المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية أصول الدين
قسم القرآن وعلومه
اختيارات ابن تيمية وترجيحاته في التفسير
من أول سورة الكهف إلى آخر القرآن الكريم
جمعاً ودراسة
بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في القرآن وعلومه
إعداد
إبراهيم بن صالح بن عبد الله الحميضي
إشراف
فضيلة الدكتور ناصر بن محمد الحميد
الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه في جامعة القصيم
...
... الجزء الأول
العام الجامعي ١٤٢٥هـ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً....... أما بعد :
فإن أفضلَ العلوم وأَجَلَّها وأَنْفعَهَا علومُ القرآن الكريم، الذي جعله الله تعالى موعظة، وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، وندب عبادَه إلى تدبر آياته وفهم معانيه، والعمل بما فيه.
هذا، وقد اهتمَّ سلفُ الأُمة بكتاب الله الكريم اهتماماً كبيراً، فحفظوا آياتِه وتعلموا معانيها، وعملوا بما فيها، وقد كان لصحابة رسول الله - ﷺ - قَصَبُ السَّبق في ذلك، فكان الرجل منهم إذا تعلَّم عشر آيات، لم يجاوزها حتى يعرفَ معانيها، ويعمل بها.
وقد سار على نهج أولئك الأصحاب، التابعون لهم بإحسان، حيث تتلمذوا على أيديهم، ونهلوا من علمهم، ثم اقتفَى أَثَرهم، واتبّع طريقهم، الأئمةُ الأعلام من بعدهم.
سورة طه : الآية ١١٠
قال اللَّه تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن مرجع الضمير في قوله تعالى : يعود إلى قوله تعالى :.
قال رحمه اللَّه – تعالى - عند هذه الآية :" والراجح من القولين أن الضمير عائد إلى، وإذا لم يحيطوا بهذا علماً وهو بعض مخلوقات الرب فأن لا يحيطوا علماً بالخالق أولى وأحرى " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى على قولين :
القول الأول : أنه يعود إلى اللَّه - تعالى - أي لا يحيط خلقه به علماً(٣) ؛ وبه قال مقاتل(٤) (٥).
القول الثاني : أن الضمير الهاء في قوله تعالى يعود إلى قوله تعالى :(٦) ؛ قاله ابن السائب(٧) (٨)، ورجحه الرازي لوجهين :
أحدهما : أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات، والأقرب ههنا قوله :.

(١) سورة طه : الآية ١١٠.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٨٨، وانظر درء التعارض ٩/٥.
(٣) تفسير ابن جرير ٨/٤٦٠.
(٤) هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من أعلام المفسرين، توفي بالبصرة سنة ١٥٠هـ، وهو متروك الحديث : من مؤلفاته : الناسخ والمنسوخ، والتفسير الكبير، والوجوه والنظائر. انظر : تهذيب التهذيب ١٠/٢٧٩، والأعلام ٧/٢٨١.
(٥) زاد المسير ٥/٢٢٣، ورجحه ابن جرير ٨/٤٦٠.
(٦) قال بعض المفسرين إنه يعود على الموصُوْلَين، وبعضهم قال يعود على أحدهما. انظر : تفسير البيضاوي ٢/٥٨، والألوسي ١٦/٢٦٥.
(٧) هو عطاء بن السائب الكوفي، أبو السائب، الإمام الحافظ، محدث الكوفة، كان من كبار العلماء لكنه ساء حفظه قليلاً في أواخر عمره، توفي سنة ١٣٦هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/١١٠، تهذيب التهذيب ٧/٢٠٣.
(٨) تفسير ابن الجوزي ٥/٢٢٣، ورجحه الرازي ٢٢/١٠٣، وأبو حيان ٤/٦٧.

سورة الأنبياء : الآية ٤٢
قال اللَّه تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام - رحمه اللَّه - أن معنى قوله - تعالى - : بدلاً من اللَّه.
قال - رحمه اللَّه - :" وقال تعالى :
، أي بدلاً من الرحمن، هذا أصح القولين، كقوله تعالى :(٢) أي : لجعلنا بدلاً منكم، كما قاله عامة المفسرين، ومنه قول الشاعر :
فليت لنا من ماء زمزم شربة... مبردةً باتت على طَهَيَان(٣)
ج... ج
أي : بدلاً من ماء زمزم " (٤).
الدراسة :
في قوله تعالى : فيها للعلماء وجهان :
أحدهما : أن معنى قوله تعالى : أي : من عذابه وبأسه، كما قال تعالى :(٥)، أي : من ينصرني منه فيدفع عني عذابه(٦) ؛ وروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -(٧)، واقتصر على هذا القول عامة المفسرين(٨).
قال ابن جرير :" يقول : من أمر الرحمن إن نزل بكم، ومن عذابه إن حكم بكم " (٩).
وقال الزجاج :" من يحفظكم من بأس الرحمن، كما قال :
أي : من عذاب الله " (١٠).
الوجه الثاني : أن بمعنى بدل، فقوله : أي : بدل الرحمن، وهذا اختيار شيخ الإسلام - كما تقدم -، وابن كثير(١١).
(١) سورة الأنبياء : الآية ٤٢.
(٢) سورة الزخرف : الآية ٦٠.
(٣) البيت للأحول الكندي، انظر لسان العرب ٥/٢٧١٦، والطَّهَيَان : خشبة يبَّرد عليها الماء. انظر : لسان العرب ٥/٢٧١٦ مادة (طها).
(٤) مجموع الفتاوى ٢٧/٤٤١، وانظر : ٣٥/٣٧٢، والاستغاثة ١/١٩٤.
(٥) سورة هود : الآية ٦٣.
(٦) تفسير الشنقيطي ٣/٦٣٠.
(٧) تفسير الوسيط للواحدي ٣/٢٣٨، والبغوي ٣/٢٤٥.
(٨) انظر : تفسير ابن جرير ٩/٣٠، والسمرقندي ٢/٣٦٨، والواحدي في الوسيط ٣/٢٣٨، والبغوي ٣/٢٤٥، والزمخشري ٣/١٢، وابن الجوزي ٥/٢٤٥، والقرطبي ١١/١٩٣، وأبي حيان ٦/٢٩٢، وغيرهم.
(٩) تفسير ابن جرير ٩/٣٠.
(١٠) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣/٣٩٣.
(١١) تفسيره ٣/١٨٨، وانظر : الشنقيطي ٤/٦٣.

سورة الحج : الآيات ١١ - ١٣
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : لا يدلُّ على إثبات النفع والضر لما يُعبد من دون الله، وأن إضافة الضرِّ إليه من باب إضافة السبب إلى المسبِّب.
قال – رحمه الله – بعد أن ذكر قول البغوي، والزمخشري، والسُّدي فيها، ولم يرْتَضِها :" قوله : هو نفي لكون المدعو المعبود من دون الله لا يملك نفعاً ولا ضراً، وهذا يتناول كلّ ما سوى الله من الملائكة والبشر والجنِّ والكواكب، والأوثان كلها، فإنما سوى الله لا يملك لا لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ".
ثم ذكر بعض الآيات الدالة على هذا الأصل، ثم قال :" والتحقيق أنه لا ينفع ولا يضر مطلقاً ؛ فإن الله سبحانه وسعت رحمته كل شيء وهو ينعم على كثير من خلقه وإن لم يعبدوه، فنفعه للعباد لا يختص بعابديه، وإن كان في هذا تفصيل ليس هذا موضعه، وما دونه لا ينفع لا من عبده ولا من لم يعبده ; وهو سبحانه الضار النافع قادرٌ على أن يضر من يشاء وإن كان ما ينْزله من الضر بعابديه هو رحمة في حقهم كما قال أيوب :(٢)، وقال تعالى :(٣)، وقال أيضا لرسوله محمد - ﷺ - :(٤)، وقال تعالى :
(٥)، وهو سبحانه يُحدِث ما يحدثه من الضرر بمن لا يوصف بمعصية من الأطفال والمجانين والبهائم ; لما في ذلك من الحكمة والنعمة والرحمة كما هو مبسوط في غير هذا الموضع.
(١) سورة الحج : الآيات ١١ – ١٣.
(٢) سورة الأنبياء : الآية ٨٣.
(٣) سورة الأنعام : الآية ١٧.
(٤) سورة الأعراف : الآية ١٨٨.
(٥) سورة البقرة : الآية ١٧٧.

سورة النور : الآية ٣
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، وأن المراد بالنكاح في الآية العقد.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" وقد ادَّعى بعضهم أن هذه الآية منسوخة بقوله :(٢)، وزعموا أن البغيَّ من الْمُحصنات، وتلك الآيات حجة عليهم ؛ فإن أقلَّ ما في الإحصان العفّة...
وكذلك من زعم أن النكاح هنا هو الوطء، والمعنى : أن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة والزانية لا يطؤها إلا زان أو مشرك، وهذا أبلغ في الحجة عليهم فمن وطئ زانية أو مشركة بنكاح فهو زان، وكذلك من وطئها زان، فإن ذم الزاني بفعله الذي هو الزنا، حتى لو استكرهها أو استدخلت ذكره وهو نائم كانت العقوبة للزاني دون قرينه، وهذه المسألة مبسوطة في كتب الفقه.
والمقصود قوله : فإن هذا يدل على أن الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة وأن ذلك حرام على المؤمنين، وليس هذا لمجرد كونه فاجراً بل لخصوص كونه زانياً، وكذلك في المرأة ليس لمجرد فجورها بل لخصوص زناها، بدليل أنه جعل المرأة زانية إذا تزوجت زانياً، كما جعل الزوج زانياً إذا تزوج زانية، هذا إذا كانا مسلمين يعتقدان تحريم الزنا، وإذا كانا مشركين فينبغي أن يعلم ذلك.
ومضمونه أن الرجل الزاني لا يجوز نكاحه حتى يتوب، وذلك بأن يوافق اشتراطه الإحصان، والمرأة إذا كانت زانية لا تحصن فرجها عن غير زوجها، بل يأتيها هو وغيره، كان الزوج زانياً هو وغيره يشتركون في وطئها، كما تشترك الزناة في وطء المرأة الواحدة، ولهذا يجب عليه نفي الولد الذي ليس منه " (٣).
(١) سورة النور : الآية ٣.
(٢) سورة النساء : الآية ٢٤.
(٣) مجموع الفتاوى ١٥/٣١٧ - ٣١٩، وله – رحمه الله – كلام طويل في تقرير هذا المعنى ٣١٧ - ٣٢٨، بيِّن فيه أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج الزانية حتى تتوب.

سورة الفرقان : الآية ٧٢
قال الله تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الزور في الآية الشيء المحسَّن المموه فيعم ما ذكره المفسرون فيها من الأقوال التي تدخل تحت هذا المعنى العام.
قال رحمه الله عند هذه الآية :" فروى أبو بكر الخلال(٢) في الجامع بإسناده عن محمد بن سيرين(٣) في قوله تعالى : قال : هو الشعانين(٤). وكذلك ذكر عن مجاهد قال : هو أعياد المشركين. وكذلك عن الربيع بن أنس(٥) قال : هو أعياد المشركين. وفي معنى هذا ما روي عن عكرمة قال : لعب كان لهم في الجاهلية. وقال القاضي أبو يعلى(٦) :
(١) سورة الفرقان : الآية ٧٢.
(٢) هو أحمد بن محمد بن هارون الحنبلي، مفسر عالم بالحديث واللغة، من مؤلفاته : تفسير الغريب، والسنة، توفي سنة ٣١١هـ، قال الذهبي :" جامع علم أحمد ومرتّبه ". انظر : البداية والنهاية ١١/١٤٨، والأعلام ١/٢٠٦.
(٣) هو محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء، أبو بكر، إمام وقته في علوم الدين، تابعي جليل، ولد في البصرية سنة ٣٣هـ، وتوفي بها سنة ١١٠هـ. انظر : تهذيب التهذيب ٩/٢١٤، والتقريب ص٤٨٣.
(٤) الشَّعانين : عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحد السابق لعيد الفصح، ويزعمون أن ذلك ذكرى لدخول المسيح بيت المقدس. انظر : اقتضاء الصراط المستقيم ١/٤٧٨، والمعجم الوسيط ١/٤٨٥.
(٥) هو الربيع بن أنس بو زياد البكري الخراساني المروزي، عالم مرو في زمانه، سمع من أنس بن مالك - رضي الله عنه -، توفي سنة ١٣٩هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/١٦٩، وتهذيب التهذيب ٣/٢٣٨.
(٦) هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء، أبو يعلى، عالم عصره في الأصول والفروع، ولد سنة ٣٨٠هـ، وتوفي سنة ٤٥٨هـ، من مؤلفاته : الأحكام السلطانية، وكتاب الإيمان، وكان شيخ الحنابلة. انظر : تاريخ بغداد ٢/٢٥٦ ترجمة رقم (٧٣٠)، وشذرات الذهب ٣/٣٠٦..

سورة الشعراء : الآية ٢٣
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن سؤال فرعون إنما كان سؤالَ جحود وإنكار، وليس سؤالاً عن ماهية الربِّ - جل وعلا -.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" وقد ظن بعض الناس أن سؤال فرعون وما رب العالمين هو سؤالٌ عن ماهية الرب، كالذي يسأل عن حدود الأشياء فيقول : ما الإنسان ؟ ما الملك ؟ ما الجني ؟ ونحو ذلك.
قالوا : ولما لم يكن للمسئول عنه ماهية عدل موسى عن الجواب إلى بيان ما يعرف به وهو قوله :(٢) وهذا قول قاله بعض المتأخرين، وهو باطل ؛ فإن فرعون إنما استفهم استفهام إنكار وجحد لم يسأل عن ماهية ربٍّ أقر بثبوته ؛ بل كان منكراً له جاحداً ؛ ولهذا قال في تمام الكلام :(٣) وقال :(٤)، فاستفهامه كان إنكاراً وجحداً يقول : ليس للعالمين رب يرسلك فمن هو هذا ؟ إنكاراً له. فبيَّن موسى أنه معروف عنده وعند الحاضرين وأن آياته ظاهرة بينة لا يمكن معها جحده، وأنكم إنما تجحدون بألسنتكم ما تعرفونه بقلوبكم، كما قال موسى في موضع آخر :(٥)، وقال الله تعالى :(٦).
ولم يقل فرعون :( ومَن رب العالمين ) فإن ( مَن ) سؤال عن عينه، يسأل بها من عرف جنس المسؤول عنه أنه من أهل العلم وقد شك في عينه، كما يقول لرسول عرف أنه جاء من عند إنسان : من أرسلك ؟ وأما ( ما ) فهي سؤال عن الوصف. يقول : أي شيء هو هذا ؟ وما هو هذا الذي أسميتَه ربَ العالمين ؟ قال ذلك منكراً له جاحداً " (٧).
الدراسة :
اختلف المفسرون في سؤال فرعون :
(١) سورة الشعراء : الآية ٢٣.
(٢) سورة الشعراء : الآية ٢٤.
(٣) سورة الشعراء : الآية ٢٩.
(٤) سورة غافر : الآية ٣٧.
(٥) سورة الإسراء : الآية ١٠٢.
(٦) سورة النمل : الآية ١٤.
(٧) بيان تلبيس الجهمية ١/٥٢٤، وانظر : مجموع الفتاوى ١٦/٣٣٣، ودرء التعارض ٨/٣٩، ٨/٤٤٠، ٩/٤٢، ١٠/٢٧٢، والصفدية ١/٢٤٢.

