ١٨٨.
(٤) في " التبيان في إعراب القرآن " ٢ / ٧٠٦.
(٥) انظر " جامع البيان " ١٢ / ٤٧٧، " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٦٩، " البحر المحيط " ٦ / ١٧٣، " لسان العرب " مادة " ضحك "، " الدر المصون " ٦ / ٣٥٥.
(٦) نسبه للجمهور السمعاني في " تفسير القرآن " ٢ / ٤٤٢، والبغوي في " معالم التنزيل " ٤ / ١٨٨، وابن عطية في " المحرر الوجيز " ٩ / ١٨٦، والقرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٦٩.
(٧) في " الوجيز " ١ / ٥٢٧.
(٨) في " الكشاف " ٢ / ٤١٠.
(٩) في " تفسيره " ٤ / ٣٣٣.
(١٠) في " فتح القدير " ٢ / ٥١٠.
(١١) في " محاسن التأويل " ٤ / ٣٢٠.
(١٢) في " تيسير الكريم الرحمن " ٢ / ٣٧٨.
(١٣) في " تفسيره " ٤ / ٣٣٣.

قال الله تعالى :﴿قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ [ يوسف : ١٧]
١٤١ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وأصل الإيمان التصديق، ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا﴾ ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا﴾ أي : بمصدق.
وهذا ما تدل عليه اللغة وإليه ذهب عامة أهل التفسير منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وغيرهم.
قال الطبري(٦) :" يقولون : وما أنت بمصدقنا على قيلنا إن يوسف أكله الذئب ولو كنا صادقين ".
وقال القرطبي(٧) :" أي: بمصدق ".
وقال في اللسان(٨) :" والإيمان بمعنى : التصديق، ضده التكذيب، يقال : آمن به وكذب به قوم ".
قال الله تعالى:﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف : ٢٤]
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢١٨.
(٢) في " جامع البيان " ١٣ / ٣٤.
(٣) في " معالم التنزيل " ٤ / ٢٢٢.
(٤) في " المحرر الوجيز " ٩ / ٢٦٢.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ١٤٨، وانظر " مجاز القرآن " ١ / ٣٠٣، " غريب القرآن وتفسيره " لليزيدي ص ١٨١، " تفسير غريب القرآن " ص ٢١٣، " الوسيط " ٢ / ٦٠٣، " زاد المسير " ٤ / ١٩٢، " تفسير ابن كثير " ٤ / ٣٧٥، " تيسير الكريم الرحمن " ٢ / ٤٠٥.
(٦) في " جامع البيان " ١٣ / ٣٤.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ١٤٨.
(٨) مادة " أمن ". وانظر " الصحاح " نفس المادة.

قال الله تعالى :﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد : ٨].
١٥٥ / ١ قال القاضي عياض(١) :" قال الله تعالى:﴿ وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ أي: ما تنقص، يقال : غاض الماء وغيض ".
١٥٦ / ٢ وقال(٢) :" أي: ما تنقص من مدة حملها وما تزيد عليه ".
ـــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله :﴿ وَمَا تَغِيضُ﴾ أي: ما تنقص. وقد دلت لغة العرب على ذلك : يقال غاض الماء فهو يغيض إذا نقص(٣).
وذهب إلى أن المراد بقوله :﴿ وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ أي: ما تنقص من مدة حملها وما تزيد عليه. وعلى هذا جمهور المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كابن عباس –رضي الله عنهما- ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن(٤) وبه قال الطبري(٥) والزجاج(٦) والواحدي(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" يقول : وما تنقص الأرحام من حملها في الأشهر التسعة : بإرسالها دم الحيض، وما تزداد في حملها على الأشهر التسعة، لتمام ما نقص من الحمل في الأشهر التسعة بإرسالها دم الحيض ".
................................
ــــــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ٣ / ٥٠٩.
(٢) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٤٢.
(٣) انظر "معاني القرآن " للفراء ٢ / ٥٩، " تفسير غريب القرآن " ص ٢٢٥، " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " غيض ".
(٤) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٣ / ٤٤٤- ٤٥٢. وانظر " تفسير ابن كثير " ٤ / ٤٣٦.
(٥) في " جامع البيان " ١٣ / ٤٤٤.
(٦) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ١٤٠.
(٧) في " الوجيز " ١ / ٥٦٦.
(٨) في " جامع البيان " ١٣ / ٤٤٤.

قال الله تعالى :﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم : ٢٢].
١٥٨ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله:﴿مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ ﴾-:" أي : بمغيثكم ".
ــــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ أي: بمغيثكم. وعلى هذا عامَّة المفسرين من السلف ومن بعدهم منهم قتادة وابن زيد(٢) وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤) والقرطبي(٥) وغيرهم. وعليه أهل اللغة.
قال الطبري(٦) :" يقول : ما أنا بمغيثكم ".
وقال اللغويون:" استصرخني فلان فأصرخته أي: استغاثني فأغثته. (٧)
وقريب منه قول ابن عباس -رضي الله عنهما- إن المعنى :" ما أنا بنافعكم وما أنتم بنافعي(٨) ". ولذا قال ابن كثير(٩) :" أي : بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٤٢.
(٢) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ١٣ / ٦٣٢ -٦٣٣.
(٣) في " جامع البيان " ١٣ / ٦٢٩.
(٤) في " معالم التنزيل " ٤ / ٣٤٥.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٣٥٧. وانظر " مجاز القرآن " ١ / ٣٣٩، " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ١٥٩، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٢٢، " زاد المسير " ٤ / ٣٥٧.
(٦) في " جامع البيان " ١٣ / ٦٢٩.
(٧) انظر " لسان العرب "، " مختار الصحاح " مادة " صرخ ".
(٨) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٣ / ٦٣٢.
(٩) في " تفسيره " ٤ / ٤٩٠.

قال الله تعالى :﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر : ٢٢].
١٦٠ / ١ قال القاضي عياض(١)- في معنى قوله :﴿ لَوَاقِحَ ﴾ -:" أي : تحمل الندى ثم تمجه في السحاب ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ لَوَاقِحَ﴾أي : تحمل الندى ثم تمجه في السحاب. فهي لاقحة وملقحة. وإلى هذا ذهب بعض المفسرين منهم ابن مسعود-رضي الله عنه- (٢) وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤).
قال ابن مسعود-رضي الله عنه-:"يرسل الله الرياح فتحمل الماء، فتجري السحاب، فتدر كما تدر اللقحة(٥) ثم تمطر "(٦).
قال الطبري(٧) :" فقد بيّن عبد الله بقوله :" يرسل الرياح فتحمل الماء " أنها هي اللاقحة بحملها الماء، وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر ".
وقال بعض المفسرين : إن معنى :﴿ لَوَاقِحَ ﴾ أنها ملقحة للسحاب والشجر، وأن لواقح وضعت موضع ملاقح. وهو مروي عن الحسن وقتادة والضحاك(٨) وبه قال أبو عبيدة(٩).
..................................
ـــــــــــــــــ
قال ابن كثير(١٠):" أي: تلقح السحاب فتدر ماء، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها ".
(١) في " إكمال المعلم " ٨ / ٤٨٨.
(٢) كما سيأتي نصه في نص الدراسة.
(٣) في " جامع البيان " ١٤ / ٤٣.
(٤) في " معالم التنزيل " ٤ / ٣٧٥.
(٥) هي : الناقة الحلوب الغزيرة اللبن. انظر " لسان العرب " مادة " لقح ".
(٦) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٤ / ٤٣. وانظر " تفسير ابن كثير " ٤ / ٥٣٠.
(٧) في " جامع البيان " ١٤ / ٤٤.
(٨) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٤ / ٤٥ - ٤٦.
(٩) في " مجاز القرآن " ١ / ٣٤٨. وانظر " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ١٧٧، " الوجيز " ١ / ٥٩٠.
(١٠) في " تفسيره " ٤ / ٥٣٠.

قال الله تعالى :﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [النحل : ٧]
١٦٣ / ١ قال القاضي عياض(١) :" الثَقَل : بفتح الثاء والقاف : متاع القوم وما يحملون على دوابهم، ومنه قوله تعالى :﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ﴾".
١٦٤ / ٢ وقال(٢)- في قوله :﴿ إِلاَّ بِشِقِّ ﴾-:" بالكسر : الجهد، ومنه قوله تعالى :
﴿ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ﴾ ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي في هذه الآية إلى مسألتين :
* المسألة الأولى : المراد بقوله :﴿ أَثْقَالَكُمْ ﴾.
ذهب القاضي إلى أن المراد "بالثَقَل " بفتح الثاء والقاف متاع القوم وما يحملونه على دوابهم، ومنه قوله تعالى :﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ﴾. ، وعلى هذا جمهور المفسرين منهم البغوي(٣) وابن العربي(٤) وابن الجوزي(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال القرطبي(٨) :" الأثقال: أثقال الناس من متاع وطعام وغيره، وهو ما يثقل الإنسان حمله ".
وقال ابن كثير(٩) :" وهي الأحمال المثقلة التي تعجزون عن نقلها وحملها ".
...............................
ـــــــــــــــ
وقد دلت لغة العرب على هذا المعنى، قال في الصحاح(١٠) :" والثَقَل بالتحريك : متاع المسافر وحشمه ".
(١) في " إكمال المعلم " ٤ / ٣٩٤.
(٢) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٥٨.
(٣) في " معالم التنزيل " ٥ / ٩.
(٤) في أحكام القرآن " ٣ / ١٢١.
(٥) في " زاد المسير " ٤ / ٤٣٠.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٧١.
(٧) في " تفسيره " ٤ / ٥٥٧. وانظر " الوجيز " ١ / ٦٠١، " تفسير القرآن " للسمعاني ٣ / ١٦٠.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٧١.
(٩) في " تفسيره " ٤ / ٥٥٧.
(١٠) مادة " ثقل " وانظر " أساس البلاغة " للزمخشري نفس المادة.

قال الله تعالى :﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ [الإسراء : ٤].
١٧٣ / ١ قال القاضي عياض(١) - في قوله ﴿ َقَضَيْنَا ﴾ ـ: " أي: أعلمناهم ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي معنى القضاء في الآية بأنه الإعلام. وعلى هذا عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم بأن﴿ َقَضَيْنَا﴾ بمعنى أعلمنا وأخبرنا. منهم ابن عباس –رضي الله عنهما- ومجاهد(٢)وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤) وابن كثير(٥)والسعدي(٦)والشنقيطي(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" وفرغ ربك إلى بني إسرائل فيما أنزل من كتابه على موسى صلوات الله عليه بإعلامه إياهم وإخباره لهم ".
وقال البغوي(٩) :" أي: أعلمناهم وأخبرناهم ".
قال الله تعالى :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ [الإسراء : ٧].
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٩٠.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٤ / ٤٥٥، ٤٥٦ وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٢١٤.
(٣) في " جامع البيان " ١٤ / ٤٥٥.
(٤) في " معالم التنزيل " ٥ / ٧٨.
(٥) في " تفسيره " ٥ / ٤٧.
(٦) في " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٩٦.
(٧) في " أضواء البيان " ٣ / ٣٦٨. وانظر " معاني القرآن " للفراء ٢ / ١١٦، " مجاز القرآن " ١ / ٣٧٠،
" تفسير غريب القرآن " ص ٢٥١، " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ٢٢٧، " الوجيز " ٢ / ٦٢٨، " فتح القدير " ٣ / ٢٠٩، وانظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " قضى ".
(٨) في " جامع البيان " ١٤ / ٤٥٥.
(٩) في " معالم التنزيل " ٥ / ٧٨.

قال الله تعالى:﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾[الكهف:].
١٨٥ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ بَاخِعٌ ﴾-:" أي: قاتل نفسك لذلك غضباً أو غيظاً أو جزعاً ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله: ﴿ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ ﴾ أي: قاتل نفسك لذلك غضباً أو غيظاً أو جزعاً. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين فهو المروي عن قتادة(٢) وبه قال الطبري(٣) والزجاج(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
يقال: بخع نفسه بخعاً أي: قتلها هماً.(٨)
ومنه قول الشاعر:(٩)
ألا أيها الباخع الوجد نفسه بشيء نَحَتْه عن يديك المقادر
قال الطبري(١٠):" يعني تعالى ذكره بذلك: فلعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك:﴿ْلَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً﴾[الإسراء: ٩٠] تمرداً منهم على ربهم ".
......................................
ــــــــــــــــــ
وقال القرطبي(١١): " أي : مهلك وقاتل ".
(١) في " الشفا " ١ / ٤٢.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٥ / ١٤٩.
(٣) في " جامع البيان " ١٥ / ١٤٩.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ٢٦٨.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١٠ / ٣٦٤.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٣٥٣.
(٧) في " تفسيره " ٥ / ١٣٧. وانظر " مجاز القرآن " ١ / ٣٩٣، " تفسير غريب القرآن "، " المشكل في تفسير غريب القرآن " ص ١٤١. " الوجيز " ٢ / ٦٥٣، " فتح القدير " ٣ / ٢٧٠.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة بخع.
(٩) البيت لذي الرمة. انظر "ديوانه" ٢/١٠٣٧، " مجاز القرآن " ١ / ٣٩٣، " لسان العرب" مادة " بخع ".
(١٠) في " جامع البيان " ١٥ / ١٤٩.
(١١) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٣٥٣.

قال الله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾ [مريم : ٤]
٢٠٨ / ١ قال القاضي عياض(١): ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ﴾: أي ضعف ورق ".
ــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله: ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ ﴾ أنه ضعف ورق. يقال: وهن يهن وهناً إذا ضعف.(٢) وعلى هذا عامة المفسرين، فهو المروي عن قتادة ومجاهد(٣) وبه قال الطبري(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" ضعف ورق من الكبر ".
وقال ابن كثير(٩) :" أي: ضعفت وخارت قواي ".
قال الله تعالى:﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾[مريم : ١١]
٢٠٩ / ٢ قال القاضي عياض(١٠)- في قوله:﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾- :" أي: أومأ ورمز، وقيل: كتب(١١)".
ـــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " مشارق الأنوار" ٢/ ٢٩٧.
(٢) انظر " لسان العرب " مادة " وهن ".
(٣) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ١٥ / ٤٥٤.
(٤) في " جامع البيان " ١٥ / ٤٥٤.
(٥) في " معالم التنزيل " ٥ / ٢١٨.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١١ / ٧٦.
(٧) في " تفسيره " ٥ / ٢١١. وانظر " معاني القرآن وإعرابه" ٣ / ٣١٩، " الوجيز " ٢ / ٦٧٥، " البحر المحيط " ٧ / ٢٣٩، " فتح القدير " ٣ / ٣٢١، " محاسن التأويل " ٥ / ٧٠.
(٨) في " جامع البيان " ١٥ / ٤٥٤.
(٩) في " تفسيره " ٥ / ٢١١.
(١٠) في " الشفا " ١/ ٢٥٢.
(١١) سيأتي الإحالة على من قال به.

