بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة
المقدمة
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد :
فإن أفضل ما اكتسبته النفوس وحصّلته القلوب، ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان، ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة : ١١ ] وقوله :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ﴾ [ الروم : ٥٦].
وإن من أجل العلوم على الإطلاق، وأفضلها وأوجبها وأحبها إلى الله، هو علم تفسير آيات الله ؛ لأن الله أمر بتدبر كتابه، والتفكر في معانيه، والاهتداء بآياته، وأثنى على القائمين بذلك، وجعلهم في أعلى المراتب، ووعدهم أسنى المواهب، قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص : ٢٩]، فلو أنفق العبد جوهر عمره في هذا الفن لم يكن ذلك كثيراً في جانب ما هو أفضل المطالب، وأعظم المقاصد.

التمهيد

ترجمة موجزة للشيخ الشنقيطي

التمهيد

ترجمة موجزة للشيخ الشنقيطي
أولاً : اسمه ونسبه.
ثانياً : مولده ونشأته.
ثالثاً : عقيدته.
رابعاً : طلبه للعلم.
خامساً : شيوخه وتلاميذه.
سادساً : مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
سابعاً : مؤلفاته.
ثامناً : أعماله ووظائفه.
تاسعاً : وفاته.

التمهيد

ترجمة موجزة للشيخ الشنقيطي
أولاً : اسمه ونسبه :
هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبدالقادر بن محمد بن أحمد بن نوح بن محمد بن سيدي أحمد بن المختار، من أولاد أولاد الطالب أوبك، وهذا من أولاد أولاد كرير بن الموافي بن يعقوب بن جاكن الأبر - جد القبيلة الكبيرة - المشهورة المعروفة بالجكنيين، ويعرفون بتجكانت.
واسمه مركب من اسمين (محمد والأمين )، وذكر محمد من باب التبرك، وكذلك اسم أبيه.
ولقبه :( آبّا ) بمد الهمزة وتشديد الباء، من الإباء.
وهو مشهور بالشنقيطي نسبة إلى شنقيط، وهو البلد الذي ولد ونشأ فيه -كما سيأتي بيانه إن شاء الله -.
وأما نسبه :
فينتسب - كما تقدم - إلى القبيلة المعروفة بـ( الجكنيين)، ويرجع نسب هذه القبيلة إلى (حمير) (١) القبيلة العربية المشهورة(٢).
ثانياً : مولده ونشأته :
(١) حمير : بطن عظيم من القحطانية، ينتسب إلى حمير بن سبأ بن يشجب بن قحطان.
... ينظر : معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثامنة ١٤١٨هـ، ١/٣٠٥.
(٢) تنظر : ترجمته في أضواء البيان ١٠/١٨ بقلم تلميذه الشيخ عطية محمد سالم ( وهي ملحقة في آخر الجزء العاشر )، طبعة عالم الكتب، وترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي لعبدالرحمن السديس، ص٩، وعلماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب، دار الشواف، الرياض، الطبعة الرابعة، ١/١٧١.