سورة النمل : الآية ١٦
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالإرث بالآية إرثُ النبوَّة والعلم ونحو ذلك، لا إرثَ المال.
قال - رحمه الله - :" المراد بهذا الإرث إرثُ العلم والنبوة ونحو ذلك، لا إرثَ المال ؛ وذلك لأنه قال : ومعلوم أن داود كان له أولاد كثيرون غير سليمان، فلا يختص سليمان بماله.
وأيضاً فليس في كونه ورث ماله صفة مدح لا لداود ولا لسليمان، فإن اليهودي والنصراني يرث أباه ماله، والآية سيقت في بيان المدح لسليمان وما خصه الله به من النعمة.
وأيضاً فإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت، ومثل هذا لا يقص على الأنبياء ؛ إذ لا فائدة فيه، وإنما يقص ما فيه عبرة وفائدة تستفاد، وإلا فقول القائل : مات فلان وورث ابنه ماله، مثل قوله : ودفنوه، ومثل قوله : أكلوا وشربوا وناموا ونحو ذلك، مما لا يحسن أن يجعل من قصص القرآن " (٢).
الدراسة :
ذهب عامة المفسرين، إلى أن الوراثة المذكورة في الآية : وراثة العلم والدين والنبوة والملك، وليست وراثة المال.
قال قتادة :" ورثه نبوته، وملكه، وعلمه " (٣).
وقال الربيع بن أنس :" ورثه أن سخر له الشياطين والرياح " (٤).
وقال الضحاك :" إن داوود استخلفه في حياته على بني إسرائيل، وكانت ولايتهُ هي الوراثة " (٥).
وقال ابن جرير :" العلم والملك " (٦).
وقال السمرقندي :" ورثه ملكه " (٧).
وقال الواحدي :" نبوته وعلمه وملكه " (٨).
وقال البغوي :" نبوته، وعلمه، وملكه، دون سائر أولاده " (٩).
(١) سورة النمل : الآية ١٦.
(٢) منهاج السنة النبوية ٤/٢٢٤.
(٣) تفسير ابن أبي حاتم ٩/٢٨٥٤....
(٤) المرجع السابق.
(٥) تفسير الماوردي ٤/١٩٨.
(٦) تفسيره ٩/٥٠٢.
(٧) تفسيره ٢/٤٩١.
(٨) تفسيره ٣/٣٧٠.
(٩) تفسيره ٣/٤٠٨.

سورة القصص : الآية ٢٣
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن هذا الشيخ الذي صاهره موسى ليس شعيباً النبي - عليه السلام - وله رسالة خاصة في هذه المسألة، أبطل فيها القول بأن هذا الرجل شعيب النبي - عليه السلام -، من وجوه متعددة، وهي كما يلي :
١ ـ أنه لم ينقل عن النبي - ﷺ -، ولا عن الصحابة والتابعين ولا عن من يحتج بقوله من علماء المسلمين.
ويناقش : بأنه ورد عن بعض السلف كما تقدم، وقال به جمهور المفسرين.
٢ ـ أنه مخالف لأهل الكتابين ؛ فإنهم متفقون على أنه ليس هو شعيب النبي، بل هو يثرون.
ويناقش : بأنه قد قيل إن المراد بيثرون عندهم شعيب النبي - عليه السلام -.
٣ ـ أن شعيباً النبي كان عربياً، كما ذكر غير واحد من العلماء، وموسى كان عبرانياً، فلم يكن يعرف لسانه.
٤ ـ أن القرآن يدلُّ على أن الله أهلك قوم شعيب بالظلَّة(٢)، فحينئذ لم يبق في مدين من قوم شعيب أحد.
ومن قال : إنه ابن أخي شعيب، أو ابن عمِّه لم ينقل ذلك عن ثبت، والنقل الثابت عن ابن عباس لا يعارض بمثل قول هؤلاء " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسرون في هذا الرجل الذي صاهره موسى على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه سيِّد أهل الماء يومئذٍ ؛ قاله الحسن، حيث قال :" يقولون شعيب صاحب موسى، ولكنه سيِّد أهل الماء يومئذ " (٤)، ويناقش بأنه لو كانتا ابنتي سيدِ أهل الماء لكانتا أولَ الناس تَسقيان، ولم تمكثا حتى يُصدر الرعاء فََتَتَبَّعان فضلاتهم.
(١) سورة القصص : الآية ٢٣.
(٢) الظُلَّة : سحابة أظلتهم، فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم ناراً، وأحرقتهم. انظر : تفسير ابن جرير ٩/٤٧٣.
(٣) جامع الرسائل ١/٦١ – ٦٦، وانظر : الجواب الصحيح ٢/٢٤٩.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٨/٢٢٤ [ ط التركي ]، وعزاه في الدر ٥/٢٣٨ لابن المنذر وابن أبي حاتم.

سورة العنكبوت : الآية ٤٥
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : أن ذكر الله في الصلاة أكبر من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" ولما كانت الصلاة متضمنة لذكر الله - تعالى - الذي هو مطلوب لذاته، والنهي عن الشر الذي هو مطلوب لغيره قال تعالى : ، أي : ذكر الله الذي في الصلاة أكبر من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر ؛ وليس المراد أن ذكر الله خارج الصلاة أفضل من الصلاة وما فيها من ذكر الله ؛ فإن هذا خلاف الإجماع. ولما كان ذكر الله هو مقصودَ الصلاة، قال أبو الدرداء : ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة ولو كنتَ في السوق.
ولما كان ذكر الله يعم هذا كله قالوا : إن مجالس الحلال والحرام ونحو ذلك مما فيه ذكر أمر الله ونهيه ووعده ووعيده ونحو ذلك هي من مجالس الذكر " (٢).
وقال - رحمه الله - :" وقوله : بيان لما فيها من المنفعة والمصلحة، أي : ذكر الله الذي فيها أكبر من كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإن هذا هو المقصود لنفسه كما قال :(٣)، والأول تابع، فهذه المنفعة والمصلحة أعظم من دفع تلك المفسدة ؛ ولهذا كان المؤمن الفاسق يؤول أمره إلى الرحمة، والمنافق المتعبد أمره صائر إلى الشقاء ؛ فإن الإيمان بالله ورسوله هو جماع السعادة وأصلها. ومن ظن أن المعنى : ولذكر الله أكبر من الصلاة فقد أخطأ ؛ فإن الصلاة أفضل من الذكر المجرد بالنص والإجماع.
(١) سورة العنكبوت : الآية ٤٥.
(٢) مجموع الفتاوى ٣٢/٢٣٢.
(٣) سورة الجمعة : الآية ٩.

سورة الروم : الآية ٣٠
قال تعالى :(١).
هذه الآية فيها مسألتان :
الأولى : هل قوله تعالى : أمر أو خبر ؟
رجح شيخ الإسلام أنه خبر، حيث قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" هذه الآية فيها قولان :
أحدهما : أن معناها النهي كما تقدم عن ابن جرير أنه فسرها بالنهي ؛ أي : لا تبدلوا دين الله الذي فطر عليه عباده، وهذا قول غير واحد من المفسرين الذين لم يذكروا غيره كالثعلبي والزمخشري.
والثاني : ما قاله إسحاق(٢) وهو أنها خبر على ظاهرها، وأن خلق الله لا يبدله أحد، وظاهر اللفظ أنه خبر فلا يجعل نهياً بغير حجة، وهذا أصح، وحينئذ فيقال : المراد ما خلقهم عليه من الفطرة لا تُبَدَّل، فلا يخلقون على غير الفطرة " (٣).
الدراسة :
أكثر المفسرين ذكروا القولين، ولم يرجحوا(٤).
ومن المفسرين من اختار أن معناه النهي، والمعنى : لا تبدلوا دين الله(٥).
(١) سورة الروم : الآية ٣٠.
(٢) هو الإمام إسْحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد الحنظلي التميمي المروزي بن راهُويَه، ثقة، حافظ، فقيه مجتهد، مات سنة ٢٣٨هـ. انظر : تهذيب التهذيب ١/٢١٦، والتقريب ص٩٩.
(٣) درء تعارض العقل والنقل ٨/٤٢٤.
(٤) انظر : تفسير أبي حيان ٧/١٦٧، وابن كثير ٣/٤٢٢، والشوكاني ٤/٣١٤، وابن عاشور ٢١/٩٣، وانظر : المفردات للراغب ص٢٩٧.
(٥) اقتصر عليه ابن جرير ١٠/١٨٣ حيث قال :" لا تغيير لدين الله : أي لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يفعل "، والثعلبي ٧/٣٠١ حيث قال :" لدين الله، أي لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يفعل، ظاهره نفي ومعناه نهي، وهذا قول أكثر العلماء والمفسرين "، وكذا ابن الجوزي ٦/١٥١ حيث قال :" لفظه النفي، ومعناه النهي "، والبغوي ٣/٤٨٣، والزمخشري ٣/٢٠٤.

سورة الأحزاب : الآية ٣٣
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن أزواجه - ﷺ - ورضي الله عنهن داخلات في أهل بيته.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" وقد تنازع العلماء : هل أزواجه من آله ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد، أصحها أنهن من آله، وأهل بيته، كما دلَّ على ذلك ما في الصحيحين من قوله :" اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته " وهذا مبسوط في موضع آخر" (٢).
وقال – رحمه الله – :" وللناس في ذلك – يعني تفسير الآل – قولان مشهوران : أحدهما أنهم أهل بيته الذين حرموا الصدقة، وهذا هو المنصوص عن الشافعي وأحمد، وعلى هذا ففي تحريم الصدقة على أزواجه وكونهم من أهل بيته روايتان عن أحمد : إحداهما : لسن من أهل بيته وهو قول زيد بن أرقم الذي رواه مسلم(٣) في صحيحه عنه.
والثانية : هن من أهل بيته لهذا الحديث فإنه قال :" وعلى أزواجه وذريته " وقوله :
وقوله في قصة إبراهيم :(٤)، وقد دخلت سارة، ولأنه استثنى امرأة لوط من آله فدل على دخولها في الآل، وحديث الكساء يدل على أن علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً أحق بالدخول في أهل البيت من غيرهم، كما أن قوله في المسجد المؤسس على التقوى :" هو مسجدي هذا " يدل على أنه أحق بذلك وأن مسجد قباء أيضا مؤسس على التقوى ; كما دل عليه نزول الآية وسياقها وكما أن أزواجه داخلات في آله وأهل بيته، كما دل عليه نزول الآية وسياقها، وقد تبين أن دخول أزواجه في آل بيته أصح " (٥).
الدراسة :
(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٣.
(٢) منهاج السنة ٤/٢٤.
(٣) يأتي تخريجه
(٤) سورة هود : الآية ٧٣.
(٥) مجموع الفتاوى ٢٢/٤٦٠ – ٤٦١.

سورة فاطر : الآية ١١
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن الضمير في قوله تعالى : يعود إلى المعمَّر الأول عينه.
قال - رحمه الله - :" وأما قوله : فقد قيل إن المراد الجنس، أي ما يعمَّرُ من عُمُر إنسان، ولا ينقص من عُمْر إنسان، ثم التعميرُ والتقصير يراد به شيئان :
أحدهما : أن هذا يطول عمره وهذا يَقْصُرُ عمره، فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره، كما أن المعمَّرَ يطول عُمُره وهذا يقصر عُمُره، فيكون تقصيره نقصاً له بالنسبة إلى غيره كما أن التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر.
وقد يراد بالنقص من العمر المكتوب، كما يراد بالزيادة الزيادةُ في العُمُرِ المكتوب، وفي الصحيحين عن النبي - ﷺ - أنه قال :" من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " (٢). وقد قال بعض الناس : إن المراد به البركة في العمر بأن يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا في الكثير قالوا : لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان.
فيقال لهؤلاء : تلك البركة - وهي الزيادة في العمل النفع - هي أيضاً مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الأشياء، والجواب المحقق : أن الله يكتب للعبد أجلاً في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب.
(١) سورة فاطر : الآية ١١.
(٢) أخرجه البخاري ٤/٣٨١ ح٢٠٦٧، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، ومسلم ٤/١٩٨٢ ح٢٥٥٧، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

سورة يس : الآيتان ١٣ - ١٤
قال تعالى :(١).
في هاتين الآيتين مسألتان :
المسألة الأولى : تعيين القرية المذكورة في الآية الأولى.
المسألة الثانية : هل الرسل المذكورون في الآية الثانية رسل من عند الله - تعالى -، أم من عند المسيح - عليه السلام - ؟
وقد رجح شيخ الإسلام أن القرية المذكورة ليست أنطاكية المعروفة الموجودة الآن، وأن الرسل المذكورين مرسلون من عند الله، وليسوا رسلاً من عند المسيح - عليه السلام -.
قال – رحمه الله – عند هاتين الآيتين :" فهذا كلام الله ليس فيه ذكر أن هؤلاء المرسلين كانوا من الحواريين، ولا أن الذين أرسلوا إليهم آمنوا بهم، وفيه أن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم هؤلاء الثلاثة أنزل الله عليهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون.
وقد ذكر طائفة من المفسرين أن هؤلاء كانوا من الحواريين وأن القرية أنطاكية، وأن هذا الرجل اسمه حبيب النجار، ثم إن بعضهم يقول : إن المسيح أرسلهم في حياته، لكن المعروف عند النصارى، أن أهل أنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم ولم يهلك الله أهل أنطاكية.
والقرآن يدل على أن الله أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل.
وأيضاً فالنصارى يقولون : إنما جاؤوا إلى أهل أنطاكية بعد رفع المسيح، وأن الذين جاؤوا كانوا اثنين لم يكن لهما ثالث. قيل : أحدهما : شمعون الصفا، والآخر بولص، ويقولون : إن أهل أنطاكية آمنوا بهم، ولا يذكرون حبيب النجار ولا مجيء رجل من أقصى المدينة، بل يقولون : إن شمعون وبولص دعوَا الله حتى أحيا ابن الملك، فالأمر المنقول عند النصارى أن هؤلاء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين، وهذا أصح القولين عند علماء المسلمين، وأئمة المفسرين وذكروا أن المذكورين في القرآن في سورة يس، ليسوا من الحواريين، بل كانوا قبل المسيح، وسموهم بأسماء غير الحواريين ".
(١) يس : الآيتان ١٣ - ١٤.