قال الله تعالى﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذكْرِي ﴾[طه : ١٤]
٢١٣ / ١ قال القاضي عياض(١) :" واختلف في معنى قوله: ﴿ لِذكْرِي ﴾فقيل(٢): لتذكرني فيها، وقيل لأذكرك بالمدح، وقيل : إذا ذكرتني، وقيل : إذا ذكرتها أي : لتذكيري لك إياها. وهو أولى بسياق الحديث(٣) والاحتجاج بها، ويعضده قراءة :﴿لْلِذكْرِى﴾(٤)" وهو قول أكثر العلماء والمفسرين(٥)".
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله: ﴿ لِذكْرِي ﴾ إذا ذكرتها. أي : لتذكيري لك إياها. وهذا المعنى مروي عن إبراهيم الحربي(٦).
ويشهد له- كما ذكر القاضي وغيره(٧)- ما جاء من حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: (من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾(٨) ".
وقيل: إن المعنى: لأذكرك(٩).
(١) في " إكمال المعلم " ٢ / ٦٧٠.
(٢) سيأتي الإحالة على هذا القول وما بعده.
(٣) سيأتي نص الحديث.
(٤) هذه القراءة شاذة. انظر "مختصر في شواذ القرآن " ص٨٧، "البحر المحيط" ٧/٣١٨.
(٥) لم أجد ـ حسب البحث ـ من رجح هذا المعنى، أو نسبه لأكثر العلماء والمفسرين.
(٦) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٦ / ٣٢.
(٧) انظر " تفسير ابن كثير " ٥ / ٢٧٧.
(٨) أخرجه البخاري في " مواقيت الصلاة "، باب " من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها " حديث " ٥٩٧ " ١ / ٢٠١، ومسلم في " المساجد ومواضع الصلاة " باب " قضاء الصلاة الفائتة " حديث " ٣١٤ " ورقمه العام
( ٦٨٤ )، ١ / ٤٧٧.
(٩) انظر " أحكام القرآن " لابن العربي ٣ / ٢٥٦،" المحرر الوجيز " ١١/ ٦٧،"الجامع لأحكام القرآن "١١ / ١٧٧، " الوابل الصيب "، ص ١٥٠، " فتح الباري " ٢ / ٢٧٠.

قال الله تعالى :﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾ [الأنبياء : ١١]
٢٢١ / ١ قال القاضي عياض(١) - في قوله: ﴿ قَصَمْنَا ﴾- :" أي : أهلكناها ".
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى: ﴿ قَصَمْنَا ﴾ أي: أهلكنا. وعلى هذا عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي (٥)والشنقيطي(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" والقصم أصله الكسر، يقال منه: قصمت ظهر فلان إذا كسرته : وهو ها هنا معني به: أهلكنا ".
وقال ابن عطية(٨) :" ومعناه أهلكنا. وأصل القصم الكسر في الأجرام، استعير للقوم أو القرية ونحو ذلك، فهو ما يشبه الكسر وهو إهلاكهم".
قال الله تعالى :﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٩]
٢٢٢/٢قال القاضي عياض(٩) ـ في قوله:﴿َلا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾- :" أي : ينقطعون عنها ".
ــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٨٧.
(٢) في " جامع البيان " ١٦ / ٢٣٣.
(٣) في " معالم التنزيل " ٥ / ٣١٢.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١١/ ١٢٥.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١١ / ٢٧٤.
(٦) في " أضواء البيان " ٤ / ٦٠٩. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٣٥، " تفسير غريب القرآن " ص ٢٨٤، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٥٥، " الوجيز " ٢ / ٧١٢، " فتح القدير" ٣/ ٤٠٠،" تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٢٦٩.
(٧) في " جامع البيان " ١٦ / ٢٣٣. وانظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " قصم ".
(٨) في " المحرر الوجيز " ١١ / ١٢٥.
(٩) في " مشارق الأنوار " ١ / ٢١٢.

قال الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥]
٢٢٧ / ١ قال القاضي عياض(١)-في قوله :﴿ الْعَاكِفُ ﴾- :" أي : المقيم به ".
ــــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن المراد بالعاكف في الآية هو المقيم به. وعلى هذا عامة أهل التفسير منهم الطبري(٢) والزجاج(٣) والبغوي(٤) وابن العربي(٥) وابن عطية(٦) والقرطبي(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" وهو المقيم به ".
وقال ابن عطية(٩) :" المقيم في البلد ".
وقال في اللسان(١٠):"والاعتكاف والعكوف: الإقامة على الشيء وبالمكان ولزومهما ".
قال الله تعالى :﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج : ٢٧]
٢٢٨ / ٢ قال القاضي عياض(١١)-في قوله:﴿ فَجٍّ ﴾-:" أي: طريق واسع غامض ".
ــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٨٢.
(٢) في " جامع البيان " ١٦ / ٥٠١.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ٤٢١.
(٤) في " معالم التنزيل " ٥ / ٣٧٦.
(٥) في " أحكام القرآن " ٣ / ٢٧٥.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١١ / ١٩٠.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٢ / ٣٢. وانظر" مجاز القرآن " ٢ / ٤٨، " تفسير غريب القرآن " ص٢٩١، " الوجيز " ٢ / ٧٣٢، " أحكام القرآن " للجصاص ٣ / ٣٠١، " تفسير القرآن " للسمعاني ٣ / ٤٣٢، " البحر المحيط " ٧ / ٤٩٩، " فتح القدير " ٣ / ٣٤٦، " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٣١٦.
(٨) في " جامع البيان " ١٦ / ٥٠١.
(٩) في " المحرر الوجيز " ١١ / ١٩٠.
(١٠) مادة " عكف ".
(١١) في " مشارق الأنوار" ٢ / ١٤٧.

قال الله تعالى :﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون : ٤٤]
٢٣٢ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿تَتْرَا ﴾-:" يعني شيئاً بعد شيء متقاربة الأوقات ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ تَتْرَا ﴾ أي: شيئاً بعد شيء متقاربة الأوقات. وبنحو من هذا ذهب عامة أهل التفسير من السلف ومن بعدهم، فهو المروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- ومجاهد وابن زيد(٢)، وبه قال أبو عبيدة(٣) والطبري(٤) والبغوي(٥)والقرطبي(٦) وأبو حيان(٧) وغيرهم. وقد دلت اللغة على هذا(٨).
قال الطبري(٩) :" يعني: يتبع بعضها بعضاً، وبعضها في أثر بعض ".
قال الراغب(١٠):" والتواتر: تتابع الشيء وتراً وفرادى ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا ﴾".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٧٨.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في" جامع البيان " ١٧ / ٤٨ - ٤٩.
(٣) في " مجاز القرآن " ٢ / ٥٩.
(٤) في " جامع البيان " ١٧ / ٤٨.
(٥) في " معالم التنزيل " ٥ / ٤١٨.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٢ / ١٢٥.
(٧) في " البحر المحيط " ٧ / ٥٦٤. وانظر " معاني القرآن الكريم "٤ / ٤٥٨، "تفسير غريب القرآن " ص٢٩٧، " وتفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٦٤، " تفسير القرآن" للسمعاني ٣ / ٤٧٦ " الوجيز " ٢ / ٧٤٧.
(٨) انظر " الصحاح "، " أساس البلاغة " مادة " وتر ".
(٩) في " جامع البيان " ١٧ / ٤٨.
(١٠) في " المفردات " مادة " وتر ".

قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور : ٦]
٢٣٣/١ قال القاضي عياض(١):"والشهادة تأتي بمعنى اليمين، ومنه قوله تعالى :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي الشهادة في الآية بأنها بمعنى : اليمين. وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم الطبري(٢) وابن العربي(٣) وابن كثير(٤) والشنقيطي.(٥)
قال الطبري(٦):" فحلف أحدهم أربع أيمان بالله من قول القائل: أشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رمى زوجته به من الفاحشة ".
وقال ابن كثير(٧):" فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء ".
ومما يؤيد أن المراد بالشهادة اليمين التصريح في الآية بصيغة اليمين في قوله:﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ﴾ ؛ لأن لفظة " بِاللَّهِ " يمين فدل قوله " بالله " على أن المراد بالشهادة: اليمين. للتصريح بنص اليمين فقوله: أشهد بالله في معنى: أقسم بالله(٨).
ومن ذلك أنه ورد في القرآن إطلاق الشهادة وإرادة اليمين كقوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون : ١] ثم قال بعدها {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ
............................
(١) في " إكمال المعلم " ٧ / ٥٧٣.
(٢) في " جامع البيان " ١٧ / ١٧٨.
(٣) في " أحكام القرآن " ٣ / ٣٥٣.
(٤) في " تفسيره " ٦ / ١٤.
(٥) في " أضواء البيان " ٦ / ١٣٥.
(٦) في " جامع البيان " ١٧ / ١٧٨.
(٧) في " تفسيره " ٦ / ١٤.
(٨) انظر" أضواء البيان " ٦ / ١٣٥.

قال الله تعالى:﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [الفرقان : ٧٠]
٢٣٨ / ١ قال القاضي عياض(١):" وأكثر القول أن معنى الآية : تبديل أعمالهم السيئة في الكفر بحسنات الإيمان ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة
ذهب القاضي إلى أن أكثر المفسرين على أن معنى قوله :﴿ فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ إنما هو تبديل أعمالهم السيئة في الكفر بحسنات الإيمان، فيبدل الله بالشرك إيماناً، وبقتل أهل الإيمان قتل أهل الشرك، وبالزنى عفة وإحصاناً.
وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم منهم ابن عباس – رضي الله عنهما- وسعيد بن جبير والضحاك وابن زيد(٢) وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤)وغيرهم.
وقال بعض المفسرين : إن معنى ذلك فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات لهم يوم القيامة. وهو مروي عن سعيد بن المسيب.(٥)
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٥٦٨.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٧ / ٥١٦- ٥١٩. ، وانظر " زاد المسير " ٦ / ١٠٧، " تفسير ابن كثير " ٦ / ١٢٧ وحكاه أيضاً عن قتادة وأبي العالية.
(٣) في " جامع البيان " ١٧ / ٥٢٠.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ٧٨٤. وانظر " بحر العلوم " للسمرقندي ٢ / ٤٦٧.
(٥) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٧ / ٥١٩، وانظر " المحرر الوجيز " ١٢ / ٤٣.

قال الله تعالى:﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الشعراء : ٢٠]
٢٣٩ / ١ قال القاضي عياض(١)-في قوله :﴿ الضَّالِّينَ ﴾-: " أي: المخطئين ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾أي المخطئين. وهو المروي عن ابن زيد.(٢)
وذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم منهم ابن عباس –رضي الله عنهما- ومجاهد وقتادة والضحاك(٣) وبه قال الطبري(٤) والنحاس(٥)والبغوي(٦)وابن كثير(٧) والشوكاني(٨) والشنقيطي(٩) وغيرهم إلى أن المعنى: من الجاهلين.
قال الطبري(١٠) :" يقول: وأنا من الجاهلين قبل أن يأتيني من الله وحي بتحريم قتله علي، والعرب تضع الضلال موضع الجهل، والجهل موضع الضلال، فتقول: قد جهل فلان الطريق، وضل الطريق بمعنى واحد ".
ولعل المعنيان لا تنافي بينهما، وقد دلت عليهما لغة العرب.(١١) فموسى عليه السلام فعل هذا الفعل جهلاً منه قبل أن يوحى إليه، ويبعثه الله رسولاً، فأخطأ في هذا الفعل، فالخطأ من لوازم الجهل، ولذا فإن الطبري لما بين أن المعنى: من الجاهلين قال(١٢):"وبنحو الذي
............................
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ١٢٢.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٧ / ٥٥٩. وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ١٣ / ٩٥.
(٣) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٧ / ٥٥٨ -٥٥٩. وانظر " زاد المسير " ٦ / ١١٩، " تفسير ابن كثير " ٦ / ١٣٧.
(٤) في جامع " البيان " ١٧ / ٥٥٧.
(٥) في " معاني القرآن الكريم " ٥ / ٧١.
(٦) في " معالم التنزيل " ٦ / ٩.
(٧) في " تفسيره " ٦ / ١٣٧.
(٨) في " فتح القدير " ٤ / ٩٦.
(٩) في " أضواء البيان " ٦ / ٣٧١. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٤ / ٤١، " محاسن التأويل " ٥ / ٣٦٣.
(١٠) في " جامع البيان " ١٧ / ٥٥٧.
(١١) انظر " لسان العرب " مادة " ضلل ".
(١٢) في " جامع البيان " ١٧ / ٥٥٧.

قال الله تعالى:﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ﴾ [النمل : ٨٢]
٢٤١ / ١ قال القاضي عياض(١):" وأما الدابة(٢) فهي المراد بقوله تعالى :﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن دابة الأرض التي وردت في حديث حذيفة - رضي الله عنه - أنه قال: ( اطلع النبي - ﷺ - علينا ونحن نتذاكر، فقال :" ما تذاكرون "؟ قالوا: نذكر الساعة. قال:" إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات " فذكر الدخان والدجال والدابة... الحديث ) هي المراد بالدابة في قوله تعالى :﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ ﴾. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين منهم الطبري(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) والشوكاني(٧) والسعدي(٨) وغيرهم.
(١) في " إكمال المعلم " ٨ / ٤٤٤.
(٢) يقصد بها الدابة التي وردت في حديث حذيفة بن أسيد -وسيأتي نصه في الدراسة - وقد أخرجه مسلم في " الفتن وأشراط الساعة " باب " في الآيات التي تكون قبل الساعة "، حديث ( ٣٩ ) ورقمه العام ( ٢٩٠١ )، ٤ / ٢٢٢٥.
(٣) في " جامع البيان " ١٨ / ١٢٢.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٢ / ١٣١.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٣ / ٢٣٧.
(٦) في " تفسيره " ٦ / ٢١٠.
(٧) في " فتح القدير " ٤ / ١٥١.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٥٢٠. وانظر " معاني القرآن وإعرابه " ٤ / ١٢٩، " تفسير القرآن " للسمعاني ٤ / ١١٣، " الوجيز " ٢ / ٨٠٩.