القسم الأول
صيغ الترجيح ووجوهه عند الشنقيطي
وفيه تمهيد ومبحثان :
التمهيد : وفيه :
- معنى الترجيح.
- شروط الترجيح.
المبحث الأول : صيغ الترجيح ودلالاتها.
المبحث الثاني: وجوه الترجيح عند الشنقيطي.
معنى الترجيح
الترجيح في اللغة :
الراء والجيم والحاء أصل واحد يدل على رزانة وزيادة، يقال : رجحت الشيء بيدي أي وزنته ونظرت ما ثِقْلُه، وأرجحت الميزان أي أثقلته حتى مال، ويقال : زن وأرجح وأعط راجحاً، وحِلْم راجِح : يَرْزن بصاحبه فلا يُخِفُّه شيء(١).
الترجيح في الاصطلاح :
الترجيح هو : إثبات مرتبة في أحد الدليلين على الآخر (٢).
(١) ينظر : تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري ( المتوفى سنة ٣٧٠هـ )، تحقيق : عبدالكريم العزاوي، مراجعة محمد النجار، مكتبة الخانجي، ٤/١٤٢، مادة ( رجح )، ، ومعجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس ( المتوفى سنة ٣٩٥هـ )، وضع حواشيه : إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ، ١/٥١٢ مادة ( رجح )، ولسان العرب لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ( المتوفى سنة ٧١١هـ )، دار المعارف، مكتبة ابن تيمية ٣/١٥٨٦ مادة ( رجح )، والقاموس المحيط لمجد الدين محمد يعقوب الفيروزآبادي ( المتوفى سنة ٨١٧هـ )، ضبط وتوثيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، ١٤٢٠هـ، ص ١٩٩، مادة ( رجح )، ومختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي، ترتيب : محمود خاطر، دار الحديث، القاهرة، ص ٢٣٤ مادة ( رجح ).
(٢) ينظر : التعريفات لعلي بن محمد بن علي الجرجاني ( المتوفى سنة ٨١٦هـ )، تحقيق : إبراهيم الآبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ، ص٧٨.

١- المراد بقوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [ الفاتحة : ٣ ]
اختلف المفسرون في تكرار الوصف بالرحمة في قوله تعالى :﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ على قولين :
١- أن ( الرحمن ) أشد مبالغة من ( الرحيم )، وأنه عام لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، أما ( الرحيم ) فهو خاص بالمؤمنين في الآخرة.
٢- أنهما بمعنى واحد كندمان ونديم، ولهفان ولهيف، ونحوهما، وجمع بينهما للتأكيد، كقولهم : فلان جاد مجد.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله - :
١- المراد بالخليفة في قوله تعالى :﴿ 'دoTخ) جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ Zpxے‹د=yz ﴾
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ y٧ڑ/u' لِلْمَلَائِكَةِ 'دoTخ) جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ Zpxے‹د=yz ﴾ [ البقرة: ٣٠]
اختلف في المراد بالخليفة على قولين :
١- أنه آدم عليه السلام.
٢- أن قوله :(خليفة) مفرد أريد به الجمع، أي خلائف.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله - :
[ في قوله :( خليفة ) وجهان من التفسير للعلماء :
أحدهما: أن المراد بالخليفة أبونا آدم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ؛ لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره، وقيل : لأنه صار خلفاً من الجن الذين كانوا يسكنون الأرض قبله، وعليه فالخليفة: فعيلة بمعنى فاعل، وقيل : لأنه إذا مات يخلفه من بعده، وعليه فهو من فعيلة بمعنى مفعول، وكون الخليفة هو آدم هو الظاهر المتبادر من سياق الآية.
الثاني : أن قوله :(خليفة) مفرد أريد به الجمع، أي : خلائف، وهو اختيار ابن كثير(١).
والمفرد إن كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مراداً به الجمع كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ [ القمر : ٥٤] يعني وأنهار، بدليل قوله :﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ ﴾ [محمد : ١٥] الآية، وقوله :﴿ $sYù=yèô_$#ur لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [ الفرقان : ٧٤]، وقوله :﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا ﴾ [النساء : ٤] ونظيره من كلام العرب قول عقيل بن عُلَّفَة المري(٢) :
(١) تفسير القرآن العظيم ١/١٠٦.
(٢) عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية بن مرة، يكنى أبا العملس، وأبا الجرباء، وهو شاعر مجيد، مُقِل من شعراء الدولة الأموية، من أشراف بني مرة ووجوهم، وهو من شعراء الطبقة الثانية من الإسلاميين، وكانت قريش ترغب في مصاهرته.
... ينظر: طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي (المتوفى سنة ٢٣١l)، تحقيق : طه عبدالرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ، ٢/٧٠٩ وما بعدها، وملحق الأغاني ( أخبار أبي نواس) لأبي الفرج الأصبهاني (المتوفى سنة ٣٥٦هـ)، تحقيق : علي مهنا وسمير جابر، دار الفكر، لبنان، ١٢/٢٩٦.
... والبيت في لسان العرب لابن منظور ١/٤١ (أخا)، وفي خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب لعبدالقادر ابن عمر البغدادي (المتوفى سنة ١٠٩٣ l)، تحقيق : محمد نبيل طريفي، وأميل بديع اليعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٨م، ٤/٤٣٦.