سورة الصافات : الآيتان ٩٥ - ٩٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن في قوله تعالى : مَوْصُوْلَة، قال رحمه الله تعالى عند هاتين الآيتين :" فجعل الأصنام منحوتةً لهم، وأخبر أنه خالقهم، وخالق معمولهم ؛ فإن ههنا بمعني ( الذي )، والمراد خلق ما تعملونه من الأصنام، وإذا كان خالقاً للمعمول وفيه أثر الفعل، دل على نه خالق لأفعال العباد ؛ وأما قول من قال : إن مصدرية فضعيف جداً " (٢).
وقال رحمه الله – تعالى – عند هذه الآية :" والصواب أن ها هنا بمعنى ( الذي )، وأن المراد : والله خلقكم والأصنام التي تعملونها ؛ كما في حديث حذيفة عن النبي - ﷺ - قال :" إن الله خلق كل صانع وصنعته " (٣).
وأنه قال : فذمهم وأنكر عليهم عبادة ما ينحتونه من الأصنام، ثم ذكر أن الله خلق العابد والمعبود والمنحوت، وهو سبحانه الذي يستحق أن يعبد، ولو أُريد : والله خلقكم وأعمالكم كلها، لم يكن هذا مناسباً ؛ فإنه قد ذمهم على العبادة، وهي من أعمالهم، فلم يكن في ذكر كونه خالقاً لأعمالهم ما يناسب الذم ؛ بل هو إلى العذر أقرب، ولكن هذه الآية تدل على أنه خالق لأعمال العباد من وجه آخر، وهو أنه إذا خلق المعمول الذي عملوه، وهو الصنم المنحوت، فقد خلق التأليف القائم به وذلك مسبب من عمل ابن آدم، وخالق المسبَّب خالق السبب بطريق الأولى " (٤).
(١) سورة الصافات : الآية ٩٥ – ٩٦.
(٢) مجموع الفتاوى ٨/١٧، وانظر : ص٧٩، ١٢١.
(٣) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ص٢٥، زاد البخاري في آخر الحديث :" وتلا بعضهم :"، قال الألباني :" والظاهر أنها مدرجة "، وابن أبي عاصم في السنة ١/١٥٨، والحاكم ١/٣١ وصححه ووافقه الذهبي، ولفظه :" إن الله خالق كل صانع وصنعته "، واللالكائي في شرح السنة ٢/٥٤٩، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٤/١٨١.
(٤) منهاج السنة النبوية ٣/٢٦٠، وانظر : ٣/٣٣٦.

سورة الزمر : الآية ١٨
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالقول في الآية القرآن.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" والمراد بالقول : القرآن، كما فسَّره بذلك سلفُ الأمة وأئمتها، كما قال تعالى :(٢)، واللام لتعريف القول المعهود ؛ فإن السورة كلَّها إنما تضمَّنت مدحَ القرآن واستماعه، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع، وبيَّنَّا أن تعميمها في كل قول باطل بإجماع المسلمين " (٣).
وفي موضع آخر يذكر – رحمه الله – قولَ من قال إن اللام في تقتضي التعميم، والاستغراق، ثم يقول :" وهذا يذكره طائفة منهم : أبو عبد الرحمن السُّلمي(٤) وغيره، وهو غَلط باتفاق الأمة وأئمتها لوجوه :
أحدها : أن الله – سبحانه – لا يأمر باستماع كل قول بإجماع المسلمين، حتى يقال : اللام للاستغراق والعموم، بل من القول ما يحرم استماعُه، ومنه ما يُكره "، ثم ذكر بعض النصوص الدالة على ذلك.
" الوجه الثاني : أن المراد بالقول في هذا الموضع القرآن، كما جاء ذلك في قوله تعالى :(٥)، فإن القول الذي أمروا بتدبره هو الذي أمروا باستماعه "... ثم ذكر أن اللام في القول تقتضي التعميم والاستغراق، ولكنْ المراد القول المعهود المعروف بين المخاطِب والمخاطَب، وهو القول الذي أثنى الله عليه وأمر بتدبره واستماعه، واتباعه، واستدل لذلك بسياق السورة حيث افتتحها بقوله :(٦)، وذكر القرآن في آيات كثيرة منها.
(١) سورة الزمر : الآية ١٨.
(٢) سورة المؤمنون : الآية ٦٨.
(٣) مجموع الفتاوى ١٦/٥.
(٤) هو محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي النيسابوري الصوفي، ولد سنة ٣٢٥هـ، من مؤلفاته : حقائق التفسير، وطبقات الصوفية، توفي سنة ٤١٢هـ. انظر : تاريخ بغداد ٢/٢٤٨، وسير أعلام النبلاء ١٧/٢٤٧.
(٥) سورة القصص : الآية ٥١، وانظر : أضواء البيان ٧/٤٧.
(٦) سورة الزمر : الآيتان ١ - ٢.

سورة غافر : الآية ١١
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن هذه الآية بمعنى آية البقرة :(٢)، وأن المراد بالموتة الأولى هي ما قبل الحياة، والثانية هي ما بعد الحياة الدنيا، وأن الحياة الأولى هي نفخ الروح فيهم في الدنيا، والحياة الثانية البعث بعد الموت.
قال - رحمه الله – عند هذه الآية :" قيل : إن الحياة الأولى في هذه الدار، والحياة الثانية في القبر، والموتة الثانية في القبر، والصحيح أن هذه الآية كقوله : ، فالموتة الأولى قبل هذه الحياة، والموتة الثانية بعد هذه الحياة، وقوله تعالى : بعد الموت، قال تعالى :
(٣)، وقال :(٤) " (٥).
الدراسة :
اختلف المفسرون في الحياتين والموتتين المذكورتين في الآية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن الإماتة الأولى كونهم أمواتاً في أصلاب آبائهم، والإماتة الثانية هي موتهم عند انقضاء آجالهم في هذه الحياة الدنيا.
(١) سورة غافر : الآية ١١.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢٨.
(٣) سورة طه : الآية ٥٥.
(٤) سورة الأعراف : الآية ٢٥.
(٥) مجموع الفتاوى ٤/٢٧٥.

سورة فصلت : الآيتان ٦ - ٧
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى لا يشهدون ألا إله إلا الله، ولا يقومون بما تتضمنه من الإيمان والعمل الصالح.
قال – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية :" قال ابن عباس : لا يشهدون ألا إله إلا الله. وقال مجاهد : لا يزكون أعمالهم، أي : ليست زاكية، وقيل : لا يطهرونها بالإخلاص. كأنه أراد – والله أعلم – أهل الرياء ؛ فإنه الشرك، وعن الحسن : لا يؤمنون بالزكاة ولا يقرُّون بها. وعن الضحاك : لا يتصدقون، ولا ينفقون في الطاعة. وعن السائب : لا يعطون زكاة أموالهم، قال : كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون.
والتحقيق أن الآية تتناول كل ما يتزكى به الإنسان من التوحيد والأعمال الصالحة كقوله :(٢)، وقوله :(٣)، والصدقة المفروضة لم تكن فرضت عند نزولها.
فإن قيل :( يؤتي ) فعل متعدٍ.
قيل : هذا كقوله :(٤)، وقد تقدم قبلها أن الرسول دعاهم، وهو طلب منه، فكان هذا اللفظ متضمناً قيام الحجة عليهم بالرسل، والرسل إنما
يدعونهم لما تَزْكو به أنفسهم " (٥).
وقال – رحمه الله – عند هذه الآية :" وهي – أي : الزكاة – التوحيد والإيمان الذي به يزكو القلب ؛ فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب، وإثبات إلهية الحق في القلب، وهو حقيقة لا إله إلا الله، وهذا أصل ما تزكو به القلوب... " (٦).
وقال – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية أيضاً :" وأصل الزكاة التوحيد والإخلاص ؛ كما فسرها بذلك أكابر السلف " (٧).
الدراسة :
(١) سورة فصلت : الآيتان ٦ – ٧.
(٢) سورة النازعات : الآية ١٨.
(٣) سورة الأعلى : الآية ١٤.
(٤) سورة الأحزاب : الآية ١٤.
(٥) مجموع الفتاوى ١٠/٦٣٣.
(٦) مجموع الفتاوى ١٠/٩٧.
(٧) مجموع الفتاوى ١٧/١٤٥، وانظر : الجواب الصحيح ٦/٢٩.

سورة الشورى : الآية ١٧
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالميزان في الآية : العدل، والميزان الذي يوزن به.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" والميزان : فسَّره السلف بالعدل، وفسَّره بعضهم بما يوزن به، وهما متلازمان، وقد أخبر تعالى أنه أنزل ذلك كما أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط، فما يُعرف به تماثل المتماثلات من الصفات والمقادير هو من الميزان، وكذلك ما يعرف به اختلاف المختلفات.." (٢).
وقال – رحمه الله – في سياق حديثه على النُّزول في القرآن وأنه ثلاثة أنواع، نزول مقيّد بأنه منه، ونزول مقيّد بأنه من السماء، ونزول غير مقيّد لا بهذا ولا بهذا :" ومن ذلك – أي : من أمثلة النُّزول المطلق غير المقيد – : إنزال الميزان، ذكره مع الكتاب في موضعين(٣)، وجمهور المفسرين على أن المراد به العدل، وعن مجاهد – رحمه الله – هو ما يوزن به، ولا منافاة بين القولين، وكذلك العدل، وما يعرف به العدل " (٤).
الدراسة :
المراد بالكتاب في الآية : القرآن، واختاره ابن جرير(٥)، وقيل : إنه جنس يشمل جميع
الكتب المنَزلة على الأنبياء، واختاره الزمخشري(٦)، وابن عطية(٧)، وابن كثير(٨)، والشنقيطي(٩)، واختلف المفسرون في المراد بالميزان المذكور في الآية على قولين :
(١) سورة الشورى : الآية ١٧.
(٢) مجموع الفتاوى ٩/٢٣٩.
(٣) وهما هذه الآية، وآية الحديد : الآية ٢٥.
(٤) مجموع الفتاوى ١٢/٢٤٩، وانظر : الرد على المنطقيين ص٣٨٢.
(٥) تفسيره ٢٠/٤٨٩.
(٦) تفسيره ٣/٤٠١.
(٧) تفسيره ١٤/١٢٢.
(٨) تفسيره ٣/١١٩.
(٩) تفسيره ٧/١٨٣.

سورة الزخرف : الآية ١٥
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى في الآية : نصيباً من الولد، وعدلاً ونظيراً.
قال – رحمه الله تعالى – عند هذه الآية :" قال بعض المفسرين : أي : نصيباً، وقال بعضهم : جعلوا لله نصيباً من الولد، وعن قتادة ومقاتل : عدلاً، وكلا القولين صحيح ؛ فإنهم يجعلون له ولداً، والولد يشبه أباه، ولهذا قال :(٢)، أي : البنات ؛ كما في الآية الأخرى :
(٣)، فقد جعلوها للرحمن مثلاً، وجعلوا له من عباده جزءاً ؛ فإن الولد جزء من الوالد، كما تقدم، قال - ﷺ - :" إنما فاطمة بضعة مني " (٤) " (٥).
الدراسة :
قوله : ، معنى الجعل هنا الحكم بالشيء(٦)، والضمير يعود إلى الله تعالى، والضمير في يرجع إلى كفار قريش والعرب(٧).
والجزء بعض من كل، والقطعة منه، والولد كجزء من الوالد ؛ لأنه منفصل منه، ولذلك قيل للولد : بَضْعَة(٨).
وقد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : في الآية على قولين :
(١) سورة الزخرف : الآية ١٥.
(٢) سورة الزخرف : الآية ١٧.
(٣) سورة النحل : الآية ٥٨.
(٤) أخرجه البخاري ٧/١٣٢ ح٣٧٦٧، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة – عليها السلام -، ومسلم ٤/١٩٠٢ ح٢٤٤٩، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي – عليها الصلاة والسلام – عن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -.
(٥) مجموع الفتاوى ١٧/٢٧١.
(٦) الوسيط للواحدي ٤/٦٦، وانظر : الدر المصون ٩/٥٧٧، وابن عاشور في تفسيره ٢٥/١٧٧.
(٧) تفسير ابن عطية ١٤/٢٤٥.
(٨) تفسير ابن عاشور ٢٥/١٧٦، وانظر : الرازي ٢٧/٢٠١، والشنقيطي ٧/١٤.

سورة الأحقاف : الآية ١٠
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالشاهد المذكور في الآية ليس واحداً معيناً.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" وقوله : ليس المقصود شاهداً واحداً معيناً، بل ولا يحتمل كونه واحداً، وقول من قال : إنه عبدالله بن سلام ليس بشيء، فإن هذه الآية نزلت بمكة قبل أن يُعرف ابنُ سلام، ولكن المقصود جنس الشاهد، كما تقول : قام الدليل، وهو الشاهد الذي يجب تصديقه سواء كان واحداً قد يقترن بخبره ما يدل على صدقه، أو كان عدداً يحصل بخبرهم العلم بما تقول، فإن خبرك صادق، وقوله : فإن الشاهد من بني إسرائيل على مثل القرآن، وهو أن الله بعث بشراً وأنزل عليه كتاباً أمر فيه بعبادة الله وحده لا شريك، ونهى فيه عن عبادة ما سواه، وأخبر فيه أنه خلق هذا العالم وحده، وأمثال ذلك " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في الشاهد المذكور في الآية على أقوال :
القول الأول : أن المراد به عبدالله بن سلام - رضي الله عنه -، وبه قال ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهم -، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، والحسن، والضحاك(٣)، وعطاء، وعكرمة(٤)،
وزيد بن أسلم(٥)، وابن سيرين(٦).
(١) سورة الأحقاف : الآية ١٠.
(٢) النبوات ص٣٦.
(٣) أخرج هذه الآثار ابن جرير ١١/٢٧٩ – ٢٨٠، وانظر : الدر المنثور ٦/٦ – ٧.
(٤) ذكره عنهما السيوطي في الدر المنثور ٦/٧، عزاهما لابن سعد وابن عساكر.
(٥) ذكره عنهما السيوطي في الدر المنثور ٦/٦، وعزاه لابن عساكر.
(٦) ذكره السيوطي وعزاه في الدر ٦/٧ لعبد بن حميد وابن المنذر.

سورة الفتح : الآية ١٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بقوله تعالى : الروم، وفارس.
قال – رحمه الله - :" وهم الروم وفارس، كانوا أشدَّ بأساً من العرب، ولابد من مقاتلتهم أو إسلامهم... " (٢).
وقال – رحمه الله – :" قوله تعالى : يدل على أنهم متصفون بأنهم أولو بأس شديد، وبأنهم يقاتلون أو يسلمون، قالوا : فلا يجوز أن يكون دعاهم إلى قتال أهل مكة وهوازن عقيب عام الفتح ؛ لأن هؤلاء هم الذين دُعوا إليهم عام الحديبية، ومن لم يكن منهم فهو من جنسهم، ليس هو أشدّ بأساً منهم، كلهم عرب من أهل الحجاز، وقتالهم من جنس واحد، وأهل مكة ومن حولها كانوا أشد بأساً وقتالاً للنبي - ﷺ - وأصحابه يوم بدر وأحد والخندق من أولئك، وكذلك في غير ذلك من السرايا، فلابد أن يكون هؤلاء الذين تقع الدعوة إلى قتالهم لهم اختصاص بشدة البأس ممن دعوا إليه عام الحديبية، كما قال تعالى : ، وهنا صنفان أحدهما : بنو الأصفر الذين دعوا إلى قتالهم عام تبوك سنة تسع ؛ فإنهم أولو بأس شديد، وهم أحقُّ بهذه الصفة من غيرهم... ".
إلى أن قال :" وهذا أظهر الأقوال في الآية، وهو أن المراد : تدعون إلى قتال أولي بأس شديد أعظم من العرب، لابد فيهم من أحد أمرين : إما أن يسلموا، وإما أن يقاتلوا، بخلاف من دعوا إليه عام الحديبية ؛ فإن بأسهم لم يكن شديداً مثل هؤلاء، ودعوا إليهم، ففي ذلك لم يسلموا ولم يقاتلوا.
وكذلك عام الفتح، في أول الأمر لم يسلموا، ولم يقاتلوا، لكن بعد ذلك أسلموا.
(١) سورة الفتح : الآية ١٦.
(٢) الصفدية ٢/٣٢١.