قال الله تعالى:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص : ٧]
٢٤٢ / ١ قال القاضي عياض(١)- في معنى قوله :﴿وَأَوْحَيْنَا ﴾- :" أي : ألقى في قلبها ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا ﴾ أي: ألقى في قلبها. فهو وحي إلهام. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين منهم قتادة(٢)وبه قال الراغب(٣)والبغوي(٤)وابن كثير(٥) والشوكاني(٦) وغيرهم.
قال قتادة :" وحياً جاءها من الله، فقذف في قلبها- وليس بوحي نبوة- أن أرضعي موسى ".(٧)
وقال البغوي(٨) :" وهو وحي إلهام لا وحي نبوة ".
وقال ابن كثير(٩) :" فلما ضاقت ذرعاً به ألهمت في سرها، وألقي في خلدها، ونفث في روعها ".
وقد أجمع الجميع على أن أم موسى عليه السلام لم تكن نبية.(١٠)
قال الله تعالى:﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص : ١٠]
(١) في " الشفا " ١ / ٢٥٢.
(٢) سيأتي تخريجه في نص الدراسة.
(٣) في " المفردات " مادة " وحي ".
(٤) في " معالم التنزيل " ٦ / ١٩٠.
(٥) في " تفسيره " ٦ / ٢٢٢.
(٦) في " فتح القدير " ٤ / ١٥٨. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٤ / ١٢٢.
(٧) أخرجه عبد الرزاق في " تفسير القرآن " ٢ / ٨٧، والطبري في " جامع البيان " ١٨ / ١٥٦. وانظر " معالم التنزيل " ٦ / ١٩٠، " البحر المحيط " ٨ / ٢٨٦.
(٨) في " معالم التنزيل " ٦ / ١٩٠.
(٩) في " تفسيره " ٦ / ٢٢٢.
(١٠) انظر " المحرر الوجيز " ١٢ / ١٤٥، " الجامع لأحكام القرآن " ١٣ / ٢٥٠.

قال الله تعالى:﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم : ١٥]
٢٤٩ / ١ قال القاضي عياض(١) :" والحبرة : السرور ومنه قوله تعالى :﴿ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله: ﴿ يُحْبَرُونَ ﴾ بأنه السرور. وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير- وإن اختلفت ألفاظهم إلا أن المعنى واحد- وأن المعنى: يسرون وينعمون ويكرمون. فهو المروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- ومجاهد(٢) وبه قال أبو عبيدة(٣) والطبري(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) والسعدي(٧).
وقد دلت لغة العرب على هذه المعاني كلها(٨).
قال الطبري(٩) :" يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون ويتلذذون بالسماع وطيب العيش الهنيء والحبرة عند العرب: السرور والغبطة.. ثم قال(١٠)- بعد أن ذكر تباين الألفاظ- :" وكل هذه الألفاظ التي ذكرناها عنه تعود إلى معنى ما قلنا ".
..........................
ـــــــــــــ
وقال ابن عطية(١١) :" والحبرة والحبور: السرور والتنعم".
(١) في " بغية الرائد " ص ١٤١.
(٢) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ١٨ / ٤٧١- ٤٧٢. وانظر " معالم التنزيل " ٦ / ٢٦٤، " تفسير ابن كثير " ٦ / ٣٠٧.
(٣) في " مجاز القرآن " ٢ / ١٢٠.
(٤) في " جامع البيان " ١٨ / ٤٧٠.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١٢ / ٢٤٩.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٤ / ١٣.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٧٩. وانظر " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٨٧، " محاسن التأويل " ٥ / ٤٥٩.
(٨) انظر " الصحاح، " لسان العرب " مادة " حبر ".
(٩) في " جامع البيان " ١٨ / ٤٧٠.
(١٠) في " المصدر السابق " ١٨ / ٤٧٣.
(١١) في " المحرر الوجيز " ١٢/٢٤٩.

قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان : ٣٣]
٢٥٣ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾- :" والغرر: المخاطرة. ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن المراد بالغرور في قوله :﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ هو المخاطرة والخداع. أي: أن الحياة الدنيا تخدع الإنسان وتخاطر به وتعرضه للهلاك. وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم الطبري(٢) والراغب(٣) والقرطبي(٤) وابن كثير(٥) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن الغرر هو المخاطرة والمخادعة والتعرض للهلاك(٦).
قال الطبري(٧):" يقول: فلا تخدعنكم زينة الحياة الدنيا ولذاتها فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم، وقوله:﴿وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ يقول: ولا يخدعنكم بالله خادع ".
وقال الراغب(٨) :" والغرر : الخطر ".
وقال القرطبي(٩) :" أي : تخدعنكم الحياة الدنيا بزينتها وما تدعوا إليه فتتكلوا عليها، وتركنوا إليها، وتتركوا العمل للآخرة ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٣١.
(٢) في " جامع البيان " ١٨ / ٥٨٢.
(٣) في " المفردات " مادة " غرر ".
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٤ / ٨١.
(٥) في " تفسير ه " ٦ / ٣٥١.
(٦) انظر" الصحاح "، " لسان العرب " مادة " غرر ".
(٧) في " جامع البيان " ١٨ / ٥٨٢.
(٨) في " المفردات " مادة " غرر ".
(٩) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٤ / ٨١.

قال الله تعالى :﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ﴾ [الأحزاب : ١٩]
٢٥٤ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾-:" أي : بخلاء بالغنيمة".
٢٥٥ / ٢ وقال(٢)- في قوله :﴿ سَلَقُوكُم ﴾-:"أي: جهروا فيكم بالسوء من القول ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي في كلامه في هذه الآية إلى مسألتين:
*المسألة الأولى: معنى قوله تعالى ﴿ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾.
فسر القاضي معنى قوله:﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ﴾ أي بخلاء بالغنيمة. وهذا المعنى مروي عن قتادة(٣) ومحكي عن السدي(٤).
وقال بعض المفسرين: إن المعنى أن الله وصفهم بالشح على المؤمنين بالخير وهو مروي عن مجاهد.(٥)
وقال بعض المفسرين : إن المعنى أشحة على المؤمنين بالنفقة على ضعفاء المسلمين. وبه قال الفراء(٦) والبغوي(٧).
والراجح تعميم الشح في هذه الأمور كلها.
(١) في " إكمال المعلم " ٨ / ١٦٦.
(٢) في " مشارق الأنوار " ٢/ ٢١٩.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٩ / ٥١.
(٤) حكاه عنه القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " ١٤ / ١٥٣، وابن كثير في " تفسيره " ٦ / ٣٩٠.
(٥) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٩ / ٥٢. وانظر " زاد المسير " ٦ / ٣٦٥.
(٦) في " معاني القرآن " ٢ / ٣٣٨.
(٧) في " معالم التنزيل " ٦ / ٣٣٤.

قال الله تعالى:﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾[سبأ : ٢٦]
٢٦٠ / ١ قال القاضي عياض(١) :" والفتاح : الحاكم، ومنه قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الْفَتَّاحُ ﴾ أي: الحاكم وإلى هذا ذهب عامة المفسرين- وأن الفتاح هو الحاكم القاضي- فهو المروي عن ابن عباس–رضي الله عنهما-(٢) وبه قال الطبري(٣)وابن عطية(٤)والقرطبي(٥)وأبو حيان(٦)وابن كثير(٧)وغيرهم.
يقال : فاتحه فتاحاً أي: حاكمه، وافتح بيننا: أي : احكم.(٨)
قال الطبري(٩) :" يقول: والله القاضي العليم بالقضاء بين خلقه ".
وقال ابن كثير(١٠) :" أي: الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور ".
(١) في " إكمال المعلم " ٥ / ٨٤.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٩ / ٢٨٧.
(٣) في " جامع البيان " ١٩ / ٢٨٧.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ١٣٨.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٤ / ٣٠٠
(٦) في " البحر المحيط " ٨ / ٥٤٨.
(٧) في " تفسيره " ٦ / ٥١٧، وانظر" معاني القرآن وإعرابه " ٤ / ٢٥٤، " تفسير القرآن " للسمعاني ٤ / ٣٣٣، " فتح القدير " ٤ / ٣٢٦، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ١٩٠.
(٨) انظر: " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " فتح ".
(٩) في " جامع البيان " ١٩ / ٢٨٧.
(١٠) في " تفسيره " ٦ / ٥١٧.

قال الله تعالى:﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [يس : ٤]
٢٦٣ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أي: طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق ".
ــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى :﴿عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي: طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين- وأن المراد به الإسلام- منهم الطبري(٢) وابن عطية(٣) والقرطبي(٤) وأبو حيان(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" يقول: على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى وهو الإسلام ".
وقال ابن كثير(٨) :" أي: على منهج ودين قويم، وشرع مستقيم ".
قال الله تعالى :﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [يس : ٦٠].
٢٦٤ / ٢ قال القاضي عياض(٩) :" العهد: الوصية.. ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " الشفا " ١ / ٣٣.
(٢) في " جامع البيان " ١٩ / ٤٠٠.
(٣) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ١٨٧.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٥.
(٥) في " البحر المحيط " ٩ / ٤٨.
(٦) في " تفسيره " ٦ / ٥٦٣. وانظر " الوسيط " ٣ / ٥٠٩، " فتح القدير " ٤ / ٣٦٠، "محاسن التأويل " ٦ / ٣٨، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٢٢٧.
(٧) في " جامع البيان " ١٩ / ٤٠٠.
(٨) في " تفسيره " ٦ / ٥٦٣.
(٩) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٠٤.

قال الله تعالى:﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ { ٤٦ ﴾ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات : ٤٦ - ٤٧]
٢٦٦/١قال القاضي عياض(١):"فقوله:﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾من صفة المشروب، وقوله:﴿ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ من صفة الشاربين، وهذا من الترتيب البديع، والتناسب العجيب، فإنه جعل الوصف الأول للموصوف الأول، والثاني للثاني ".
٢٦٧ / ٢ وقال(٢)- في قوله :﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾- :" أي: لا يغتال عقولهم، ويذهب بها ويصيبهم منها وجع وألم ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
أشار القاضي في هذه الآية إلى مسألتين :
* المسألة الأولى : إعراب قوله :﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾.
ذهب القاضي إلى أن قوله:﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ صفة للموصوف الأول وهو المشروب المشار إليه بقوله في الآية السابقة ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ ﴾ وأن قوله :﴿ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ صفة للموصوف الثاني وهو الشاربون المشار إليه بقوله: ﴿لِّلشَّارِبِينَ ﴾ وهذا ترتيب بديع. وإلى هذا ذهب عامّة المفسرين منهم الطبري(٣) والنحاس(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) والقرطبي(٧) وابن كثير (٨)وغيرهم.
.............................
ــــــــــــــ
(١) في " بغية الرائد " ص ٥٢.
(٢) في " إكمال المعلم " ٤ / ٦٢٤.
(٣) في " جامع البيان " ١٩ / ٥٣٤.
(٤) في " معاني القرآن الكريم " ٦ / ٢٤.
(٥) في " معالم التنزيل " ٧ / ٤٠.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ٢٣٢.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٧٨.
(٨) في " تفسيره " ٧ / ١٣. وانظر " الوسيط " ٣ / ٥٢٥، " تفسير القرآن " للسمعاني ٤/ ٣٩٨، " البحر المحيط " ٩ / ١٠١، " الدر المصون " ٩/ ٣٠٦، " فتح القدير " ٤ / ٣٩٣، " محاسن التأويل " ٦ / ٦٣، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٢٥٨.

قال الله تعالى:﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ [ص : ٢٠]
٢٧٢ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وقد قيل في قوله تعالى:﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾هو قوله: أما بعد، وقيل فيه غير هذا، وأولى الأقوال في الآية أنه الفصل بين الحق والباطل كما قال تعالى:﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ { ١٣ ﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ }[الطارق : ١٣-١٤]".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى:﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ بأنه الفصل بين الحق والباطل. وإلى هذا ذهب بعض المفسرين منهم ابن عطية(٢) والزمخشري(٣).
وقال بعض المفسرين : إن المراد أنه علّم القضاء والفهم به، والقضاء بين الناس بالحق. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-ومجاهد والسدي وابن زيد.(٤)
وقال بعض المفسرين: إن فصل الخطاب تكليف المدعي بالبينة، واليمين على المدّعى عليه. وهذا مروي عن شريح وقتادة والشعبي(٥) وبه قال ابن الجوزي(٦).
وقال بعض المفسرين: إن فصل الخطاب هو قول:" أما بعد ". وهذا مروي عن أبي موسى - رضي الله عنه - (٧) والشعبي(٨) –أيضاً-.
............................
ــــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ٣ / ٢٦٩.
(٢) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ١٧.
(٣) في " الكشاف " ٤ / ٨٠.
(٤) أخرجه عنهم الطبري في "جامع البيان "٢٠ / ٤٩، وانظر" المحرر الوجيز"١٤ / ١٧،" تفسير ابن كثير " ٧ / ٥٩.
(٥) أخرجه عنهم الطبري في "جامع البيان " ٢٠ /٥٠ - ٥١. وانظر " المحرر الوجيز " ١٤ / ١٧، "تفسير ابن كثير " ٧ / ٥٩.
(٦) في " زاد المسير " ٧ / ١١٢.
(٧) أخرجه عنه ابن أبي حاتم في " تفسير القرآن " ١٠ / ٣٢٣٧ برقم ( ١٨٣٣٩ ).
(٨) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٠ / ٥١. وانظر " معالم التنزيل " ٧ / ٧٨.

قال الله تعالى:﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر : ٢٢]
٢٧٦ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وأصل الشرح : التوسعة، ومن هذا قوله تعالى :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله:﴿ شَرَحَ ﴾ بأنه التوسعة. وبه قال جمع من المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) والقرطبي(٤) والشوكاني(٥) والسعدي(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧):" أفمن فسح الله قلبه لمعرفته والإقرار بوحدانيته والإذعان لربوبيته والخضوع لطاعته ".
وقال البغوي(٨) :" وسعه لقبول الحق ".
وقال القرطبي(٩) :" شرح: فتح ووسع ".
وقد دلت لغة العرب على ذلك،-كما قال في اللسان-(١٠) :" وشرح الله صدره لقبول الخير يشرحه شرحاً فانشرح : وسعه لقبول الحق فاتسع ".
قال الله تعالى:﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾[ الزمر : ٣٣]
٢٧٧ / ٢ قال القاضي عياض(١١) :" وأكثر المفسرين على أن الذي جاء بالصدق هو محمد - ﷺ - ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٤٧.
(٢) في " جامع البيان " ٢٠ / ١٨٩.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ١١٤.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٢٤٧.
(٥) في " فتح القدير " ٤ / ٤٥٨.
(٦) في " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٣١٧. وانظر " روح المعاني " ١٢ / ٢٤٦، " محاسن التأويل " ٦ / ١١٨.
(٧) في " جامع البيان " ٢٠ / ١٨٩.
(٨) في " معالم التنزيل " ٧ / ١١٤.
(٩) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٢٤٧.
(١٠) مادة " شرح ". وانظر" الصحاح " نفس المادة.
(١١) في " الشفا " ١ / ٢٣.

