تفسير سورة الملك | الآية الأولى
سورة الملك
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)** أما تسمية السورة:
قال بن عاشور:
١ - سماها النبي صلى الله عليه و سلم ( سورة تبارك الذي بيده الملك ) في حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفرت له وهي ( سورة تبارك الذي بيده الملك ).
فهذا تسمية للسورة بأول جملة وقعت فيها فتكون تسمية بجملة كما سمي ثابت بن جابر " تأبط شرا ".
٢ - وسميت أيضا ( تبارك الملك ) بمجموع الكلمتين في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وبسمع منه فيما رواه الترمذي عن ابن عباس " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال له ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان " أي دفين فيه " يقرأ سورة ( تبارك الملك ) حتى ختمها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر " حديث حسن غريب (قلت: قال الألباني : ضعيف، و إنما يصح منه قوله :" هي المانعة.....").
يكون اسم السورة مجموع هذين اللفظين على طريقة عد الكلمات في اللفظ دون إضافة إحداهما إلى الأخرى مثل تسمية " لام ألف ". ونظيره أسماء السور بالأحرف المقطعة التي في أولها على بعض الأقوال في المراد منها وعليه فيحكى لفظ ( تبارك ) بصيغة الماضي ويحكى لفظ ( الملك ) مرفوعا كما هو في الآية فيكون لفظ " سورة " مضافا من إضافة المسمى إلى الاسم. لأن المقصود تعريف السورة بهاتين الكلمتين على حكاية اللفظين الواقعين في أولها مع اختصار ما بين الكلمتين وذلك قصدا للفرق بينهما وبين " تبارك الفرقان ". كما قالوا : عبيد الله الرقيات بإضافة مجموع " عبيد الله " إلى " الرقيات " تمييزا لعبيد الله بن قيس العامري الشاعر عن غيره ممن يشبه اسمه اسمه مثل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أو لمجرد اشتهاره بالتشبيه في نساء كان اسم كل واحدة منهن رقية وهن ثلاث. ولذلك يجب أن يكون لفظ ( تبارك ) في هذا المركب مفتوح الآخر. ولفظ ( الملك ) مضموم الكاف. وكذلك وقع ضبطه في نسخة جامع الترمذي وكلتاهما حركة حكاية.
٣ - والشائع في كتب السنة وكتب التفسير وفي أكثر المصاحف تسمية هذه السورة سورة الملك وكذلك ترجمها الترمذي : باب ما جاء في فضل سورة الملك. وكذلك عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه
٤ - وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال " كنا نسميها على عهد رسول الله المانعة " (قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات) أي أخذا من وصف النبي صلى الله عليه و سلم إياها بأنها المانعة المنجية كما في حديث الترمذي المذكور آنفا وليس بالصريح في التسمية.
٥ - وفي الإتقان عن تاريخ ابن عساكر من حديث " أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سماها المنجية " ولعل ذلك من وصفه إياها بالمنجية في حديث الترمذي وليس أيضا بالصريح في أنه اسم
٦/٧- وفي الإتقان عن كتاب جمال القراء تسمى أيضا " الواقية " وتسمى " المناعة " بصيغة المبالغة.
٨ - وذكر الفخر : أن ابن عباس كان يسميها " المجادلة " لأنها تجادل عن قارئها عند سؤال الملكين.
قلت : فصح من أسماء السورة "تبارك الذى بيده الملك"، الملك، المانعة.
** أخرج ابن الضريس والبخاري وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت بمكة تبارك الملك.
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزلت تبارك الملك في أهل مكة إلا ثلاث آيات.
قلت : و المختار أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس.
قال بن عاشور: وهي مكية قال ابن عطية والقرطبي : باتفاق الجميع فيحتمل أن الضحاك عنى استثناء ثلاث آيات نزلت في المدينة وهذا الاحتمال هو الذي يقتضيه إخراج صاحب الإتقان هذا النقل في عداد السور المختلف في بعض آياتها ويحتمل أن يريد أن ثلاث آيات منها غير مخاطب بها أهل مكة – قلت : يعنى أنزلت في شأن أقوام غير أهل مكة و لو كانت أحكامها عامة - وعلى كلا الاحتمالين فهو لم يعين هذه الآيات الثلاث وليس في آيات السورة ثلاث آيات لا تتعلق بالمشركين خاصة بل نجد الخمس الآيات الأوائل يجوز أن يكون القصد منها الفريقين من أول السورة إلى قوله ( عذاب السعير )
وقال في الإتقان أيضا " فيها قول غريب " لم يعزه " أن جميع السورة مدني ".
وهي السادسة والسبعون في عداد نزول السور نزلت بعد سورة المؤمنين وقبل سورة الحاقة وآيها في عد أهل الحجاز إحدى وثلاثون وفي عد غيرهم ثلاثون.
*** ما ورد في فضل السورة:
أ – الصحيح و الحسن:
١ - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك "حسنه الألباني.
حديث "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له و هي :﴿ تبارك الذي بيده الملك ﴾".
تحقيق الألباني:( حسن ).
قلت (ف): هذا الحديث مداره على عباس الجشمي و لم يوثقه سوى بن حبان و نقل بن حجر في التلخيص أن البخاري أعله في التاريخ الكبير بأن عباس الجشمي لا يعرف سماعه من أبي هريرة ولكن ذكره ابن حبان في الثقات وله شاهد من حديث ثابت عن أنس رواه الطبراني في الكبير بإسناد صحيح و هو و الحديث التالي و فيه سليمان بن داود بن يحيى الطبيب البصري لم أجد فيه جرحا و لا تعديلا إلا مقالة بن حجر عن إسناده و لم أجد إعلال البخاري للحديث في التاريخ الكبير المطبوع.