سورة الحجرات : الآية ١١
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى :: بئس الاسم أن تكونوا فساقاً بعد إيمانكم، وذلك بأن تأتوا الأمور التي تستحقون بها أن تسموا فساقاً.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" ثم نهاهم عن أن يسخر بعضهم ببعض، وعن اللمز والتنابز بالألقاب، وقال : ، وقد قيل معناه : لا تسميه(٢) فاسقاً ولا كافراً بعد إيمانه وهذا ضعيف، بل المراد : بئس الاسم أن تكونوا فساقاً بعد إيمانكم كما قال تعالى في الذي كذب :(٣) فسماه فاسقاً.
وفي الصحيحين عن النبي - ﷺ - أنه قال :" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " (٤) يقول : فإذا ساببتم المسلم وسخرتم منه ولمزتموه استحققتم أن تسموا فساقاً وقد قال في آية القذف :(٥)، يقول : فإذا أتيتم بهذه الأمور التي تستحقون بها أن تسموا فساقاً كنتم قد استحققتم اسم الفسوق بعد الإيمان وإلا فهم في تنابزهم ما كانوا يقولون : فاسق كافر فإن النبي - ﷺ - قدم المدينة وبعضهم يلقب بعضاُ، وقد قال طائفة من المفسرين في هذه الآية : لا تسميه(٦) بعد الإسلام بدينه قبل الإسلام كقوله لليهودي إذا أسلم : يا يهودي ؛ وهذا مروي عن ابن عباس، وطائفة من التابعين كالحسن، وسعيد بن جبير، وعطاء الخراساني، والقرظي.
وقال عكرمة : هو قول الرجل : يا كافر يا منافق.
(١) سورة الحجرات : الآية ١١.
(٢) كذا في الأصل، وهو هنا مجزوم : لا تُسَمِّهِ.
(٣) سورة الحجرات : الآية ٦.
(٤) أخرجه البخاري ١/١٤٧ ح٤٨، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن أن يحبط عمله، ومسلم ١/٨١ ح١١٦، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي - ﷺ - :" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر "، عن عبد الله بن مسعود.
(٥) سورة النور : الآية ٤.
(٦) كذا في الأصل، وهو هنا مجزوم : لا تُسَمِّهِ.

سورة ق : الآية ١٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالقرب المذكور في الآيتين(٢) قرب الملائكة.
قال – رحمه الله – عند هاتين الآيتين :" فالمراد قربه إليه بالملائكة، وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف(٣)، قالوا : ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة.
وقد قال طائفة : بالعلم.
وقال بعضهم : بالعلم والقدرة، ولفظ بعضهم : بالقدرة والرؤية(٤).
وهذه الأقوال ضعيفة ؛ فإنه ليس في الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود حتى يحتاجوا أن يقولوا بالعلم والقدرة والرؤية، ولكن بعض الناس لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شيء : تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شيء، قادر على كل شي ".
ثم ذكر الفرق بين القرب والمعية، وأنه يقال : هو معهم، ولا يقال : قريب بعلمه وقدرته ؛ لأنه عالم بكل شيء، قادر على كل شيء ".
ثم قال :" وقوله : لا يجوز أن يراد به مجرد العلم ؛ فإن من كان بالشيء أعلم من غيره لا يقال : إنه أقرب إليه من غيره لمجرد علمه به، ولا بمجرد قدرته عليه.
ثم إنه سبحانه وتعالى عالم بما يُسرُّ من القول وما يجهر به، وعالم بأعماله، فلا معنى لتخصيص حبل الوريد بمعنى أنه أقرب إلى العبد منه ؛ فإن حبل الوريد قريب إلى القلب ليس قريباًَ إلى قوله الظاهر، وهو يعلم ظاهر الإنسان وباطنه ".
(١) سورة ق : الآية ١٦.
(٢) هذه الآية، وآية الواقعة : الآية ٨٥ : ، ويأتي الكلام عليها في ص ٤٥٤.
(٣) لم أقف على قول للسلف في هذا المعنى الذي اختاره الشيخ سوى ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في آية الواقعة، انظر : تفسير ابن الجوزي ٧/٢٩٦.
(٤) قيل هذا في آية الواقعة.

سورة الذاريات : الآية ٣
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالجاريات في الآية الكواكب.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" وقد قيل إنها السُّفُن، ولكن الأنسب أن تكون هي الكواكب المذكورة في قوله :(٢)، فسماها جواري، كما سمى الفلك جواري في قوله :(٣) " (٤).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالجاريات في الآية على أربعة أقوال :
القول الأول : أنها السُّفُن، تجري ميسَّرة في الماء جرياً سهلاً، وروي عن
عمر بن الخطاب(٥)، وعلي(٦)، وابن عباس(٧) - رضي الله عنهم -، ومجاهد(٨)، ونسبه ابن
(١) سورة الذاريات : الآية ٣.
(٢) سورة التكوير : الآيتان ١٥ – ١٦.
(٣) سورة الشورى : الآية ٣٢.
(٤) الجواب الصحيح ٥/٢٠٨.
(٥) أخرجه البزار في مسنده ١/٤٢٣، وذكره السيوطي في الدر ٦/١٣٣، وعزاه للدارقطني في الأفراد، وابن مردويه وابن عساكر، وقد رفعه عمر - رضي الله عنه - إلى النبي - ﷺ -، قال ابن كثير ٤/٢٤٨ :" فهذا الحديث ضعيف رفعه وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر - رضي الله عنه -.
(٦) أخرجه ابن جرير ١١/٤٤٢ – ٤٤٣، وذلك من اثني عشر طريقاً، والحاكم ٢/٤٦٦ ح٣٧٣٦، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في شعب الإيمان ٧/٥٥٠ [ ط السلفية ]، وقال المحقق :" إسناده لا بأس به "، وذكره السيوطي في الدر ٦/١٣٣، وعزاه أيضاً لسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي أسامة وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف، وصححه عنه الألوسي ٢٧/٢، وقال ابن كثير ٤/٢٤٨ :" ثبت من غير وجه عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب - رضي الله عنه - ".
(٧) ذكره السيوطي في الدر ٦/١٣٤، وعزاه للفريابي وابن المنذر.
(٨) أخرجه ابن جرير ١١/٤٤٤.

سورة الطور : الآية ٣٥
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن معنى أم خلقوا من غير خالق.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" فالأكثرون على أن المراد أم خلقوا من غير خالق بل من العدم المحض ؟ كما قال تعالى :
(٢)، وكما قال تعالى :(٣)، وقال تعالى :(٤)، وقيل : أم خلقوا من غير مادة ؟ وهذا ضعيف لقوله بعد ذلك : ، فدل ذلك على أن التقسيم أم خلقوا من غير خالق أم هم الخالقون ؟ ولو كان المراد من غير مادة لقال : أم خلقوا من غير شيء أم من ماء مهين ؟ فدل على أن المراد أنا خالقهم لا مادتهم ؛ ولأن كونهم خلقوا من غير مادة ليس فيه تعطيل وجود الخالق، فلو ظنوا ذلك لم يقدح في إيمانهم بالخالق ؛ بل دل على جهلهم ؛ ولأنهم لم يظنوا ذلك، ولا يوسوس الشيطان لابن آدم بذلك ؛ بل كلهم يعرفون أنهم خلقوا من آبائهم وأمهاتهم ؛ ولأن اعترافهم بذلك لا يوجب إيمانهم ولا يمنع كفرهم.
والاستفهام استفهام إنكار مقصوده تقريرهم أنهم لم يخلقوا من غير شيء فإذا أقروا بأن خالقاً خلقهم نفعهم ذلك وأما إذا أقروا بأنهم خلقوا من مادة لم يغن ذلك عنهم من الله شيئاً " (٥).
وقال أيضاً :" وقد قيل : من غير رب خلقهم، وقيل : من غير مادة، وقيل : من غير عاقبة وجزاء، والأول مرادٌ قطعاً ؛ فإن كل ما خلق من مادة أو لغاية فلابد له من خالق " (٦).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على ثلاثة أقوال :
(١) سورة الطور : الآية ٣٥.
(٢) سورة الجاثية : الآية ١٣.
(٣) سورة النساء : الآية ١٧١.
(٤) سورة النحل : الآية ٥٣.
(٥) مجموع الفتاوى ١٨/٢٣٦.
(٦) مجموع الفتاوى ١٣/١٥١، وانظر : نفس المرجع ٢/١١، والنبوات ص١٠٢.

سورة النجم : الآيات ١٩ - ٢١
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن قوله تعالى : رَدٌّ على المشركين الذي كانوا يقولون الملائكة بنات الله، وليس المراد الأصنام فإنهم لم يكونوا يقولون عن هذه الأصنام : بنات الله.
قال – رحمه الله - :" وأما قوله تعالى :(٢)، أي : قسمة جائرة عوجاء إذ تجعلون لكم ما تحبون وهم الذكور، وتجعلون لي الإناث، وهذا من قولهم :( الملائكة بنات الله ) ؛ حيث جعلوا له أولادا إناثاً وهم يكرهون أن يكون ولد أحدهم أنثى، كالنصارى الذين يجعلون لله ولداً، ويجلِّون الراهب الكبير أن يكون له ولد.
وأما اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فلما قال تعالى : فسرها طائفة منهم الكلبي بأنهم كانوا يقولون : هذه الأصنام بنات الله. وهذا هو الذي ذكره طائفة من المتأخرين، وليس كذلك ; فإنهم لم يكونوا يقولون عن هذه الأصنام إنها بنات الله، وإنما قالوا ذلك عن الملائكة كما ذكر الله عنهم في قوله تعالى بعد هذا :(٣) " (٤).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن المراد بذلك قول المشركين : إن اللات والعزى ومناة بنات الله، أي : أتختارون لأنفسكم أيها الزاعمون ذلك الذكر من الأولاد، وتكرهون لها الأنثى، وتجعلون له الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم ؟ واختاره ابن جرير(٥).
(١) سورة النجم : الآيات ١٩ – ٢١.
(٢) سورة النجم : الآيتان ٢١ – ٢٢.
(٣) سورة النجم : الآية ٢٧.
(٤) مجموع الفتاوى ٢٧/٣٦٤.
(٥) تفسيره ١١/٥١٩.

سورة الرحمن : الآية ٧٨
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام حملَ الآية على ظاهرها، وأن الاسم ذاته في الآية مراد.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" وقد قال بعض الناس : إن ذِكْرَ الاسم هنا صلة، والمراد تبارك ربك ؛ ليس المراد الإخبار عن اسمه بأنه تبارك ؛ وهذا غلط فإنه على هذا يكون قول المصلي : تبارك اسمك، أي : تباركت أنت، ونفسُ أسماء الرب لا بركة فيها، ومعلوم أن نفس أسمائه مباركةٌ، وبركتها من جهة دلالتها على المسمى.
ولهذا فرَّقت الشريعة بين ما يذكرُ اسمُ الله عليه، وما لا يذكرُ اسم الله عليه في مثل قوله :(٢)، وقوله :(٣)، وقوله :(٤)، وقول النبي - ﷺ - لعدي بن حاتم :" وإن خالط كَلْبَكَ كلابٌ أخرى، فلا تأكل فإنك سميت على كلبك، ولم تسم على غيره " (٥) " (٦).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالاسم في قوله تعالى : على قولين :
القول الأول : أن الاسم في الآية أصل، أي تبارك اسمه.
واختاره بعض المفسرين، كابن جرير حيث قال :" تبارك ذكر ربك " (٧)، والنحاس حيث قال :" حثهم على أن يكثروا من ذكره " (٨)، وشيخ الإسلام - كما تقدم -، وأبو السعود(٩).
وقال القرطبي :" وكأنه يريد الذي افتتحَ به السورة، فقال :(١٠) فافتتح بهذا الاسم فوصف خلق الإنسان والجن، وخلق السموات والأرض وصنعه، وأنه... ".
(١) سورة الرحمن : الآية ٧٨.
(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٨.
(٣) سورة الأنعام : الآية ١١٩.
(٤) سورة المائدة : الآية ٤.
(٥) أخرجه البخاري ٩/٧٤١ ح٥٤٧٥، كتاب الذبائح والصيد، ومسلم ٣/١٥٢٩، ح١٩٢٩، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.
(٦) مجموع الفتاوى ٦/١٩٣ ضمن قاعدة في الاسم والمسمى. وانظر : ٦/١٩٨ – ٢٠٢، و١٦/٣٢٢.
(٧) تفسيره ١١/٦٢١.
(٨) الإعراب ٤/٣١٩.
(٩) تفسيره ٨/١٨٧.
(١٠) سورة الرحمن : الآية ١.

سورة الواقعة : الآيات ٧٧ - ٧٩
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالكتاب المكنون هنا اللوح المحفوظ، و الملائكة.
قال – رحمه الله – بعد أن قرَّر تحريم مس المصحف على المحدث، واستدل لذلك :" وقد احتج كثير من أصاحبنا على ذلك بقوله تعالى : كما ذكرنا عن سلمان، وبنوا ذلك على أن الكتاب هو المصحف بعينه، وأن قوله : صيغة خبر في معنى الأمر ؛ لئلا يقع الخبر بخلاف مخبره، وردوا قول من حمله على الملائكة، فإنهم جميعهم مطهرون، وإنما يمسه ويطلع عليه بعضهم، والصحيح : اللوح المحفوظ الذي في السماء مراد من هذه الآية، وكذلك الملائكة مرادون من قوله لوجوه :
أحدها : أن هذا تفسير جماهير السلف من الصحابة ومن بعدهم، حتى الفقهاء الذين قالوا لا يمس القرآن إلا طاهر من أئمة المذاهب صرحوا بذلك وشبهوا هذه الآية بقوله :
(٢).
وثانيها : أنه أخبر أن القرآن جميعه في كتاب، وحين نزلت هذه الآية لم يكن نزل إلا بعض المكي منه، ولم يجمع جميعه في المصحف إلا بعد وفاة النبي - ﷺ -.
وثالثها : أنه قال : والمكنون المصون المحرز الذي لا تناله أيدي المضلين، فهذه صفة اللوح المحفوظ.
ورابعها : أن قوله : صفة للكتاب ولو كان معناها الأمر لم يصح الوصف بها، وإنما يوصف بالجملة الخبرية.
وخامسها : أنه لو كان معنى الكلام الأمر لقيل : فلا يمسه، لتوسط الأمر بما قبله وما بعده.
وسادسها : أنه لو قال المطهرون وهذا يقتضي أن يكون تطهيرهم من غيرهم، ولو أريد طهارة بني آدم فقط لقيل : المتطهرون، كما قال تعالى :(٣)، وقال تعالى :(٤).
وسابعها : أن هذا مسوق لبيان شرف القرآن وعلوه وحفظه وذلك بالأمر الذي
(١) سورة الواقعة : الآيات ٧٧ – ٧٩.
(٢) سورة عبس : الآيات ١١ – ١٦.
(٣) سورة التوبة : الآية ١٠٨.
(٤) سورة البقرة : الآية ٢٢٢.