قال الله تعالى:﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر : ١٦]
٢٧٨ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أي: انقطعت دعاوى الدعاة في الملك ذلك اليوم، وبقي الملك الحق لله وحده، الذي قهر جميع الجبابرة والمدّعين الملك، فأفناهم ثم دعاهم وحشرهم عراة وفقراء إليه ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ أي: أن دعاوى دعاة الملك انقطعت في ذلك اليوم، وبقي الملك لله الواحد القهار، وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
قال القرطبي(٧) :" المقصود إظهار إفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين، وانتساب المنتسبين، إذ قد ذهب كل ملك وملكه، ومتكبر وملكه، وانقطعت نسبهم ودعاويهم ".
وقال السعدي(٨) :" أي: من هو المالك لذلك اليوم العظيم، الجامع للأولين والآخرين، أهل السموات وأهل الأرض الذي انقطعت فيه الشركة في الملك، وتقطعت الأسباب، ولم يبق إلا الأعمال الصالحة أو السيئة؟الملك ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ لجميع المخلوقات، الذي دانت له المخلوقات، وذلت وخضعت خصوصاً في ذلك اليوم ".
............................
ــــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٥٨٢.
(٢) في " جامع البيان " ٢٠ / ٢٩٩.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ١٤٤.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ١٢٤.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن ". ١٥ / ٣٠١.
(٦) في " تفسيره " ٧ / ١٣٦. وانظر " البحر المحيط"٩ /٢٤٥،"فتح القدير"٤/ ٤٨٥، "محاسن التأويل " ٦ / ١٣١.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٣٠١.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٣٥٤.

قال الله تعالى :﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت : ١١]
٢٧٩ / ١ قال القاضي عياض(١) :" ذكر البخاري في التفسير في قوله :﴿ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْها ﴾ أعطيا ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا ﴾ : أعطينا (٢). قال القاضي- رحمه الله- وليس أتى هنا بمعنى أعطى، وإنما هو من الإتيان والمجيء والانفعال للوجود بدليل الآية نفسها، وبهذا فسر المفسرون أن معناه جيئا بما خلقت فيكما وأظهراه، ومثله مروي عن ابن عباس(٣)، وقد روى سعيد بن جبير(٤) نحو ما ذكره البخاري لكنه يخرج على تقريب المعنى أنهما لما أمرتا بإخراج ما بث فيهما من شمس ونجوم وقمر وأنهار ونبات وثمر كان الإعطاء، فعبر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه والله أعلم ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله:﴿ اِئْتِيَا ﴾ بأنه الإتيان والمجيء للسماء والأرض، بما خلقه الله فيهما. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين، فهو المروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- كما سبق وبه قال الطبري(٥) والبغوي(٦) والقرطبي(٧) وابن كثير(٨) وغيرهم.
(١) في " مشارق الأنوار " ١ / ١٧.
(٢) ذكره البخاري في صحيحه في " التفسير "، " سورة حم السجدة " ٣ / ٢٨٦، محكياً عن ابن عباس، ولم يشر القاضي إلى ذلك.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان "٢٠ / ٣٩١، وانظر "معالم التنزيل"٧/ ١٦٦،"تفسير ابن كثير " ٧ / ١٦٧.
(٤) ذكره عنه القرطبي " في الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٣٤٤.
(٥) في " جامع البيان " ٢٠ / ٣٩١.
(٦) في " معالم التنزيل " ٧ / ١٦٦.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٣٤٣.
(٨) في " تفسيره " ٧ / ١٦٧. وانظر " روح المعاني " ١٢ / ٣٥٥، " فتح القدير " ٤ / ٥٠٧، " محاسن التأويل " ٦ / ١٤٦.

قال الله تعالى :﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ [الشورى : ١٣]
٢٨٥ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ شَرَعَ لَكُم ﴾- :" أي: بينه وأظهره ".
ـــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ شَرَعَ ﴾ أي: بين وأظهر. وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم الواحدي(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن ﴿ شَرَعَ ﴾ بمعنى : بين وأوضح وأظهر(٦).
قال الواحدي(٧) :" بين وأظهر لكم ".
وقال ابن عطية(٨) :" المعنى : شرع لكم وبين ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٤٨.
(٢) في " الوجيز " ٢ / ٩٦٢.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ١٨٦.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ٢٠٩.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ١٠. وانظر " زاد المسير " ٧ / ٢٢٦، " فتح القدير " ٤ / ٥٢٩.
(٦) انظر" لسان العرب " مادة " شرع ".
(٧) في " الوجيز " ٢ / ٩٦٢.
(٨) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ٢٠٩.

قال الله تعالى :﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف : ١٨]
٢٨٦/ ١قال القاضي عياض(١):"نشأ الصبي أي: نبت وشب، قال الله تعالى:﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ﴾".
ــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ أَوَمَن يُنَشَّأُ ﴾ أي: ينبت ويشب. وإلى هذا ذهب أهل التفسير منهم الطبري(٢) والراغب(٣)والبغوي(٤)وابن عطية(٥)والقرطبي(٦)وابن كثير(٧) وغيرهم.
يقال : نَشَأَ يَنْشَأُ نَشْأً أي: ربا وشبَّ(٨).
قال الطبري(٩) :" أو من ينبَّت ويربَّى في الحلية ويزين بها ".
وقال ابن الجوزي(١٠) :" قال المفسرون: والمراد بذلك البنات فإنهن ربين في الحلي ".
وقال القرطبي(١١) :" أي: يربى ويشب ".
قال الله تعالى:﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمةُُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف : ٣٢]
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٨.
(٢) في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٦٣.
(٣) في " المفردات " مادة نشأ.
(٤) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٠٨.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ٢٤٦.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٧١.
(٧) في " تفسيره " ٧ / ٢٢٣. وانظر" تفسير غريب القرآن " ص٣٩٧، " فتح القدير " ٤ / ٥٤٩، " محاسن التأويل " ٦ / ١٨٥، " أضواء البيان " ٧ / ٢١٧، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٤٤١.
(٨) انظر " لسان العرب " مادة " نشأ ".
(٩) في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٦٣.
(١٠) في " زاد المسير " ٧ / ٣٠٦.
(١١) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٧١.

قال الله تعالى :﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية : ١٩]
٢٨٩ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله: ﴿لَنْ يُغْنُوا ﴾- :" أي: لن يمنع ويكف ".
ــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله :﴿ لَن يُغْنُوا ﴾ أي: لن يمنع ويكف. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والراغب(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) والسعدي(٧)وغيرهم.
فالمعنى: لن يمنعوا ويكفوا ويدفعوا ويصرفوا عنك شيئاً إن اتبعت أهواءهم.
قال الطبري(٨) :" لن يغنوا عنك إن أنت اتبعت أهواءهم، وخالفت شريعة ربك التي شرع لك، من عقاب الله شيئاً فيدفعوه عنك إن هو عاقبك، وينقذوك منه ".
وقال البغوي(٩) :" لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئاً إن اتبعت اهواءهم ".
وقد دلت لغة العرب على ذلك- كما قال في اللسان(١٠)- :" يقال: أغن عني شرّك، أي: اصرفه وكفه، ومنه قوله تعالى :﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً ﴾".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٣٧.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٨٦.
(٣) في " المفردات " مادة " غني ".
(٤) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٤٤.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ٣١٣.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ١٦٤.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٦ / ٢٢٠. وانظر " الوجيز " ٢ / ٩٩٠، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ١٣٩، " زاد المسير " ٧ / ٣٦٠، " محاسن التأويل " ٦ / ٢٢٠.
(٨) في " جامع البيان " ٢١ / ٨٦.
(٩) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٤٤.
(١٠) مادة " غني ".

قال الله تعالى:﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف : ٣٥]
٢٩٠ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أصل العزم: القوة، ويكون بمعنى الصبر، وتوطين النفس وحملها على الشيء، والمعنى متقارب، ومنه قوله تعالى عز وجل :﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى ﴿ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ أي: أولو القوة والصبر، وأن المعنيين متقاربان. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين- وأن المراد: ذوو الحزم والجد والصبر على تحمل الشدائد والأذى-منهم ابن عباس –رضي الله عنهما- والضحاك(٢) والطبري(٣) والواحدي(٤) وابن الجوزي(٥) وأبو حيان(٦) وغيرهم.
والمعاني متقاربة ؛ لأن من صبر على تحمل المشاق، وما ناله من أذى وشدة وبلاء فهو صاحب قوة وجد وحزم. وقد دلت لغة العرب على أن العزم: القوة على الشيء، والصبر عليه، والجد في الأمر(٧).
قال الطبري(٨) :" الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره ما نالهم فيه من شدة ".
وقال ابن الجوزي(٩) :" ذوو الحزم والصبر ".
...............................
ــــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٨٩.
(٢) حكاه عنهما البغوي في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٧١، والقرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٢٢٠.
(٣) في " جامع البيان " ٢١ / ١٧٧.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ٩٩٩.
(٥) في " زاد المسير " ٧ / ٣٩٢.
(٦) في " البحر المحيط " ٩ / ٤٥١. وانظر " محاسن التأويل " ٦ / ٢٩٤.
(٧) انظر " لسان العرب " مادة " عزم ".
(٨) في " جامع البيان " ٢١ / ١٧٧.
(٩) في " زاد المسير " ٧ / ٣٩٢.

قال الله تعالى:﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ﴾[محمد: ١١]
٢٩١/١ قال القاضي عياض(١)-في قوله تعالى:﴿ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ﴾-:" أي: لا ولي ويحتمل : لا ناصر لهم ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله: ﴿ لا مَوْلَى لَهُمْ ﴾: أي: لا ولي ويحتمل : لا ناصر لهم. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وغيرهم.
والمعنيان صحيحان فالولي والمولى في كلام العرب بمعنى واحد، والولي والمولى بمعنى : الناصر(٦).
قال الطبري(٧) :" بأن الكافرين بالله لا ولي لهم ولا ناصر ".
وقال الواحدي(٨) :" لا ولي لهم ينصرهم من الله ".
قال الله تعالى:﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد : ٣٥].
٢٩٢ / ٢ قال القاضي عياض(٩) :" يترك أي: ينقصك، قال الله تعالى :﴿ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٨٧.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ١٩٧.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٨١.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٥٧.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٢٣٤. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص٤١٠. ، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ١٧٢، " البحر المحيط " ٩ / ٤٦٤. ، " المفردات " مادة " ولي "، " محاسن التأويل " ٦ / ٢٥٥.
(٦) انظر: " لسان العرب " مادة " ولي ".
(٧) في " جامع البيان " ٢١ / ١٩٧.
(٨) في " الوجيز " ٢ / ١٠٠٢.
(٩) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٧٨.

قال الله تعالى :﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [الفتح : ٩]
٢٩٣ / ١ قال القاضي عياض(١) :"﴿ وَيُعَزِّرُوهُ﴾ (٢) : أي : يجلونه، وقيل: ينصرونه، وقيل : يبالغون في تعظيمه(٣).﴿وَيُوَقِّرُوهُ ُ﴾: أي: يعظمونه، وقرأ بعضهم :" ويعززوه " بزاءين من العز(٤)، والأكثر والأظهر أن هذا في حق محمد - ﷺ -، ثم قال :﴿ وَيُسَبِّحُوه ﴾ فهذا راجع إلى الله تعالى ".
ــــــــــــــــ
الدراسة:
أشار القاضي في كلامه حول هذه الآية إلى مسألتين:
*المسألة الأولى: معنى قوله :﴿ وَيُعَزِّرُوهُ﴾
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله:﴿وَيعَزِّرُوهُ﴾ أي: يجلونه. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- والضحاك(٥) وبه قال ابن قتيبة(٦)والسمعاني(٧). فالمعنى عندهم : يجلونه ويعظمونه.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المعنى: ينصرونه. وهو مروي عن قتادة(٨) وبه قال الواحدي(٩) والبغوي.(١٠)
..............................
ـــــــــــــــ
وقد دلت لغة العرب على هذيين المعنيين(١١) وهما متقاربان ولا تنافي بينهما.
(١) في " الشفا " ١ / ٤٩.
(٢) ﴿يعزروه ويسبحوه﴾ بالياء هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. والباقون بالتاء. انظر " التيسير " ص ٢٠١،
" النشر " ٢ / ٢٨٠.
(٣) سيأتي من قال بهذه الأقوال.
(٤) هذه القراء قراءة شاذة كما في " المحتسب " ٢ / ٢٧٥.
(٥) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ٢١ / ٢٥١. وانظر " تفسير ابن كثير " ٧ / ٣٢٩.
(٦) في " تفسير غريب القرآن " ص ٤١٢.
(٧) في " تفسير القرآن " ٥ / ١٩٣.
(٨) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢١ / ٢٥١. وانظر "المحرر الوجيز" ١٥ / ٩٤، " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٢٦٦.
(٩) في " الوجيز " ٢ / ١٠٠٨
(١٠) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٩٩.
(١١) انظر " لسان العرب " مادة " عزر ".

قال الله تعالى:﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات : ٩].
٢٩٦ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أقسط إذا : عدل. قال الله تعالى :﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ وَأَقْسِطُوا ﴾ أي: اعدلوا. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) وابن كثير(٥) وغيرهم.
يقال : أقسط الرجل فهو مقسط، والقسط بالكسر: العدل(٦).
قال الطبري(٧) :" يقول تعالى ذكره : واعدلوا أيها المؤمنون ".
وقال ابن كثير(٨) :" أي: اعدلوا بينهم فيما كان أصاب بعضهم لبعض، بالقسط وهو العدل ".
(١) في " إكمال المعلم " ٦ / ٢٢٧.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٣٦٣.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٤١.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ١٤١.
(٥) في " تفسيره " ٧ / ٣٧٥. وانظر " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٥، " الوجيز " ٢ / ١٠١٧، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٢٢٠، " زاد المسير " ٧ / ٤٦٤، " روح المعاني " ١٣ / ٣٠١، " محاسن التأويل " ٦ / ٢٩٩.
(٦) انظر: " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " قسط ".
(٧) في " جامع البيان " ٢١ / ٣٦٣.
(٨) في " تفسيره " ٧ / ٣٧٥.