١- المراد بالتأويل في قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾
قال تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ ﴾ [آل عمران: ٧] هذه الآية فيها مسألتان:
المسألة الأولى:
قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾
اختلف في المراد بالتأويل في هذه الآية على قولين:
١- أنه حقيقة الأمر التي يؤول إليها.
٢- أنه التفسير وإدراك المعنى.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله - :
[ قوله تعالى :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾
يحتمل أن المراد بالتأويل في هذه الآية الكريمة التفسير وإدراك المعنى، ويحتمل أن المراد به حقيقة أمره التي يؤول إليها، وقد قدمنا في مقدمة هذا الكتاب(١) أن من أنواع البيان التي ذكرناها فيه أن كون أحد الاحتمالين هو الغالب في القرآن، يبين أن ذلك الاحتمال الغالب هو المراد؛ لأن الحمل على الأغلب أولى من الحمل على غيره. وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الغالب في القرآن إطلاق التأويل على حقيقة الأمر التي يؤول إليها، كقوله :﴿ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: ١٠٠]، وقوله :﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ [الأعراف: ٥٣] الآية، وقوله :﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس: ٣٩]، وقوله :﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: ٥٩] إلى غير ذلك من الآيات.
قال ابن جرير الطبري : وأصل التأويل من آل الشيء إلى كذا إذا صار إليه ورجع، يؤول أولاً، وأوَّلْتُه أنا صيرته إليه(٢).
(١) ينظر : أضواء البيان ١/٣٧.
(٢) ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس ١/٨٦ مادة (أول)، ولسان العرب لابن منظور ١/١٧١ مادة (أول)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص ٨٦٦ مادة (أول).

١- المراد بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا ﴾
قال تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [النساء: ٣]
في هذه الآية نوع إجمال؛ وذلك لعدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط والجزاء المترتب عليه، وعليه فللمفسرين في تفسير هذه الآية أقوال:
١- أي إن خفتم ألاّ تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن.
٢- إن خشيتم ذلك فتحرجتم من ظلم اليتامى، فاخشوا أيضاً، وتحرجوا من ظلم النساء بعدم العدل بينهن، وعدم القيام بحقوقهن، فقللوا عدد المنكوحات، ولا تزيدوا على أربع، وإن خفتم عدم إمكان ذلك مع التعدد فاقتصروا على الواحدة.
٣- أي إن خفتم الذنب في مال اليتيم، فخافوا ذنب الزنا، فانكحوا ما طاب لكم من النساء ولا تقربوا الزنا.
٤- أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى، فلما كثر النساء، مالوا على أموال اليتامى، فقصروا على الأربع حفظاً لأموال اليتامى(١).
ترجيح الشنقيطي -يرحمه الله-:
[ قول الله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ الآية.
(١) ينظر : النكت والعيون للماوردي ١/٤٤٨، وزاد المسير لابن الجوزي ٢/٦.