سورة الحديد : الآية ٧
قال الله تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن الخطاب في هذه الآية هو للمسلمين وليس للكفار.
قال – رحمه الله - :" ولفظ الإيمان أكثر ما يذكر في القرآن مقيداً ; فلا يكون ذلك اللفظ متناولاً لجميع ما أمر الله به ; بل يجعل موجباً للوازمه وتمام ما أمر به وحينئذ يتناوله الاسم المطلق قال تعالى :(٢).
وقال تعالى في آخر السورة :(٣)، وقد قال بعض المفسرين في الآية الأولى : إنها خطاب لقريش ; وفي الثانية إنها خطاب لليهود والنصارى وليس كذلك ; فإن الله لم يقل قط للكفار : ثم قال بعد ذلك :(٤) وهذه السورة مدنية باتفاق لم يخاطب بها المشركين بمكة ; وقد قال : وهذا لا يخاطب به كافر ; وكفار مكة لم يكن أخذ ميثاقهم، وإنما أخذ ميثاق المؤمنين ببيعتهم له ; فإن كل من كان مسلماً مهاجراً كان يبايع النبي - ﷺ - كما بايعه الأنصار ليلة العقبة، وإنما دعاهم إلى تحقيق الإيمان وتكميله بأداء ما يجب من تمامه باطناً وظاهراً، كما نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم في كل صلاة ; وإن كان قد هدى المؤمنين للإقرار بما جاء به الرسول جملة ؛ لكن الهداية المفصلة في جميع ما يقولونه ويفعلونه في جميع أمورهم لم تحصل، وجميع هذه الهداية الخاصة المفصلة هي من الإيمان المأمور به، وبذلك يخرجهم الله من الظلمات إلى النور " (٥).
الدراسة :
اختلف المفسرون في هذه الآية هل هي خطاب للمؤمنين، أم خطاب لكفار مكة، على قولين :
القول الأول : أن الخطاب للمؤمنين، وقد استدل له شيخ الإسلام كما تقدم بما يلي :
١ - أن هذه السورة – الحديد – مدنية باتفاق، لم يخاطب بها مشركو مكة.
(١) سورة الحديد : الآية ٧.
(٢) سورة الحديد : الآيات ٧ – ٩.
(٣) سورة الحديد : الآية ٢٨.
(٤) سورة الحديد : الآية ٢٩.
(٥) الإيمان ص٢١٧، ومجموع الفتاوى ٧/٢٣٠ – ٢٣١.

سورة الممتحنة : الآية ١٢
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بقوله تعالى : عام في جميع ما يأمر به الرسول - ﷺ - من شرائع الإسلام.
قال – رحمه الله – في أثناء حديثه عن لفظ ( المعصية ) ومدلولاته :" وقد قال :
فقيّد المعصية، ولهذا فسرت بالنياحة ؛ قاله ابن عباس، وروي ذلك مرفوعاً، وكذلك قال زيد بن أسلم : لا يَدْعُنَّ ويلاً، ولا يَخْدُشن وجهاً ولا ينشرن شعراً ولا يشققن ثوباً. وقد قال بعضهم : هو جميع ما يأمرهم به الرسول من شرائع الإسلام وأدلته ؛ كما قاله أبو سليمان الدمشقي(٢)، ولفظ الآية عام أنهن لا يعصينه في معروف، ومعصيته لا تكون إلا في معروف ; فإنه لا يأمر بمنكر لكن هذا كما قيل : فيه دلالة على أن طاعة أولي الأمر إنما تلزم بالمعروف... " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى : على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه عام في جميع ما يأمرهن به رسول الله - ﷺ - من شرائع الإسلام وآدابه.
قال ابن زيد :" فالمعروف كل معروف أمرهن به في الأمور كلها، وينبغي لهن ألا يعصين " (٤).
وقال عطاء :" في كل بر وتقوى " (٥).
وعن الضحاك أنه قال :" والمعروف : ما اشترط عليهن في البيعة أن يتبعن أمره " (٦).
(١) سورة الممتحنة : الآية ١٢.
(٢) هو سليمان بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن مسلم الخولاني، الحافظ الكبير، أبو سليمان الدمشقي، ولد سنة ١٥٣هـ، توفي سنة ٢٣٣هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ١١/١٣٦، وتذكرة الحفاظ ٢/٤٣٨.
(٣) مجموع الفتاوى ٧/٦٠، وقد حكى الخلاف عن ابن الجوزي في زاد المسير ٨/١٣.
(٤) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٦.
(٥) ذكره عنه الواحدي في الوسيط ٤/٢٨٨.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٧٥.

سورة الملك : الآية ٢٧
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن الضمير في قوله تعالى : يعود على ما وعدوا به من العذاب.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" فإن ضمير المفعول في عائد إلى الوعد، والمراد به الموعود أي : فلما رأوا ما وعدوا سيئت وجوه الذين كفروا، ومن قال : إن الضمير عائد هنا إلى الله فقوله ضعيف " (٢).
وقال – رحمه الله – أيضاً :" واعتقدوا – أي : من ذهب إلى أن رؤية الله تعالى يوم القيامة عامة للمؤمنين وغيرهم – أن الضمير عائد إلى الله، وهذا غلط ؛ فإن الله
– سبحانه وتعالى – قال :(٣)، فهذا يبين أن الذي رأوه هو الوعد، أي الموعود به من العذاب، ألا تراه يقول :" (٤).
الدراسة :
اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى :.
القول الأول : أن المعنى : فلما رأوا عذاب الله في الآخرة ؛ وبه قال الحسن، وقتادة، وابن زيد(٥).
(١) سورة الملك : الآية ٢٧.
(٢) مجموع الفتاوى ٦/٤٧١.
(٣) سورة الملك : الآيات ٢٥ – ٢٧.
(٤) مجموع الفتاوى ٦/٤٩٨، وانظر : ١٩/٢٥٣.
(٥) أخرجه عنهم ابن جرير ١٢/١٧٢ – ١٧٣، وأخرجه عن قتادة عبدالرزاق ٢/٣٠٦، وانظر : الدر ٦/٣٨٥.

سورة القلم : الآيتان ٥ - ٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالمفتون في الآية الشيطان، ومعنى
أيكم هو المجنون الذي به المفتون، وهو الشيطان.
قال ـ رحمه الله ـ عند هذه الآية :" حار فيها كثير من الناس، والصواب فيها التفسير المأثور عن السلف، وروى ابن أبي حاتم وغيره بالأسانيد الصحيحة عن ابن أبي نجيح(٢) عن مجاهد قال : الشيطان، وفي رواية قال : هو إبليس. وقال الحسن : أيكم أولى بالشيطان. قال : فهم أولى بالشيطان من نبي الله
- ﷺ -.
فبين الحسن المعنى المراد وإن لم يتكلم على اللفظ، كعادة السلف في اختصار الكلام، مع البلاغة وفهم المعنى، وقال الضحاك : قال : المجنون، فإن من كان به الشيطان ففيه الجنون. وذكر أبو الفرج عنهم أربعة أقوال :
أحدها : الضال ؛ قاله الحسن.
والثاني : الشيطان ؛ قاله مجاهد.
والثالث : المجنون، قاله الضحاك. قال : والمعنى قد [ فتن ] بالجنون، وكذلك رواه العوفي عن ابن عباس.
والرابع : المعذب، حكاه الماوردي.
فهذا الرابع ليس مأثوراً عن السلف، وإنما المأثور ما قدمناه [ عن السلف ] عن مجاهد، وعن الضحاك، وعن الحسن، وما ذكره عن الحسن من أنه الضال، فهو لفظ آخر عنه، وهو يوافق ما قدمناه، فإن الضال به المفتون الذي هو شيطان، وإنما ذكر الحسن لفظ الضال لأنهم لم يريدوا بالمجنون الذي يخرق ثيابه ويقذف بالحجارة، ويتكلم بالهذيان.
(١) سورة القلم : الآيتان ٥ – ٦.
(٢) هو عبد الله بن أبي نجيح يسار، الإمام الثقة المفسر، أبو يسار، الثقفي المكي، حدث عن مجاهد وطاووس، كان مفتي أهل مكة، توفي سنة ١٣١هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٦/١٢٥، والتقريب ص٣٢٦.

سورة الحاقة : الآية ٤٠
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالرسول في الآية محمد - ﷺ -.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" وأضافه - يعني القرآن - إلى الرسول البشري في قوله :(٢) فنفى عنه أن يكون قول شاعر أو كاهن وهما من البشر، كما ذكر في آخر الشعراء : أن الشياطين تنَزل على كل أفاك أثيم ؛ كالكهنة الذين يلقون إليهم السمع، وأن الشعراء يتبعهم الغاوون، فهذان الصنفان اللذان قد يشتبهان بالرسول من البشر لما نفاهما علم أن الرسول الكريم هو المصطفى من البشر فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، كما أنه في سورة التكوير لما كان الشيطان قد يشبه بالملك - فنفى أن يكون قول شيطان رجيم - علم أن الرسول المذكور هو المصطفى من الملائكة، وفي إضافته إلى هذا الرسول تارة وإلى هذا تارة، دليل على أنه إضافة بلاغ وأداء لا إضافة إحداث لشيء منه أو إنشاء... " (٣).
وقال - رحمه الله - :" (٤) فهذا نعت جبريل الذي قال فيه :(٥)، وقال :(٦)، وقال :(٧)، وقال في الآية الأخرى :(٨) فهذه صفة محمد - ﷺ - " (٩).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالرسول في الآية على قولين :
(١) سورة الحاقة : الآية ٤٠.
(٢) سورة الحاقة : الآيات ٣٨ – ٤٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٢/٥٠، وانظر : مجموع الفتاوى ٢/١٣٧، ١١/٢٧٢، ١٢/٥٠، ١٣٥، ٢٦٥، ٣٠٧، ٢٧٧، ٥٢١، ٥٥٥، ودرء التعارض ١/٢٥٨، ٢/١٨٣، والجواب الصحيح ٢/٢٢٢، ٥/٣١٢، ٤٤٨، والرد على البكري ٢/٦٥٢.
(٤) سورة التكوير : الآيات ١٩ – ٢١.
(٥) سورة البقرة : الآية ٩٧.
(٦) سورة الشعراء : الآيات ١٩٣ – ١٩٥.
(٧) سورة النحل : الآيتان ١٠١ – ١٠٢.
(٨) سورة الحاقة : الآية ٤٠ – ٤٧.
(٩) مجموع الفتاوى ١٧/٨٢.

سورة المعارج : الآية ٢٣
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : محافظون على أدائها في أوقاتها، مطمئنون في أفعالها.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" والسلف من الصحابة ومن بعدهم قد فسروا الدائم على الصلاة بالمحافظ على أوقاتها وبالدائم على أفعالها بالإقبال عليها، والآية تعم هذا وهذا، فإنه قال : والدائم على الفعل هو المديم له الذي يفعله دائماً، فإذا كان هذا فيما يفعل في الأوقات المتفرقة : وهو أن يفعله كل يوم بحيث لا يفعله تارة ويتركه أخرى وسمى ذلك دواماً عليه، فالدوام على الفعل الواحد المتصل أولى أن يكون دواماً وأن تتناول الآية ذلك، وذلك يدل على وجوب إدامة أفعالها ؛ لأن الله عز وجل ذم عموم الإنسان، واستثنى المداوم على هذه الصفة، فتارك إدامة أفعالها يكون مذموماً من الشارع والشارع لا يذم إلا على ترك واجب أو فعل محرم.
وأيضاً : فإنه سبحانه وتعالى قال :(٢)، فدل ذلك على أن المصلي قد يكون دائماً على صلاته وقد لا يكون دائماً عليها، وأن المصلي الذي ليس بدائم مذموم، وهذا يوجب ذم من لا يديم أفعالها المتصلة والمنفصلة، وإذا وجب دوام أفعالها فذلك هو نفس الطمأنينة، فإنه يدل على وجوب إدامة الركوع والسجود وغيرهما، ولو كان المجزئ أقل مما ذكر من الخفض - وهو نقر الغراب - لم يكن ذلك دواماً، ولم يجب الدوام على الركوع والسجود وهما أصل أفعال الصلاة ؛ فعلم أنه كما تجب الصلاة يجب الدوام عليها المتضمن للطمأنينة والسكينة في أفعالها " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى ::
القول الأول : أن المعنى : أنهم يداومون على أدائها، ويواظبون عليها(٤).
(١) سورة المعارج : الآية ٢٣.
(٢) سورة المعارج : الآيتان ٢٢ – ٢٣.
(٣) مجموع الفتاوى ٢/٥٥٢.
(٤) نسبه ابن عطية في تفسيره ١٦/١١٣، و أبو حيان ٨/٣٢٩ للجمهور.

سورة الجن : الآية ٤
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام، أن المراد بالسفيه في الآية، السفيه من الجن.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" أي : السفيه منا، في أظهر قولي العلماء " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالسفيه(٣) في الآية على قولين :
القول الأول : أنه السَّفيه من الجن، وهو العاصي المتمرد منهم ؛ قاله مقاتل(٤).
وقال قتادة :" عصاه والله سفيهُ الجن، كما عصاه سفيه الإنس " (٥)، وظاهر كلام ابن جرير أن قتادة أراد بالسفيه هنا إبليس(٦).
وأما الماوردي والقرطبي فحملوا قول قتادة هذا على القول الثاني، واختار هذا القول بعض العلماء، وممن اختاره ابن عطية(٧)، والبقاعي(٨)، والقاسمي(٩).
قال ابن عطية :" وقال آخرون : هو اسم جنس لكل سفيه منهم، ولا محالة أن إبليس صَدْرٌ في السفهاء، وهذا القول أحسن " (١٠).
وقال الألوسي :" وقيل : مَرَدَة الجن، والإضافة للجنس، والمراد سفهاؤنا " (١١).
(١) سورة الجن : الآية ٤.
(٢) مجموع الفتاوى ١١/٣٠٤.
(٣) قال النحاس في الإعراب ٥/٤٧ :" السفة رقة الحلم، ثوب سفيه أي رقيق ". وقال الرازي في تفسيره ٣٠/١٦٧ :" السفه خفة العقل، والشّطط : مجاوزة الحد في الظلم وغيره "، وانظر : مختار الصحاح ص١٣٧ مادة (سفه).
(٤) ذكر عن ابن الجوزي ٨/١٠٥ أنه قال :" كافرهم ".
(٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٢٦٢.
(٦) انظر : تفسير ابن جرير ١٢/٢٦٢.
(٧) تفسيره ١٦/١٣٣.
(٨) نظم الدرر ٢٠/٤٦٩.
(٩) تفسيره ١٦/٣٠١.
(١٠) المحرر الوجيز ٣٠/١٣٧.
(١١) تفسيره ٢٩/٨٥.