قال الله تعالى :﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق : ١٩]
٢٩٧ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾- :"وهي غلبة الكرب على العقل، واختلاطه لشدته ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن المراد بـ ﴿ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾ أي: غلبة الكرب على العقل، واختلاطه لشدته. وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم الطبري(٢) والواحدي(٣) والسمعاني(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧):"وهي شدته وغلبته على فهم الإنسان كالسكرة من النوم أو الشراب ".
وقال البغوي(٨) :" غمرته وشدته التي تغشي الإنسان وتغلب على عقله ".
قال الله تعالى :﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [ ق : ٣٠]
٢٩٨ / ٢ قال القاضي عياض(٩)- في قوله: ﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾- :" أي: زدني فإني احتمل الزيادة، وقيل: لا مزيد فيَّ فقد بالغت(١٠) والأول أليق بالآية، والحديث لقوله بعد :(حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط(١١) )".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢١٥.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٤٢٧.
(٣) في " الوجيز " ٢ / ١٠٢٣، " الوسيط " ٤ / ١٦٦.
(٤) في " تفسير القرآن " ٥ / ٢٤٠.
(٥) في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٥٩.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ١٧٣. وانظر " روح المعاني " ١٣ / ٣٣٢، " محاسن التأويل " ٦ / ٣٢٧.
(٧) في " جامع البيان " ٢١ / ٤٢٧.
(٨) في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٥٩.
(٩) في " مشارق الأنوار " ١ / ٣١٤.
(١٠) سيأتي ذكر من قال بهذا القول.
(١١) سيأتي نص الحديث ـ في الدراسة ـ وتخريجه.

قال الله تعالى :﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴾ [الذاريات : ١٠ ]
٣٠٠ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وقد يقع القتل بمعنى اللعن، قال تعالى :﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴾".
ـــــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى ﴿ قُتِلَ ﴾ أي: لعن. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم ابن عباس –رضي الله عنهما-(٢) والفراء(٣) والطبري(٤) والواحدي(٥) والبغوي(٦)والقرطبي(٧) وغيرهم. يقال : قاتله الله: أي: لعنه.(٨)
قال الطبري(٩) " يقول تعالى ذكره: لعن المتكهنون ".
وقال الواحدي(١٠) :" قالوا جميعاً: لعن الكذابون ".
وقيل : إن قوله :﴿ قُتِلَ ﴾ هي دعاء عليهم بالقتل كما تقول : قاتلك الله(١١).
ولا تنافي بين المعنيين فإن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك.(١٢)
قال الله تعالى :﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ وقال تعالى :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾ [الذاريات : ٥٢، ٥٤]
(١) في " الشفا " ٢ / ٢٢٠.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢١ / ٤٩٢. وانظر " تفسير ابن كثير " ٧ / ٤١٥.
(٣) في " معاني القرآن " ٣ / ٨٣.
(٤) في " جامع البيان " ٢١ / ٤٩٢.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ١٠٢٨.
(٦) في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٧٣.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٣٣. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص٤٢١، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص٢٤٢، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٢٥٢، " محاسن التأويل " ٦ / ٣٤١.
(٨) انظر " لسان العرب " مادة " قتل ".
(٩) في " جامع البيان " ٢١ / ٤٩٢.
(١٠) في " الوسيط " ٤ / ١٧٤.
(١١) انظر " المحرر الوجيز " ١٥ / ٢٠٣.
(١٢) انظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٢٥٢، " زاد المسير " ٨ / ٣٠، " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٣٣.

قال الله تعالى :﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور : ٤٨]
٣٠٢ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أي: اصبر على أذاهم فإنك بحيث نراك ونحفظك".
ــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي: اصبر على أذاهم فإنك بحيث نراك ونحفظك. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) والألوسي(٧) والشوكاني(٨)وغيرهم.
قال الطبري(٩) :" واصبر لحكم ربك يا محمد الذي حكم به عليك، وامض لأمره ونهيه، وبلغ رسالاته ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ يقول جل ثناؤه: فإنك بمرأى منا، نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين ".
وقال ابن كثير(١٠) :" أي: اصبر على أذاهم، ولا تبالهم، فإنك بمرأى منا، وتحت كلاءتنا، والله يعصمك من الناس ".
(١) في " الشفا " ١ / ٤٣.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٦٠٥.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٩٤.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٢٥١.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٧٨.
(٦) في " تفسيره " ٧ / ٤٣٨.
(٧) في " روح المعاني " ١٤ / ٤٠.
(٨) في " فتح القدير " ٥ / ١٠٢. وانظر " معاني القرآن وإعرابه "٥ / ٦٨، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥/ ٢٨١، " البحر المحيط " ٩ / ٥٧٧، " محاسن التأويل " ٦ / ٣٥٦.
(٩) في " جامع البيان " ٢١ / ٦٠٥.
(١٠) في " تفسيره " ٧ / ٤٣٨.

قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ [النجم : ٨]
٣٠٣ -٣٠٤ / ١- ٢ قال القاضي عياض(١) :" فأكثر المفسرين على أن الدنو والتدلي منقسم ما بين محمد وجبريل عليهما السلام أو هو مختص بأحدهما من الآخر أو من سدرة المنتهى ".
٣٠٥ / ٣ وقال(٢) :" فمن جعل الضمير عائداً إلى الله لا إلى جبريل.. كان هذا عبارة عن نهاية القرب، ولطف المحل، وإيضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من محمد - ﷺ -، وعبارة عن إجابة الرغبة. وقضاء المطالب، وإظهار التحفي، وإنافة المنزلة والمرتبة من الله له".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٥٢٨، " الشفا " ١ / ٢٠٤.
(٢) في " الشفا " ١ / ٢٠٥.

قال الله تعالى :﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴾ [الرحمن : ١٩]
٣١٠ / ١ قال القاضي عياض(١)-في قوله ﴿ مَرَجَ ﴾-:" أي: خلطهما ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله:﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ أي: خلطهما. وإلى هذا ذهب بعض المفسرين كالزجاج(٢) والواحدي(٣).
وذهب جمهور المفسرين منهم ابن عباس –رضي الله عنهما-(٤) والطبري(٥) والبغوي(٦) وابن عطية(٧) والقرطبي(٨) والشوكاني(٩) وغيرهم. إلى أن معنى قوله :﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ ﴾ أي: أرسلهما وخلاهما.
قال الطبري(١٠) :" يعني قوله :﴿ مَرَجَ ﴾ أرسل وخلَّى ".
وقال ابن عطية(١١) :" أرسلهما إرسالاً غير منحاز بعضهما من بعض ".
وقد دلت لغة العرب على المعنيين، يقال: مرج دابته إذا أرسلها وخلاها، ومن الثاني: مرج الأمر إذا التبس واختلط.(١٢)
.............................
ــــــــــــــ
وعلى قول الجمهور فالمعنى للآية ظاهر لا إشكال فيه. أي: أرسل البحرين وخلاهما، لا يختلط أحدهما بالآخر.
(١) في " مشارق الأنوار " ١ / ٣٧٦.
(٢) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ١٠٠.
(٣) في " الوجيز " ٢ / ١٠٥٤.
(٤) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٢ / ١٩٩ وانظر " تفسير ابن كثير " ٧ / ٤٩٢.
(٥) في " جامع البيان " ٢٢ / ١٩٩.
(٦) في " معالم التنزيل " ٧ / ٤٤٤.
(٧) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٣٢٩.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ١٦٢.
(٩) في " فتح القدير " ٥ / ١٣٤ وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٤٣. ، " تفسير غريب القرآن " ص ٤٣٨، " بحر العلوم " ٣ / ٣٠٦، " زاد المسير " ٨ / ١١٢، " نظم الدرر " ١٩ / ١٥٩، " روح المعاني " ١٤ / ١٠٥،
" محاسن التأويل " ٦ / ٣٩٨.
(١٠) في " جامع البيان " ٢٢ / ١٩٩.
(١١) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٣٢٩.
(١٢) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " مرج ".

قال الله تعالى :﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ﴾ [الواقعة : ٥]
٣١٧ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أي: فتت ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ وَبُسَّتِ ﴾ أي: فتت. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين، فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- ومجاهد وعكرمة والسدي(٢)، وبه قال أبو عبيدة(٣) وابن قتيبة(٤) والطبري(٥) والزمخشري(٦) والشوكاني(٧) وغيرهم.
ويشهد له(٨) قوله تعالى:﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ [المزمل : ١٤]، وقوله :﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثّاً ﴾ [الواقعة : ٦].
يقال: بست الشيء إذا فتته.(٩)
وقال بعض المفسرين: إن معنى قوله :﴿ وَبُسَّتِ ﴾ أي: سيرت بين السماء والأرض، فالمراد ببسها سوقها وتسييرها.(١٠)
ويشهد له (١١) قوله تعالى:﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ﴾ [الكهف : ٤٧]وقوله:﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ﴾ [الطور : ١٠].
.........................
ـــــــــــــ
(١) في " مشارق الأنوار " ١ / ١٠٠.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤. وانظر " المحرر الوجيز " ١٥ / ٣٥٧، " تفسير ابن كثير " ٧ / ٥١٤.
(٣) في " مجاز القرآن " ٢ / ٢٤٧.
(٤) في " تفسير غريب القرآن " ص ٤٤٥.
(٥) في " جامع البيان " ٢٢ / ٢٨٢.
(٦) في " الكشاف " ٤ / ٤٥٦.
(٧) في " فتح القدير " ٥ / ١٤٧.
(٨) انظر " جامع البيان " ٢٢ / ٢٨٢، " الدر المصون " ١٠ / ١٩٤، " أضواء البيان " ٧ / ٧٦٥.
(٩) انظر " لسان العرب " مادة " بسس ".
(١٠) انظر هذا القول في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ١٠٨، " النكت والعيون " ٥ / ٤٤٦، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٣٤٢، " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ١٩٧.
(١١) انظر " روح المعاني " ١٤ / ١٣١، " أضواء البيان " ٧ / ٧٦٦.

قال الله تعالى :﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد : ٣]
٣٢٤ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وقوله(٢) :( أنت الأول فليس قبلك شيء، والآخر فليس بعدك شيء ) هذا تفسير معنى قوله تعالى :﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ ﴾ هو ما جاء مبيناً مفسراً في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :( كان النبي - ﷺ - يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول : اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدَّين، وأغننا من الفقر ).(٣)
(١) في " إكمال المعلم " ٥ / ٢١٦.
(٢) أي: النبي ﷺ كما سيأتي نصه في الدراسة.
(٣) أخرجه مسلم " في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار " باب " ما يقول عند النوم وأخذ المضجع " حديث (٦١ ) ورقمه العام ( ٢٧١٣ )، ٤ / ٢٠٨٤.

قال الله تعالى :﴿وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ﴾ [الحشر : ٣]
٣٢٧ / ١ قال القاضي عياض(١) :" والجلاء بالفتح والمدَّ : الانتقال عن الوطن، قال الله تعالى :﴿وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ ﴾ ".
ــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بالجلاء في قوله تعالى:﴿وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ﴾ أي: الانتقال عن الوطن، وإلى هذا ذهب عامة المفسرين، فهو المروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وقتادة(٢) وبه قال أبو عبيدة(٣) والطبري(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" ولولا أن الله قضى وكتب على هؤلاء اليهود من بني النضير في أم الكتاب الجلاء وهو الانتقال من موضع إلى موضع، وبلد إلى آخر ".
وقال البغوي(٩) :" والجلاء : الخروج من الوطن ".
وقال في اللسان(١٠):" جلا القوم من أوطانهم يجلُون وأجلوا إذا خرجوا من بلد إلى بلد ".
(١) في " إكمال المعلم " ٤ / ٤٩٦.
(٢) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ٢٢ / ٥٠٤.
(٣) في " مجاز القرآن " ٢ / ٢٥٦.
(٤) في " جامع البيان " ٢٢ / ٥٠٤.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٧٠.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٥.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٦٠. وانظر " بحر العلوم " ٣ / ٣٤٧، " الوجيز " ٢ / ١٠٨١، " زاد المسير " ٨ / ٢٠٦، " البحر المحيط " ١٠ / ١٣٨، " التفسير الكبير " ٢٩ / ٢٤٦، " التسهيل " ٤ / ١٠٧.
(٨) في " جامع البيان " ٢٢ / ٥٠٤.
(٩) في " معالم التنزيل " ٨ / ٧٠.
(١٠) مادة " جلا " وانظر " الصحاح " نفس المادة.

قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾[الصف: ١٤]
٣٢٨ / ١ قال القاضي عياض(١) :" ظهرت أي: علوت، ومنه قوله تعالى :﴿ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾".
ــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله: ﴿ ظَاهِرِينَ ﴾أي: عالين. وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم ابن قتيبة(٢) والبغوي(٣) والقرطبي(٤) والشوكاني(٥) وغيرهم. فالمعنى: عالين غالبين.
من قولك : ظهرت على فلان إذا علوته، وظهرت على الحائط أي : علوت عليه.(٦)
قال البغوي(٧) :" عالين غالبين ".
وقال القرطبي(٨) :" أي: عالين ".
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٥٠٩.
(٢) في " تفسير غريب القرآن " ص ٤٦٤.
(٣) في " معالم التنزيل " ٨ / ١١٠.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٩٠.
(٥) في " فتح القدير " ٥ / ٢٢٣. وانظر " الوجيز " ٢ / ١٠٩٤، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٤٢٩، " البحر المحيط " ١٠ / ١٦٩، " أنوار التنزيل " ٢ / ٤٩١، " إرشاد العقل السليم " ٨ / ٢٤٦،"روح المعاني"١٤ / ٢٨٦.
(٦) انظر " لسان العرب " مادة " ظهر ".
(٧) في " معالم التنزيل " ٨ / ١١٠.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٩٠.

قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة : ١٠]
٣٢٩ - ٣٣٠ / ١- ٢ قال القاضي عياض(١)- في معنى " القضاء "- :" وبمعنى : الخروج من الشيء والانفصال منه.. ومنه :﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاة ُ ﴾".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى القضاء في قوله :﴿فَإِذَا قُضِيَتِ ﴾ أي: الخروج والانفصال.
وإلى هذا ذهب عامة المفسرين- وأن المعنى : الخروج من الصلاة والفراغ منها-منهم الواحدي(٢) والبغوي(٣) وابن الجوزي(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
قال البغوي(٧) :" إذا فرغ من الصلاة ".
وقال ابن كثير(٨) :" أي: فرغ منها ".
وقد دلت لغة العرب على أن القضاء يكون بمعنى : الفراغ يقال : قضى فلان صلاته أي: فرغ منها.(٩)
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٩٠، " إكمال المعلم " ٢ / ٥٥٤.
(٢) في " الوجيز " ٢ / ١٠٩٦.
(٣) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٢٣.
(٤) في " زاد المسير " ٨ / ٢٦٨.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ١٠٨.
(٦) في " تفسيره " ٨ / ١٢٢. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٤٦٦، " بحر العلوم " ٣ / ٣٦٣، " تفسير القرآن " للسمعاني " ٥ / ٤٣٥، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٩.
(٧) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٢٣.
(٨) في " تفسيره " ٨ / ١٢٢.
(٩) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " قضي ".

قال الله تعالى:﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون : ١]
٣٣١ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أي: كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم، وهم لا يعتقدونه ".
ـــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ لَكَاذِبُونَ ﴾أي : كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم وتصديقهم، وهم لا يعتقدونه.
وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والواحدي(٣) والبغوي(٤) والقرطبي(٥) وأبو حيان(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" يقول : والله يشهد إن المنافقين في إخبارهم عن أنفسهم أنها تشهد إنك لرسول الله، وذلك أنها لا تعتقد ذلك، ولا تؤمن به، فهم كاذبون في خبرهم عنها بذلك".
وقال ابن كثير(٩) :" فيما أخبروا به وإن كان مطابقاً للخارج ؛ لأنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ولا صدقه، ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم ".
قال الله تعالى :﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون : ٨]
(١) في " الشفا " ٢ / ٤.
(٢) في " جامع البيان " ٢٢ / ٦٥٠.
(٣) في " الوجيز " ٢ / ١٠٩٨.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٢٩.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ١٢٣.
(٦) في " البحر المحيط " ١٠ / ١٧٩.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ١٢٥. وانظر " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ١٧٥، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥/٤٤٠، " زاد المسير " ٨ / ٢٧٤، " التفسير الكبير " ٣٠ / ١٢، " التسهيل " ٤ / ١٢١.
(٨) في " جامع البيان " ٢٢ / ٦٥٠.
(٩) في " تفسيره " ٨ / ١٢٥.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: ١٥]
٣٣٣ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وتكون(٢) على أصلها للاختبار كقوله :﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾".
ــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بالفتنة في قوله تعالى :﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ بمعنى: الاختبار. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين، فهو المروي عن قتادة(٣)وبه قال الطبري(٤) والبغوي(٥) وابن الجوزي(٦) والقرطبي(٧) وابن كثير(٨) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان والاختبار(٩).
قال الطبري(١٠):" ما أموالكم أيها الناس وأولادكم إلا فتنة يعني : بلاء عليكم في الدنيا".
وقال ابن كثير(١١) :"يقول تعالى : إنما الأموال والأولاد فتنة أي: اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٤٦.
(٢) أي: الفتنة.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ١٨.
(٤) في " جامع البيان " ٢٣ / ١٨.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٤٣.
(٦) في " زاد المسير " ٨ / ٢٨٥.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ١٤٢.
(٨) في " تفسيره " ٨ / ١٣٩. وانظر " الوجيز " ٢ / ١١٠٤، " تفسير القرآن " للسمعاني ٢ / ٤٥٣،
" الكشاف " ٤ / ٥٥٠، " البحر المحيط " ١٠ / ١٩٢، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٢٥.
(٩) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " فتن ".
(١٠) في " جامع البيان " ٢٣ / ١٨.
(١١) في " تفسيره " ٨ / ١٣٩.

قال الله تعالى: ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم : ٤]
٣٣٤ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ مَوْلاهُ ﴾- :" أي : وليه ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله :﴿ مَوْلاهُ ﴾ أي: وليه وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم ابن قتيبة(٢) والطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) وابن الجوزي(٦) والقرطبي(٧) وغيرهم.
فالمولى والولي في لغة العرب بمعنى واحد.(٨)
قال الطبري(٩) :" يقول : فإن الله هو وليه وناصره عليهما ".
وقال القرطبي(١٠) :" أي : وليه وناصره ".
(١) في " الشفا " ١ / ٤٨.
(٢) في " تفسير غريب القرآن " ص ٤٧٢.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ٩٧.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١١٢.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٦٨.
(٦) في " زاد المسير " ٨ / ٣١٠.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ١٨٩. وانظر " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ٢٧٢،
" الكشاف" ٤ / ٥٦٦، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٤٠.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " ولي ".
(٩) في " جامع البيان " ٢٣ / ٩٧.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ١٨٩.

قال الله تعالى:﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: ١١]
٣٣٥ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ فَسُحْقا ﴾-: " أي: بعداً ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ فَسُحْقا ﴾ أي: بعداً. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم ابن عباس(٢)-رضي الله عنهما- والطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) والشوكاني(٧) وغيرهم.
يقال : سحُق الشيء فهو سحيق، أي: بعيد، وسحقه الله أي: أبعده.(٨)
قال الطبري(٩) :" فبعداً لأهل النار ".
وقال القرطبي(١٠) :" فبعداً لهم من رحمة الله ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٠٩.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ١٢٦.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ١٢٦.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١١٧.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٧٧.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٢١٣.
(٧) في " فتح القدير " ٥ / ٢٦١. ،وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٤٧٤، " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ١٩٩، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١٠، " الكشاف " ٤ / ٥٧٩، " زاد المسير " ٨ / ٣٢٠، " البحر المحيط "
١٠ / ٢٢٤، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٥٨، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ٦، ٨ / ٣٢٠، " محاسن التأويل "
٧ / ١٥١، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٢٧٨.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " سحق ".
(٩) في " جامع البيان " ٢٣ / ١٢٦.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٢١٣.

قال الله تعالى:﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾[القلم: ٤٢]
٣٣٦ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾-: " معناه : أن المراد به: شدة الأمر وصعوبة الحال، كما يقال : كشفت الحرب عن ساقها(٢) ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله تعالى :﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ أي: شدة الأمر وصعوبة الحال. وإلى هذا ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهو المروي عن ابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهم - وعكرمة ومجاهد وابن جبير وقتادة(٣)، وبه قال ابن قتيبة(٤) والواحدي(٥) والسمعاني(٦) والقاسمي(٧) وغيرهم.
ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق. والعرب تقول: كشف هذا الأمر عن ساق أي: صار إلى شدة(٨).
ومنه قول الشاعر:(٩)
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمَّرت عن ساقها الحرب شمَّرا
وقول الآخر:(١٠)
كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراخ
........................
ــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ٨ / ٤٩٦.
(٢) سيأتي الإحالة على قول العرب هذا.
(٣) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ١٨٧- ١٩٥. وانظر " معالم التنزيل " ٨ / ١٩٨، " زاد المسير " ٨ / ٣٤١، " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٤٩.
(٤) في " تفسير غريب القرآن " ص ٤٨١.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ١١٢٤.
(٦) في " تفسير القرآن " ٦ / ٢٨.
(٧) في " محاسن التأويل " ٧ / ١٦٣، وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٦٦، " الكشاف " ٤ / ٥٩٣، " البحر المحيط " ١٠ / ١٤٧، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٨.
(٨) انظر " البحر المحيط " ١٠ / ٢٤٧، " لسان العرب " مادة " سوق ".
(٩) البيت لحاتم الطائي كما في " ديوانه " ص ٢٥٦، " البحر المحيط " ١٠ / ٢٤٧، " الدر المصون " ١٠ / ٤١٧.
(١٠) البيت لسعد بن مالك كما في " لسان العرب " مادة " سوق ".

قال الله تعالى :﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ﴾[ الحاقة : ١ - ٢]
٣٣٧ / ١ قال القاضي عياض(١). :" أي : الكائنة حقاً بغير شك ".
٣٣٨ / ٢ وقال(٢) :" أي: الحاقة أو القارعة أي شيء هي؟ ما أعظمها وأهولها ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي في هذه الآية إلى مسألتين :
*المسألة الأولى : المراد بـ﴿ الْحَاقَّةُ ﴾
ذهب القاضي إلى أن المراد بـ ﴿ الْحَاقَّةُ ﴾ أي: الكائنة حقاً بغير شك. وهو أحد الأوجه التي قيلت في تسمية يوم القيامة بذلك. وإلى هذا الوجه وغيره أشار عامة المفسرين منهم الطبري(٣) والزجاج(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وأبو حيان(٧) وابن كثير(٨) وغيرهم.
فسبب تسميتها بذلك إما ؛ لأنها واجبة الوقوع، ثابتة المجيء، آتية لا ريب، من حقَّ الشيء إذا ثبت.
وإما ؛ لأن الأمور تحق فيها أي: تعرف على الحقيقة.
وإما ؛ لأنه يصير كل إنسان حقيقاً بجزاء عمله.
وإما؛ لأنها ذوات الحواق من الأمور من الثواب والعقاب ونحو ذلك من أحوال يوم القيامة، فهي كلها حواق.
......................
ــــــــــــ
(١) في " إكمال المعلم " ٣ / ١٣١.
(٢) في " بغية الرائد " ص ١٠٦.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ٢٠٥.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٢١٣.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٢٠٧.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٢٥٧.
(٧) في " البحر المحيط " ١٠ / ٢٥٤.
(٨) في " تفسيره " ٨ / ٢٠٨. وانظر " الوسيط " ٤ / ٣٤٣، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٣٤، " الكشاف " ٤ / ٥٩٨، " إيجاز البيان " للنيسابوري ٢ / ٢٧٥، " زاد المسير " ٣ / ٣٤٥، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٩٠، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ٢١، " فتح القدير " ٥ / ٢٧٩، " محاسن التأويل " ٧ / ١٦٨، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٢٩٥، " وانظر " لسان العرب " مادة " حقق ".

قال الله تعالى :﴿مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾ [نوح : ١٣]
٣٤٣ / ١ قال القاضي عياض(١) :" أي : لا تخافون له عظمة ".
ـــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾ أي: لا تخافون له عظمة. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين منهم الفراء(٢) والطبري(٣) والواحدي(٤) والسمعاني(٥) والبغوي(٦) والسعدي(٧) وغيرهم.
قال البغوي(٨):"والرجاء بمعنى : الخوف، والوقار: العظمة، اسم من التوقير وهو للتعظيم ".
وقال بعض المفسرين : ما لكم لا ترجون لله طاعة وهو مروي عن ابن زيد(٩).
وقال بعضهم : ما لكم لا توحدون الله ؛ لأن من وحدّ الله عظمه(١٠).
وقال بعضهم : ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرونه(١١).
وقول الجمهور هو المعروف(١٢). إلا أنه لا تنافي بين هذه المعاني بل هي متداخلة -كما قال ابن القيم(١٣)- :" وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم لو عظموا الله، وعرفوا حق عظمته، وحدوه وأطاعوه وشكروه، فطاعته سبحانه، واجتناب معاصيه
............................
ــــــــــــــ
(١) في " مشارق الأنوار " ١ / ٢٨٣.
(٢) في " معاني القرآن " ٣ /١٨٨.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ٢٩٧.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١٣٦.
(٥) في " تفسير القرآن " ٦ / ٥٦.
(٦) في " معالم التنزيل " ٨ / ٢٣١.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٢١٣. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٧١، " تفسير غريب القرآن " ص ٤٨٧.
(٨) في " معالم التنزيل " ٨ / ٢٣١.
(٩) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٢٩٧.
(١٠) انظر" الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٣٠٣، " فتح القدير " ٥ / ٢٩٨.
(١١) انظر " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٣٠٣، " الفوائد " لابن القيم ص ٣٢٩، " فتح القدير " ٥ / ٢٩٨.
(١٢) قاله السمعاني في " تفسير القرآن " ٦ / ٥٦.
(١٣) في " الفوائد " ص ٣٢٩.

قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ﴾ [الجن : ٣]
٣٤٤ / ١قال القاضي عياض(١) :" والجد : العظمة والسلطان، ومنه :﴿ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾".
ـــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ أي : عظمته وسلطانه، وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين-وأن المعنى تعالت عظمة ربنا وسلطانه وجلاله وقدرته أن يتخذ صاحبة أو ولداً- منهم عكرمة وقتادة ومجاهد(٢) وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) والسعدي(٧) وغيرهم.
يقال : جد الرجل فينا إذا عظم وجلَّ.(٨)
وقال بعض المفسرين : أي: غنى ربنا وهو مروي عن الحسن.(٩)
وقيل : عني بذلك الجد الذي هو أبو الأب، وقالوا: ذلك كان من كلام جهلة الجن.(١٠)
وقول الجمهور هو أقرب الأقوال، وقول الحسن ليس ببعيد عنه -كما قال الطبري-(١١): " وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال عني بذلك : تعالت عظمة ربنا وقدرته وسلطانه، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ؛ لأن للجد في كلام العرب معنيين،
.......................
(١) في " إكمال المعلم " ٢ / ٣٩٢.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٣١٢-٣١٣. وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٢٣٨.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ٣١٥.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١٣٩.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٢٣٨.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٨.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣١٨، وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٦٤، " الكشاف " ٤ / ٦٢، " البحر المحيط " ١٠ / ٢٩٤، " الدر المصون " ١٠ / ٤٨٦، " محاسن التأويل " ٧ / ١٩٠.
(٨) انظر " لسان العرب " مادة " جدد ".
(٩) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٣١٤. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٦٤.
(١٠) انظر " جامع البيان " ٢٣ / ٣١٥.
(١١) في " جامع البيان " ٢٣ / ٣١٥.