١١- المراد بالقصر في قوله تعالى: ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ﴾
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء: ١٠١]
اختلف في المراد بقصر الصلاة في هذه الآية على قولين:
١- القصر من كيفيتها، ومعنى ذلك أنه يجوز فيها من الأمور ما لا يجوز في صلاة الأمن.
٢- القصر من كميتها، وهو قصر الصلاة في السفر.
ترجيح الشنقيطي -يرحمه الله- :
[ قوله تعالى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الآية.
قال بعض العلماء : المراد بالقصر في قوله: ﴿ أن تقصروا ﴾ في هذه الآية قصر كيفيتها لا كميتها، ومعنى قصر كيفيتها: أن يجوز فيها من الأمور ما لا يجوز في صلاة الأمن، كأن يصلي بعضهم مع الإمام ركعة واحدة، ويقف الإمام حتى يأتي البعض الآخر، فيصلي معهم الركعة الأخرى، وكصلاتهم إيماءً رجالاً وركباناً وغير متوجهين إلى القبلة، فكل هذا من قصر كيفيتها، ويدل على أن المراد هو هذا القصر من كيفيتها.
قوله تعالى بعده يليه مبيناً له :﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ ×pxےح !$sغ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ ِNà٦ح !#u'ur وَلْتَأْتِ îpxےح !$sغ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾ الآية [النساء : ١٠٢].
١- معنى ( من ) في قوله تعالى :﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ [المائدة: ٦]
اختلف في لفظة (منه) في هذه الآية، والمعنى المترتب عليها على قولين:
١- أنها لابتداء الغاية، أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ما له غبار، فالصعيد على هذا هو وجه الأرض، فيدخل فيه التراب والرمل والشجر والحجر والنبات.
٢- أنها للتبعيض، فيتعين في التيمم التراب الذي له غبار يعلق باليد.
ترجيح الشنقيطي -يرحمه الله-
[ قوله تعالى :﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ الآية.
اعلم أن لفظة (من) في هذه الآية الكريمة محتملة لأن تكون للتبعيض، فيتعين في التيمم التراب الذي له غبار يعلق باليد، ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية، أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ما له غبار، وبالأول قال الشافعي(١)، وأحمد(٢)، وبالثاني قال مالك(٣)، وأبو حنيفة(٤) رحمهم الله تعالى جميعاً.
(١) ينظر: كتاب الأم للشافعي ١/٥٠.
(٢) ينظر: المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل لابن قدامة المقدسي ١/١٥٥.
(٣) ينظر : المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس ( المتوفى سنة ١٧٩هـ )، دار صادر، بيروت ١/٤٦.
(٤) ينظر : المبسوط لشمس الدين السرخسي الحنفي ( المتوفى سنة ٤٩٠هـ )، دار المعرفة، بيروت، ١/١٠٨.
... والإمام أبو حنيفة هو : النعمان بن ثابت التيمي، أبو حنيفة الكوفي، فقيه أهل العراق، وإمام أصحاب الرأي، كان عالماً عاملاً عابداً زاهداً، عرض عليه القضاء مراراً فأبى، توفي سنة ١٥٠هـ.
... ينظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ٥/٤٠٥، وتهذيب الكمال للمزي ٧/٣٣٩، وشذرات الذهب لابن العماد ١/٣٧٢.

١- المراد بقوله تعالى :﴿ يَعْدِلُونَ ﴾
اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: ١] على قولين:
١- أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف، والميل عنه.
٢- أن ( الباء ) في قوله :﴿ بربهم ﴾ متعلقة بـ ﴿ يَعْدِلُونَ ﴾، ومعنى يعدلون، أي : يجعلون له نظيراً في العبادة.
ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله -:
[ في قوله تعالى :﴿ يَعْدِلُونَ ﴾ وجهان للعلماء :
أحدهما: أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف، والميل عنه، وعلى هذا فقوله :﴿ بربهم ﴾ متعلق بقوله :﴿ كفروا ﴾، وعليه فالمعنى أن الذين كفروا بربهم يميلون وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر والضلال، وقيل على هذا الوجه: إن الباء بمعنى ( عن ) أي يعدلون عن ربهم، فلا يتوجهون إليه بطاعة ولا إيمان.
والثاني: أن الباء متعلقة بـ(يعدلون)، ومعنى يعدلون : يجعلون له نظيراً في العبادة من قول العرب: عَدَلْت فلاناً بفلان إذا جعلته له نظيراً وعديلاً، ومنه قول جرير (١):
أَثَعْلَبة الفَوارسِ أم رِياحاً...... عَدَلْتَ بهم طُهَيَّةَ والخِشَابا
يعني : أجعلت طُهية(٢) والخِشاب(٣) نظراء وأمثالاً لبني ثعلبة(٤)، وبني رياح(٥)، وهذا
(١) ينظر: ديوان جرير ص٧٨، وفيه ( أو رياحاً ).
(٢) طُهَيَّة : بطن من بني حنظلة من تميم من العدنانية، وهم : بنو مالك بن حنظلة.
... ينظر: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، لعمر رضا كحالة ٢/٦٨٥.
(٣) الخشاب: بطون من تميم.
... ينظر: معجم قبائل العرب، لعمر رضا كحالة ١/٣٤٤.
(٤) بني ثعلبة : ثعلبةُ قبيلة من تميم، وهم قوم جرير.
... ينظر: معجم قبائل العرب ١/١٤٣.
(٥) بنو رياح: هم بطن من تميم وهم بنو رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك.
... ينظر: معجم قبائل العرب ٢/٤٥٧.