سورة المزمل : الآية ٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بناشئة الليل : القيام بعد النوم.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" وناشئة الليل في أصح القولين : إنما تكون بعد النوم، يقال : نشأ إذا قام بعد النوم ؛ فإذا قام بعد النوم كانت مواطأة قلبه للسانه أشدَّ لعدم ما يشغل القلب، وزوال أثر حركة النهار بالنوم، وكان قوله أقومَ " (٢).
الدراسة :
قال السمين الحلبي مبيناً معنى الناشئة في اللغة، واشتقاقها :" في الناشئة أوجه :
أحدها : أنها صفة لمحذوف، أي النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها للعبادة، أي تنهض وترتفع.
الثاني : أنها مصدر بمعنى قيام الليل، على أنها مصدر من نشأ : إذا قام ونهض، فتكون كالعافية.
الثالث : أنها بلغة الحبشة، نشأ الرجل، أي قام من الليل ؛ فهي جمع ناشئ، أي : قائم، يعني أنها صفة لشيء يُفهم الجمعَ، أي طائفة أو فرقة ناشئة.
الرابع : أن ناشئة الليل : ساعاته، لأنها تنشأ شيئاً بعد شيء، وقيدها ابن عباس والحسن بما بعد العشاء " (٣).
وقد روى ابن مسعود(٤)، وابن عباس(٥) - رضي الله عنهم - أن قيام الليل بلسان الحبشة.
واختلف المفسرون في المراد بـ المذكورة في الآية على أقوال :
(١) سورة المزمل : الآية ٦.
(٢) مجموع الفتاوى ٢٢/٤٩٥، وانظر : ١٧/٤٧٤، ٢٣/٨٧.
(٣) الدر المصون : ١٠/٥١٧، بتصرف واختصار، وانظر : تفسير الزمخشري ٤/١٥٣، والرازي ٣٠/١٥٥، وأبي حيان ٨/٣٥٤.
(٤) أخرجه الحاكم ٢/٥٠٥، وقال :" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن أبي حاتم ١٠/٣٣٨٠.
(٥) أخرجه عنه ابن جرير ١٢/٢٨٢، والبيهقي في السنن ٣/٣٠.

سورة المدثر : الآية ٤
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن طهارة الثياب في الآية تشمل نوعي الطهارة طهارة النفس، وطهارة الملابس.
قال – رحمه الله - :" وقد استدل كثير من المتأخرين من أصحابنا وغيرهم، على وجوب تطهير الثياب بقوله سبحانه : حملاً لذلك على ظاهر اللغة التي يعرفونها فإن الثياب هي الملابس، وتطهيرها بأن تصان عن النجاسة، وتجنبها بتقصيرها، وتبعيدها منها، وبأن تماط منها النجاسة إذا أصابتها، وقد نُقل هذا عن بعض السلف، لكن جماهير السلف فسّروا هذه الآية بأن المراد : زكِّ نفسك، وأصلح عملك، قالوا : وكنّي بطهارة الثياب عن طهارة صاحبها من الأرجاس والآثام، ثم ذكر الأدلة على هذا الرأي وهي إجمالاً كما يلي :
١ - أن هذه الآية في سورة المدثر، وهي أول ما أنزل من القرآن بعد أول سورة
، ولعل الصلاة لم تكن فرضت حينئذٍ، فضلاً عن الطهارة التي هي من توابعها.
٢ - أن هذه الطهارة من فروع الشريعة وتتماتها، فلا تفرض إلا بعد استقرار الأصول والقواعد كسائر فروع الشريعة، ثم إن الاهتمام في أول الأمر بجمل الشرائع، وكلياتها دون تفاصيلها وجزئياتها، وهو المعروف من طريقة القرآن.
٣ - أن ثياب النبي - ﷺ - لم تعرض لها نجاسة، إلا أن تكون في الأحيان، فتخصيصها بالذكر دون طهارة البدن وغيره مع قلة الحاجة في غاية البعد.
٤ - أن حمل الآية على الطهارة من الرجس، والإثم، والكذب، والغدر، والخيانة، والفواحش تكون قاعدةً عظيمة من قواعد الشريعة.
٥ - أن الكناية بطهارة الثياب عن طهارة صاحبها من الفواحش والكذب، والخيانة ونحوها، مشهور في لسان العرب، غالب في عرفهم نظماً ونثراً، حتى صار حقيقة عرفّية ".
(١) سورة المدثر : الآية ٤.

سورة القيامة : الآية ٢
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بالنفس اللوامة نفسُ كل إنسان.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" وهي نفس الإنسان.
وقد قيل : إن النفس تكون لوامة وغير لوامة، وليس كذلك، بل نفس كل إنسان لوامة ؛ فإنه ليس بشر إلا يلوم نفسه ويندم إما في الدنيا وإما في الآخرة " (٢).
وقال ابن القيم :" قال شيخنا : والأظهر أن المراد نفس الإنسان مطلقاً، فإن نفس كل إنسان لوامة، كما أقسم بجنس النفس في قوله :(٣) فإنه لا بد لكل إنسان أن يلوم نفسه أو غيره على أمره، ثم هذا اللوم قد يكون محموداً وقد يكون مذموماً، كما قال الله تعالى :(٤)، وقال تعالى :(٥) فهذا اللوم غير محمود، وفي الصحيحين في قصة احتجاج آدم وموسى :" أتلومني على أمر قدَّره الله عليَّ قبل أن أُخلق ؟ " فحجَّ آدمُ موسى، فهو سبحانه يقسم على صفة النفس اللوامة، كقوله :(٦)، وعلى جزائها كقوله :(٧)، وعلى تباين عملها كقوله :(٨)، وكل نفس لوامة، فالنفس السعيدة تلوم على فعل الشر وترك الخير، فتبادر إلى التوبة، والنفس الشقية بالضد من ذلك " (٩).
(١) سورة القيامة : الآية ٢.
(٢) مجموع الفتاوى ٤/٢٦٤، ومراده بذلك النفس اللوامة المذكورة في الآية، وإلا فقد ذكر في مواضع أخرى ما ذكره من العلماء من أن النفوس ثلاثة أنواع : الأمارة بالسوء، والمطمئنة، واللوامة، وهي التي تذنب وتتوب، ففيها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامة ؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم أي تتردد بين الخير والشر. انظر : مجموع الفتاوى ٩/٢٩٤، ١٠/٦٣٢، ٢٨/١٤٨.
(٣) سورة الشمس : الآيتان ٧ – ٨.
(٤) سورة القلم : الآيتان ٣٠ – ٣١.
(٥) سورة المائدة : الآية ٥٤.
(٦) سورة العاديات : الآية ٦.
(٧) سورة الحجر : الآية ٩٢.
(٨) سورة الليل : الآية ٤.
(٩) التبيان ص١٤.

سورة الإنسان : الآية ٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن الفعل ضمِّن معنى يروى، ولذلك عدِّي تعديته.
قال - رحمه الله - :" والعرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، كما يقولون في قوله :(٢)، و (٣) أي : مع الله، ونحو ذلك، والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين، فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه، وكذلك قوله :(٤) ضُمِّن معنى يزيغونك ويصدونك، وكذلك قوله :
(٥) ضُمِّن معنى : نجيناه وخلصناه، وكذلك قوله :
ضُمِّن يروى بها، ونظائره كثيرة " (٦).
وقال في موضع آخر في معرض كلامه على مسح الرأس في الوضوء وقوله تعالى :
(٧) :" ومن ظن أن من قال بإجزاء البعض لأن الباء للتبعيض، أو دالة على القدر المشترك، فهو خطأ أخطأه على الأئمة، وعلى اللغة وعلى دلالة القرآن، والباء للإلصاق، وهي لا تدخل إلا لفائدة : فإذا دخلت على فعل يتعدى بنفسه أفادت قدراً زائداً، كما في قوله : فإنه لو قيل : يشرب منها، لم تدل على الرِّي، فضمِّن معنى ( يروى ) فأفاد ذلك أنه شُربٌ يحصل معه الرّي.
وباب تضمين الفعل معنى فعل آخر حتى يتعدى بتعديته كقوله : ، وقوله :(٨)، وقوله :(٩)، وأمثال ذلك كثير في القرآن، وهو يغني عند البصريين من النحاة عما يتكلفه الكوفيون من دعوى الاشتراك في الحروف " (١٠).
(١) سورة الإنسان : الآية ٦.
(٢) سورة ص : الآية ٢٤.
(٣) سورة آل عمران : الآية ٥٢.
(٤) سورة الإسراء : الآية ٧٣.
(٥) سورة الأنبياء : الآية ٧٧.
(٦) مجموع الفتاوى ٢١/١٢٣.
(٧) سورة المائدة : الآية ٦.
(٨) سورة الأنبياء : الآية ٧٧.
(٩) سورة المائدة : الآية ٤٩.
(١٠) مجموع الفتاوى ١٣/٣٤٢.

سورة النبأ : الآيتان ٣٧ – ٣٨
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى قوله تعالى : لا يقدر الخلق أن يكلموا الرب - تعالى - إلا بإذنه، والمقصود عموم الخلق مؤمنهم وكافرهم.
قال رحمه الله عند هاتين الآيتين :" فإن هذا مثل قوله :(٢) ففي الموضعين : اشترط إذنه. فهناك ذكر ( القول الصواب ) وهنا ذكر ( أن يرضى قوله ) ومن قال الصواب : رضي الله قوله ؛ فإن الله إنما يرضى بالصواب، وقد ذكروا في تلك الآية قولين :
أحدهما : أنه الشفاعة أيضا كما قال ابن السائب : لا يملكون شفاعة إلا بإذنه.
والثاني : لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه ؛ قاله مقاتل، كذلك قال مجاهد : قال : كلاماً، هذا من تفسيره الثابت عنه، وهو من أعلم - أو أعلم - التابعين بالتفسير، قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. وقال : عرضت المصحف على ابن عباس : أقفه عند كل آية وأسأله عنها. وعليه اعتمد الشافعي وأحمد والبخاري في صحيحه، وهذا يتناول ( الشفاعة ) أيضاً، وفي قوله : لم يذكر استثناء ؛ فإن أحداً لا يملك من الله خطاباً مطلقاً ؛ إذ المخلوق لا يملك شيئا يشارك فيه الخالق كما قد ذكرناه في قوله :(٣) أن هذا عام مطلق. فإن أحداً - ممن يدعى من دونه - لا يملك الشفاعة بحال، ولكن الله إذا أذن لهم شفعوا من غير أن يكون ذلك مملوكاً لهم، وكذلك قوله : هذا قول السلف وجمهور المفسرين، وقال بعضهم : هؤلاء هم الكفار، لا يملكون مخاطبة الله في ذلك اليوم.
(١) سورة النبأ : الآيتان ٣٧ – ٣٨.
(٢) سورة طه : الآية ١٠٩.
(٣) سورة الزخرف : الآية ٨٦.

سورة التكوير : الآيات ١٩ – ٢١
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالرسول في الآية جبريلُ عليه السلام.
قال - رحمه الله - :" فهذا جبرائيل ؛ فإن هذه صفاته، لا صفات محمد - ﷺ - " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالرسول في الآية على قولين :
القول الأول : أنه جبريل - عليه السلام - ؛ وبه قال ابن عباس(٣)، وقتادة(٤)، وهو قول عامة المفسرين(٥).
قال ابن كثير عند هذه الآية :" يعني أن هذا القرآن لتبليغ رسول كريم ؛ أي : مَلَك شريف، حسن الخَلق بَهِيُّ المنظر، وهو جبريل - عليه الصلاة والسلام - ؛ قاله ابن عباس والشعبي وميمون بن مهران(٦) والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والضحاك وغيرهم " (٧).
(١) سورة التكوير : الآيات ١٩ – ٢١.
(٢) مجموع الفتاوى ٢/٤٩، وانظر : ٦/٥٤١، ١١/٢٧٤، درء التعارض ١/٥٨، ١٠/٢٧، النبوات ١/٩، ١٢٧، ١٨٢، ٢٨٨، الصفدية ١/١٦٤، الجواب الصحيح ٥/٤٤٦، ٣١٢، الرد على المنطقيين ١/٣٨، ١/٥٤١، الرد على البكري ٢/٦٥٢، مجموع الفتاوى ١٢/١٣٥، ٢٦٥، ٣٠٧، ٣٧٧، ٥٢١، ٥٥٥، ١٥/٦٩، ١٧/٨٢.
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٦/٥٣٠، وعزاه لابن المنذر.
(٤) أخرجه عبدالرزاق ٣/٣٩٩ [ ط محمود عبده ]، وابن جرير ١٢/٤٧١.
(٥) نسبه للجمهور ابن عطية ١٦/٢٤٢، وأبو حيان ٨/٤٢٥، والألوسي ٣٠/٥٩، وانظر : معاني القرآن للفراء ٣/٢٤٢، وتفسير ابن جرير ١٢/٤٧١، والزجاج ٥/٢٩٢، والماوردي ٤/٤٥٣، والسمعاني ٦/٦٦٩، والبغوي ٤/٤٥٣، والزمخشري ٤/١٩٠.
(٦) ميمون بن مهران الرقي، أبو أيوب، فقيه من القضاة، كان ثقة في الحديث كثير العبادة، توفي سنة ١١٧هـ. انظر : حلية الأولياء ٤/٨٢، تهذيب التهذيب ٧/٤٨٥.
(٧) تفسير ابن كثير ٤/٥١٢، ونسبه الماوردي ٦/٢١٨ للضحاك والحسن وقتادة.

سورة الغاشية : الآيات ٢ - ٤
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المعنى أنها تخشع يوم القيامة، وتعمل وتنصب.
قال - رحمه الله - :" قوله : فيها قولان :
أحدهما : أن المعنى وجوه في الدنيا خاشعة عاملة ناصبة تصلى يوم القيامة نارا حامية ويعني بها عباد الكفار كالرهبان وعباد البدود(٢) وربما تؤولت في أهل البدع كالخوارج.
والقول الثاني : أن المعنى أنها يوم القيامة تخشع أي تذل وتعمل وتنصب.
قلت : هذا هو الحق لوجوه :
أحدها : أنه على هذا التقدير يتعلق الظرف بما يليه، أي : وجوه يوم الغاشية خاشعة عاملة ناصبة صالية، وعلى الأول لا يتعلق إلا بقوله : ويكون قوله :
صفة للوجوه قد فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي متعلق بصفة أخرى متأخرة، والتقدير : وجوه خاشعة عاملة ناصبة يومئذ تصلى نارا حامية، والتقديم والتأخير على خلاف الأصل ; فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه تغيير ترتيبه، ثم إنما يجوز فيه التقديم والتأخير مع القرينة أما مع اللبس فلا يجوز ; لأنه يلتبس على المخاطب ومعلوم أنه ليس هنا قرينة تدل على التقديم والتأخير ; بل القرينة تدل على خلاف ذلك، فإرادة التقديم والتأخير بمثل هذا الخطاب خلاف البيان، وأمر المخاطب بفهمه تكليف لما لا يطاق.
الوجه الثاني : أن الله قد ذكر وجوه الأشقياء ووجوه السعداء في السورة فقال بعد ذلك :(٣)، ومعلوم أنه إنما وصفها بالنعمة يوم القيامة لا في الدنيا ; إذ هذا ليس بمدح فالواجب تشابه الكلام وتناظر القسمين لا اختلافهما وحينئذ فيكون الأشقياء وصفت وجوههم بحالها في الآخرة.
(١) سورة الغاشية : الآيات ٢ – ٤.
(٢) البُدود : جمع بُدّ، وهو الصنم. انظر : المعجم الوسيط ١/٤٣.
(٣) سورة الغاشية : الآيات ٨ – ١٠.