قال الله تعالى:﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً﴾[المزمل: ١٤]
٣٤٧ / ١ قال القاضي عياض(١) :" والرجفان : الاضطراب وكثرة الحركة، ومنه ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي الرجفان في قوله:﴿يَوْمَ تَرْجُفُ﴾بأنه الاضطراب وكثرة الحركة وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢)والزجاج(٣)والبغوي(٤)والقرطبي(٥)وأبو حيان(٦) وابن كثير(٧) والشوكاني(٨) وغيرهم.
قال الطبري(٩) :" ورجفان ذلك : اضطرابه بمن عليه ".
وقال القرطبي(١٠) :" أي: تتحرك وتضطرب بمن عليها ".
وقد دلت لغة العرب على أن الرجفة : الاضطراب والتحرك الشديد.(١١)
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٤٨٤.
(٢) في " جامع البيان " ٢٣ / ٣٨٥.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٢٤٢.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ٢٥٥.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٤٧.
(٦) في " البحر المحيط " ١٠ / ٣١٧.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٢٥٦.
(٨) في " فتح القدير " ٥ / ٣١٨، وانظر " الوجيز " ٢ / ١١٤٦، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٨٢، " الكشاف " ٤ / ٦٤١، " زاد المسير " ٨ / ٣٩٣، " التفسير الكبير " ٣٠ / ١٦٠، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ٥٢، " محاسن التأويل " ٧ / ٢٠٠.
(٩) في " جامع البيان " ٢٣ / ٣٨٥.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٤٧.
(١١) انظر " لسان العرب " مادة " رجف ".

قال الله تعالى :﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [القيامة : ١٨]
٣٥١ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وقوله :﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ﴾ أي: قرأه جبريل عليك ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ﴾ أي: قرأه جبريل عليك. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين فهو المروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- (٢)، وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) وابن كثير(٥) والشوكاني(٦) والسعدي(٧) وغيرهم.
قال ابن الجوزي(٨) :" قال المفسرون : إذا فرغ جبريل من قراءته ".
وقال ابن كثير(٩) :" أي : إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى ".
وقيل : أنزلناه : وهو مروي عن ابن عباس(١٠)– رضي الله عنهما-.
وقول الجمهور هو الراجح لقول الطبري(١١) :" وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال : فإذا تلي عليك، فاعمل بما فيه من الأمر والنهي، واتبع ما أمرت به فيه، لأنه قيل له: إن علينا جمعه في صدرك وقرآنه. وقد دللنا على أن معنى قوله :﴿و قُرْآنَهُ ﴾ وقراءته. فقد بين ذلك عن معنى قوله :﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾".
(١) في " إكمال المعلم " ٢ / ٣٥٩.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٠٢.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٠٣.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١٥٥.
(٥) في " تفسيره " ٨ / ٢٧٨.
(٦) في " فتح القدير " ٥ / ٣٣٨.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٤١. وانظر " معاني القرآن " ٣ / ٢١١، "معاني القرآن وإعرابه "٥/ ٢٥٣، " الكشاف " ٤ / ٦٦١، " التفسير الكبير " ٣٠ / ١٩٨. ، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ٦٧،
" محاسن التأويل " ٧ / ٢١٩.
(٨) في " زاد المسير " ٨ / ٤٢١.
(٩) في " تفسيره " ٨ / ٢٧٨.
(١٠) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٠٢ وانظر " معالم التنزيل " ٨ / ٢٨٤.
(١١) في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٠٢.

قال الله تعالى :﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ [الإنسان : ١٤]
٣٥٢ / ١ قال القاضي عياض(١) :" وتذليل العذوق تدليتها، وفي الآية أقوال للمفسرين ترجع إلى هذا المعنى أو قريب منه ".
ـــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بتذليل القطوف في قوله تعالى :﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا ﴾ أي : تدليها. وإلى هذا ذهب بعض المفسرين فهو المروي عن مجاهد وقتادة وسفيان.(٢)
قال مجاهد :" إذا قام ارتفعت بقدر، وإن قعد تدلت حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت حتى ينالها، فذلك تذليلها ".
وقال بعض المفسرين : إن تذليلها دنوها منهم. وبه قال ابن قتيبة(٣) والزجاج(٤) والواحدي(٥) والسعدي(٦) وغيرهم.
وقال بعض المفسرين : إن المراد أنها سخرت لهم. وبه قال الزمخشري(٧) والقرطبي(٨) والشوكاني(٩) وغيرهم.
ولا تنافي بين هذه المعاني بل هي متداخلة، وقريب بعضها من بعض- كما قال القاضي - فهذه القطوف قريبة من أهل الجنة متدلية مسخرة لهم يأخذون منها كيف شاؤوا.
قال البغوي(١٠) - مشيراً إلى أكثر من معنى-: " سخرت وقربت ".
........................
ــــــــــــ
(١) في " مشارق الأنوار " ١ / ٢٥٨.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٥٤، وانظر " البحر المحيط " ١٠ / ٣٦٢، " تفسير ابن كثير" ٨ / ٢٩١.
(٣) في " تفسير غريب القرآن " ص ٥٠٣.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٦٠.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ١١٥٩.
(٦) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٤٨. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١١٨.
(٧) في " الكشاف " ٤ / ٦٧١.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ١٣١.
(٩) في " فتح القدير " ٥ / ٣٥٠.
(١٠) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٩٦.

قال الله تعالى:﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً { ٢٥ ﴾ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً }[المرسلات : ٢٥-٢٦]
٣٥٣- ٣٥٤ / ١- ٢ قال القاضي عياض(١) :" والكفت : الضم والجمع، ومنه قوله تعالى :﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً { ٢٥ ﴾ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً }".
٣٥٥ -٣٥٦ / ٣ -٤ وقال(٢) :" أي: تضمهم في منازلهم أحياءً وفي مقابرهم أمواتاً ".
ـــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بالكفت في الآية : الجمع والضم، وأن معنى الآية أن الأرض تضمهم أحياءً في المنازل، وأمواتاً في المقابر. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين فهو المروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وقتادة والشعبي(٣) وبه قال الفراء(٤) والطبري(٥) والزجاج(٦) والبغوي(٧) والقرطبي(٨) والشوكاني(٩) والسعدي(١٠) وغيرهم.
(١) في " إكمال المعلم " ٢ / ٤٠٥، ٨ / ٣١٠.
(٢) في " مشارق الأنوار " ١ / ٣٤٤، ١ / ٣٤٧.
(٣) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٩٧- ٥٩٨ وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٢٩٩.
(٤) في " معاني القرآن " ٣ / ٢٢٤.
(٥) في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٩٦.
(٦) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٦٧.
(٧) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٠٥.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ١٩١.
(٩) في " فتح القدير " ٥ / ٣٥٨.
(١٠) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٥٥. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٥٠٦، " الوجيز " ٢ / ١١٦، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١٢٩، " الكشاف " ٤ / ٦٧٩، " أحكام القرآن " ٤ / ٣٥٦، "إيجاز البيان " ٢ / ٣٠٠، " زاد المسير " ٨ / ٤٤٩، " البحر المحيط " ١٠ / ٣٧٦، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٤١، "إرشاد العقل السليم " ١٠ / ٨٠، " محاسن التأويل " ٧ / ٢٣٨.

قال الله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ [عبس : ١]
٣٥٧ / ١ قال القاضي عياض(١) :" فليس فيه إثبات ذنب له - ﷺ -، بل إعلام الله أن ذلك المتصدَّى له ممن لا يتزكى، وأن الصواب والأولى كان لو كشف لك حال الرجلين الإقبال على الأعمى، وفعل النبي - ﷺ - لما فعل وتصديه لذلك الكافر كان طاعة لله وتبليغاً عنه، واستئلافاً له كما شرعه الله، لا معصية ومخالفة له ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن هذه الآية ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ ليس فيها إثبات ذنب لرسول الله - ﷺ -، وأن الأولى في حقه الإقبال على هذا الأعمى، وأن ما فعله رسول الله - ﷺ - كان منه تبليغاً لدين الله. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم ابن زيد(٢) والسمعاني(٣) وابن العربي(٤) والقرطبي(٥) وابن حزم(٦) والشوكاني(٧) والسعدي(٨) وغيرهم.
فهذه الآية عتاب من الله عز وجل لنبيه محمد - ﷺ -، وأنه ترك الأولى والأفضل، وهو مجتهد في فعله هذا.
وقد نقل بعض المفسرين(٩)
(١) في " الشفا " ٢ / ١٦١.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ١٠٥.
(٣) في " تفسير القرآن " ٦ / ١٥٦.
(٤) في " أحكام القرآن " ٤ / ٣٦٣.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢١٢.
(٦) في " الفصل " ٤ / ٤٧.
(٧) في " فتح القدير " ٥ / ٣٨٣.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن "٥ / ٣٧٠.
(٩) كابن العربي في " أحكام القرآن " ٤ / ٣٦٣، والرازي في " التفسير الكبير " ٣١ / ٥١، والشوكاني في
" فتح القدير " ٥ / ٣٨٢.

قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾ [التكوير : ٤]
٣٥٩/١قال القاضي عياض(١):"والتعطيل: الترك. قال الله تعالى:﴿وَإِذَا الْعِشَارُ(٢)عُطِّلَتْ ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي التعطيل في قوله تعالى :﴿عُطِّلَتْ﴾بأنه الترك. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم. فهو المروي عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - والربيع بن خثيم ومجاهد وقتادة والضحاك(٣) وبه قال الطبري(٤) والواحدي(٥) والبغوي(٦) وابن كثير(٧) والشوكاني(٨) وغيرهم.
فتعطيلها تركها وإهمالها وتسيبها.
قال الطبري(٩) :" يقول تعالى ذكره : وإذا هذه الحوامل التي يتنافس أهلها فيها أهملت وتركت من شدة الهول النازل بهم فكيف بغيرها ".
وقال البغوي(١٠) :" تركت مهملة بلا راع أهملها أهلها ".
............................
ـــــــــــــ
وقد دلت لغة العرب على أن كل ما ترك ضياعاً فقد تعطل.(١١)
قال الله تعالى :﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ﴾ [التكوير : ٨]
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٨١.
(٢) العشار : هي الإبل وهي خيارها والحوامل منها التي وصلت في حملها إلى الشهر العاشر حتى تضع. انظر " معالم التنزيل " ٨ / ٣٤٦، " المحرر الوجيز " ١٦ / ٢٣٨، " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٢٨، " تفسير ابن كثير " ٨ / ٣٣٠.
(٣) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ١٣٤-١٣٥. وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٣٣٠.
(٤) في " جامع البيان " ٢٤ / ١٣٤.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ١١٧٧.
(٦) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٤٦.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٣٣٠.
(٨) في " فتح القدير " ٥ / ٣٨٨ وانظر " تفسير القرآن" للسمعاني ٦ / ١٦٥، " محاسن التأويل " ٧ / ٢٦٥، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٧٥.
(٩) في " جامع البيان " ٢٤ / ١٣٤.
(١٠) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٤٦.
(١١) انظر " لسان العرب " مادة " عطل ".

قال الله تعالى :﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [الانشقاق : ٢ ]
٣٦٧ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿وَأَذِنَتْ ﴾-: " أي : سمعت ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله:﴿وَأَذِنَتْ ﴾ أي: سمعت. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم فهو المروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك(٢) وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
يقال : أذِنْت للشيء أذن إذا استمعت له.(٨)
ومنه قول الشاعر:(٩)
صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
قال الطبري(١٠) :" يقول : وسمعت السموات في تصدعها وتشققها لربها ".
وقال ابن كثير(١١) :" أي: استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق ".
قال الله تعالى :﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [الانشقاق : ١٤ ]
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ١٢٧.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٣١- ٢٣٢.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٣٠.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٧٣.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٢٦٠.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٦٩.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٣٥٥. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٩١، " تفسير غريب القرآن " ص ٥٢١، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ٢٩٨، " الوجيز " ٢ / ١١٨٦، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١٨٦، " التسهيل " ٤ / ١٨٦، " أنوار التنزيل " ٢ / ٥٨١، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٣١، " فتح القدير "
٥ / ٤٠٦، " محاسن التأويل " ٧ / ٢٨٩، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٩١.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " أذن ".
(٩) هو قعنب بن أم صاحب. انظر " مجاز القرآن " ١ / ٣٧، " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " أذن "
(١٠) في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٣٠.
(١١) في " تفسيره " ٨ / ٣٥٥.

قال الله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج : ١٠ ].
٣٧٠ / ١ قال القاضي عياض(١)- في قوله ﴿ فَتَنُوا ﴾- :" أي: عذبوهم ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله: ﴿ فَتَنُوا ﴾ أي: عذبوهم. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم، فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- ومجاهد وقتادة والضحاك(٢) وبه قال الطبري(٣) والزجاج(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) والقرطبي(٧) وغيرهم.
قال البغوي(٨) :" عذبوا وأحرقوا ".
وقال القرطبي(٩) :" أي: حرقوهم بالنار ".
وقال في اللسان(١٠) :" والفَتْن : الإحراق بالنار وفتن الشيء في النار يفتنه : أحرقه والفتين من الأرض : الحَرَّة التي قد ألبستها كلها حجارة سود كأنها محرقة ".
وقال بعض المفسرين : إن معنى ﴿ فَتَنُوا ﴾ أي : صدوهم ومحنوهم في دينهم ليرجعوا عنه.(١١)
............................
ـــــــــــــــ
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٤٦.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٨٠، وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٣٧١.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٨٠.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٠٨.
(٥) في " معالم التنزيل " ٦ / ٣٨٨.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٢٧١.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٩٥، وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٥٢٢، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ٢٩٩، " الوجيز " ٢ / ١١٩٠، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١٩٩.
(٨) في " معالم التنزيل " ٦ / ٣٨٨.
(٩) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٩٥.
(١٠) مادة " فتن ".
(١١) انظر " فتح القدير " ٥ / ٤١٣، " محاسن التأويل " ٧ / ٢٩٦، " تفسير القرآن الكريم- جزء عم- " لابن عثيمين ص ١٣٠.

قال الله تعالى :﴿وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ [الفجر : ٩]
٣٧١- ٣٧٢ / ١ -٢ قال القاضي عياض(١) ـ في قوله ﴿ جَابُوا ﴾ -: " أي : نقبوه وخرقوه ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي عياض إلى أن معنى قوله:﴿ جَابُوا الصَّخْر﴾ أي: نقبوه وخرقوه ".
وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير من السلف ومن بعدهم -وأن المعنى : نقبوه وخرقوه وقطعوه - فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- وقتادة والضحاك(٢) وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) والشوكاني(٧) وغيرهم.
يقال : جاب الشيء جوباً واجتابه : خرقه.. وجاب الصخرة جوباً : نقبها، وجاب فلان الفلاة جوباً إذا دخلها وقطعها.(٨)
ومنه قول الشاعر:(٩)
أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى دجى الليل جواب الفلاة عثمثم(١٠)
(١) في " إكمال المعلم " ٣ / ٣٢٢، " إكمال المعلم " ٨ / ٣٧١.
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٣٦٩ - ٣٧٠ وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٣٩٦.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٣٦٨.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤١٨.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٤٧.
(٦) في " تفسيره " ٨ / ٣٩٦.
(٧) في " فتح القدير " ٥ / ٤٣٥. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٩٧، " تفسير غريب القرآن " ص ٥٢٦، " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٢٢، " الوجيز " ٢ / ١٢٠٠، " زاد المسير " ٩ / ١١٧، " البحر المحيط " ١٠ / ٤٧٢، "روح المعاني " ٣٠ / ٣٣٩، " محاسن التأويل " ٧ / ٣١٨، " تيسير الكريم الرحمن "٥ / ٤١٢.
(٨) انظر " لسان العرب " مادة " جوب ".
(٩) البيت لنابغة بني جعدة يصف جملاً. كما في " اللسان " مادة " عثم ".
(١٠) العثمثم : هو الجمل القوي الشديد. انظر " اللسان " مادة " عثم ".