الخاتمة
الخاتمة
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فقد عشت في رحاب تفسير كتاب الله تعالى فترة من الزمن مع ( أضواء البيان )، ودرست خلالها ترجيحات الشنقيطي - رحمه الله -، وقد تبين لي من خلال هذه الدراسة ما يلي :
١- إمامة الشنقيطي - رحمه الله - في كثير من العلوم كالتفسير والفقه والأصول واللغة وغيرها.
٢- التزامه - رحمه الله - بمنهج السلف الصالح في التفسير، وعدم مخالفتهم في شيء منه.
٣- التزامه في الترجيح بالقواعد المعتبرة لدى علماء التفسير، وعدم حيادته عن شيء منها.
٤- دقته في اختيار ألفاظ الترجيح، فهو يختار لكل ترجيح اللفظ المناسب له، والذي يدل على قوة هذا الترجيح ووجاهته عنده.
٥- عنايته الفائقة بتمحيص الأقوال ونقدها، فلا يكاد يذكر خلافاً في التفسير إلا ويبين الراجح فيه مقروناً بالتدليل والتعليل، ومناقشاً للأدلة المرجوحة أيضاً بالدليل.
٦- موافقته لما عليه جمهور المفسرين، فقولهم مقدم عنده على من خالفهم.
٧- اعتماده في الترجيح على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.
٨- استعانته الواضحة بالقواعد الأصولية في فهم كتاب الله، ومعرفة أرجح الأقوال في تفسير الآيات.
٩- اهتمامه الملحوظ بقواعد اللغة تحريراً وتأصيلاً وتمثيلاً وتطبيقاً عند كل مناسبة.
١٠- عنايته بالترجيح بدلالة ظاهر السياق القرآني، وظهور ذلك ظهوراً واضحاً في ترجيحاته.
١١- التزامه الموضوعية في الترجيح وعدم تعصبه لمذهب أو شخص معين، فالمعتمد عنده صحة الدليل.
١٢- أن أكثر وجوه الترجيح المعتمدة عنده هو الترجيح بدلالة الكتاب، ثم بدلالة السياق القرآني، ثم دلالة السُنة، فدلالة اللغة، فدلالة سبب النّزول، ثم ترجيحه بالقواعد الأصولية.
...
الفهارس
فهرس الآيات القرآنية
الآية... رقمها... الصفحة
سورة الفاتحة
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) ﴾... ٣... ٧٣
سورة البقرة
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾... ٣٠... ٨٠، ٨٢، ٨٣، ٨٤
﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾... ٥٠... ٩٠
﴿ وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) ﴾... ٥٣... ٨٥، ٨٧، ٨٩
﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨) ﴾... ٧٨... ٩١، ٩٢، ٩٣، ٩٤
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧) ﴾... ٨٧... ٩٥، ٩٧
﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) ﴾... ١٠٩... ٩٨، ١٠١
﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١١١) ﴾... ١١١... ٩١، ٩٢، ٩٤


الصفحة التالية
Icon