سورة البلد : الآية ١٠
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى هذه الآية : بيَّنَّا له طريق الخير والشر.
قال - رحمه الله - عند هذه الآية :" قال عامة السلف والخلف : المراد
بـ طريق الخير والشر، وضعَّف قول من قال : المراد بهما : الثديان فقط، وضعَّف إسناده عن علي وغيره.
وضعَّف أيضاً قول من قال : المراد التنويع، فهدى قوماً لطريق الخير، وقوماً لطريق الشر " (٢).
وقال - رحمه الله – عند هذه الآية أيضاً :" قال علي وابن مسعود : سبيل الخير والشر، وعن ابن عباس : سبيل الهدى والضلال. وقال مجاهد : سبيل السعادة والشقاوة، أي فطرناه على ذلك، وعرَّفناه إياه، والجميع واحد، والنجدان الطريقان الواضحان، والنجدُ المرتفع من الأرض، فالمعنى ألم نعرِّفه طريق الخير والشر ونُبيِّنُّه له كتَّبيين الطريقين العاليين " (٣).
الدراسة :
اختلف المفسِّرون في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن المعنى هديناه سبيل الخير والشر، قال ابن مسعود :" سبيل الخير، وسبيل الشر " (٤)، وعن ابن عباس مثله(٥)، وعنه :" الهدى والضلالة " (٦)، وبهذا القول
(١) سورة البلد : الآية ١٠.
(٢) ذكر ذلك ابن عبد الهادي في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية له ص٦٥ ضمن آثار شيخ الإسلام ابن تيمية التي أخرجتها مؤسسة الراجحي.
(٣) مجموع الفتاوى ١٠/٥٨٠، وانظر ١٦/١٤٣.
(٤) أخرجه عبد الرزاق ٣/٤٢٩، وابن جرير ١٢/٥٩٠ - ٥٩١ من طرق، والحاكم ٢/٥٢٣ وصححه، وانظر : الدر ٦/٥٩٥.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٩١.
(٦) أخرجه ابن جرير ١٢/٥٩١، الدر ٦/٥٩٥.

سورة الشمس : الآيتان ٣ - ٤
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن الضمير المنصوب في قوله تعالى : يعود إلى الشمس.
قال ـ رحمه الله ـ عند هذه الآية :" وضمير التأنيث في و لم يتقدم ما يعود عليه إلا الشمس فيقتضي أن النهار يجلي الشمس، وأن الليل يغشاها، والتجلية : الكشف والإظهار، والغشيان : التغطية واللبس " (٢).
الدراسة :
اختلف المفسرون في مرجع الضمير المؤنث المنصوب في الآيتين، وإليك بيان ذلك بالتفصيل فيهما :
المسألة الأولى : اختلف المفسرون في مرجع الضمير في قوله تعالى : على ثلاثة أقوال(٣) :
القول الأول : أنه يعود إلى الشمس ؛ وروي عن مجاهد(٤)، وقتادة(٥).
وقد أيد الرازي هذا القول بالآية التي بعدها، فقال :" قوله تعالى :
يعني يغشى الليلُ الشمسَ فيزيل ضوءها، وهذه الآية تقوِّي القول الأول في الآية التي قبلها من وجهين :
الأول : أنها لما جعل الليل يغشى الشمس ويزيل ضوءها حسُن أن يقال : النهار يجليها، على ضد ما ذكر في الليل.
الثاني : أن الضمير في للشمس بلا خلاف(٦)، فكذا في يجب أن يكون للشمس حتى يكون الضمير في الفواصل من أول السورة إلى ههنا للشمس " (٧).
(١) سورة الشمس : الآيتان ٣ – ٤.
(٢) مجموع الفتاوى ١٦/٢٢٦.
(٣) هذه الأقوال المشهورة في الآية، وهناك أقوال أخرى تأتي الإشارة إليها.
(٤) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٣٦ [ ط التركي ]، وابن أبي حاتم ١٠/٣٤٣٧ حيث قال :" إذا غشيها النهار "، وانظر : زاد المسير ٨/٢٥٧.
(٥) أخرجه ابن جرير ٢٤/٤٣٦ [ ط التركي ] حيث قال :" إذا غشيها النهار ".
(٦) وهذا غير مسلّم، فقد نُقل الخلاف في ذلك، إلا إن كان مراده لم ينقل عن السلف.
(٧) انظر : تفسير الرازي ٣١/١٩١.

سورة الليل : الآية ١٢
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الآية أن الطريق المستقيم لا يدل إلا على الله تعالى.
قال - رحمه الله - :" فصل في آيات ثلاث متشابهات اللفظ والمعنى يخفى معناها على أكثر الناس، قوله تعالى في سورة الحجر :(٢)، وقوله تعالى :(٣)، وقوله تعالى :(٤)، فلفظ هذه الآيات فيه أن السبيل الهادي هو على الله ".
ثم تكلم على الآيتين الأْوليَين - آية الحجر وآية النحل - ثم قال :" وأما آية الليل
فابن عطية مَثَّلها بهذه الآية(٥)، لكنه فسرها بالوجه الأول فقال :" ثم أخبر تعالى أن
عليه هدى الناس جميعا، أي : تعريفهم بالسبل كلها ومنحهم الإدراك ؛ كما قال :
ثم كل أحد يتكسب ما قدر له، وليست هذه الهداية بالإرشاد إلى الإيمان ولو كان كذلك لم يوجد كافر، قلت : وهذا هو الذي ذكره ابن الجوزي، وذكره عن الزجاج، قال الزجاج : إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال، وهذا التفسير ثابت عن قتادة فقد رُوي عنه أنه قال : علينا بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
لكن قتادة ذكر أنه البيان الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه، فتبيَّن به حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
ثم قال :" وقال الفراء : يعني من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى : يقول : من أراد الله فهو على السبيل القاصد، قال : وقيل معناه : إن علينا للهدى والإضلال كقوله :(٦).
(١) سورة الليل : الآية ١٢.
(٢) سورة الحجر : الآيتان ٤١ – ٤٢.
(٣) سورة النحل : الآية ١٦.
(٤) سورة الليل : الآيتان ١٢ – ١٣.
(٥) يعني آية النحل.
(٦) سورة آل عمران : الآية ٢٦.

سورة الشرح : الآيتان ٧ - ٨
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الآيتين : فإذا فرغت من أشغال الدنيا فانصب في العبادة، وإلى ربك فارغب.
قال - رحمه الله - عند هاتين الآيتين :" قيل : إذا فرغت من أشغال الدنيا فانصب في العبادة وإلى ربك فارغب، وهذا أشهر القولين، وخرج شريح القاضي(٢) على قوم من الحاكة يوم عيد وهم يلعبون فقال : ما لكم تلعبون ؟ قالوا : إنا تفرغنا، قال : أوبهذا أُمِر الفارغ ؟ وتلا قوله تعالى : ، ويناسب هذا قوله تعالى : إلى قوله :(٣)، أي : ذهاباً ومجيئاً وبالليل تكون فارغا.
و في أصح القولين : إنما تكون بعد النوم، يقال : نشأ إذا قام بعد النوم ; فإذا قام بعد النوم كانت مواطأة قلبه للسانه أشد، لعدم ما يشغل القلب وزوال أثر حركة النهار بالنوم، وكان قوله أقوم، وقد قيل : من الصلاة
في الدعاء.
وهذا القول سواء كان صحيحاً أو لم يكن ؛ فإنه يمنع الدعاء في آخر الصلاة، لا سيما والنبي - ﷺ - هو المأمور بهذا فلا بد أن يمتثل ما أمره الله به، ودعاؤه في الصلاة المنقول عنه في الصحاح وغيرها إنما كان قبل الخروج من الصلاة ".
(١) سورة الشرح : الآيتان ٧ – ٨.
(٢) هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أمية، من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، كان ثقة في الحديث مأموناً في القضاء، له باع في الأدب والشعر، توفي بالكوفة سنة ٧٨هـ. انظر : حلية الأولياء ٤/١٣٢، وشذرات الذهب ١/٨٥.
(٣) سورة المزمل : الآيات ١ – ٧.

سورة التين : الآيتان ٥ - ٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن المراد بقوله تعالى : العذاب بعد الموت، وأن الاستثناء في الآية متصل.
قال - رحمه الله - :" وفي قوله : قولان : قيل : الهرم، وقيل : العذاب بعد الموت، وهذا الذي دلت عليه الآية قطعاً، فإنه جعله في أسفل سافلين إلا المؤمنين، والناس نوعان : فالكافر بعد الموت يعذب في أسفل سافلين، والمؤمن في عليين.
وأما القول الأول ففيه نظر ؛ فإنه ليس كل من سوى المؤمنين يهرم فيرد إلى أسفل سافلين، بل كثير من الكفار يموت قبل الهرم، وكثير من المؤمنين يهرم، وإن كان حال المؤمن في الهرم أحسن حالاً من الكافر، فكذلك في الشباب حال المؤمن أحسن من حال الكافر، فجعل الرد إلى أسفل سافلين في آخر العمر وتخصيصه بالكفار ضعيف.
ولهذا قال بعضهم : إن الاستثناء منقطع على هذا القول، وهو أيضاً ضعيف، فإن المنقطع لا يكون في الموجب، ولو جاز هذا لجاز لكل أحد أن يدعي في أي استثناء شاء أنه منقطع، وأيضاً فالمنقطع لا يكون الثاني منه بعض الأول، والمؤمنون بعض نوع الإنسان، وقد فسر ذلك بعضهم على القول الأول بأن المؤمن يكتب له ما كان يعمله إذا عجز... ، فيقال : وهذا أيضا ثابت في حال الشباب إذا عجز الشاب لمرض أو سفر ؛ كما في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي - ﷺ - قال :" إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم " (٢)، وفسره بعضهم بما روي عن ابن عباس أنه قال : من قرأ القرآن فإنه لا يرد إلى أرذل العمر.
(١) سورة التين : الآيتان ٥ – ٦.
(٢) أخرجه البخاري ٦/١٦٥ ح٢٩٩٦، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، عن أبي موسى - رضي الله عنه -.

سورة البينة : الآية ١
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن معنى الآية : لم يكونوا متروكين حتى يُرْسل إليهم رسول.
قال - رحمه الله - :" وفي معنى الآية ثلاثة أقوال ذكرها غير واحد من المفسرين : هل المراد لم يكونوا منفكين عن الكفر، أو هل لم يكونوا مكذبين بمحمد حتى بعث فلم يكونوا منفكين عن محمد والتصديق بنبوته حتى بعث، أو المراد أنهم لم يكونوا متروكين حتى يرسل إليهم رسول ".
ثم ذكر كلام ابن الجوزي، والبغوي، وابن عطية، والثعلبي، حول الآية.
ثم قال :" وهذا القول - يعني القول الثاني قولُ ابن كيسان والفراء : لم يكن هؤلاء الكفار تاركين صفة محمد - ﷺ - في كتابهم حتى بعث، فلما بعث تفرقوا فيه – ضعيف لم يُرد بهذه الآية قطعاً ؛ فإن الله لم يذكر أهل الكتاب بل ذكر الكفار من المشركين وأهل الكتاب، ومعلوم أن المشركين لم يكونوا يعرفونه ويذكرونه ويجدونه في كتبهم كما كان ذلك عند أهل الكتاب، ولا كانوا قبل مبعثه على دين واحد متفقين عليه، فلما جاء تفرقوا، فيمتنع أن يقال : لم يكن المشركون تاركين لمعرفة محمد وذكره والإيمان به، ولم يكونوا مختلفين في ذلك ولا متفرقين فيه حتى بعث، فهذا معنى باطل في المشركين، ولا يستقيم هذا أيضا في أهل الكتاب، فإن الله إنما ذكر الكفار منهم فقال : ، ومعلوم أن الذين كانوا يعرفون نبوته ويقرون به ويذكرونه قبل أن يبعث لم يكونوا كلهم كفاراً ؛ بل كان الإيمان أغلب عليهم.
يبين هذا أنه إذا ذكر تفرق الذين أوتوا الكتاب من بعد ما جاءتهم البينة فإنه يعمهم فيقول :(٢)، وأنه لا يقول : كان الكفار من أهل الكتاب متفقين على الحق حتى جاءتهم البينة، وأيضاً فاستعمال لفظ ( الانفكاك ) في هذا غير معروف لا يعرف في اللغة له شاهد، فتسمية الافتراق والاختلاف ( انفكاكاً ) غير معروف.
(١) سورة البينة : الآية ١.
(٢) سورة البينة : الآية ٤.

سورة التكاثر : الآيتان ٥ - ٦
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن جواب محذوف تقديره لكان الأمر فوق الوصف، ولعلمتم أمراً عظيماً ولألهاكم عمَّا ألهاكم.
قال – رحمه الله – :" فهذا إشارة إلى علمهم في الحال والخبر محذوف، أي : لكان الأمر فوق الوصف ولعلمتم أمراً عظيماً ولألهاكم عما ألهاكم ؛ فإن الالتهاء بالتكاثر إنما وقع من الغفلة وعدم اليقين، كما قال :(٢)، ومثل قول النبي - ﷺ - :" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً " (٣)، وحذف جواب ( لو ) كثير في القرآن تعظيماً له وتفخيماً فإنه أعظم من أن يوصف أو يتصور بسماع لفظ ؛ إذ المخبر ليس كالمعاين، ولهذا أتبع ذلك بالقسم على الرؤية التي هي عين اليقين، التي هي فوق الخبر الذي هو علم اليقين فقال :(٤)، وهذا الكلام جواب قسم محذوف مستقبل، مع كون جواب ( لو ) محذوفاً كما تقدم في أحد القولين.
وفي الآخر هو متعلق بـ( لو ) ؛ لكن يقال : جواب ( لو ) إنما يكون ماضيا فيقال : لرأيتم الجحيم، ولو كان ماضيا فليس مما يؤكد بل يقال : لو يجيء لأجيء، وجواب هذا أنه جواب قسم محذوف سد مسد جواب ( لو )، كقوله :(٥)، وله نظائر في القرآن وكلام العرب ؛ فإن الكلام إذا اشتمل على قسم وشرط وكل منهما يقتضي جوابه أجيب الأول منهما وهو هنا القسم وهو المقصود، وعلى هذا القول يكون المعنى : والله لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم بقلوبكم.
(١) سورة التكاثر : الآيتان ٥ – ٦.
(٢) سورة الأعراف : الآيتان ١٣٦، ١٤٦.
(٣) أخرجه البخاري ١١/٣٨٧ ح٦٤٨٥، كتاب الرقاق، باب قول النبي - ﷺ - :" لو تعلمون ما أعلم... "، ومسلم ٤/١٨٣٢ ح٢٣٥٩، كتاب الفضائل، باب توقيره - ﷺ -.. ، عن أنس - رضي الله عنه -.
(٤) سورة التكاثر : الآيتان ٦ – ٧.
(٥) سورة الأنعام : الآية ١٢١.

سورة الماعون : الآيتان ٤ - ٥
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالسهو عن الصلاة في هذه الآية إضاعة حقوقها وواجباتها وليس مجردَ تركها.
قال – رحمه الله – :" المراد بهاتين الآيتين، هذه الآية وآية مريم (٢) من أضاع الواجب لا مجرد تركها، هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر الكلام فإنه قال : فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها، فعلم أنهم كانوا يصلون مع السهو عنها، وقد قال طائفة من السلف : بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك الطمأنينة.
وكلا المعنيين حق، والآية تتناول هذا وهذا، كما في صحيح مسلم عن أنس عن النبي - ﷺ - أنه قال :" تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " (٣).
(١) سورة الماعون : الآيتان ٤ – ٥.
(٢) سورة مريم : الآية ٥٩.
(٣) مجموع الفتاوى ١٥/٢٣٤.