و الحديث التالي قال فيه الطبراني لم يروه عن ثابت البناني إلا سلام.
و الحديث حسنه الترمذي و الألباني و الضياء المقدسي وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي و قال الهيثمي في الحديث التالي رجاله رجال الصحيح.
٢ - وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه والضياء في المختارة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" سورة من القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة تبارك الذي بيده الملك " حسنه الألباني و قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
٣ – و في سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال سورة من القرآن ثلاثون آية تشفع لصاحبها حتى يغفر له تبارك الذي بيده الملك. حسنه الألباني قلت : هو نفس مخرج الحديث الأول.
٤ - وأخرج الترمذي والحاكم وابن مردويه وابن نصر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا هو بإنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر ".
تحقيق الألباني : ضعيف، و إنما يصح منه قوله :" هي المانعة..... ".
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر " ذكره الألباني في الصحيحة.
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود قال : كنا نسميها في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم المانعة وإنها لفي كتاب الله سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب
٥ - وأخرج ابن الضريس والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : يؤتى الرجل في قبره فيؤتى من قبل رجليه فتقول رجلاه : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان يقوم علينا بسورة الملك ثم يؤتى من قبل صدره فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان وعى في سورة الملك ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل قد كان يقرأ بي سورة الملك فهي المانعة تمنع من عذاب القبر وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب.
قال الهيثمى: رواه الطبراني وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قلت: مرتبته عند ابن حجر : صدوق له أوهام، حجة فى القراءة ومرتبته عند الذهبي : وثق، و قال الدارقطنى : فى حفظه شىء.
٦ - و في المعجم الكبير حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال : مات رجل فجاءته ملائكة العذاب فجلسوا عند رأسه فقال : لا سبيل لكم إليه قد كان يقرأ سورة الملك فجلسوا عند رجليه فقالل : لا سبيل لكم إليه قد كان يقوم علينا بسورة الملك فجلسوا عند بطنه فقال : لا سبيل لكم انه قد وعي في سورة الملك فسميت المانعة.
قلت : اسناده جيد.
٧ – حديث " كان لا ينام حتى يقرأ *( ألم، تنزيل )* السجدة و *( تبارك الذي بيده الملك )* ".
قال الألباني : صحيح.
و ملخص ما سبق ستة فوائد:
أنها تشفع لصاحبها حتى يغفر له (و ذلك يعنى أن أثرها متعدى عن مجرد المنع من التعذيب في القبر إلى الشفاعة).
و شفعت لرجل حتى غفر له.
و خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنه.
و هى المانعة من عذاب القبر (و يمكن أن يضاف أن ذلك لمن كان يقرأها و يقوم بها لدلالة باقي الأحاديث).
من قرأها في ليله فقد أكثر و أطيب.
و كان النبي صلى الله عليه و سلم لا ينام حتى يقرأها و سورة السجدة.
ب – الضعيف:
١ - وأخرج عبد بن حميد في مسنده واللفظ له والطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال لرجل : ألا أتحفك بحديث تفرح به ؟ قال : بلى قال اقرأ تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن تنجيه من عذاب النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي " قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو ضعيف.
٢ – حديث"وددت أن ﴿ تبارك الذي بيده الملك ﴾ في قلب كل مؤمن".
تحقيق الألباني: ( ضعيف جدا ).
٣ - وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن الزهري عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إن رجلا ممن كان قبلكم مات وليس معه شيء من كتاب الله إلا تبارك الذي بيده الملك فلما وضع في حفرته أتاه الملك فثارت السورة في وجهه فقال لها : إنك من كتاب الله وأنا أكره شقاقك وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب فاشفعي له فانطلقت إلى الرب فتقول : يا رب إن فلانا عمد إلي من بين كتابك فتعلمني وتلاني أفمحرقه أنت بالنار ومعذبه وأنا في جوفه ؟ فإن كنت فاعلا به فامحني من كتابك فيقول : ألا أراك غضبت فتقول : وحق لي أن أغضب فيقول : اذهبي فقد وهبته لك وشفعتك فيه فتجيء سورة الملك فيخرج كاسف البال لم يحل منه شيء فتجيء فتضع فاها على فيه فتقول : مرحبا بهذا الفم فربما تلاني وتقول : مرحبا بهذا الصدر فربما وعاني ومرحبا بهاتين القدمين فربما قامتا بي وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه " فلما حدث رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الحديث لم يبق صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد إلا تعلمها وسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم المنجية.
٤ - وأخرج الديلمي بسند واه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إني لأجد في كتاب الله سورة هي ثلاثون آية من قرأها عند نومه كتب له منها ثلاثون حسنة ومحي عنه ثلاثون سيئة ورفع له ثلاثون درجة وبعث الله إليه ملكا من الملائكة ليبسط عليه جناحه ويحفظه من كل شيء حتى يستيقظ وهي المجادلة تجادل عن صاحبها في القبر وهي تبارك الذي بيده الملك ".
٥ - وأخرج الديلمي بسند واه عن أنس رضي الله عنه رفعه " لقد رأيت عجبا رأيت رج