قال الله تعالى :﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد : ١]
٣٧٣ /١ قال القاضي عياض(١):" والمراد بالبلد عند هؤلاء(٢) مكة، وقال الواسطي:(٣) أي: يحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حياً وبركتك ميتاً يعني : المدينة. والأول أصح ؛ لأن السورة مكية ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
(١) في " الشفا " ١ / ٣٣.
(٢) أي : الذين حكى القاضي عنهم أقوالهم في قوله تعالى " لا أقسم " حيث قال " قيل : لا أقسم به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه حكاه مكي، وقيل : لا زائدة، أي: أقسم به ".
(٣) هو : هشيم بن بشير أبو معاوية الواسطي، ألف في السنة والمغازي، صاحب التفسير يرويه عنه أبو قاسم زياد بن أيوب البغدادي، مات سنة ( ١٨٣ هـ ) انظر " طبقات المفسرين " للداوودي ٢ / ٣٥٢.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ [الليل : ١٢]
٣٧٥ / ١ قال القاضي عياض(١)- في معنى لفظة " يهديني "- :" أي : يدلني، ومنه قوله تعالى :﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾ ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله :﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾: أي: علينا الدلالة. وبنحو من هذا ذهب عامة المفسرين، فهو المروي عن قتادة(٢) وبه قال الطبري(٣) والزجاج(٤) والواحدي(٥) والبغوي(٦) وابن عطية(٧) والشوكاني(٨) وغيرهم.
فالمراد بالهدى في الآية: الدلالة والبيان.
قال الطبري(٩) :" إن علينا لبيان الحق من الباطل والطاعة من المعصية ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٦٧.
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٧٥، وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٤٢١.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٧٥.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٣٦.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ١٢٠٩.
(٦) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٤٧.
(٧) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٣١٨.
(٨) في " فتح القدير " ٥ / ٤٥٣. وانظر " زاد المسير " ٩ / ١٥١، " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٨٦،
" إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٦٧، " روح المعاني " ١٥ / ٣٦٨، " محاسن التأويل " ٧ / ٣٣٦، " تفسير القرآن الكريم ـ جزء عم -" لابن عثيمين ص ٢٢٩.
(٩) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٧٥.

قال الله تعالى :﴿وَالضُّحَى ﴾ [الضحى : ١]
٣٧٦ /١ قال القاضي عياض(١) :" أقسم له عما أخبر به من حاله بقوله: ﴿وَالضُّحَى ﴾ أي: ورب الضحى، وهذا من أعظم درجات المبرة ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي إلى فضيلة رسول الله - ﷺ - والبَّر به، حيث أقسم الله تعالى بالضحى على ما أخبر به من حال رسول الله - ﷺ - في قوله :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [ الضحى : ٣ ]. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والزجاج(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" أقسم ربنا جل ثناؤه بالضحى... وقوله:﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى : ٣ ] جواب القسم ".
وقال القرطبي(٩) :" فأقسم الله عز وجل بهذه الأشياء، ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾ هذا جواب القسم ".
.............................
ــــــــــــــ
وقال السعدي(١٠):" أقسم الله تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى، وبالليل إذا سجى، وادلهمت ظلمته، على اعتناء الله برسوله ﷺ فقال:﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾".
قال الله تعالى :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى : ٣]
(١) في " الشفا " ١ / ٣٥.
(٢) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٨١.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٣٩.
(٤) في " الوسيط " ٤ / ٥٠٧.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٥٤.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٩٢.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٤٢٥. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٢٤٢، " روح المعاني " ١٥ / ٣٧٢،
" فتح القدير " ٥ / ٤٥٧، " تفسير القرآن الكريم- جزء عم - " لابن عثيمين ص ٢٣٤.
(٨) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٨١، ٤٨٤.
(٩) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٩٢.
(١٠) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٤٢٩.

قال الله تعالى :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح : ١ ]
٣٨٠ - ٣٨١ / ١-٢ قال القاضي عياض(١) :" شرح : وسع، والمراد بالصدر هنا : القلب ".
ـــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله:﴿ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ أي: نوسع لك قلبك. وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير منهم ابن قتيبة(٢)والطبري(٣)والواحدي(٤)والبغوي(٥)والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) والشوكاني(٨) والسعدي(٩) وغيرهم.
قال الطبري(١٠) :" نلين لك قلبك ".
وقال البغوي(١١) :" ألم نفتح لك، ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة ".
(١) في " الشفا " ١ / ١٨، " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٤٧.
(٢) في " تفسير غريب القرآن " ص ٥٣٢.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٩٢.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١٢١٢.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٦٣.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ١٠٤.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٤٢٩.
(٨) في " فتح القدير " ٥ / ٤٦٠.
(٩) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٤٣١. وانظر " زاد المسير " ٩ / ١٦٢، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٧، " محاسن التأويل " ٧ / ٣٤٣، " أضواء البيان " ٩ / ٣٠٨، " تفسير القرآن الكريم- جزء عم " ص ٢٤٢.
(١٠) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٩٢.
(١١) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٦٣.

قال الله تعالى:﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾[التين : ٦ ]
٣٨٢/١قال القاضي عياض(١)-في قوله:﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾-: " أي: منقوص ولا مقطوع".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي عياض إلى أن المراد بقوله :﴿ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ أي: غير منقوص ولا مقطوع. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين(٢) وأن المعنى : غير مقطوع أو غير منقوص فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-(٣) وبه قال الطبري(٤) والواحدي(٥) والراغب(٦) والبغوي(٧) والقرطبي(٨) وابن القيم(٩) وابن كثير(١٠) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن المن بمعنى : القطع(١١).
وقريب من هذا المعنى ما جاء عن مجاهد أن المعنى :"غير محسوب "(١٢).
قال ابن تيمية(١٣) :" وقال عامة المفسرين : غير مقطوع ولا منقوص... وعن مجاهد : غير محسوب، وهذا يوافق ذلك ؛ لأن ما ينتهي مقدر محسوب بخلاف ما لا نهاية له ". أي غير مقطوع فهو غير محسوب.
...........................
(١) في " إكمال المعلم " ١ / ٣٨٢.
(٢) حكاه عنهم ابن عطية في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٣٣١.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٢١.
(٤) في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٢٢.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ١٢٥، ٢ / ١١٨٨.
(٦) في " المفردات " مادة " منن ".
(٧) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٧٣، ٨ / ٣٧٧.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٨٢.
(٩) في " التبيان " ص ٦٦.
(١٠) في " تفسيره " ٨/ ٤٣٥، ٨/ ٣٦٢. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٥٣٣، " فتح القدير " ٥ / ٤٦، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٤٣٣.
(١١) انظر " لسان العرب " مادة " منن ".
(١٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٢٢، وانظر " المحرر الوجيز " ١٦ / ٣٣١.
(١٣) في " الرد على من قال بفناء الجنة النار " ص ٨٤ ـ ٨٥ وانظر " تفسير ابن كثير " ٨ / ٣٦٢.

قال الله تعالى :﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة : ٨]
٣٨٣ /١ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾-:" أي: رضي عنهم بطاعتهم وإيمانهم، ورضوا عنه بثوابهم وما أعطاهم من الخير ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى :﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ أي: رضي عنهم بسبب إيمانهم وطاعتهم، ورضوا عنه بثوابهم وما أعطاهم من الخير. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والسمعاني(٣) وابن الجوزي(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) والسعدي(٧) وغيرهم.
قال الطبري(٨) :" ﴿ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ بما أطاعوه في الدنيا، وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك، ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ لما أعطاهم من الثواب يومئذ على طاعتهم ربهم في الدنيا، وجزاهم عليها من الكرامة ".
وقال الشوكاني(٩) :" رضوانه عنهم حيث أطاعوا أمره، وقبلوا بشرائعه، ورضاهم عنه حيث بلغوا من المطالب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ".
(١) في " إكمال المعلم " ٦ / ٣٢٥.
(٢) في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٥٦.
(٣) في " تفسير القرآن " ٦ / ٢٦٥.
(٤) في " زاد المسير " ٩ / ١٩٩.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ١٤٦.
(٦) في " تفسيره " ٨ / ٤٥٨.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٤٤٣. وانظر " روح المعاني " ٣٠ / ٤٣١، " محاسن التأويل " ٧ / ٣٦٩.
(٨) في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٥٦.
(٩) في " فتح القدير " ٥ / ٤٧٧.

قال الله تعالى :﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ [القارعة : ٥]
٣٨٤ / ١ قال القاضي عياض(١) :" العهن : الصوف الملون، قال الله تعالى: ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ واحدتها عهنة ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بالعهن في قوله :﴿كَالْعِهْنِ ﴾ هو الصوف الملون وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم أبو عبيدة(٢)والطبري(٣)والواحدي(٤)والسمعاني(٥)والبغوي(٦) والقرطبي(٧) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن العهن : الصوف المصبوغ ألواناً، والقطعة منه عهنة.(٨)
قال الطبري(٩): " والعهن : هو الألوان من الصوف ".
(١) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٠٤.
(٢) في " مجاز القرآن " ٢ / ٣٠٩.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٩٤.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١٢٢٧.
(٥) في " تفسير القرآن " ٦ / ٢٧٣.
(٦) في " معالم التنزيل " ٨ / ٥١٣.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ٢٨٤. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٥٣٧، " تفسير ابن كثير " ٨ / ٤٨٦، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٩٣، " فتح القدير " ٥ / ٤٨٦، " تفسير النسفي " ٤ / ٣٧٤،
" محاسن التأويل " ٧ / ٣٧٦، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٤٤٩، " تفسير القرآن الكريم -جزء عم -" ص ٢٩٧.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " عهن ".
(٩) في " جامع البيان " ٢٤ / ٥٩٤.

قال الله تعالى:﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ { ١ ﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿ ٢ ﴾ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ } [الكوثر : ١-٣ ]
٣٨٥ / ١ قال القاضي عياض(١) :" والكوثر : حوضه. وقيل(٢) : نهر في الجنة، وقيل : الخير الكثير، وقيل : الشفاعة، وقيل : المعجزات، وقيل : النبوة، وقيل : المعرفة، ثم أجاب عنه عدوه، ورد عليه قوله فقال تعالى:﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾أي: عدوك ومبغضك، والأبتر : الحقير الذليل أو المفرد الوحيد أو الذي لا خير فيه ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
أشار القاضي عياض إلى ثلاث مسائل :
؟ المسألة الأولى : المراد بقوله ﴿ الْكَوْثَرَ ﴾
ذهب القاضي إلى أن المراد بالكوثر : حوضه - ﷺ -. وإلى هذا المعنى ذهب عطاء(٣).
مشيراً – أي القاضي- إلى أقوال المفسرين في المراد بالكوثر، وهي أقوال كثيرة(٤)، أقواها قولان :
(١) في " الشفا " ١ / ٥٢.
(٢) سيأتي الإحالة إلى هذه الأقوال.
(٣) حكاه عنه ابن الجوزي في " زاد المسير " ٩ / ٢٤٩، والقرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٢١٧.
(٤) انظر هذه الأقوال في "زاد المسير"٩/٢٤٩،" الجامع لأحكام القرآن "٢٠ / ٢١٧، " تفسير ابن كثير"٨/ ٥٠١، " فتح الباري " ٩ / ٧٥٧، " روح المعاني " ١٥ / ٤٧٩، " فتح القدير " ٥ / ٥٠٢ وقد أوصلها بعضهم إلى ستة عشر قولاً بل تزيد على ذلك.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فقد تم الانتهاء من هذا البحث وإتمامه -بعون من الله وتوفيقه ـ وأود أن أجمل أهم النتائج التي توصلت إليها فيما يلي :
١- أن القاضي عياض قد نشأ وعاش في بيئة كريمة، محمود الأقوال والأفعال، إذ لم يعرف منذ طفولته إلا الجد والاجتهاد والعلم والعبادة.
٢- أن القاضي كان إماماً في علوم شتى، ومن أجلها علم التفسير، فكان له الحظ الوافر من تفسير القرآن، والقيام على معانيه وأحكامه وجميع علومه، كما كان من أئمة وقته في الحديث وفقهه وغريبه ومشكله ومختلفه، متمكناً من صحيحه وسقيمه، عارفاً بأخبار الملوك وأيام العرب، وسيرها وحروبها، حافظاً للغة والشعر والمثل، نحوياً شاعراً أديباً مجيداً.
٣- أن حياة القاضي كانت حافلة بالبذل والعطاء، حيث تولى عدة من الوظائف والمهام، من أجلها القضاء، والتدريس والخطابة والتصنيف، حتى سارت بتصانيفه الركبان
٤- أن القاضي على مذهب أهل السنة والجماعة ـ من حيث الجملة ـ مع تأثره بمدرسة الأشاعرة في باب الأسماء والصفات، وتأثره بالموجة الصوفية، غير أن له مواقف حميدة في الرد على غلاتهم. كما كان مالكي المذهب داعياً إليه.
٥- أن القاضي فسر القرآن متبعاً أحسن الطرق في ذلك، ففسر القرآن بالقرآن كما فسر القرآن بالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، وباللغة العربية وهذا واضح جلي لمن تأمل أقواله.
٦- اهتمام القاضي بتفسير الكلمات الغريبة في القرآن وبيانها وتوضيحها.
٧- يتبين للناظر في أقوال القاضي التفسيرية أن القاضي ذا علم بالعلوم المتعلقة بتفسير القرآن كالقراءات وتوجيهها، وعلم اللغة وغيرها من العلوم المتعلقة بالتفسير مما أسهم في تكوين شخصيته كمفسر.


الصفحة التالية
Icon