سورة الكافرون : الآيات ١ - ٦
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن وجه تكرير البراءة من الجانبين في السورة كما يلي : أن قوله تعالى : يتناول نفي عبادته لمعبودهم في الزمان الحاضر والمستقبل، وقوله : يتناول ما تعبدونه في الحاضر والمستقبل.
وأما قوله : فهو أعمُّ من النفي في الجملة الأولى، فقوله : يتناول الحال والاستقبال أيضاً، لكن فيه زيادة معنى، وهو نفي القبول والإمكان، والمعنى : لا يمكنني ولا يسوغ لي ولا ينبغي لي أن أعبد ما عبدتموه قط، ولو كنتم عبدتموه في الماضي فقط، وقوله : يتناول ما عبدوه في الزمن الماضي.
وأما قوله عن الكفار : فهو خطاب لجنس الكفار ما داموا كفاراً فإنهم لا يعبدون الله وإنما يعبدون الشيطان، وأتى بالجملة الاسمية دون الفعلية ( ولا تعبدون ) ليُبيِّن أن نفوسهم الخبيثة الكافرة بريئة من عبادة إله محمد - ﷺ - لا يمكن أن تعبده ما دامت كافرة.
وللشيخ كلام طويل جدا حول هذا الموضوع، حيث ذكر القولين الذين ذكرهما ابن الجوزي :
١ - أنه لتأكيد الأمر وحسم أطماعهم.
٢ - أنه لنفي الحال والاستقبال والمراد بذلك قوم بأعيانهم، وضعَّفها، وقال عن السورة :" ليس فيها لفظ تكرار إلا قوله : ، وهو مع الفصل بينهما بجملة ".
(١) سورة الكافرون : الآيات ١ – ٦.

سورة الإخلاص : الآية ٢
قال تعالى :(١).
رجح شيخ الإسلام أن له معنيان، كلاهما حق، أحدهما : السَّيد، والثاني : الذي لا جوف له.
ولشيخ الإسلام كلام طويل جداً في هذا الاسم الكريم، لا سيما في تفسير سورة الإخلاص، حيث قال في مُبتدأ تفسير هذه السورة :"والاسم فيه للسلف أقوال متعددة، قد يُظن أنها مختلفة، وليست كذلك، بل كلها صواب والمشهور منها قولان:
أحدهما : أن الصمد هو الذي لا جوف له.
والثاني : أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة، والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين، والآثار المنقولة عن السلف بأسانيدها في كتب التفسير المسندة وفي كتب السنة وغير ذلك، وقد كتبنا من الآثار في ذلك شيئاً كثيراً بإسناده فيما تقدم، وتفسير بأنه الذي لا جوف له معروف عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً، وعن ابن عباس، والحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك، والسدي، وقتادة، وبمعنى ذلك قال سعيد بن المسيب قال : هو الذي لا حشو له. وكذلك قال ابن مسعود : هو الذي ليست له أحشاء. وكذلك قال الشعبي : هو الذي لا يأكل ولا يشرب. وعن محمد بن كعب القرظي وعكرمة : هو الذي لا يخرج منه شيء. وعن ميسرة قال : هو المصمت. قال ابن قتيبة : كأن الدال في هذا التفسير مبدلة من تاء والصمت من هذا.
قلت : لا إبدال في هذا ولكن هذا من جهة الاشتقاق الأكبر، وسنبين إن شاء الله وجه القول من جهة الاشتقاق واللغة ".
ثم ذكر سبب نزول هذه الآية، وهو ما أخرجه أحمد عن أُبي بن كعب :" أن المشركين قالوا لرسول الله - ﷺ - : انسب لنا ربك فأنزل الله :(٢) إلى آخر السورة.
(١) سورة الصمد : الآية ٢.
(٢) سورة الإخلاص : الآيتان ١ – ٢.

سورة الفلق : الآية ١
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن المراد بالفلق كل ما فَلَقَه الربُّ تعالى، وهو جميع الخلق، وقد يُراد به الخصوص وهو الصبح.
قال – رحمه الله – عند هذه الآية :" قال تعالى :(٢)، وقال تعالى :(٣)، والفلق : فعل بمعنى مفعول، كالقبض بمعنى المقبوض، فكل ما فلقه الرب فهو فلق. قال الحسن : الفلق كل ما انفلق عن شيء ؛ كالصبح والحب والنوى. قال الزجاج : وإذا تأملت الخلق بان لك أن أكثره عن انفلاق كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر. وقد قال كثير من المفسرين : الفلق الصبح ؛ فإنه يقال هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح. وقال بعضهم : الفلق الخلق كله.
وأما من قال : إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو أنه اسم من أسماء جهنم ؛ فهذا أمر لا تعرف صحته لا بدلالة الاسم عليه، ولا بنقل عن النبي - ﷺ - ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة، بخلاف ما إذا قال : رب الخلق، أو رب كل ما انفلق، أو رب النور الذي يظهره على العباد بالنهار فإن في تخصيص هذا بالذكر ما يظهر به عظمة الرب المستعاذ به.
وإذا قيل : الفلق يعم ويخص فبعمومه للخلق أستعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاري أستعيذ من شر غاسق إذا وقب " (٤).
الدراسة :
اختلف المفسرون في المراد بالفلق في الآية على أقوال أربعة :
القول الأول : أنه الخَلْقُ كلُّه، والمعنى : قل أعوذ برب الخلق، وروي عن ابن عباس
(١) سورة الفلق : الآية ١.
(٢) سورة الأنعام : الآية ٩٥.
(٣) سورة الأنعام : الآية ٩٦.
(٤) مجموع الفتاوى ١٧/٥٠٤، وانظر : ص٥٣٣.

سورة الناس : الآيتان ٥ - ٦
قال تعالى :(١).
اختار شيخ الإسلام أن معنى الآية : من شر الموسوس في صدور الناس من شياطين الجن والإنس.
قال – رحمه الله – عند هذه السورة :" وقد قيل : إن المعنى : من الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة ومن الناس، وأنه جعل الناس أولاً تتناول الجنة والناس، فسماهم ناساً كما سماهم رجالاً ؛ قاله الفراء. وقيل المعنى : من شر الموسوس في صدور الناس من الجن، ومن شر الناس مطلقاً ؛ قاله الزجاج. ومن المفسرين كأبي الفرج ابن الجوزى من لم يذكر غيرهما، وكلاهما ضعيف، والصحيح أن المراد القول الثالث، وهو أن الإستعاذة من شر الموسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس، فأمر بالإستعاذة من شر شياطين الإنس والجن ؛ كما قال تعالى :(٢).
وفي حديث أبي ذر الطويل الذي رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه بطوله قال :" يا أبا ذر ! تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. فقال : يا رسول الله أو للإنس شياطين ؟ قال : نعم شر من شياطين الجن.. " (٣) إلى أن قال :" فهو سبحانه أمر في سورة الناس بالإستعاذة من شر الوسواس من الجنة والناس الذي يوسوس في صدور الناس، ويدخل في ذلك وسوسة نفس الإنسان له ووسوسة غيره له " (٤).
(١) سورة الناس : الآيتان ٥ – ٦.
(٢) سورة الأنعام : الآية ١١٢.
(٣) أخرجه أحمد ٥/١٧٨، والنسائي ٨/٢٧٥ ح٥٥٠٧، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من شر شياطين الإنس، وضعفه الألباني في ضعيف سنن النسائي ص٢٤٢.
(٤) منهاج السنة ٥/١٨٧ – ١٩٣.

الخاتمة
وبعد أن منَّ الله – سبحانه وتعالى – علي بإتمام هذا البحث، أذكر هنا أهم النتائج التي ظهرت لي من خلال هذه الدراسة، وهي كما يلي :
١ – اهتمام شيخ الإسلام – رحمه الله – بالترجيح بين الأقوال في التفسير، وقدرته الفائقة في هذا الباب، حيث يستدل للقول المختار عنده بالأدلة القوية الواضحة، ويرد ما خالفه، من وجوه مختلفة.
٢ – اهتمام الشيخ بتفسير الآيات المشكلة، وحل موضع الإشكال فيها، وطول نفسه في ذلك.
٣ – لم يكتب الشيخ كتاباً مستقلاً في تفسير القرآن على ترتيب آياته وسوره، بل إنه يرى عدم الحاجة إلى ذلك.
٤ – مع جلالة قدر هذا الإمام، وعلو منزلته في العلم والدين، وإدراكه التام لعلوم الشريعة، وغيرها منقولها ومعقولها، إلا أنه بشر غير معصوم يخطئ ويصيب، قال ابن كثير :
" كان – رحمه الله – من كبار العلماء، وممن يخطئ ويصيب، ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي " (١)، ولذلك لاينبغي تقليده تقليداً أعمى، ومتابعته في جميع اختياراته، دون نظر في الأدلة، ودراسة لأقوال غيره من العلماء.
٥ – تأثر بترجيحات الشيخ عدد من المفسرين، ولا سيما تلميذاه ابن القيم، وابن كثير، فإنهما في الغالب يتابعانه في ذلك، ويستدلان بأدلته، ولولا تفرُّق كتبه، وافتراء أعدائه عليه، وصرفهم الناس عنه، لكان له أثر على كل من جاء بعده من المفسرين، ولعل هذه الدراسة وأخواتها تكون معينة على معرفته ترجيحاته، والاستفادة منها.
٦ – تفاوت المفسرين في العناية بالترجيح بين الأقوال في التفسير، واختلاف طرائقهم في ذلك، فمنهم من يهتم بهذا الجانب، ويستدل ويناقش، ومنهم من يورد الأقوال دون نقد أو ترجيح، ومنهم من يرجح أحياناً، ويسكت أحياناً.
وهذه بعض التوصيات، التي أرى النظر فيها، والعمل بها :
(١) البداية والنهاية ١٤/١١٢.

فهرس الآيات
الآية... رقمها... رقم الصفحة
( سورة الفاتحة )
٥... ٦٢٧
(سورة البقرة)
٢... ٥٧٥
٦... ٥٧٧
- -... ٨ – ١٠... ٣٧١
٢٧... ٨٤
٢٨... ٢٩٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٢٩٧
٧٤... ١٢٠، ٦٧٩
٧٨... ١٢٨
٨٨... ٤٠٢
٩٧... ٥١٠
١٠٢... ٦٧٩
١٠٦... ٥٠٨
١٣٣... ٦٧٧
١٦٥... ٢٩٢
١٧١... ١٨٦، ١٨٨
١٧٣... ١٤٨
١٧٧... ١١٤
١٨٥... ٤١١
١٨٦... ٣٨١
٢١٣... ٦٥٨، ٦٥٩
٢١٤... ٣٧٠
٢١٦... ٦٩١
٢٢١... ١٥٧
٢٢٢... ٤٣٩، ٤٥٠
٢٣٠... ١٦٠
٢٣٣... ٤٤٤
٢٥٥... ٣٤٠، ٥٥٤
٢٦٤... ٣٠٩، ٣١٢
٢٨٦... ٣٨٦
( سورة آل عمران )
٢٦... ٦٢٠
٢٨... ٦٢١
٤٥... ٩٨
٥٢... ٥٤٣
-... ٥٩-٦٠... ٩٨
٦٤... ٤٥٢
١٤٢... ٣٧٠
١٥٩... ٥٥٨
١٦٤... ٣٠٨
١٧٥... ٥٨٤
١٧٩... ٦٥١
(سورة النساء)
١... ٧١٧
٣... ٦٠١، ٦٧٧، ٦٨٨، ٦٩٠
٢٤... ٥٤، ١٥٣
٢٩... ٤٧١
٣٦... ٢٩٢، ٤١٠
١١٣... ١٣٨
١١٩... ٢١٩
١٤٢... ٦٦٩
١٤٥... ٦٦٩
١٤٦... ٦٦٩
١٥٣... ٦٦١
١٦٣... ٦٢٤
١٦٥... ٦٢٤
١٧١... ٩٨، ٤١٧
(سورة المائدة)
٤... ٤٣٤
٦... ٥٤٣
١٩... ٢٥١
٤٩... ٥٤٤
٥٤... ٥٣٤، ٥٦٨
١٠٣... ٤٧٠
(سورة الأنعام)
١٧... ١١٤
١٩... ٦٠، ١٧٨
٣٦... ١٨٨
٣٨... ١٨٤
٥٢... ٢٠٥
٥٤... ٦٢٠
٦٠... ٢٨٦
٦١... ٢٨٦
٦٦... ٣٣٤
٨٠... ٢١٤
٨٣... ٢١٤
٩٠... ٣٣٤
٩٥... ٧٠٤، ٧٠٥، ٧٠٦
٩٦... ٧٠٤، ٧٠٥، ٧٠٦
١١٢... ٦٠، ١٤٨، ٧١٥، ٧١٩
١١٨... ٤٣٤
١١٩... ٤٣٤
١٢١... ١٤٨، ٦٦٤
١٣٠... ٧٢١
١٤١... ٣٠٥
(سورة الأعراف)
٢٠... ٧١٦
٢١... ٧١٦
٢٥... ٢٩٤
١٣٦، ١٤٦... ٦٦٣
١٧٩... ٤٠٨، ٤١٥
١٨٨... ١١٤، ٤٣٠
١٩٤... ٦٨٨
١٩٥... ٦٨٨
(سورة الأنفال)
٤١... ٣٢٠
(سورة التوبة)
٥... ٢١٣، ٥٠٧
٢٩... ٢١٥
٣١... ٤١١
٣٨... ١٠٧
٦٢... ٣٢٧
٩٨... ٣٧٧
٩٩... ٣٧٨
١٠٨... ٤٣٩
١١٤... ٢٦٣
(سورة يونس)
١٨... ١٧٨
٤٢... ٦١٤
(سورة هود)
٦... ٦٢٠
٧... ٤١٣
٣٢... ٢١٤
٦٣... ١٠٧
٧١... ٢٦٤، ٢٦٦، ٢٧٠، ٢٧٣
٧٢... ٢٦٥
٧٣... ٢٢٥، ٢٢٩
١٠١... ٦١، ١١٥، ١٧٨
١٠٥... ٥٥٤
١٠٨... ٣١٠
١١٠... ٦٥٨
١١٩... ٣٩٦
١٢٣... ٦٢٧
(سورة يوسف)
٣... ٣٨١
٥٣... ٣٨، ٣٩
١٠٣... ١٥١
١٠٤... ٣٣٤
(سورة الرعد)
١٥... ٤١٦
٣٩... ٢٣٩، ٣٨٧
٤٣... ٣٤٥
(سورة إبراهيم)
٢٢... ١٤١، ١٩٣، ٦٧٩
٢٤... ٣٣٦
٣٦... ١١٤
٧٥... ٢٦٣
(سورة الحجر)
٩... ١٤١
٤١... ٦١٩، ٦٢١، ٦٢٢
٤٢... ١٤١، ٦١٩
٥٣... ٢٦٤، ٢٦٩
٥٤-٥٥... ٢٦٤
٩٢... ٥٣٥
(سورة النحل)
١٦... ٦١٩، ٦٢٠، ٦٢١، ٦٢٢
١٧... ١٨١
١٨... ٢٩٢
٥٣... ٤١٧
٥٤... ٣٥، ٤٩٦
٥٨... ٣٣٠
٦١... ٢٣٩
٧١... ٦٧٩
٨١... ٥٧٤، ٥٧٥، ٥٨١، ٦٢٢
٩٩ – ١٠٠... ١٤١
١٠١... ٥١٠
١٠٢... ٥١٠
١٢٥... ٢١٤
(سورة الإسراء)
١٢... ٧٠٩
٤٤... ١٢٠


الصفحة التالية
Icon